شركات السمسرة العقارية بأميركا تواجه امتحانا جديدا في مرحلة ما بعد الانتعاش

بعد «معركة الوجود» أثناء أزمة الائتمان

انفجار فقاعة العقار كان له تأثير كبير على شركات السمسرة
TT

بعدما منيت بخسائر فادحة خلال أسوأ ركود شهده العالم في الذاكرة الحديثة، تجرب شركات السمسرة العقارية التجارية استراتيجيات مختلفة للمنافسة في عالم ما بعد الانتعاش. فالبعض يدرس خيارات ضخ مزيد من رؤوس الأموال، فيما يلجأ آخرون بقوة إلى التعيينات أو تعزيز الشركات التابعة البعيدة.

وإحدى أكبر القضايا الحالية خاصة بمستقبل «كوشمان آند ويكفيلد»، وهي ثالث أكبر شركة تجارية في مجال السمسرة العقارية في العالم، وفقا لمجلة «ناشيونال ريال ستيت إنفستور». فبعد خسارة 127 مليون دولار عام 2009، عينت «كوشمان آند ويكفيلد» رئيسا تنفيذيا جديدا، هو غلين روفرانو، الذي يدور تخصصه حول الشركات العقارية المتعثرة. ويدرس صاحب حصة الأغلبية في الشركة، الشركة الإيطالية «إكسور»، طرح أسهم في اكتتاب عام أولي، حسبما أفاد روفرانو.

وقال «تعد شركة (إكسور) أحد المالكين الذين ينظرون على المدى الطويل، لكن شأنها شأن أي مستثمر، تعد السيولة أمرا مهما بالنسبة إليها». ولزيادة فرصة الحصول على هذه السيولة، سواء من خلال اكتتاب عام أولي أو من التمويل الخاص، يجعل روفرانو الشركة أكثر انفتاحا من الناحية المالية. لديه أفق زمني مدته خمس سنوات، وهو الشرط المنصوص عليه في تعاقده مع (كوشمان)».

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت شركة «جونز لانغ لاسال»، القائمة في شيكاغو والمصنفة رابع أكبر شركة عقارية في العالم، تحقيق أرباح عقب الخسائر التي منيت بها خلال الفترة الماضية، وجاءت هذه الأرباح بعدما أطلقت خطة لأربع سنوات في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي تهدف إلى زيادة إيراداتها في منطقة نيويورك بنسبة 50 في المائة، وذلك جزئيا عن طريق الاستعانة بسماسرة من شركات أخرى. وتأمل شركة «كوليرز إنترناشيونال»، التي لديها حضور عالمي لكنها ليست مشهورة في الولايات المتحدة، أن تساعدها هذه الخطوة التي اتخذتها في الآونة الأخيرة من أجل دمج حقوق الامتياز المتعددة لها تحت اسم واحد في كسب حصة سوقية وسمعة كلاعب أساسي في نيويورك.

وفي شركة «كوشمان»، يواجه روفرانو معركة شاقة. ففي حين أثر الانكماش الاقتصادي على شركات السمسرة والوساطة في جميع أنحاء العالم، فإن شركته كانت من أكثر الشركات التي تأثرت بالأزمة على نحو خاص. ففي عام 2009، على سبيل المثال، عندما أعلنت شركة «كوشمان» تحقيق خسارة، ترجع جزئيا إلى بعض النفقات مثل نقل مقارها العالمية في نيويورك، أعلنت شركة «سي بي ريتشارد إيليس»، أكبر شركة سمسرة في العالم، تحقيق أرباح وصلت إلى 33 مليون دولار.

وقد يكون أحد الأسباب الرئيسية للمشكلات التي تعانيها «كوشمان» هو افتقارها إلى نمط الإدارة من أعلى إلى أسفل، حسبما ذكر أفراد مطلعون على شؤون الشركة. وكان بروس غي موسلر، الذي تنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي للشركة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أحد السماسرة الأقوياء، وهي المكانة التي حققها بمجهوده الشخصي، وكانت الشركة منظمة بصورة كبيرة ومقسمة إلى فرق مكونة من صانعي الاتفاقات الناجحة. وقد تتنافس هذه الفرق بعضها مع بعض من أجل الحصول على العمولات.

وبالمقارنة، تفضل شركات مثل «سي بي ريتشارد إيليس» و«كوليرز إنترناشيونال» تشكيل فرق من السماسرة على أساس تخصصي. ففي حين أن هناك فرق سمسرة مستقلة في «جونز لانغ لاسال»، كان يتم تعويض الموظفين هناك بمرتبات وحوافز بدلا من العمولات حتى سبع سنوات ماضية، مما ساعد على ترسيخ ثقافة أكثر توحدا.

وقال ميتشل رودين، الرئيس التنفيذي لمنطقة العاصمة الكبرى في شركة «سي بي ريتشارد إيليس»: «إذا كانت لديك فرق فردية فإن ذلك أمر مقيد. وبدلا من ذلك، نقوم باختيار فرق لتنفيذ تكليفات محددة، ونغيرها ونوفق بينهم من أجل تحقيق أفضل الموارد». وأضاف أن هذا النموذج يخدم العملاء، ويقلل كذلك من الاحتكاكات بين السماسرة.

وهناك أيضا قضية هيكل الملكية في «كوشمان». ففي حين أنها شركة خاصة، فإن الشركة مالكة حصة الأغلبية، «إكسور»، وهي الذارع الاستثمارية لأسرة أغنيلي الإيطالية، شركة عامة. دفعت «إكسور» 563 مليون دولار للحصول على حصة قدرها 67.5 في المائة في شركة «كوشمان» في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006، وذلك في ذروة نجاح سوق العقارات. ثم رفعت حصتها بعد ذلك إلى 72 في المائة، وتشعر بالقلق المتزايد لرؤية استثماراتها في وضع سيئ.

وتشير الاستعانة بروفرانو في شهر فبراير (شباط) الماضي إلى أن شركة «إكسور» تعد استراتيجية للخروج، حسبما ذكر بعض المحللين. وكان روفرانو في الفترة الأخيرة الرئيس التنفيذي لشركة «سينترو بروبيرتيز»، إحدى أكبر الشركات العقارية في أستراليا، حيث كان له الفضل في تعزيز ميزانية الشركة العامة، التي كانت في غاية السوء.

وإضافة إلى تعزيز الشفافية في شركة «كوشمان» عن طريق بدء الإقرارات المالية نفسها كشركة عامة، يعمل روفرانو على توحيد هيكل الإدارة بالشركة. ويشمل ذلك التقليل من أهمية الحواجز الجغرافية، بحيث يستطيع فريق التأجير في لندن، على سبيل المثال، التنسيق بشكل أوثق مع الزملاء في جنوب أفريقيا ونيويورك.

وقال براندون دوبيل، المدير بشركة الاستثمار «ويليام بلير آند كومباني» في شيكاغو «المشكلة التي تواجه (كوشمان) هي أنها ليست شركة كبرى مثل (سي بي ريتشارد إيليس) أو (جونز لانغ لاسال) على الساحة العالمية، لكنها ليست شركة صغيرة أيضا». وأضاف دوبيل أن الاكتتاب العام الأولي هو الاحتمال المرجح الذي ستقوم به الشركة، لأنه من الصعب الحصول على التمويل الخاص، وليس من المحتمل حدوث اندماج، حيث إنه لا يوجد في السوق عدد كبير من اللاعبين تستطيع الاندماج معهم.

وفي الوقت الذي تقرر فيه «كوشمان» مستقبلها، تركز «جونز لانغ لاسال»، التي أعلنت عن تحقيق أرباح قدرها 200 ألف دولار خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بخسائر بلغت 61 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، على زيادة الإيرادات.

وقال بيتر جي ريغواردي، رئيس عمليات الشركة في نيويورك «عندما التحقت بالشركة قبل سبعة أعوام، كانت الإيرادات من المنطقة (منطقة نيويورك) أقل من 20 مليون دولار، والآن تتجاوز 120 مليون دولار. إننا نخطط لزيادة هذا الرقم بنسبة 50 في المائة على مدار الأعوام الأربعة المقبلة لكي تصبح 200 مليون دولار، وذلك عن طريق مزيج من تحسين أوضاع السوق والتعيينات الاستراتيجية».

وقد حققت الشركة نجاحا في الآونة الأخيرة عندما استعانت بأكثر صانعي الصفقات إنتاجا في شركة «كوشمان»، بما في ذلك معظم مجموعة أسواق المال. وكان الفريق المؤلف من سكوت لاثام وريتشارد باكستر وجون كابلان ورون كوهين وراء بعض أكبر العمليات التي قامت بها الشركة في وقت الانتعاش، بما في ذلك عملية فندق بلازا وعملية 666 الطريق الخامس.

وإحدى الشركات الأخرى التي تمر بتحول رئيسي هي شركة «كوليرز إنترناشيونال». وتعد هذه الشركة ثاني أكبر شركة سمسرة عقارية في العالم، ومشهورة إلى درجة كبيرة في الولايات المتحدة. ويرجع ذلك في بعض جوانبه إلى هيكلها كشبكة واسعة من حقوق الامتياز التي تعمل بصورة مستقلة إلى حد كبير. ومن خلال الاستحواذات والتغييرات في الإدارة، توحد شركة «فيرست سيرفيس كوربوريشن» العامة في تورنتو، التي تمتلك عددا من حقوق امتياز «كوليرز»، هذه الشركات تحت العلامة التجارية لشركة «كوليرز إنترناشيونال». وسيتم إجبار الشركات التي ترفض الانضمام على إسقاط لقب «كوليرز».

وقال مارك إيه جاكوم، الرئيس التنفيذي لمنطقة العاصمة الكبرى في شركة «كوليرز»: «إننا في وضع لا نستطيع فيه خسارة أي حصة سوقية. لا نستطيع سوى تحقيق المكاسب. ونخطط للفوز بالحصة السوقية لمنافسينا».

ويؤسس جاكوم وفريق العمل الخاص به مجموعة استشارية، ويخططون للاستعانة بنحو 25 سمسارا إضافيا أو أكثر. وقال «نريد من السماسرة لدينا استغلال علاقاتهم ودعم عملائنا عبر العملية برمتها. سيصبح نشاطنا أكثر تطورا، وسنعمل على كل شيء بداية من حلول أماكن العمل حتى تكنولوجيا المعلومات».

وحتى الآن هناك آراء مختلفة بشأن شركة «كوليرز». قال ديفيد غولد، المحلل البارز بمجال الأسهم، إنه يعتقد أن «الشركة ستكون الشركة الرائدة خلال السنوات الثلاث المقبلة. لقد استخدمت الانكماش الاقتصادي بحكمة لكي تحقق النمو، ولن أراهن عليها».

ورفض آخرون هذه الخطوة، وقالوا إنها ليست أكثر من تغيير للاسم. وقال ميتشل إس ستير، الرئيس التنفيذي لإحدى شركات السمسرة العقارية المنافسة في نيويورك «يستغرق الأمر سنوات لبناء علامة تجارية. لا يمكن اختراعها بين عشية وضحاها عن طريق فرض اسم جديد على مجموعة من الشركات المختلفة التي تتبنى فلسفات مختلفة».

ومهما تكن فرص النجاح، يقول المراقبون للصناعة إنه من الواضح أن التغييرات تحدث على قدم وساق، ومن الممكن أن تقود إلى تحولات في القوة في هذه الصناعة. وقال دوبيل «تؤدي أوقات الاضطراب في الغالب إلى اندماجات وتحولات في الاستراتيجية. سيكون من الشيق رؤية كيف يحدث كل ذلك».