السعودية: الاستثمارات العقارية تصطدم بالجبال وتوسع المخططات في منطقة عسير

خبراء عقاريون: الوعي الاستثماري غائب.. ومطالبة بتنظيم التطوير العقاري في المنطقة

تواجه منطقة عسير غياب الوعي الاستثماري مما دفع إلى توجه الاستثمارات نحو منتجات قد لا تكون مجدية على المدى البعيد («الشرق الأوسط»)
TT

تشكل منطقة عسير جنوب غربي السعودية واحدة من أهم المناطق في المملكة، وذلك لكونها تعتبر أحد أشهر المناطق السياحية التي تمتاز بالمناخ المعتدل على مدار العام، في الوقت الذي تنمو المنطقة شأنها شأن أي منطقة في المملكة مع عمليات التنمية التي تقوم بها الحكومة السعودية.

ومع هذا التطور يواجه التطوير العقاري في المنطقة عددا من المعوقات لتمدد قطاع العقارات بمختلف أشكاله نتيجة التطور السريع الذي تشهده المنطقة، في الوقت الذي أرجعت مصادر عقارية السبب في ضعف الاستثمارات العقارية إلى التحديات والعقبات التي تتمثل في اشتراط تطوير المخططات بشكل عام والجبلية بشكل خاص، وهذا أثر في فسح المخططات في مدينة أبها ذات الديناميكية والحيوية مما ينعكس سلبا على العقار في المدينة.

وحمل سعيد الهاجري، رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية بمنطقة عسير، الأمانة مسؤولية نقص الخدمات داخل المخططات الجديدة، وقال: «إن نقص الخدمات وفقدانها الصبغة التطويرية والرائجة في أغلب مخططات المدن السعودية تتحملها الأمانة في منطقة عسير، حيث إنها ليست من مسؤولية مستثمري العقار»، مرجعا السبب إلى أن المخططات تباع بمبالغ رخيصة من قبل الأمانة من دون أن تخضع لدراسة استراتيجية تطويرية وهذه تعتبر مسؤولية الأمانة لا المستثمر، لافتا إلى أن العقار لم يرتفع سعره في المنطقة أسوة بالمناطق الأخرى، حيث بلغ ارتفاع العقار فيها 400 في المائة.

وأرجع سبب ارتفاع أسعار الأراضي في منطقة عسير من دون مبرر، إلى أن ارتفاع أسعار الأراضي في مدينة أبها يعد سببا رئيسيا أوجده المستثمر الذي يستصعب ماديا الخطة الجديدة في تطوير العقار، الذي يملكه كتقديم مختلف خدمات البنية التحتية، حيث يحتاج المستثمر إلى صرف مبالغ كبيرة لتوفير ذلك كله، مبينا أنه من هذا المنطلق يعمد المستثمر إلى رفع أسعار الأراضي على المستهلك وتحميل تلك التكلفة على المشتري بخلاف المناطق الأخرى التي لا يكلف تطوير العقار فيها مبالغ طائلة، وذلك لسهولة أراضيها وتمسكها بالتطوير العقاري الجديد.

وحول نظام التمليك العقاري أبان رئيس اللجنة العقارية بأن نظام شقق وفلل التمليك، الذي بلغ سعر الشقة فيه 435 ألف ريال (116 ألف دولار)، يعد ميزة في طريقها للزحف نحو العقار في منطقة عسير، فهو يجسد الاستثمار الناجح، وذلك لحاجة المنطقة إلى مثل هذه المنتجات على حد وصفه.

إلا أن الهاجري استدرك وقال: «إن هذا النظام يحتاج إلى تسهيل الإجراءات للمستثمرين لكونه يصنف كأنجح استثمار عقاري في الوقت الحاضر لكثرة الإقبال عليه، وخاصة أن مدينة أبها مدينة صغيرة المساحة وتضاريسها صعبة مما قلل فرص إيجاد مخططات منبسطة»، وأضاف: «في ظل انعدام وجود العرض الكافي مقارنة بالطلب - بعكس خميس مشيط - جعل من مدينة أبها منطقة مميزة استثماريا وعقاريا وأكثر غلاء».

وأوضح رئيس اللجنة العقارية في أبها أن ضعف الإقبال العقاري على بعض المخططات في مدينة أبها يرجع إلى وقوعها على مرتفعات جبلية فلذلك السبب تفتقر مدينة أبها إلى أي مخططات جديدة تناسب جميع الأذواق الاستثمارية العقارية.

وتابع: «وعلى ذلك نرى أن الاتجاه حاليا يتقدم نحو خميس مشيط لوجود عدة مخططات بها ولسهولة مواقعها التضاريسية، واتساع الرقعة الاستثمارية التي يفتقدها العقار في مدينة أبها، وهذه يدرج سبب الازدحام السكاني في محافظة خميس مشيط ضمن أسباب الانتعاش الاقتصادي والاستثماري والعقاري في المحافظة».

وفي السياق ذاته أكد سعيد بن جار الله، صاحب مكتب المجلس الاستثماري العقاري، ارتفاع أسعار الأراضي في مدينة أبها مقارنة بمحافظة خميس مشيط، وأبان أن سعر المتر المربع يصل في بعض المخططات من 1500 ريال (400 دولار) إلى 3000 ريال (800 دولار)، لافتا إلى أن السوق العقارية تتمركز بشكل أساسي في محافظة خميس مشيط بيد أن مدينة أبها تعد من أهم مواقع الجذب العقاري على الرغم من ارتفاع أسعار أراضيها والتأثيرات الجغرافية وضيق المنطقة عكس محافظة خميس مشيط، التي تعتبر أوسع وأسهل جغرافيا مما يسهل البناء عليها من دون تكاليف باهظة في تأسيسات البناء.

وأشار بن جار الله إلى أن العقار في منطقة عسير يمشي في خطى غير ثابتة، مرجعا السبب إلى غياب الوعي الاستثماري، حيث اعتمد على بناء الشقق السكنية من دون دراسة الجدوى والعوائد الاقتصادية بجانب تغير مواعيد الإجازات السنوية، التي أصبحت قصيرة جدا عكس ما كانت عليه سابقا، حيث تعتبر المساهم الأول في إنعاش العقار من خلال الإيجارات والمبيعات، مشكلة دخلا على أصحاب مكاتب العقار.

وزاد: «إن منطقة عسير تشهد ازدحاما سكانيا أثر على مساحاتها السكنية في ظل اتساع أراضي الأملاك، وخاصة أن مدينة أبها محصورة وضيقة، وتضم أغلب الدوائر الحكومية»، مرجعا سبب التزايد السكاني إلى السياحة ونزوح سكان القرى والأرياف إلى مدينة أبها والاستقرار فيها.

وأضاف أن عملية تطوير المخططات تعد إحدى الثغرات التي تواجه العقار في المنطقة والمحافظة، وهذا ما سبب ارتفاع أسعار العقار في المنطقة.

وأوضح بن جار الله أن بعض أصحاب الأراضي يفضلون الإبقاء على أراضيهم سعيا خلف ارتفاع الأسعار أو استثمار تلك الأراضي للإيجار أو البناء، كما أن هناك من يعتمد نظام التمليك الذي يساعد الباحث في الاستقرار السكني إلى حد معين، بيد أن غلاء شقق وفلل التمليك أدى إلى نفور الباحث عن عقار سكني من الأقساط، الذي بحسب قوله أنعش سوق التقسيط العقارية المتمثل في بيع أرض بالأقساط على الرغم من ارتفاع سعر الأرض تحت مظلة نظام الأقساط.

وتعاني منطقة عسير من أزمة السكن من خلال العرض والطلب، التي بررها بعض رجال الأعمال بالموقع الجغرافي للمنطقة مما ضيق من مساحة المخططات الاستثمارية، وسبب ركودا في رؤوس الأموال، التي هي بحاجة إلى تدوير من خلال طفرة تمليك العقار. وتوجه عدد من ملاك عقارات شقق التمليك إلى سلك طريق أسرع وأسهل في تخطيط المسكن المعروض للتمليك من خلال تقسيم العمارة إلى أربع أو ست شقق تدر عليه أرباحا مالية، إلا أنها تعتبر عند الراغبين في الشراء غير مهيأة إلى متطلبات التمليك لمدى طويل. وفي إطار آخر تذمر عدد من المواطنين من ارتفاع أسعار العقار في المنطقة، الذي يقابله ارتفاع أسعار شقق التمليك، حيث يشير رعد سعيد القحطاني، صاحب مكتب عقار، إلى أنه بعد قرار مجلس الشورى برفع زيادة مبلغ القرض العقاري إلى 500 ألف ريال بحجة مواجهة تكاليف البناء المرتفعة، أصبح هناك معاناة من مضاعفة أسعار شقق وفلل التمليك، إذ إنها كانت تمثل الملجأ الوحيد للهروب من ارتفاع تكاليف البناء وأسعار الإيجارات.

وأوضح أنها لا ترضخ إلى رغبات المشتري فهي بجانب غلائها غير مهيأة لمتطلبات التمليك، إذ ينقصها الاستقلالية فيما يخص الخزانات والكهرباء ومداخلها الرئيسية كما أن غرف السائق والخادمة أصبحت ضرورة ملحة في حال أقدم الشاري على تملك شقة.

وأشار في حديثه إلى الظروف الاقتصادية التي يتعرض لها الشاب في وقتنا الحاضر والتي أصبحت عثرة في طريق الاستقرار المادي والسكني، مؤكدا أن فكرة التمليك السكني حلت بعض الأزمات في الوقت الحالي إلا أن ارتفاع الأسعار يحد نوعا ما من الإمكانات المادية لدى بعض الشباب من المعلمين والموظفين متوسطي الدخل.