الملكية الجزئية تتيح قطاعات فاخرة بأسعار زهيدة

أسلوب «المشاركة بالوقت» يعود في ثوب جديد

الملكية الجزئية تتيح قضاء العطلات في عقارات فاخرة («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت في الأسواق الغربية حملات تسويق مكثفة لعقارات فاخرة، بعضها يقع في مناطق ساحرة في منطقة البحر الكاريبي وجنوب أوروبا، على أسس ملكية جزئية توفر للمستثمر فرصة استغلال العقار لفترة محددة سنويا مع ملكية جزء من العقار نفسه.

ويشبه هذا الأسلوب إلى حد كبير أسلوبا سابقا منبوذا في الأسواق اسمه المشاركة بالوقت «التايم شير»، تسبب في الكثير من المشكلات والخسائر للكثير من المستثمرين. لكن خبراء تسويق العقار يصرون على أن الأسلوب الجديد يختلف جذريا عن سابقه، وأنه يصلح لأوقات الكساد العقاري، ويوفر استثمارا جيدا للمدى البعيد. ويقدم أسلوب الملكية الجزئية أيضا فرصة ملكية شريحة من عقار فاخر يفوق بكثير إمكانيات المستثمر لو أنه تطلع لأسلوب الملكية الكاملة المعهود.

وبدأ هذا الأسلوب في ولاية فلوريدا الأميركية منذ 30 عاما على أساس ملكية العقار بحد أدنى نسبته واحد على 12 جزءا من العقار، يتيح للمالك الجزئي فترة أربعة أسابيع. وكان المعهود أن يقسم العقار بين أربعة ملاك يتشاركون في وقت المنفعة من العقار، وأيضا في التكاليف والصيانة. والاختلاف الجوهري عن «المشاركة بالوقت» هو أن كل مستثمر يتلقى حصة من تعاقد الملكية بحيث يشارك في الأرباح (أو الخسائر) عند إعادة بيع العقار.

أما أسلوب المشاركة في الوقت فهو يتيح فترة منفعة قد لا تزيد على أسبوع أو أسبوعين سنويا ومن دون أي حقوق ملكية في العقار نفسه. وقد اكتسب هذا الأسلوب سمعة سيئة بسبب أسلوب البيع الذي يعمد إلى الضغط على المشترين أثناء العطلات. وكانت أسوأ حالات هذا الأسلوب في إسبانيا في الثمانينات.

وبينما بقيت مرارة أسلوب المشاركة بالوقت في وعي الكثير من المستثمرين بحيث لا يمكن لهذا الأسلوب أن ينجح مرة أخرى، فإن أسلوب الملكية الجزئية يبدو حتى الآن ناجحا في الكثير من المناطق، منها السواحل الأميركية وجزر البحر الكاريبي وكندا وجنوب أوروبا وبعض منتجعات الجليد الأوروبية والأميركية. والأهم في هذا الأسلوب أن قيمة بيع العقارات ذات الملكية المقسمة على عدد من المستثمرين تماثل ما تحققه عقارات أخرى ذات ملكية فردية.

ومع ذلك فما زالت هناك بعض الشبهات حول أسلوب الملكية الجزئية رغم الفوائد التي يتيحها. فالبعض ما زال يشك في أن البيع بهذا الأسلوب يعني أن شركات العقار المطورة فشلت في العثور على مستثمر واحد لشراء كل العقار الجديد، فلجأت لأسلوب الملكية الجزئية. وهو قد يعني عدم وجود هيكلية إدارية للإشراف على هذا النوع من الملكية الذي يتطلب إدارة دائمة طوال العام. كما أن بعض هذه العقارات يقع في مناطق يختلف فيها الطقس كثيرا بين فصول العام، مما يجعل منفعتها مختلفة بين مستثمر وآخر. وقد فشل هذا الأسلوب تماما في بريطانيا لأن الصيف المعتدل فيها يتحول إلى شتاء قارس البرد وممطر، مما يجعل المنفعة المتوقعة من مناطق ساحلية أو سياحية محدودة للغاية خلال الشتاء.

وهناك الكثير من شركات تسويق الملكية الجزئية في الأسواق، وبعضها وجد أن أعماله انتعشت في مرحلة الكساد الاقتصادي. إحدى الشركات اسمها «باراسفورد»، ولديها عقارات سياحية موزعة في أنحاء أوروبا. وتتيح الشركة الملكية الجزئية بمبالغ تبدأ من 22 ألف إسترليني (نحو 30 ألف دولار) في منتجع سياحي في اليونان. لكن المشاركة في عقاراتها تفتح أيضا سجل التبادل في شبكة دولية للعقارات بها نحو 30 ألف عضو ويمكن التبادل فيها لنحو 160 عقارا سياحيا حول العالم. ويقول مدير الشركة روبن باراسفورد إن على المشتري أن يتأكد أن الشركة البائعة تملك الأرض التي يقام عليها المشروع، وأن الملكية تشمل أيضا الأرض. وهو ينصح بضرورة الاستشارة القانونية في كل الأحوال.

الفائدة الواضحة من هذا الأسلوب هي أن المشتري يستطيع أن يملك نصف، أو نسبة أقل من عقار فاخر لم يكن يستطيع أن يملكه من دون هذا الأسلوب الجديد. كما أنه يستطيع في حالة الملكية الجزئية أن يدعو الكثيرين من معارفه وأصدقائه لزيارته في عقاره الفاخر في مناطق خلابة من دون أن يعرف أي منهم أنه لا يملك كل العقار. كما أن المشتري يكون شريكا في رأس المال وفي ملكية العقار، وليس فقط مستخدما للعقار خلال فترة محدودة كل عام مثلما الحال في الـ«تايم شير»، فهو يستفيد من نمو أسعار العقار عندما يحين وقت البيع.

إحدى الشركات الاستثمارية التي تقوم في الوقت الحاضر بتسويق هذا النوع من ملكية العقار هي شركة «بست غروب» التي تعتبر من مبتكري هذا النوع من الاستثمار العقاري. ومن بين مبيعات هذه الشركة التي جرت قبل فترة، فيلا كاريبية فاخرة يبلغ ثمنها نصف مليون دولار فقط، لكنها موزعة على خمسة مستثمرين اختارتهم الشركة من بين زبائنها لأن رغباتهم في الشراء وفي حجم رأس المال المتوافر لهم متماثلة إلى درجة كبيرة. ودفع كل مستثمر من الخمسة مائة ألف دولار، وبالمقابل يمتلك أحد أخماس الفيلا، أو نسبة 20 في المائة منها، تتيح له استخدامها الشخصي أو تأجيرها لمدة عشرة أسابيع كل عام.

هذا الأسلوب يناسب المستثمر المرتبط بأعمال وظيفية أو استثمارية لا تتيح له وقتا طويلا لقضائه في عقاره السياحي. كما أن البعض يختار هذا الأسلوب أيضا بعد متابعة قصص مستثمرين آخرين يمتلكون عقارات في الخارج بالكامل ويعانون من الكثير من المشكلات عندما تقع مشكلة في العقار مثل تسرب مياه من أحدى المواسير أو انكسار أحد الصنابير، حيث تقوم شركة إدارة العقار بإصلاح الخلل فورا. وهناك صعوبات بالغة في محاولة مالك العقار الإشراف على مثل هذه الإصلاحات وهو بعيد عن موقع العقار.

الملكيات المشتركة تعتمد في الأساس على شركة إدارة تقوم بكل الخدمات اللازمة للصيانة والتجديد، وأيضا إيجاد مستأجرين في الفترات الشاغرة. ويسهم المستأجرون بدورهم في تخفيض تكاليف الإدارة على المستثمر الذي يختار التأجير بدلا من الإقامة في عقاره خلال الفترة التي تخصه.

هؤلاء المستثمرون يتمتعون بملكية العقار من حيث زيادة القيمة وربما من دخل الإيجار أيضا، لكنهم في الوقت نفسه يتجنبون متاعب ومسؤوليات الملكية الكاملة. كما أنهم ليسوا مضطرين إلى التعرف على بقية المساهمين في العقار أو حتى اللقاء بهم لأن شركة الإدارة العقارية تأخذ على عاتقها كل الترتيبات المتعلقة بحاجات المساهمين - كل على حدة.

ولا تربط الملكية الجزئية التي يسهمون فيها بموعد بيع محدد أو بقرارات استثمارية غير مناسبة لهم. فمن يريد من الشركاء بيع حصته يستطيع ذلك بسهولة عبر شركة الإدارة التي توفر مستثمرين آخرين يشترون الحصص المعروضة بسعر السوق.

وتنفي مجموعة «بست غروب» أي تشابه بين استثماراتها وأسلوب الـ«تايم شير» القديم وتقول إنها تبيع استثمارات فاخرة في مواقع رائعة بأسعار في متناول أغلبية المستثمرين. وتملك الشركة مواقع عقارية في جزر سان لوتشيا وباربادوس ومدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى منطقة كوينز تاون في نيوزيلندا. ويحصل المستثمر على حصة عقارية، تكون بحجم أحد أخماس في أغلب الحالات، ويمكن تدوير هذه الملكية تباعا بين المستثمرين بدلا من تحديدها بوقت محدد كل عام وذلك بما يناسب المستثمرين ويحقق العدالة في الاستفادة بأوقات العام المختلفة.

وتكون العقارات المعروضة بهذا الأسلوب مفروشة بالكامل وتحت الإدارة العقارية الماهرة مثل فنادق الخمس نجوم. وتشمل الخدمة توفير المناشف وأغطية الأسرة وخدمات التوصيل من وإلى المطار. وبالطبع تكون الخدمات التي تقدم بهذه النوعية ذات ثمن مرتفع. وتحصل شركات الإدارة على نسبة تتراوح بين 3.5 و4.2 في المائة من قيمة العقار سنويا. ويمكن إلغاء حصة من هذه الرسوم بتقديم العقار للإيجار لفترة من الأسابيع العشرة التي تدخل ضمن الملكية.

وبالإضافة إلى هذه التسهيلات توفر شركة الإدارة أيضا إمكانية التمويل لنصف حصص الملكية من مصارف تعرف هذا النوع من الاستثمار وتثق في قيمته. كما أنها تساعد أي مستثمر على بيع حصته في أي وقت يريد. لكن مثل هذا النوع من التمويل قد يكون صعبا في ظروف السوق الحالية.

شركة أخرى من الشركات التي تقدم عقارات بأسلوب الملكية الجزئية في جزيرة خاصة في مجموعة جزر سيشل تقول إن معظم زبائنها لا يضطرون إلى الاقتراض من أجل دخول هذا النوع من الاستثمار. ويقول مالك قرية سياحية تبيع بأسلوب الملكية الجزئية إنه تلقى عروضا لبيع العقارات المعروضة في القرية لمستثمرين يريدونها بالكامل لأنفسهم وبأسعار تصل إلى 4.8 مليون دولار لكل من العقارات العشرة التي يعرضها للبيع الجزئي. لكنه يرفض لأنه باع قرية سابقة بالكامل بهذا الأسلوب المفضل لديه ويريد أن يحذو الحذو نفسه لبيع قريته الجديدة.

وبلغ من شهرة الأسلوب الجديد للملكية الجزئية أن شركة عريقة مثل «ماريوت» التي تدير مجموعة كبيرة من الفنادق العالمية دخلت هذا المجال منذ فترة ولديها الآن نحو 300 عقار تحت الإدارة من شركة فرعية اسمها «ماريوت فاكيشن كلوب». وتتوزع عقارات الشركة بين كاليفورنيا ولندن كولورادو، ويبدأ الاستثمار فيها من مبلغ مائة ألف دولار.

شركة أخرى في مقاطعة توسكاني الإيطالية تعمل في قمة السوق، اسمها «بيور إنترناشيونال» تدير فيلات بالملكية الجزئية تبدأ المشاركة فيها من مبلغ 290 ألف يورو. ولأن البنوك الإيطالية لا تمنح قروضا عقارية على الملكية الجزئية، فقد عانت الشركة من انخفاض الطلب على عقاراتها أثناء فترة الكساد، لكن مديرة الشركة هانا كوبرسميث تقول إن الكساد أفرز أيضا طبقة جديدة من المستثمرين الباحثين عن فرص عقارية غير باهظة التكاليف. وتبذل الشركة جهدها في التعريف بأن الملكية الجزئية تختلف عن الـ«تايم شير» وتقدم للمستثمرين كل المعلومات حول قيمة الاستثمار وتكاليف الصيانة والخدمة وإجراءات تأجير العقار في الفترات المتاحة ثم بيع الحصص في نهاية المطاف. وتضيف كوبرسميث أن أبرز نتائج الكساد أنه قام بتنظيف السوق من الشركات الضعيفة التي أفلست وخرجت من السوق تاركة أقوى الشركات وأكثرها ملاءة. وتهدف الشركة إلى التوسع في أسواق جديدة وتوضيح المزايا النوعية لهذا النوع من الاستثمار.

وهناك الكثير من الإيجابيات في هذا الأسلوب الوسيط بين الـ«تايم شير» والملكية المطلقة. فمن الإيجابيات أنه أسلوب مريح ومحدود المسؤولية من حيث تسليم العقار لشركة إدارة وتحمل نسبة من التكاليف مقابل إتاحة وقت كاف لكل أغراض الاستجمام. فالمستثمر العادي لا يقضي أكثر من أربعة إلى خمسة أسابيع في العقارات السياحية كاملة الملكية، ويترك الفترات الباقية شاغرة. كما أن الأسلوب يتيح الاستفادة بملكية عقار فاخر في الفترة المتاح فيها لم يكن في مقدور المستثمر تحمل تكاليفه بأسلوب الملكية التقليدي.

لكن هناك أيضا سلبيات لأسلوب الملكية الجزئية، ربما لم تظهر بعد لأنه أسلوب جديد في الأسواق. فمساوئ أسلوب الـ«تايم شير» يمكن أن تتكرر فيه. حيث ظروف المستثمر تتغير، بينما الملكية الجزئية أسلوب جامد يربط المستثمر بعقار واحد وبفترات محدودة سنويا وبتكاليف إدارة عالية هو في غنى عنها لو ذهب إلى فندق فاخر مختلف كل عام لقضاء وقت ممتع بلا متاعب ملكية، سواء كانت جزئية أو كلية.

من المشكلات التي سبق أن نشأت من أسلوب الـ«تايم شير» صعوبة البيع بأي ثمن لهذه الاستثمارات، خصوصا بعد اكتساب الـ«تايم شير» لسمعة رديئة. ويمكن القول إن هذا النوع من الاستثمارات يتوجه أساسا للمرفهين من المستثمرين الذين لا يتطلعون إلى تحقيق مكاسب عقارية كبيرة من شراء العقار ثم بيعه، وإنما يلجأون إلى شراء العقار بغرض التظاهر وبغض النظر عن القيمة المضافة. وإذا افترضنا أن مثل هذا العقار سوف يزيد في القيمة ما بين ثلاثة وأربعة في المائة سنويا، فهذه النسبة تماثل ما سيدفعه المستثمر من تكاليف إدارة سنوية للشركة، أي أنه سوف يحصل فقط على ما دفعه ثمنا في حصته من العقار عند البيع، هذا إذا عثر على مستثمر آخر بالسهولة التي تدعيها الآن شركات الاستثمار بالملكية الجزئية. والنصيحة الأولى لمن يريد الاستثمار بهذا الأسلوب ضرورة استشارة خبراء السوق أولا والتزام الحرص الشديد عند التعامل واتباع النصائح القانونية في كل الأحوال.