قطاع المنتجعات.. الأكثر تضررا خلال أزمة العقار العالمية

كان الأكثر ربحا لشركات العقار في فترة الطفرة

المنتجعات تعاني من فترات صعبة أثناء الكساد الحالي («الشرق الأوسط»)
TT

قال الخبير تشارلز ويستون بيكر من شركة «سافيل» الدولية للعقار إن القطاع السياحي للمنتجعات التي تضم منشآت سياحية مثل ملاعب الغولف والتجهيزات الرياضية كانت الأكثر ربحا لشركات العقار في زمن الطفرة ولكنها الآن تعاني أكثر من غيرها بسبب أزمة التمويل والكساد العقاري العالمية.

وكانت شركات العقار تتبع نموذجا حقق لها النجاح في الثمانينات، وهو بناء منشآت رياضية حول مجموعة من المساكن بحيث تبيع الشركة المساكن على أساس تمتعها بالمنشآت الرياضية. وتخرج الشركة في النهاية بهامش أرباح يعادل ثمن فندق ضمن المشروع. وتدير الشركة الفندق لعدة سنوات ثم تبيعه مع المنشآت الرياضية، لتحقق أرباحها ثم تعيد النموذج في موقع آخر.

وبعد نجاح هذا النموذج في المواقع التقليدية مثل إسبانيا وجنوب إنجلترا، ذهبت شركات العقار إلى مواقع جديدة تنتشر من دبي إلى البحر الكاريبي مرورا بولاية فلوريدا. وفي أوقات الانتعاش كانت المبيعات تتكفل بتكاليف هذه المشروعات أحيانا من على الخريطة. وبلغ النجاح أحيانا أن العائلات البريطانية التي ذهبت في زيارات سياحية إلى فلوريدا أو دبي عام 2004 - 2005 كانت تعود ومعها تعاقدات لعقارات سياحية اشترتها بالتمويل الرخيص حينذاك.

ولكن مع تراجع الأسواق كانت العقارات السياحية هي الأكثر تضررا بعد أن تخلى عنها مشتروها ورفض مستثمرون جدد دخول المجال لانعدام الطلب وتراجع القيمة. وتنتشر الآن المشروعات غير المكتملة وتلك التي ما زالت على الخريطة وثالثة تملكها البنوك التي أقرضت عليها بأضعاف قيمتها السوقية الحالية. وأضاف إلى صعوبة الوضع أن مناطق مثل الخليج العربي والبحر الكاريبي كانت مكتظة بالمقاولين والمستثمرين العشوائيين الذي طرحوا المئات من المشاريع من دون دراسات جدوى للطلب عليها أو حتى لجدواها الاقتصادية. وكانت التوقعات كافة مبنية على هوامش أرباح معززة بأسعار بيع غير واقعية ولم تتحقق. ومعظم هذه المشاريع ما زالت معلقة وليس من المتوقع أن تبنى، أما تلك التي بنيت فهي في الغالب لا تباع، وإن بيعت فللبنوك التي أقرضت عليها. أما الذين اشتروا هذه العقارات واحتفظوا بها فقد خسروا هوامش كبيرة من قيمتها.

ويقول أحد بائعي العقارات السابقين إنه كان يعمل في مجال بيع عقارات فلوريدا للسائحين الأجانب في منتصف العقد الحالي بأسعار تبدأ من 200 ألف دولار مع تمويل 90 في المائة منها بواسطة البنوك الأميركية. أي إن المشتري لم يكن مطلوبا منه سوى 20 ألف دولار وكانت وقتها تعادل نحو عشرة آلاف إسترليني. ولكن بعد نهاية الطفرة عاد المستثمر إلى بريطانيا لإدارة شركة تصميم على الإنترنت. وهو يعترف بأن معظم العقارات التي باعها في فلوريدا في عام 2004 أصبحت الآن مملوكة للبنوك التي استولت عليها بعد عجز أصحابها عن سداد القروض العقارية عليها. وعلى الرغم من أن البنوك تتحمل تكاليف صيانة وتأمين هذه العقارات، فإنها ترفض بيعها في المزاد أو طرحها في سوق متراجعة حتى لا تصيب السوق بالانهيار وتعاني من خسائر هائلة في ميزانياتها وأصولها. وهو يضيف أن بعض العقارات في فلوريدا تباع الآن بربع ثمنها الأصلي ومع ذلك فإن التراجع السعري مستمر.

وكيل عقاري آخر في فلوريدا أيضا اعترف بأن معظم المحترفين في السوق كانوا يدركون أن ارتفاع الأسعار الجنوني بنسب وصلت إلى 40 في المائة سنويا لم يكن من الممكن استمرارها. ولم تدعم قيمة عقارات المنتجعات النمو القياسي في تطوير المناطق السياحية التي فاقت الطلب المتاح في الأسواق. وهو يصف الموقف بأنه كان يشبه لعبة الكراسي الموسيقية التي يعرف الجميع أن الموسيقى سوف تتوقف فجأة، ولكن المشاركين في اللعبة كانوا يأملون أن لا يكونوا من ذوي الحظ السيئ عندما تتراجع الأسواق. وكان الحل هو إجراء الصفقات السريعة والخروج من السوق قبل موجة الانهيار.

ولم يكن الوضع مختلفا كثيرا في إسبانيا التي أصاب مقاولي العقار فيها لوثة بأن بناء مزيد من ملاعب الغولف والمنتجعات هو الحل السهل نحو تحقيق الثروات السريعة. ويقول مارك ستاكلين مدير موقع «بروبرتي إنسايت» إن المشكلة اليوم هي أن معظم مطوري العقار لجأوا إلى الفكرة نفسها وأحيانا في مواقع متجاورة. وهكذا تكررت ملاعب الغولف على الشواطئ الإسبانية في ظل الاعتقاد بأن لاعبي الغولف هم الأثرياء الذين سوف يعودون إلى الملاعب حتى في غير المواسم السياحية من أجل إنفاق مزيد من الوقت والمال في هذه المنتجعات.

وهو يؤكد أن بعض المواقع مثل «سوتوغراندي» و«كوستا ديل سول» فيها منتجعات غولف قديمة ولها زبائنها ولكن المنتجعات الجديدة التي دخلت السوق مؤخرا وبطرق عشوائية وفي مواقع بعيدة، تعاني الآن من عدم وجود الزبائن ومن عدم تغطية تكاليف إدارتها. وهو يذكر على وجه التحديد منطقتين فاشلتين تجاريا هما فالنسيا ومورسيا، اللتان تعتبران مراكز لمنتجعات الغولف الجديدة التي دخلت إلى سوق مزدحمة أصلا. وهي مناطق مليئة بعشرات المشاريع غير المكتملة وأخرى ما زالت على الخرائط.

وهو ينصح المستثمرين بأن هذا الوضع لن يتغير حتى ينتعش الاقتصاد الأوروبي بعد عدة سنوات، ولكن للمهتمين بمنتجعات الغولف لا بد من الاختيار الجيد للمواقع الجيدة المكتملة التي تجد الرعاية من الشركة المشرفة عليها، لأن الشراء من شركات لم تكمل مشروعاتها فيه كثير من المخاطرة إذا ما نفدت أموال الشركة مطورة الموقع.

وفي مختلف أنحاء إسبانيا تقل أسعار العقار بنحو 40 في المائة عن الذروة التي بلغتها عام 2007. ولذلك فالوقت الحاضر يقدم كثيرا من الفرص العقارية بشرط حسن الاختيار، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الخبراء ما زالوا يعتقدون أن الأسعار سوف تهبط إلى حدود أقل مما هي عليه الآن.

هذه الأزمة العميقة تأتي بعد سنوات من النمو القياسي في أسواق العقار، وفي الاقتصاد بوجه عام. ويقول أحدث تقرير من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن نسبة نمو الاقتصاد الإسباني لن تزيد عن نصف ما كانت عليه العام الماضي، وتهبط هذا العام إلى 1.6 في المائة، كما تتراجع إلى أقل من واحد في المائة في عام 2011. ويضيف التقرير أن نسبة البطالة تصل الآن إلى نحو 10 في المائة، أي الأعلى في منطقة اليورو. وتزيد النسبة إلى 12 في المائة بين المهاجرين والمقيمين في إسبانيا. وكان معظم العاطلين يعملون في مجال الإنشاء والبناء، وهو القطاع المعطل تقريبا في الوقت الحاضر بسبب الأزمة.

وفي حين تتوقف تقريبا أعمال البناء في مشروعات العقار السياحية والمنتجعات التي انصب عليها كثير من الانتقاد بسبب كثافتها وسوء تصميمها وتهديدها للبيئة المحلية، فإن الشركات تجد مخرجا مؤقتا من الأزمة في بعض المشروعات الجديدة التي تراعي البيئة. ويبدو أن الطلب على هذه العقارات البيئية يسير على ما يرام وفقا لما أعلنته بعض الشركات الناشطة في المجال.

وتشمل الملامح البيئية التي يحصل عليها المشتري: مساحات مفتوحة من الجهتين لترشيد استخدام الطاقة من حيث التبريد صيفا عبر تيارات الرياح، والتدفئة شتاء عبر أشعة الشمس من الجهتين. ويتم تسخين المياه بألواح الخلايا الشمسية، كما تجري إعادة تكرير واستخدام المياه. وتوجد أوعية لاستقبال واستخدام مياه الأمطار مع صنابير خاصة لتوفير استهلاك المياه في الأغراض المنزلية. ويتم استخدام الطلاء الطبيعي في هذه العقارات الجديدة، كما أن الأخشاب المستخدمة في الإنشاءات كلها من مصادر متجددة. ويجري تحويل الفضلات إلى سماد يستخدم في الحدائق والمساحات الخضراء حول المشروع.

وتشجع الحكومة الإسبانية هذا التوجه وتتيح كثيرا من الحوافز للشركات للعناية بالبيئة. وقد يكون في هذه الحوافز، وأيضا في إقبال المشترين من أنحاء أوروبا، على هذا الأسلوب البيئي الجديد لتنمية العقار، المخرج الذي تنتظره إسبانيا لتخطي أزمة السوق الحالية. وتقول إحصاءات الحكومة الإسبانية إن نسبة 12 في المائة من الطاقة الإجمالية مصدرها الرياح، وهي نسبة عالية حتى بالمقاييس الأوروبية.

وتشترط الحكومة الإسبانية حاليا أن يتم تركيب الألواح الشمسية على سقوف كل المباني الجديدة قبل حصولها على التراخيص الرسمية. وتنفق الحكومة الإسبانية نحو مليار يورو سنويا على الإعانات للمباني القديمة لرفع كفاءتها في استخدام الطاقة من أجل تحديثها.

ويختلف الوضع قليلا في البرتغال وفقا لشركات العقار العاملة هناك. ويقول أحد العاملين في قطاع المنتجعات، وهو جيمس هاريسون الذي يدير منتجع «بوستانا» للغولف إن الفقاعة انفجرت في البرتغال كما انفجرت في مواقع عقارية أخرى، ولكن تطوير المنتجعات في البرتغال لم يكن بكثافة ما جرى في إسبانيا وما زالت الإمدادات أقل من الطلب في السوق.

وتكفلت الأزمة الحالية بخروج المضاربين الذين تسببوا في الفقاعة في المقام الأول بعمليات شركاء ممولة بالقروض الرخيصة من البنوك. وفي منطقة غرب «الغارف» جنوبي البرتغال يوجد كثير من المنتجعات الناجحة التي ما زالت تجذب السياح والمستثمرين من ألمانيا وهولندا وبريطانيا.

وينصح هاريسون أيضا بالابتعاد عن المشاريع التي تقدم إيجارات مضمونة لفترات لأنها تكون في العادة مضافة إلى ثمن البيع، كما لا ينصح بالمنتجعات التي تشمل تجهيزات باهظة التكاليف لأن ذلك يجعل صيانة المواقع باهظة التكاليف. فالمشتري في منتجعات الغولف يريد فقط الاستمتاع برياضة الغولف والحياة الاجتماعية وليس التسهيلات الرياضية الأخرى غالية التكلفة، مثل الجاكوزي بالمياه الساخنة.

ومع ذلك، فالاعتقاد السائد في أسواق العقار اليوم هو أن محنة المنتجعات لن تستمر على المدى الطويل وسوف تعود القيمة لهذه القطاعات مع الانتعاش القادم. وهناك كثير من المشروعات الناجحة، خاصة في القطاع السوبر فاخر، التي ما زالت تتوسع ومنها مشروعات ساحلية في تايلاند لعدد من الفيلات التي تتوسط منتجعات ساحلية. أحد هذه المشروعات مكون من 20 فيللا ثمن الواحدة لا يقل عن خمسة ملايين دولار. ومع ذلك باع المشروع حتى الآن 9 منها على الرغم من عدم الاستقرار السياسي في البلاد وارتفاع الأسعار. ويعتقد المشرفون على هذه المشروعات أن هناك كثيرا من الأثرياء في العالم الذين لم تتأثر قدراتهم الشرائية بموجة الكساد. وهؤلاء يستثمرون الآن في مناطق منتقاة وفي مشروعات متكاملة تبنيها شركات يمكن الاعتماد على ملاءتها.

يذكر أن كثيرا من المنتجعات وجدت أن إحدى نقاط الضعف، إلى جانب الأزمة العالمية، أنها تتوجه إلى الأسواق الخطأ من أجل تسويق منتجعاتها. فمعظم المنتجعات المشرفة على الإفلاس تتوجه أساسا إلى الأسواق الأوروبية والبريطانية التي تقع في عين العاصفة الاقتصادية من حيث ديون الأفراد والحكومات. وانتبهت بعض منتجعات تايلاند إلى هذه الحقيقة عندما توقفت رحلات الأوروبيين تماما إلى تايلاند في أعقاب المتاعب السياسية التي أغلقت مطار العاصمة منذ فترة. ويقول جاي ووكر مدير منتجع «كوكونات فيلاج ريسورت» الذي يقع على جزيرة صغيرة بالقرب من جزيرة فوكيت السياحية المعروفة، إن توجهات التسويق حاليا تركز على الأسواق الإقليمية وأسواق الشرق الأوسط بدلا من الأسواق الأوروبية. وهو يلاحظ أن الأوروبيين ما زالوا يذهبون إلى فوكيت ولكنهم من فئات شعبية تستخدم الطيران الرخيص ولا تنفق كثيرا في رحلاتها السياحية.

وهو يعترف أن العالم يتغير وسياحة المنتجعات يجب أن تتغير معه. وبدلا من التسويق في أوروبا يتوجه التسويق الآن إلى كثير من الجهات الجديدة مثل كوريا الجنوبية والصين واليابان والهند. وهو يصف أسواق العقار الأوروبية بأنها أسوأ من فرق كرة القدم فيها، باستثناء إسبانيا بالطبع.

الشراء في المواقع الموثوق بها أفضل خلال فترات الكساد

* المستثمرون الراغبون في دخول مجال المنتجعات يمكنهم تجنب كثير من المتاعب بالشراء في مواقع موثوق فيها وقائمة بالفعل وتتاح فيها مبيعات وحدات عقارية جديدة أو مستعملة. من هذه المشروعات يمكن اختيار النخبة التالية:

- منطقة البحر الكاريبي: مشروع في جزر باربادوس اسمه «رويال ويستمورلاند» تبدأ الأسعار فيه من 430 ألف دولار لشقة بغرفة نوم واحدة ترتفع إلى 860 لشقة من غرفتي نوم. وتبدأ أسعار الفيلات من نحو المليون دولار وهي تقع على مساحات كبيرة من الأرض الخاصة بها.

- إسبانيا: منطقة كتالونيا بها شقق بغرفتي نوم تبدأ من 300 ألف يورو وبيوت صغيرة تبدأ من 650 ألف يورو. وفي منطقة سوتوغراندي تبدأ الأسعار من نصف مليون يورو لشقق من غرفتي نوم.

- البرتغال: مشروع «بوستانا» في منطقة «الغارف» يقدم شققا مكونة من غرفتي نوم بأسعار تبدأ من 150 ألف يورو، وفيللات تبدأ من 495 ألف يورو.