مبيعات العقارات الفاخرة في لندن تسجل أرقاما تاريخية

وصلت قيمتها إلى 2.4 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي

أحد المشاريع العقارية الفاخرة في منطقة فوكسهول بلندن، حيث لا يقل سعر الشقة الواحدة عن مليون جنيه إسترليني (تصوير: حاتم عويضة)
TT

ترافقت الأخبار السارة والأخيرة في قطاع العقارات الفاخرة في بريطانيا، وخصوصا العاصمة لندن، مع توقعات بتراجع الأسعار بشكل عام خلال النصف الثاني من هذا العام.

ويبدو أن الحركة التصاعدية، وغير العادية، التي شهدتها الأسواق خلال النصف الأول من هذا العام (2010) أسهمت وتسهم في حماية الأسواق العقارية من الهبوط والتراجع، على الرغم من التوقعات السلبية للنصف الثاني، وتراجع الأسعار بنسب قليلة.

على أي حال فقد أشارت الأرقام الأخيرة التي نشرتها مؤسسة «سافيلز» الدولية في العاصمة، إلى أن قيمة العقارات أو المنازل الفاخرة التي بيعت في لندن بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) هذا العام وصلت إلى 850 مليون جنيه إسترليني (1.275 مليار دولار تقريبا). وهذه أعلى قيمة يسجلها القطاع خلال ربع واحد في تاريخه الحديث، على الرغم من أن القطاع شهد فترة أو ربعا مماثلا في نهاية الطفرة العقارية مع الركود العالمي عام 2008.

والأهم من هذا تقول «سافيلز» إن قيمة العقارات الفاخرة والممتازة التي بيعت في لندن خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام أي حتى شهر يوليو (تموز)، وصلت إلى 1.6 مليار جنيه إسترليني (2.4 مليار دولار تقريبا).

وبالتأكيد كانت معظم هذا العقارات في المناطق الفاخرة في وسط العاصمة وشمالها مثل كامدن تاون، وكينزينغتون، وتشيلسي، ونايتس بريدج، ومايفير، وفولهام، وبلغريفيا، وهامبستيد، وكوينز وي، وبادينغتون.

وعلى الرغم من هذا، فإن المسؤولين في «سافيلز» يحذرون ويتوقعون أن يخف الطلب قليلا على العقارات الفاخرة من الآن حتى نهاية العام، أو في النصف الثاني من هذا العام، مما سيؤدي إلى تراجع الأسعار بنسبة 4.5 في المائة. وهذا يعني أن الأسعار التي ارتفعت بنسبة 3.6 في المائة في الربع الأول من هذا العام ستكون في نهاية العام أقل بنسبة 1 في المائة عما كانت عليه في البداية.

ومن شأن ارتفاع عدد العقارات المتوفرة في الأسواق خلال موسم الخريف الحالي وموسم الشتاء المقبل، المساهمة في تراجع الأسعار قليلا كما تتوقع «سافيلز».

لكن الخبراء يعتبرون أن هذا الوضع طبيعي ومتوقع، وهو جزء من التقلبات الموسمية، ولهذا بالذات يتوقع أن تعود الطفرة إلى القطاع من جديد عام 2012. ومن شأن تعافي الأسواق الفاخرة أن ينعكس إيجابا على القطاعات الأخرى. ويتوقع أن تحافظ لندن على مركزها على رأس لائحة المناطق الأفضل أداء على الصعيدين الوطني والأوروبي عقاريا (فاخرا أم عاديا) خلال السنوات الخمس المقبلة.

وقد كانت الأسواق العقارية الفاخرة والممتازة في لندن في مقدمة القطاعات التي بدأت تشهد تعافيا من الركود في بداية عام 2008. ولذا يتوقع لها أن تقود التعافي الثاني عام 2012، وقد ارتفعت أسعار هذه العقارات منذ الركود عام 2008، بنسبة لا تقل عن 17.5 في المائة.

وتعلق «سافيلز» على ارتفاع الاهتمام والطلب على العقارات الفاخرة في لندن، قائلة إن ذلك يعود في معظمه إلى التغيير الحاصل في عمليات استثمار الأغنياء، وهروبهم من الأسواق المالية إلى الأسواق الثابتة والفاخرة، مثل العقارات والمجوهرات واللوحات الفنية. ويعود أيضا، كما تؤكد الكثير من التقارير الدولية، إلى ارتفاع حجم الثروات في البلدان الأخرى، وخصوصا في البلدان الغنية وذات الاقتصادات المتصاعدة على صعيد النمو، مثل الهند والصين وهونغ كونغ والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وماليزيا، بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية وأبناء الشرق الأوسط والخليجيين بالتحديد لتوفر السيولة.

وكانت «برابراتي واير» الدولية قد نشرت تقريرا في بداية أغسطس (آب) هذا العام، أشارت فيه إلى أن أسعار العقارات الفاخرة والممتازة في لندن بدأت بالتراجع بعد خمسة عشر شهرا من التعافي والنمو حسب المؤشرات العقارية الأخيرة.

وكما توقع الكثير من المحللين، أشارت «نايت فرانك» الدولية أيضا إلى أن أسعار العقارات الفاخرة في العاصمة تراجعت بنسبة نصف في المائة في يوليو الماضي، وهو أول تراجع منذ مارس (آذار) عام 2009.

وعلى الرغم من أن الأسعار حاليا أقل بنسبة 6.1 في المائة عما كانت في مارس عام 2008، فإنها لا تزال أعلى بنسبة لا تقل عن 23 في المائة عما كانت عليه في مارس العام الماضي (2009).

وبينما تؤكد المؤشرات الأخيرة أن معظم المناطق تأثرت بتراجع الأسعار، باستثناء منطقة مايفير (ارتفعت بنسبة 0.2 في المائة)، كما أن إحدى المشكلات التي تعاني منها سوق العقارات الفاخرة هي التضخم في أسعار العرض بنسب لا تقل أحيانا عن خمسة أو عشرة في المائة، وهي نسبة عالية جدا في مثل هذا القطاع الذي لا يقل فيها سعر المنزل عن 7.5 مليون دولار.

وكما تقول «نايت فرانك» أيضا، إن التراجع في الأسعار كانت متوقعا منذ شهور طويلة، وإن الأسعار وصلت إلى ذروتها وأكثر أحيانا مدفوعة بتراجع معدلات الفائدة، وضعف الجنيه الإسترليني في أسواق الصرف.

ويبدو أن قلة العقارات الفاخرة والممتازة التي كانت متوفرة في الأسواق بين نهاية عام 2009، وبداية العام الحالي، أسهمت في رفع أسعار وصولها إلى الذروة أيضا. وعلى الرغم من أن الأسعار قد تتراجع في الأشهر الخمسة المقبلة بنسبة لا تقل عن 3.2 في المائة، فإنها ستسجل نموا في لندن طيلة العام الحالي بنسبة 5 في المائة.

ويبدو أن العقارات التي تتراوح أسعارها بين مليون جنيه (1.5 مليون دولار) كانت الأكثر نموا، ولم تتراجع سوى بنسبة 0.2 في المائة مؤخرا. وقد سجل هذا النوع من العقارات أعلى نسبة نمو خلال السنة الماضية.

أما العقارات التي تتراوح أسعارها بين 3 ملايين جنيه (4.5 مليون دولار تقريبا) و5 ملايين جنيه (7.5 مليون دولار تقريبا)، فقد كانت الأكثر تأثرا بالتراجع.

ومن جهة أخرى، أكد تقرير لبنك «هاليفاكس»، أن قيمة العقارات في بريطانيا تضاعفت وارتفعت بما لا يقل عن ألفي مليار جنيه (3 آلاف مليار دولار تقريبا) خلال عشر سنوات، بين عامي 1999 و2009. وكانت قيمة العقارات الإجمالية في البلاد في عام 1999 نحو 1.7 ألف مليار جنيه (2.55 ألف مليار دولار تقريبا)، ولكنها تصل حاليا إلى أكثر من 3.7 ألف مليار جنيه (5.55 ألف مليار دولار تقريبا). وقد ارتفع مؤشر الأسعار خلال تلك الفترة أيضا بنسبة 30 في المائة تقريبا.

وهذا يعني أن معدل قيمة الفرد الواحد في بريطانيا عقاريا، يصل حاليا إلى 33 ألف جنيه.

ومع هذا فإن أسعار العقارات السكنية بشكل عام قد تراجعت بنسبة 8 في المائة منذ بدء الركود العام عام 2007 ونهاية العام 2009، حسب «هاليفاكس».

وكانت نسبة الارتفاع في الأسعار خلال العام الماضي نحو 2 في المائة.

والأهم من هذا أن الفجوة التقليدية والتاريخية بين الشمال والجنوب في بريطانيا على صعيد العقارات قد تقلصت وأصبحت أضيق من أي وقت سابق بين عامي 1999 و2009. فخلال هذه الفترة ارتفعت الأسعار في المناطق الشمالية واسكوتلندا بنسبة لا تقل عن 132 في المائة، إلى 109 في المائة في المناطق الجنوبية عن الفترة نفسها. وعلى هذا الأساس تكون حصة الشمال من قيمة العقارات البريطانية بشكل عام قد ارتفعت من 41 في المائة إلى 44 في المائة.

الارتفاع الأهم والأكبر خلال تلك الفترة كان في أيرلندا الشمالية، حيث سجلت نسبة ارتفاع تصل إلى 200 في المائة تقريبا، ما يعني أن حصة الثروة العقارية في البلاد قد ارتفعت من 31 ألف مليار عام 1999 إلى 92 ألف مليار عام 2009.

أما المناطق التي حصلت على المرتبة الثانية من ارتفاع الأسعار خلال ذلك العقد، فقد كانت المناطق الشمالية الشرقية، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 147 في المائة، أما في اسكوتلندا في المرتبة الثالثة، فقد كانت النسبة 145 في المائة. ويأتي بعد ذلك منطقة يوركشاير بنسبة 139 في المائة، والمناطق الوسطى الشرقية بنسبة 133 في المائة. وكانت أقل نسبة ارتفاع على أسعار العقارات السكنية في تلك الفترة أيضا في المناطق الجنوبية الشرقية (10 في المائة) وشرق إنجلترا والمناطق الوسطى الغربية (107 في المائة). ويقول مارتن أليس عن «هاليفاكس» في إطار الارتفاع الكبير في قيمة العقارات في بريطانيا بين عامي 1999 إلى 2009، إن الارتفاع كان هائلا وكبيرا نسبة إلى السنوات السابقة، وقد سجلت معظم المناطق نموا سنويا في قيمة عقاراتها بنسب تتراوح بين 7 و12 في المائة سنويا. وأن علامات تقلص الفجوة بين الشمال والجنوب عقاريا كانت واضحة من حجم ارتفاع حصة الشمال من قيمة العقارات في البلاد، وتصل حاليا إلى 3.7 ألف مليار جنيه إسترليني.

لكن التراجع الذي حصل على أسعار العقارات السكنية بعد الأزمة المالية الدولية أو أزمة الائتمان وما تلاها من ركود اقتصاد العالمي، عام 2007، شمل كل المناطق البريطانية دون استثناء، وقد وصلت نسبة التراجع إلى 5 في المائة في العاصمة لندن، وإلى 7 في المائة في المناطق الشمالية الشرقية، ونيوكاسل بشكل خاص. أما في المناطق الشمالية الغربية، فقد وصلت نسبة التراجع إلى 8 في المائة، وفي المناطق الجنوبية الشرقية بنسبة مماثلة. أما في أيرلندا الشمالية، فقد سجلت نسبة تراجع في الأسعار بنسبة لا تقل عن 19 في المائة، بعد ارتفاعات كبيرة قبل ذلك.

وتقول مؤسسة «سافيلز» في إطار العقارات الفاخرة ولندن في تقرير خاص عن توجهات الأسواق العقارية السكنية للعام الحالي، إن ارتفاع حجم الثروات أو ثروات الأفراد حول العالم قد أسهم في تأجيج سوق العقار الفاخر، وإنقاذ الأسواق العقارية السكنية بشكل عام من الهبوط العام الماضي (2009). وخصوصا ارتفاع نسبة الأغنياء الذين تتعدى ثرواتهم الـ30 مليون دولار بنسبة 21.5 في المائة العام الماضي. كما أن التقلبات في الأسواق المالية والأسهم خلال العامين الماضيين لعبت دورا كبيرا في توجه المستثمرين والأغنياء إلى أسواق العقار الفاخر والآمن والمستقر في وسط لندن ومناطقها المعروفة. ويبدو أن مصادر الثروات، بالإضافة إلى حركتها حول العالم، ستبقى تلعب دورا مهما ورئيسيا في قيمة أسعار العقارات الفاخرة في العاصمة لندن، على ما تشير «سافيلز».