أنواع جديدة من الاستثمار العقاري تبرز بعد الأزمة العالمية

تعفي المستثمر من شراء الأخشاب والإسمنت

تداول وحدات صناديق العقار ينتشر في معظم البورصات، ومستثمرو العقار يمكنهم شراؤها في البورصة
TT

من تحت رماد الأزمة العقارية بدأت تتبلور أنواع جديدة للاستثمار العقاري، قد يكون لها تأثيرات جذرية على أسواق العالم في غضون سنوات قليلة. أحد هذه التحولات توجه الاستثمار العقاري إلى التداول في البورصة بحيث يتعامل المستثمر مع حصص من عقارات يشتريها ويبيعها في مناخ من السيولة العالية ومن دون أن يتوجه إلى السوق لإجراء عمليات الشراء الفعلي لهذه العقارات. وكان أحد أسباب هذا التحول الرغبة في زيادة سيولة أسواق العقار التي ما زالت شبه متجمدة في صفقات تستغرق أحيانا عدة شهور حتى تكتمل بالبيع أو الشراء، مع وجود نفقات متكررة تضاف إلى أعباء المستثمر، مثل المسح العقاري وتكاليف الإجراءات القانونية والضريبية، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة والاقتراض.

وبدأت هذه التحركات في الآونة الأخيرة مع ازدياد حركة البيع والشراء بآليات أسرع من الوتيرة السابقة. وفي دراسة أوروبية حول توجهات كبار المستثمرين العقاريين فيها، قال 77 في المائة منهم إن قرار الشراء يغلب الآن على قرار البيع في المجال العقاري. وتدخل القيمة الكامنة في الاستثمار العقاري ضمن أهم اعتبارات اتخاذ قرار الشراء في المقام الأول.

ولا يقوم هؤلاء في الوقت الحاضر بتنفيذ هذه الصفقات في السوق مباشرة، بل يعتمدون على شركات استثمار متخصصة تدير لهم الاستثمارات العقارية وتطرح أسهما عقارية في السوق تمثل مشاركة مباشرة في أسواق العقار من دون الحاجة إلى شراء الخشب والإسمنت.

ويقول خبراء استثمار من بنك «مورغان ستانلي» إن أسواق العقارات الأوروبية تنمو باتجاه أسواق الاستثمار بحيث يمكن القول إن اندماجهما بات واقعا. وينمو الآن قطاع صناديق الاستثمار العقاري المنافس في أسواق العقار بالنيابة عن المستثمرين في هذه الشركات، بغرض بيع وشراء وتداول العقار ثم توزيع العوائد والأرباح دوريا.

وقبل ثلاث سنوات كانت حصة هذه الصناديق من السوق الأوروبية نحو مليار يورو، زادت في العام الحالي إلى 4.2 مليار يورو. وتشهد الأسواق الأوروبية بصفة عامة، نمو هذا النوع من الصناديق الاستثمارية، التي تعمل بأسلوب الاستثمار العقاري المباشر بالنيابة عن المساهمين فيها. وهو نموذج جديد يوفر السيولة والمرونة في التعامل والكثير من أساليب واستراتيجيات الاستثمار. كما أنها تعمل كعامل استقرار وتعميق لأسواق العقار وتساهم في حمايتها من التقلبات المفاجئة لأنها مهيأة للاستثمار على المدى البعيد.

ويجذب هذا النوع من الاستثمار الكثير من الحكومات وكبار المستثمرين العرب والأجانب، بالإضافة إلى صناديق التقاعد وشركات التأمين العالمية. وهي تتميز بنسبة جيدة من العوائد مع الاستقرار بعيدا عن تقلب أسهم البورصات العالمية في المجالات الأخرى. ويمكن اعتبار هذه الصناديق نوعا من الاستثمار غير المباشر في العقار الذي يعفى المستثمر فيه من إدارة شؤون العقار على نحو يومي أو متابعة عمليات البيع والشراء في توقيت يضمن الأرباح ويتجنب الخسائر. ويقتصر اهتمام المستثمر في صناديق الاستثمار العقاري على الاختيار بين ما يناسبه من حيث حجم ونوع الاستثمار الذي يرغبه ويترك مهمة إدارة المحفظة العقارية للشركات النشيطة والمتخصصة في هذا المجال.

وتشمل الصناديق أنواع الاستثمار العقاري كافة من سكني وتجاري وصناعي. ويزداد الطلب على هذا النوع من الاستثمار في الأسواق الأميركية والأوروبية ضمن محافظ تشمل أيضا أسهما أخرى وعقارات بالشراء المباشر. ويقدر حاليا حجم الاستثمار العقاري العالمي في مجال الصناديق في الشق التجاري وحده بنحو 600 مليار دولار، تزداد إلى 800 مليار دولار بإضافة القطاع السكني. ويبلغ هذا المعدل ضعف ما كان عليه في عام 2003.

ويبلغ حجم الاستثمار العقاري الأجنبي المتوجه إلى أوروبا حاليا نحو 200 مليار يورو، بزيادة 30 في المائة عما كان عليه في عام 2005. ولا توجد إحصاءات دقيقة لحجم الاستثمار العربي من هذا المجموع حيث تختلط الأرقام بين استثمارات حكومية وأخرى خاصة وثالثة عبر شركات أوروبية أو صناديق مسجلة في أوروبا بملكية عربية. ومن بين هذه الاستثمارات تتوجه حصة كبيرة إلى ألمانيا وبريطانيا باعتبارهما نقاط الجذب الجديدة للاستثمار الأجنبي في أوروبا. وتحصل ألمانيا على ربع الاستثمار العقاري الأجنبي في أوروبا حاليا بقيمة 50 مليار يورو، وهي نسبة تبلغ ضعف ما كانت عليه منذ عام واحد. وتعتبر السوق الألمانية من أسرع أسواق الاستثمار العقاري نموا، وتنضم إلى أسواق نشيطة أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الآسيوية.

ويتعامل المستثمر في الوحدات الاستثمارية من هذه الشركات كما يتعامل في الأسهم. وتضاف إلى مزايا هذا النوع من الاستثمار أنه يمكن أن يخصم من الأعباء الضريبية في حالات تراجع الأسواق وتسجيل خسائر. كما أنه يوفر السيولة التي تتيح البيع والشراء السريع من دون تعقيدات وقيود شراء وبيع العقارات الفعلية. ويضمن هذا النوع من الاستثمار أيضا عوائد أعلى من أسعار الفائدة التي هي تكلفة الاقتراض، لأنه يعتمد أساسا على عوائد إيجارية هي الآن أعلى من أسعار الفائدة. كما أنه استثمار لا يحتاج إلى اقتراض مبالغ كبيرة من البنوك كما في حالات تمويل الشراء العقاري العادي.

ولكن على الرغم من نسبة النمو السريع لهذا النوع من الاستثمار العقاري فإن المعروض في السوق حاليا لا يلبي إلا نسبة ضئيلة من الطلب المتزايد عليه من الشرق الأوسط ومن مناطق أخرى. ولذلك يضطر المستثمر العربي الكبير إلى مزج استثماراته العقارية في أوروبا بين وحدات الاستثمار العقاري غير المباشر والاستثمار الفعلي في مشروعات عقارية قائمة، يحتفظ بها للمدى البعيد.

وتحاول البنوك الدولية من جهتها الاستفادة من هذا التوجه الجديد بتوفير التمويل اللازم لهذا النوع من الاستثمار العقاري غير المباشر من دون الحاجة إلى ضمان القروض بعقارات فعلية. ولا تقبل البنوك على نسبة أعلى من المخاطر لأن نسب الإقراض في هذه الحالات تكون أقل من الإقراض العقاري الفعلي.

وتقول مؤشرات سوق العقار الدولية إن مستثمري الشرق الأوسط توجهوا بنسبة أكبر إلى الأسواق الأميركية التي تراجع فيها الاستثمار العقاري القادم من مناطق أخرى مثل أوروبا. ومن كل الاستثمارات العقارية المصدرة من المنطقة في العام الماضي بلغ حجم الاستثمار العربي في أوروبا ملياري دولار، مقابل مبيعات بلغت 1600 مليون دولار خلال الفترة نفسها. وفي الولايات المتحدة باع العرب ممتلكات عقارية قيمتها مليار دولار ولكنهم استثمروا في شراء عقارات أميركية قيمتها أربعة مليارات دولار. كما بلغ استثمارهم العقاري في آسيا خلال هذه الفترة نفسها نحو 200 مليون دولار.

وبالعودة إلى السوق الأوروبية نجد أن الاستثمار العربي ساهم خلال العامين الأخيرين في دعم مؤشرات الاستثمار العقاري. وإذا أخذنا القطاع العقاري التجاري في ألمانيا كمثال نجد أنه اجتذب استثمارات بلغ حجمها 19 مليار يورو في العام الماضي، وهو رقم قياسي جديد، معظمه من الطلب الأجنبي، وخصوصا الطلب الأميركي.

التوجه نحو آسيا: من ناحية أخرى، يتوجه الاستثمار العقاري بأسلوب الصناديق إلى مناطق جديدة سعيا وراء المزيد من هوامش الأرباح. وتعتبر آسيا من أهم هذه المناطق، خصوصا أكبر الأسواق فيها وهي السوق الصينية. وتعتبر الصين حاليا من أنشط أسواق العقار التي يرصدها المستثمرون الأجانب. وخلال العام الماضي بلغ التعامل الأجنبي في العقارات الصينية نحو 2.8 مليار دولار. ويتركز الاستثمار الأجنبي في الصين حاليا على الشريط الساحلي الشرقي الذي يمتد جنوبا من شنغهاي. ومن المتوقع أن يرتفع الاهتمام العقاري في الصين خصوصا بعد وضع قوانين تضمن حقوق الاستثمار الأجنبي.

ويرتفع الطلب العقاري من الشركات متعددة الجنسيات التي تشتري مواقع لها في السوق الصينية سواء بغرض الاستثمار أو لاتخاذ الصين قاعدة لها لتصنيع الصادرات.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة ظل الطلب العقاري في الصين ينمو بنحو 3.5 في المائة سنويا، كما ارتفعت الإيجارات بنسبة 7 في المائة. وتتوقع شركة «لاسال» العقارية من مقرها في لندن أن يزداد تنافس صناديق الاستثمار العقاري في الصين ضمن سعيها الدائم لتحديد فرص الاستثمار محدودة المخاطر مرتفعة العوائد.

ولكن السوق الصينية تحمل بعض الأخطار الإضافية حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في أسواقها. وتفرض الصين ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار التي تتم عقب الشراء بفترات زمنية قصيرة، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تضبط أي عمليات تلاعب في الأسواق.

وتنافس الصناديق أيضا في أسواق كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان التي تلاحق النمو العقاري الصيني بعوائد إيجارية أعلى، ولكن بنسب نمو أقل في رأس المال. وتؤكد إحصاءات أوروبية أن ثلاثة أرباع مستثمري العقار في أوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل 18 في المائة يرغبون في خفض هذه المحفظة، و5 في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي.

«الملكية الجزئية» لاقتناء العقارات الفاخرة

* يعتبر أسلوب «الملكية الجزئية» أحد الابتكارات الأخرى في سوق العقارات لتسهيل دخول المستثمرين إلى قطاع العقارات الفاخرة. وهو أسلوب يسهل العقبات بتوزيع المخاطر على المساهمين، ولكنه أيضا يحد من العوائد بتقسيمها أيضا. وهو أسلوب يفتح الطريق نحو ملكية عقارية كانت ستظل حلما من دونه. ومن خلال هذا الأسلوب يجمع عدد من المستثمرين مواردهم معا من أجل شراء عقار غالي الثمن ثم يقومون بتقسيم الملكية في المنفعة من حيث العوائد الإيجارية وثمن البيع النهائي.

هذا الأسلوب الجديد للملكية الجزئية نما أيضا خلال السنوات الأخيرة إلى درجة أنه أصبح صناعة قوامها عشرات الملايين من الدولارات، خصوصا في الولايات المتحدة. وهو ينتقل الآن تدريجيا إلى أوروبا. وهو يختلف تماما عن أسلوب الـ«تايم شير» سيئ السمعة.

هذا الأسلوب لا يحتم أن يعرف الشركاء بعضهم بعضا معرفة شخصية، والفائدة الواضحة من هذا الأسلوب أن المشتري يستطيع أن يملك نصفا، أو نسبة معينة، من عقار فاخر لم يكن يستطيع أن يملكه من دون المشاركة. كما أنه يستطيع في حالة الملكية الجزئية دعوة معارفه وأصدقائه لزيارته في عقاره الفاخر من دون أن يعرف أي منهم أنه لا يملك كل العقار. كما أن المشتري يكون شريكا في رأس المال وفي ملكية العقار، وليس فقط مستخدما للعقار خلال فترة محدودة كل عام، فهو يستفيد من نمو أسعار العقار عندما يحين وقت البيع.

وتقوم عدة شركات استثمارية في الوقت الحاضر بتسويق هذا النوع من ملكية العقار، من بينها شركة «بست غروب» التي تعتبر من مبتكري هذا النوع من الاستثمار العقاري. ومن بين مبيعات هذه الشركة فيللا كاريبية فاخرة يبلغ ثمنها نصف مليون دولار فقط، ولكنها موزعة على خمسة مستثمرين اختارتهم الشركة من بين زبائنها لأن رغباتهم في الشراء وفي حجم رأس المال المتوافر لهم متماثلة إلى درجة كبيرة. ويدفع كل مستثمر من الخمسة مائة ألف دولار، وفي المقابل يمتلك أحد أخماس الفيللا، أو نسبة 20 في المائة منها، تتيح له استخدامها استخداما شخصيا أو تأجيرها لمدة عشرة أسابيع كل عام.

ولا تربط الملكية الجزئية المساهمين فيها بموعد بيع محدد أو بقرارات استثمارية غير مناسبة لهم، فمن يريد من الشركاء بيع حصته يستطيع ذلك بسهولة عبر شركة الإدارة التي توفر مستثمرين آخرين يشترون الحصص المعروضة بسعر السوق. وهو نوع آخر من الملكية التي توفر أعباء الشراء، مثل التسجيل والتأمين وتكاليف شركات البيع والمحامين.