كبار السن في الغرب يشجعون على الاستثمار في عقارات التقاعد

تجمع بين القرى السياحية والمجمعات السكنية المتكاملة الخدمات

مشاريع المجمعات السكنية للتقاعد أو «لايف ستايل» تمثل قيمة أكبر («الشرق الأوسط»)
TT

تنتشر في الكثير من المدن الغربية مشاريع تجمع بين القرى السياحية والمجمعات السكنية متكاملة الخدمات، تتفق فيما بينها في أنها تتوجه إلى قطاع المتقاعدين من كبار السن. وبينما تعاني بقية قطاعات السوق من ندرة التمويل وضعف الطلب، فإن هذا القطاع يتميز بزيادة الإقبال عليه، وأيضا تنافس شركات العقار على الاستثمار فيه لتلبية الطلب.

انتشرت مشاريع التقاعد أولا في أسواق مثل أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة ولكنها بدأت مؤخرا في الانتشار أيضا في أوروبا. ويقول ليام بريدي، مدير القطاع الإسكاني في شركة «نايت فرانك» العقارية، إن قطاع عقارات التقاعد هو الوحيد المرشح للنمو خلال العشرين عاما المقبلة، ليس فقط في بريطانيا وإنما في جميع الدول الغربية.

وكانت الصعوبات التي أعاقت انتشار هذه المشاريع في الماضي في أوروبا تتراوح بين عدم تخصيص الأراضي اللازمة لها وعدم وجود حوافز على مستوى الحكومات والمجالس المحلية لمثل هذه المشاريع. ولكن هذا الوضع سوف يتغير مع زيادة شريحة كبار السن الذين يحتاجون إلى بعض الخدمات المصاحبة للإسكان.

ويقول تقرير من شركة «نايت فرانك» حول هذا القطاع الإسكاني في بريطانيا، إن شريحة المتقاعدين تمثل نصف الملكية العقارية في بريطانيا من الآن وحتى عام 2026. ومن بين هؤلاء الذين يزيد عمرهم على 65 عاما، تعيش نسبة 89 في المائة منهم في عقارات عادية لا يشغلون منها سوى حجرة واحدة من ثلاث أو أربع غرف. ويقدر مجلس البنوك والشركات التي توفر القروض العقارية أن قيمة هذه العقارات التي لا توجد عليها قروض أو ديون ومملوكة للمتقاعدين تبلغ قيمتها نحو تريليون جنيه إسترليني، أو نصف الثروة العقارية في كل بريطانيا.

وفي الظروف الاقتصادية الحالية ومع تغير النمط السكاني وأعباء تمويل الرعاية الصحية والمعاشات لكبار السن، سوف تتحول نسبة من تكاليف التقاعد إلى الأفراد أنفسهم، ويجد معها المتقاعدون أنفسهم مضطرين إلى خفض حجم الملكية العقارية لتدبير المزيد من الدخل. ومن بين الحلول المتاحة بيع العقارات الكبيرة التي يملكونها والتحول إلى مشاريع التقاعد التي توفر لهم مساكن سهلة الصيانة والخدمات التي يحتاجون إليها.

وترى الحكومات الغربية مزايا واضحة لهذه المشاريع، فهي تجمع المسنين في موقع جغرافي واحد بحيث يسهل تقديم الرعاية الصحية لهم ومراعاة احتياجاتهم الأخرى. كما أن بيع المساكن العادية التي يملكها كبار السن من شأنه أن يساهم في حل أزمة نقص المساكن العائلية المتاحة للبيع. وتنعكس المزايا أيضا على المسنين الذين يعيشون حياة أفضل في مساكن مخصصة لهم وبلا متاعب مالية في سنوات عمرهم المتقدمة.

وتقول شركات العقار المتخصصة في هذا المجال إن الضغوط تزداد من أجل إيجاد المزيد من العقارات المخصصة للمسنين، وخصوصا أن الكثير منهم فشلوا في تصغير العقارات التي يقيمون بها إلى مساكن تقاعد تليق بهم لعدم وجود مثل هذه المساكن.

ويقول مدير القطاع في شركة «سافيل» العقارية في لندن، اندرو سرجنور، إن الكثير من شركات العقارات تريد بدورها دخول هذا المجال ولكن الظروف المالية الحالية لا تسمح بالتمويل وبالتالي تمنع توسع القطاع لتلبية الطلب. من ناحية أخرى يجد المتقاعدون صعوبة في بيع عقاراتهم في المناخ الحالي.

ويقول أحد المتقاعدين الذين تحولوا إلى عقار مخصص لكبار السن إنه سعيد لعدم الحاجة إلى رعاية الحديقة ومنزل واسع، والذهاب في رحلة إلى مسافة ميل كامل من أجل شراء صحيفة يومية. فهو يعيش الآن في شقة صغيرة سهلة الصيانة وتفي المعايير فيها بحاجات كبار السن حتى المعوقين منهم، فالصنابير سهلة الفتح والإغلاق لمن يعاني من الروماتيزم، والأبواب واسعة لاستيعاب المقاعد المتحركة، وكذلك مفاتيح التحكم في الإضاءة التي تقع على مستوى منخفض على الحوائط. والحمامات أيضا مجهزة بجميع أدوات المساعدة على الاستحمام، كما تزود المساكن بإنذارات لطلب المساعدة في حالات وقوع أزمات صحية.

وهناك عدة قرى للمسنين توفر مثل هذا المناخ بالإضافة إلى مجالات اجتماعية للتواصل فيما بينهم وبناء الصداقات والقيام بالكثير من النشاطات في جو آمن. إحدى هذه القرى اسمها «غروف بليس» توفر لسكانها مكتبة بها مختلف الكتب وأجهزة الكومبيوتر، بالإضافة إلى قاعات ترفيه وأندية اجتماعية. وهي تختلف في مناخها العام عن العقارات العادية التي كان المتقاعدون يعانون فيها من الوحدة طوال ساعات النهار التي يعمل فيها صغار السن بعيدا عن المنازل.

ويدفع المقيمون في مثل هذه القرى بعض التكاليف الإضافية لهذه الخدمات إلى إدارة مركزية للقرى توفر لهم الخدمات وتسهر على راحتهم.

ويعتقد أحد المستثمرين الذي حضر من نيوزيلندا إلى بريطانيا أن السوق الواعدة خلال العشر سنوات المقبلة سوف تكون سوق الصين حيث يزداد تعداد المسنين فيها ولكن من دون الرعاية اللازمة. وتكفلت أيضا سياسة الطفل الواحد لكل أسرة بانهيار نظام الرعاية الأسرية الذي طالما اعتمد عليه المجتمع الصيني. ويجد الأزواج الصينيون حاليا أنفسهم مسؤولين عن رعاية أربعة مسنين وطفل واحد.

وتأمل بعض شركات العقار البريطانية أن يشجع الكساد الحالي على التحول إلى مجال عقارات التقاعد حيث الطلب فيها أعلى من أسواق العقار العادي الخاملة. وقد سبق أن حدث هذا في الكثير من الأسواق الأخرى مثل نيوزيلندا في الثمانينات.

وتطرح الكثير من هذه الاستثمارات للإيجار للمتقاعدين، وفي الوقت نفسه تطرح أسهم شركات عقارية نشيطة في هذا المجال على كبار المستثمرين. ولكن معظم المشاريع تطرح للملكية المباشرة للقادرين على الاستثمار فيها من المتقاعدين.

وفي كل الأحوال ينصح خبراء العقار بضرورة الاستشارة المالية قبل التعاقد مع شركات تعرض وحدات سكنية للتقاعد للتأكد من جودة الاستثمار وقيمته. فهناك بدائل أخرى للمتقاعدين، منها الاستثمار في سندات توفر دخلا ثابتا طوال فترة التقاعد ويتمكن معها المتقاعد من اختيار أسلوب المعيشة الذي يروق له.

وهناك شركات تقدم قرى للتقاعد توفر سكنا مضمونا مدى الحياة للمتقاعدين، وذلك مقابل إيجارات ثابتة لا ترتفع إلا بمعدلات التضخم. وتشتري هذه الشركات القرى وتعيد إيجارها، وهي تتوسع باستمرار.

وهناك فارق جوهري ما زال موجودا بين القرى الأوروبية حديثة النشأة والقرى الأميركية. فالقرى الأوروبية، والبريطانية منها على وجه الخصوص، يتم تسويقها على أساس أنها قرى للمسنين تقيهم من مخاطر المرض أو الإعاقة، وتباع على أنها ضمان ضد هذه المخاطر. ولكن القرى الأميركية يتم بيعها على أنها نماذج إيجابية للإقامة في منتجع دائم يمكن أن تتكون فيه صداقات وعلاقات اجتماعية ونشاطات متنوعة. وهذا التسويق الإيجابي له وقع جيد على المشترين والمستثمرين على السواء.

وهناك الكثير من عوامل النجاح في اختيار وإدارة مواقع قرى التقاعد، فالموقع يجب أن يكون قريبا من المدن والتجمعات السكانية التي يعيش فيها المتقاعدون، وليس على شواطئ بعيدة عن الأهل والأصدقاء. وفيما يتعلق بمساحات الشقق، يجب أن تكون أكبر من شقق التقاعد التقليدية ولا تقل عن غرفتي نوم وربما ثلاث غرف. فالكثير من المتقاعدين يستمرون في العمل ولديهم الكثير من الأصدقاء، وهم يحتاجون إلى غرفة مكتب وغرفة ضيوف بالإضافة إلى غرفة نوم. وأخيرا يجب أن تحاط القرى بمساحات خضراء مريحة للعين وأن تكون قريبة من الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها المتقاعدون، وتوفر لهم وسائل الراحة المعتادة التي يحتاج إليها كبار السن من تجهيزات مطابخ وحمامات.