تقنيات تسويق إلكترونية تدفع التداول العقاري في مرحلة مضطربة

تزداد قيمتها ويشتد التنافس فيها بين البائعين لإنجاز الصفقات في سوق خاملة

تقنيات الاتصال الحديثة تساهم في تنشيط الأسواق الخاملة («الشرق الأوسط»)
TT

يرى خبراء العقار أن الفترة الحالية من أصعب فترات أسواق العقار على الإطلاق، لأن التقدم الحثيث الذي سجلته أسعار العقار منذ أزمة الائتمان قبل عامين، تبدو عليه أعراض التراجع مرة أخرى. وتتزايد الضغوط على بعض الأسواق مثل بريطانيا والولايات المتحدة، فيما يصفه البعض بأنه مقدمة لموجة تقلص ثانية.

وفي هذا المناخ المتقلب تظهر أهمية التقنيات الحديثة في تسويق العقار عبر وسائل جديدة لأسواق عالمية لا يحتاج معها المستثمر إلى السفر لمشاهدة العقار وانتظار إجراءات البيع والشراء. فالتقنيات الحديثة تتكفل بكل شيء من المشاهدة وحتى تسليم صكوك الملكية.

ويلجأ عدد متزايد من مستثمري العقار إلى التكنولوجيا كبديل واقعي للسفر من أجل إجراء مشاهدات عقارية ومقارنات بين العقارات المتاحة، وربما أيضا التفاوض على إجراءات الشراء. وتقدم التقنيات المتاحة مجالا واسعا للاطلاع على العقارات والتجول داخلها افتراضيا والاطلاع على المواقع المحيطة بها عبر صور حية ومتابعة جميع الخدمات المتاحة في مناطق العقار. كما يمكن أيضا إنجاز 90 في المائة من الإجراءات عبر التبادل الإلكتروني للمعلومات، بما في ذلك تدبير تقييم العقار وتمويله وتسجيله مبدئيا.

وتزداد قيمة التكنولوجيا في تسويق العقار في أوضاع السوق الحالية التي يشتد فيها التنافس بين البائعين لإنجاز الصفقات في سوق خاملة. كما أن الإسراع في عقد الصفقات قد يكون مفيدا في تجنب تحولات السوق المفاجئة التي قد تهبط بالأسعار فتضر البائع أو ترتفع على حساب المشتري.

وتقول مؤشرات الأسعار الدولية حاليا إن حالة الخمول سوف تستمر لفترات طويلة، مع تقدم طفيف في معظم الأسواق ما عدا تلك التي تعاني من زيادة الإمدادات العقارية عن الطلب المتاح. ومن أبرز أمثلة هذه الأسواق المتخمة كل من إسبانيا ودبي وآيرلندا، وهي تحتاج إلى التسويق المكثف واستخدام تقنيات الاتصال للتسويق على نطاق عالمي.

وتعاني أوروبا على وجه الخصوص من مرحلة تقشف في الإنفاق العام وزيادة في الضرائب، الأمر الذي ينعكس سلبا على التوظيف وعلى ثقة المستهلكين. كما تشكو أسواق العقار الأوروبية من تقلبات الأحوال الاقتصادية، ولكن الرأي الشائع بين الاقتصاديين فيها يستبعد انهيارا في الأسعار. والمستقبل المنظور يشير إلى موجات هبوط وارتفاع قصيرة المدى في الوقت الذي تحاول فيه اقتصادات أوروبا استعادة عافيتها.

وبينما تعاني أوروبا من التراجع، فإن بعض الأسواق العالمية الأخرى تنطلق في أسعارها خصوصا في الصين وأستراليا وهونغ كونغ. وفي هذه الدول تحاول الحكومات منع تكوين فقاعات سعرية بتشديد شروط الإقراض. ولكن حتى في بعض الأسواق الخاملة مثل بريطانيا ما زالت معدلات الأسعار فيها أعلى من مستوياتها التاريخية، على رغم فترة الكساد الحالي.

ولكن التطور التكنولوجي الذي طرأ على مجال التسويق العقاري لم يبدأ مع أزمة العقار وإنما انطلق أساسا من انتشار استخدام التقنيات الحديثة، خصوصا تطور شبكة الإنترنت وزيادة اعتماديتها وارتفاع عدد المشاركين فيها. بالإضافة إلى تطور وسائل الاتصال اللاسلكي مثل الهاتف الجوال وأجهزة «بلاك بيري»، بالإضافة إلى انتشار استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي والتواصل الإلكتروني.

وكما في الكثير من المجالات الأخرى، فإن من يتخلف عن التكنولوجيا الحديثة في الاستثمار العقاري لن يتقدم كثيرا في هذا المضمار. هذه النصيحة ليست تعميما بلا خلفية، بل هو توجيه مباشر من خبراء العقار في الدورات التدريبية التي يعقدونها للمهتمين بهذا المجال. ويمكن القول إن بداية الارتقاء التقني في مجال الاستثمار العقاري بدأت على نطاق ضيق قبل عشر سنوات مع الألفية الجديدة وتضاعفت سنويا منذ ذلك التاريخ.

فالإحصاءات الأميركية مثلا في مجال تجارة العقار تشير إلى نسبة 2 في المائة فقط كانت تستخدم الإنترنت للبحث عن العقار المناسب في عام 1995، أي واحد من كل خمسين مشتريا. أما في عام 2001 فإن هذه النسبة ارتفعت إلى 41 في المائة، أي ما يقرب من واحد من كل اثنين من المشترين. وفي عام 2010 تكاد تنعدم نسبة هؤلاء الذين لا يستخدمون الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة الأخرى في بيع وشراء وتجارة واستثمار العقار.

وتقلص التقنيات الحديثة من فاعلية الوسائل التقليدية تدريجيا، فقد كان الاتجاه هو استخدام التسويق المعتاد بملصقات ورسائل بريدية وشركات متخصصة في البحث وبائعين يفتحون بيوتهم لـ«المعاينة» مرة كل أسبوع من أجل البيع السريع. فالتكنولوجيا الحديثة استبدلت كل هذه الوسائل لأنها توفر الوقت والجهد وتتيح السرية والفاعلية وإمكانية البحث والاختيار بعيدا عن ضغوط البيع والشراء.

ولعل استخدام التكنولوجيا من شركات العقار نفسها كان له الأثر الأكبر في تطوير السوق. ففي أحد معارض العقار التي جرت في لندن مؤخرا، كان المشاركون في المعرض مستمرين في إنجاز أعمالهم التجارية من استشارة وعقد صفقات أثناء حضورهم المعرض. ليس هذا فقط بل إن مديرين من شركة أميركية انتهزوا فرصة المشاركة في المعرض لعرض عقارات أميركية على المشاركين عبر العرض ثلاثي الأبعاد على شاشات كبيرة مرتبطة عبر الإنترنت بأجهزة الكومبيوتر الدفتري التي يحملونها في حقائب صغيرة. وأتاحت التصميمات الثلاثية إمكانية التجول داخل العقار بتقنية المحاكاة، ثم التعرف عبر الصور والفيديو على العقارات نفسها والمناطق المحيطة بها. وتعرض مثل هذه الشركات التصميمات المجسمة على مواقع داخلية ضمن شبكات الشركة الداخلية المعروفة باسم «إنترانت» (Intranet)، نظرا إلى حجم المعلومات الكبير الذي تتطلبه مثل هذه التصميمات. ولكن بعضها تمكن في الشهور الأخيرة من إتاحة مثل هذه المعلومات على شبكات الإنترنت المفتوحة، لكي يراها جميع الزبائن المحتملين من أي مكان في العالم.

المستثمر العقاري لا يضطر هذه الأيام إلى البقاء في مكتبه من أجل متابعة أعماله. بل هو غير مضطر إلى البقاء بجوار جهاز كومبيوتر. فعدد كبير من هؤلاء أضحى يعتمد في اتصالاته على أجهزة «بلاك بيري» التي تتيح لهم تلقي وإرسال البريد الإلكتروني اللاسلكي من أي مكان. وإذا أضيف الهاتف الجوال وجهاز «لاب توب» أو «آي باد» المتصل لاسلكيا بالإنترنت، فإن إجراء الأعمال يمكن أن يجري من أي مكان، سواء من المنزل أو من الشاطئ أو حتى من عرض البحر.

التكنولوجيا الحديثة تلغي الجغرافيا والزمن. وهي تربط خبراء العقار مع أطراف السوق من مشترين وبائعين من كل أنحاء العالم، بحيث يمكن التخاطب المباشر عبر الفيديو والتفاوض عبر ثلاثة أطراف أو أكثر هاتفيا وإنهاء الإجراءات إلكترونيا، حتى مرحلة التوقيع الإلكتروني على التعاقد الذي تأخذ بقانونيته بعض الحكومات حاليا. وهناك الكثير من الحالات التي لم تكن متاحة قبل سنوات قليلة ولكن التقنيات الحديثة جعلت منها صفقات مربحة لكل الأطراف وفرت من خلالها الكثير من الجهد والوقت والمال. وتتيح هذه الصفقات لشركات العقار المعتمدة على التقنيات الحديثة مضاعفة نشاطها بعدد محدود من الوكلاء المتمرسين على التقنية، وهي هنا تستبدل بالكم النوع.

البائعون أيضا يستفيدون من التقنيات الجديدة في عمليات التسويق. وبالإضافة إلى التسويق على الإنترنت يمكن تصميم «بروشورات» حية عن العقارات الدولية المعروضة للبيع لتوزيعها على الفئات المهتمة بها عبر البريد الإلكتروني. وفي بعض الحالات يمكن للبائع أن يتيح للمشتري مشاهدة العقار على شاشة الكومبيوتر عبر كاميرات مركبة في أنحائه بحيث تكون الصور حية وواقعية لما يمكن أن يتوقعه من العقار قبل السفر لمعاينته على الطبيعة.

وضمن نشاطات شركات العقار الحديثة يتم تبادل المعلومات بين أي وكيل عقاري في الشركة وزبائنه مع كل الوكلاء الآخرين داخل الشركة عبر نسخ من البريد الإلكتروني المتبادل. ويدرس الجميع بعناية كل حالة وكأنها زبائن خاصة لهم ويتعرفون على مطالب عملاء كل الشركة وليس فقط العملاء الذين يتعاملون معهم بصفة شخصية. وهذا التبادل الحر للمعلومات يعني أن حاجات العميل سوف تلبى في كل الظروف حتى لو تخلف الوكيل المختص بسبب عطلة أو مرض أو حتى في حالة مغادرته الشركة إلى شركة أخرى. فالمتغيرات الداخلية في الشركة لا يجب أن تؤثر على خدمة العميل الذي يتطوع وكيل آخر لمعاونته على تلبية حاجاته بالمستوى نفسه الذي كان يلقاه من الوكيل الأصلي. كما أن التكنولوجيا تتيح لوكلاء العقار الاستجابة الفورية لأي استفسار من أي موقع في العالم يوجدون فيه، وذلك لأن كلا منهم يحمل جهاز «بلاك بيري» في جيبه يربطه لاسلكيا بشبكة البريد الإلكتروني للشركة. وتصل نسبة 95 في المائة من الاستفسارات العقارية الجديدة للشركات حاليا بواسطة البريد الإلكتروني.

وساهم في هذا التحول التقني الكبير الانتشار الرخيص والمضمون لشبكات الإنترنت والارتباط الدائم بها عبر خطوط «برودباند» السريعة التي لا تستغني عنها حاليا الكثير من الشركات بكل أحجامها، كما ينتشر استخدامها في المنازل أيضا. وتعتبر الشركات أن خطوط الاتصال الإلكتروني بينها وبين العملاء بمثابة قنوات تسويق مفتوحة على الدوام بغرض النمو بحجم الأعمال. وهي تبذل جهدا لكي تحسن من كفاءة هذه القنوات من حيث صيانة أنظمتها باستمرار والاستجابة الفورية المحترفة لأي استفسار في السوق.

ولكن مع كل التقنيات المتاحة والمتوسعة دوما تبقى لمسات الخدمة الشخصية هي العامل الحيوي في اكتساب الثقة وعقد الصفقات. فأكبر شركات العقار وأكثرها اعتمادا على وسائل الاتصال الحديثة تعرف جيدا أن هذه الوسائل إنما هي أدوات لخدمة العميل وليست بديلا عن الخدمة الشخصية.

ولكن التكنولوجيا تظل حيوية في النهوض بمستوى وسرعة وكفاءة الخدمة في الشركة الطموحة، بحيث ترسي معايير مرتفعة في السوق يجب أن ترتقي إليها الشركات الأخرى إذا أرادت أن تنافس بالمستوى نفسه. ويقرر العميل في النهاية أيا من الشركات سوف تستمر وتنمو، لأنه يفضل التعامل معها.