بين «مشتائم» و«متفائل» و«متشائل».. تضارب حول مستقبل سوق الإسكان الأميركي

خبراء يرون أن الأسوأ مر.. وآخرون يعتقدون أن معاناة القطاع ستستمر لعقود

TT

وسط حالة الضبابية التي تسيطر على انتعاشتنا الاقتصادية المتعثرة، ربما يكون سوق الإسكان مبعث الحيرة الأشد.

وفي بعض الأحيان، يبدو قطاع العقارات في المراحل الأولى من تراجع حاد. وقد تراجعت مبيعات المنازل في يوليو (تموز)، ويتوقع بعض المحللين حاليا أن السوق ستبقى تعاني على مدى أعوام، وربما يستمر ذلك إلى عقود.

ومع ذلك، يقول آخرون إن أسوأ الاحتمالات قد ولت وانتهت. ومثلما كتب كارل كيس، الاقتصادي البارز المتخصص في قطاع العقارات، مؤخرا: «يعني شراء منزل في الوقت الحالي الكثير».

ولا يمكنني زعم توضيح جميع الأشياء المجهولة. ولكني أريد اقتراح إطار لمعرفة ما إذا كنت تميل إلى توقع تراجع في الأسواق أم أنت أقل ميلا للاعتقاد بذلك: هل تعتقد أن السكن مثل سلعة كمالية وأن المجتمعات تنفق المزيد عليه عندما يصبحون أكثر ثراء؟ أم هل تعتقد أن السكن يشبه الطعام والملابس وغيرهما من السلع الأساسية، التي يكون لها نصيب من نفقات المستهلكين طوال الوقت؟

وإذا كنت تعتقد أن السكن سلعة كمالية، فإن ذلك يعني أنك ستعتقد أن أسعار المنازل سوف ترتفع بسرعة ارتفاع الدخول على المدى الطويل، وأن أسعار المنازل في الوقت الحالي ليس مبالغ فيها بصورة كبيرة. وإذا كنت تنظر إلى السكن على أنه شيء أساسي ولا غنى عنه، فإن الأسعار سترتفع ببطء شديد، على ضوء معدلات التضخم العامة، كما هو الحال مع الطعام.

وفي النهاية، يكون الاختلاف بين هاتين النظرتين كبيرا، وهذا موضع نقاش متعب.

وبعد دراسة الأمر، أميل إلى الفريق الذي يرى أن السكن سلعة كمالية، وهو الأقل ميلا للاعتقاد بأن الأسواق ستشهد تراجعا. وبالنسبة إلي، لا يرتبط الإسكان بالبطالة أو العجز التجاري أو العجز في الميزانية أو ديون المستهلكين كإحدى أكبر المشكلات في الاقتصاد. ولكنك ربما لا توافق على ذلك.

لا يوجد أحد يشكك في أن الأسعار ارتفعت تقريبا مع ارتفاع الدخول في الفترة من عام 1970 حتى 2000. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت هذه الفترة شيئا استثنائيا أم لا؟ ويرى البعض ممن يتوقعون تراجع قطاع الإسكان، مثل الباحث الاستثماري والمدون المحبوب باري ريثولتز، أن الأمر كذلك. وقد كانت الحكومة تضيف فترات للإعفاء الضريبي مقابل ملكية منازل، وكانت معدلات الفائدة في تراجع. وتتوقع هذه المجموعة أن هذه الاتجاهات لن تكرر نفسها.

وكدليل، يمكن الإشارة إلى بيانات تاريخية جمعها روبرت شيلر، المتعاون مع كيس. وتشير هذه البيانات إلى أن أسعار الإسكان لم ترتفع بنفس سرعة معدلات التضخم على مدار جزء كبير من القرن الماضي.

وعندما يصبح الناس أكثر ثراء، ينفقون حصة أقل من دخولهم على الأساسيات. ويمكن التفكير في هذا الأمر بهذه الطريقة: فالشخص الذي يحصل على زيادة كبيرة في المرتب لا ينفق عادة هذه الزيادة على البقالة. ويمكن أن تفهم كيف أن السكن - الذي يرتقي إلى كونه سلعة أساسية، مثل الطعام - سيمثل حصة أقل من نفقات المستهلكين بمرور الوقت. وفي هذه الحالة، يجب أن ترتفع أسعار المنازل بنفس وتيرة معدلات التضخم العامة.

وهنا يظهر الشيء المخيف، على الأقل بالنسبة إلى ملاك المنازل، فإذا كانت هذه النظرة صحيحة، ربما تبقى أسعار المنازل مبالغ في قيمتها بنسبة تصل إلى 30 في المائة. وهذه تقريبا الفجوة بين متوسط نمو دخل الأسرة ومعدلات التضخم خلال العقد الماضي.

كما أنها أيضا القيمة المبالغ فيها التي أشار إليها مؤشر شيلر التاريخي. وفي الوقت الحالي، يبلغ المؤشر قرابة 130، بعد أن تراجع بدرجة كبيرة بالمقارنة بعام 2006 عندما بلغ 203. ولكنه لا يزال أعلى من متوسط النسبة في الفترة من عام 1890 حتى 1970 التي بلغت 94.

وفي الواقع، يقول من يتوقعون تراجع السوق إن قطاع الإسكان كان في ارتفاع استمر على مدى عقود وقد دخل حاليا فترة تراجع ستستمر لعقود أيضا.

ولا توافق على ذلك المجموعة الثانية الأقل ميلا إلى الاعتقاد في تراجع السوق. وتضم هذه المجموعة كيس ومارك زاندي من «موديز أناليتكس» وتوم لولر، الاقتصادي من فيرجينيا، الذي توقع انتهاء النمو في قطاع الإسكان قبل آخرين كثر. وترى هذه المجموعة أن أسعار المنازل ترتفع بسرعة تقترب من سرعة ارتفاع الدخول، إن لم تكن بنفس سرعتها.

ويمكن لهذا الفريق أن يعبر عن رأيه اعتمادا على التاريخ. ويشير كيس إلى أن كل الإحصاءات المرتبطة بقطاع الإسكان قبل عام 1970 موضع شك. وبحكم الضرورة، فإن المؤشر التاريخي لشيلر اعتمد على الكثير من المصادر، مثل استطلاعات وزارة العمل. وقد قامت هذه المصادر برسم صورة سلبية عن أسعار الإسكان السابقة بمقدار أكبر من البيانات الأخرى.

وعلى سبيل المثال، منذ 1940 يسأل مكتب الإحصاء السكاني الناس عن قيمة منازلهم كما يتوقعون، مثلما أشار لولر في أحد الخطابات. وتشير الإجابات إلى أن أسعار المنازل ارتفعت بسرعة أكبر من معدلات التضخم العامة - وبنفس سرعة ارتفاع الدخول - ليس في الفترة من عام 1970 حتى 2000 وحسب، ولكن في الفترة من عام 1940 إلى 1970 أيضا.

وبنفس الصورة، بحث كيس سجلات مبيعات المنازل في منطقة بوسطن، التي بنيت في أواخر القرن التاسع عشر. وتظهر السجلات ارتفاع الأسعار بسرعة أكبر بمقدار 2.5 نقطة مئوية سنويا بالمقارنة مع معدلات التضخم، وهو تقريبا ما حدث مع الدخل.

وربما الشيء الأكثر إقناعا هو إحصاء أرسله شيلر إلي عندما سألته بشأن هذا الخلاف. ويظهر الإحصاء أن حصة إنفاق المستهلكين – وبالتبعية الحصة من الدخل – المخصصة إلى السكن لم تتراجع بمرور الوقت. وتتراوح بين 14 أو 15 في المائة خلال الأعوام الـ60 الأخيرة. وفي المقابل تراجعت حصة النفقات المخصصة إلى الطعام من 25 في المائة إلى 13 في المائة.

وتظهر هذه الأرقام أن فترة ما بعد عام 1970 ليست فترة شاذة. وكلما أصبحت المجتمعات أكثر ثراء، أنفقت بمقدار أكبر على الإسكان. ويشير شيلر إلى أن بعضا من هذه النفقات تأتي في شكل منازل أكبر وأغلى ثمنا. ولا تفعل هذه المنازل شيئا لرفع قيمة منزل أصغر وأقدم، وهو المهم بالنسبة إلى ملاك المنازل من الأفراد. ولكن، لا يعد شراء المنازل الكبيرة العامل الوحيد.

ولفهم ذلك، يمكن النظر إلى حصة نفقات المستهلكين المخصصة إلى أشياء داخل المنازل، مثل الأثاث. وكما هو الحال مع المنازل، تصبح هذه الأشياء أغلى ثمنا. ولكنها لم تكن مرتفعة بنفس الصورة التي هي عليه الآن. ويعد ذلك دليلا قويا على أن تجديد المنازل نفسها لا يكفي لتوضيح النفقات المرتفعة على السكن.

وهناك أيضا قيمة الأرض. لم تتغير المنازل الموجودة في منطقة بوسطن التي تناولها كيس بالدراسة بدرجة كبيرة بمرور الوقت. ولكن تغيرت قيمتها.

وبالنسبة إلى منزل لمكانه قيمة - داخل مدينة كبيرة أو بالقرب من إحدى الضواحي حيث لا يمكن لشخص ببساطة أن يبني منزلا مشابها في نفس الشارع - تكون الأرض جزءا كبيرا من المعادلة. ويقول زاندي إنه بمرور الوقت يجب أن ترتفع قيمة هذه الأرض تقريبا بسرعة الناتج الاقتصادي داخل المنطقة، أو بصيغة أخرى مع ارتفاع الدخول. وربما أفضل نصيحة إلى ملاك المنازل والمشترين المحتملين، هي التفكير في المنزل ليس كاستثمار ولكن، وقبل أي شيء آخر، كمكان للعيش. وإذا كانت ثمة فرصة جيدة للانتقال خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ربما يجب عليك أن تستأجر، فمشكلات الشراء والتكاليف كبيرة. وعلاوة على ذلك، فإن أسعار المنازل ليست منخفضة داخل معظم الأماكن في الوقت الحالي.

وتبلغ نسبة متوسط سعر المنزل بالمقارنة مع الدخل نحو 3.4، بالمقارنة مع 3.2 قبل ظهور فقاعة الإسكان. وعلى ضوء الظروف الضعيفة داخل الاقتصاد والنسبة المرتفعة لعمليات حبس الرهن العقاري، ربما تتراجع الأسعار خلال عام أو عامين. وتبدو مرتفعة على نحو خاص داخل أماكن الإيجارات فيها أقل نسبيا، مثل سان دييغو وسان فرانسيسكو. وربما يبقى نمو الدخل ضعيفا على مدار أعوام، مما يجعل النمو في أسعار المنازل أقل.

ولكن، إذا أمكن تتخيل البقاء لفترة أطول من أعوام قليلة، ربما تجد بعض السلوى في حقيقة أن الفقاعة تبدو في الأغلب قد تراجعت. وفي وقت ما قريب، يفترض أن ترتفع الأسعار مرة أخرى. ربما لا تكون متماشية مع الدخول، ولكن من المحتمل أن تكون بوتيرة أسرع من أسعار الطعام والملابس.

وفي الوقت الحالي، نأمل لو نجد ما يدفع إلى التفاؤل بشأن مشكلات أخرى يعاني منها الاقتصاد.

* خدمة «نيويورك تايمز»