قرية بريطانية للبيع بـ10 ملايين إسترليني

تعتبر من أسرار عالم «صفقات العقار السوبر»

العقارات الفاخرة تتبع معايير مغايرة لحركة أسواق العقار العادية («الشرق الأوسط»)
TT

تجري معظم صفقات العقار الكبرى، التي تسمى بالصفقات السوبر، في سرية تامة ولا تعرف بها الأسواق إلا بعد إتمامها. والأسباب كثيرة ومعروفة، ومنها أن الأثرياء لا يرغبون في الإشارات السلبية التي تثيرها عمليات البيع، كما يريدون أيضا تجنب الدعاية وتطفل الجيران.

ولذلك، يتعرف الأثرياء على هذه الصفقات عبر وسائلهم الخاصة وأهمها وكلاء الشراء، كما يدبرون التمويل عبر صفقات خاصة لا تتبع شروط السوق. فسوق العقارات السوبر يمكن اعتبارها منفصلة تماما عن أسواق العقار العادية. وهو عالم قائم بذاته، مليء بالأسرار وأحيانا بالغرائب.

من بين حكايات الصفقات الكبيرة، التي خالفت تيار السرية وشاعت إعلاميا، قرية بريطانية في مقاطعة كورنوول معروضة للبيع هذا الشهر بـ10 ملايين إسترليني. وانتشر أمر هذه الصفقة بعد أن اكتشف سكان القرية البالغ عددهم 85 نسمة أن قريتهم، التي تسمى «تريفالغا» والقصر الرئيسي فيها ومساحته 1200 فدان، معروضة للبيع بكل ما فيها من عقارات ومنازل. وأعلنت هذه الصفقة في وسائل الإعلام، لندرة الصفقات من هذا النوع ولأن مالكها الأصلي توفي، كما أن البائع هو جامعة محلية اكتشفت أنها تملك صندوقا من نوع الوقف العقاري الذي أرادت أن تستخدم السيولة المتاحة فيه لحل مشكلاتها المالية.

وتعود قصة قرية «تريفالغا» إلى ثلاثينات القرن الماضي حين اشتراها الثري جيرالد كورجنفن بمبلغ 14 ألف إسترليني، وبعد وفاة زوجته في عام 1951 أوصى جيرالد بصندوق استثماري يملك صكوك القرية وتعود عوائده إلى الجامعة التي كان يعمل بها مدرسا في المنطقة نفسها.

وهكذا مرت السنون على القرية وهي لم تتغير في وضعها القانوني، كمنطقة مرهونة للصندوق العقاري. وفي الوقت الذي تطورت فيه مقاطعة كورنوول سياحيا، بقيت القرية على حالها ولم تفتتح فيها أي منافذ للبيع. وفي عام 1959، توفي جيرالد ونجح الصندوق في تنفيذ الوصية، والوفاء بعوائد القرية لصالح الجامعة. ولكن الأمر تغير في عام 2010 حينما تعرضت الجامعة لأزمة مالية هددتها بالإفلاس، فلجأت إلى الصندوق الاستثماري علها تجد فيه الحل.

وفحص المحامون صندوق الوصاية واكتشفوا أنه بعد مرور نصف قرن على الوصية ومن دون تاريخ محدد لنهاية الوقف وأيضا لعدم وجود ورثة للصندوق، فيمكن للجامعة المحلية التصرف في بيع القرية والاستفادة من ثمنها. وبينما رأت الجامعة أن ملكية مثل هذا العقار الثمين لا تتناسب مع استثماراتها الأخرى، رأت إدارة الجامعة أن أفضل وسيلة هي بيع القرية. ولجأت الجامعة إلى شركة «سافيل» العقارية، لكي تطرح القرية للبيع في سوق العقار الدولية. ولم تقرر شركة «سافيل» السعر النهائي للقرية، ولكن بعض المصادر قدرت ثمن القرية بنحو 10 ملايين إسترليني.

وبالطبع، انزعج أهل القرية من هذه الأنباء غير السارة التي قد تغير حياتهم البسيطة إلى المجهول، حيث يعيش معظم أهالي القرية على الزراعة ومنتجات حيوانية، وهو أسلوب حياة متوارث ولم يتغير منذ خمسينات القرن الماضي. بعضهم قرر الرحيل بالفعل بدلا من انتظار القضاء والقدر، والبعض الآخر يخشى فقدان العقارات أو رفع الإيجارات. ويدعي البعض منهم أنهم كتبوا إلى الأمير تشارلز لكي ينقذهم من مصير مجهول. ولكن الجميع يعرفون أن المرحلة الجديدة سوف تأتي عاجلا أو آجلا ويظهر معها ثري جديد قد يغير حياة أهل القرية، وقد يتركهم لشأنهم.

وتقول مؤشرات السوق إن فرص بيع مثل هذه القرية، وغيرها من الصفقات التي يزيد ثمنها على 5 ملايين إسترليني، أكبر من فرص بيع العقارات العادية في السوق. ويؤكد جون تيلور من شركة «نايت فرانك» أن السوق تنقسم الآن إلى قسمين: العقارات العادية وفيها الطلب متدنٍّ والأسعار متراجعة، والعقارات الفاخرة فوق حد الـ4 ملايين إسترليني وفيها يزيد الطلب على العرض بنحو 10 في المائة حاليا.

ولهذا، يكتشف الكثير من الأثرياء أنهم لا يجدون العقار المناسب بسهولة، وعندما يجدونه يكتشفون طابورا طويلا من المشترين قد سبقهم إلى البائع. سبب هذا أن عقارات القطاع الفاخر التي تقع بين 5 و10 ملايين إسترليني انخفض المعروض منها في السوق بنحو 20 في المائة في العام الأخير. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد المشترين بنصف هذه النسبة تقريبا.

ويقول فيليب سيلواي من وكالة الشراء «باينغ سوليوشن» إن المشتري في هذا القطاع ينقسم إلى عدة فئات، منها نحو 15 في المائة من الأثرياء بالوراثة، ومثلهم من الذين كونوا ثرواتهم من الاستثمار العقاري أو في الأوراق المالية. ونسبة كبيرة من فئات المشترين النشطين في أسواق بريطانيا حاليا هم من أصحاب الملايين الأجانب. ويأتي معظم الأجانب من روسيا وأنحاء آسيا والشرق الأوسط. ويختلف البريطانيون عن الأجانب في أنهم في هذا القطاع الفاخر ينطلقون بقوة إلى الضواحي الخضراء والمقاطعات التي تبعد عن لندن زمن ساعة في القطار على الأقل.

ويضيف سيلواي أن المشترين الإنجليز في هذا القطاع هم في العادة من العائلات الصغيرة التي تبحث عن نوعية حياة هادئة خارج زحام العاصمة، أو مدارس جيدة للأطفال. وجميع هؤلاء يبحثون في هذا القطاع عن منزل الأحلام الذي يتكون من خمس أو ست غرف، بالإضافة إلى غرف إضافية لطاقم الخدم مع ملعب تنس وحمام سباحة وأراضٍ خضراء حوله، مساحتها في حدود 5 إلى 10 أفدنة. والسعر الأدني لهذه المواصفات لا يقل عن 2.5 مليون جنيه إسترليني، ولكنه يصل في المتوسط إلى 5 ملايين إسترليني.

والمناطق المفضلة هي تلك المقاطعات التي تحيط بلندن، خصوصا في جهات الغرب والجنوب. ولكن المعضلة التي تواجه المشتري دوما هي عدم وجود العقارات الكافية التي تغطي الطلب على هذه النوعية من العقارات. وهذه الندرة تضغط على الأسعار ارتفاعا، مما يدفع المشترين أحيانا إلى دفع مبالغ أعلى مما يطلب البائع - تصل أحيانا إلى 25 في المائة - للفوز بالعقار.

ويعد تنافس الأجانب على قطاع العقارات الفاخر في بريطانيا من أهم أسباب نشاط هذا القطاع وارتفاع الأسعار فيه أحيانا، في مخالفة واضحة لتوجهات السوق. وتسهم منطقة الشرق الأوسط بقوة في هذا القطاع، بالمنافسة مع روسيا والأسواق الناشئة في آسيا.

أهمية الوكيل وهنا تأتي أهمية الاستعانة بوكيل الشراء العقاري. فهو من ناحية يمكنه أن يسدي النصيحة، خصوصا لغير المقيمين، حول العقارات التي تعتبر مؤهلة لعرض سعر أعلى فيها، حيث يقول أحد الوكلاء إن بعض المشترين يزايدون في السعر أحيانا على عقارات «من الدرجة الثانية»، حيث تكون بها عيوب واضحة، مثل القرب من محطات السكك الحديدية (أي إنها مزعجة) أو أبراج الضغط العالي الكهربائية.

وكيل الشراء العقاري، من ناحية أخرى، يمكنه أن ينصح العميل بانتظار الفرصة المناسبة، وعدم التقدم بعروض لعقارات معينة. وفي معظم الأحيان، يمكن للوكيل عن طريق اتصالاته بوكلاء البيع الحصول على معلومات العقارات المعروضة قبل أن تعرض في السوق. هناك أيضا الكثير من أصحاب العقارات الفاخرة الذين يرفضون فكرة عرض العقارات في السوق المفتوحة، ويتصلون مباشرة بوكلاء الشراء لإيجاد عميل مناسب للشراء من دون أن تطرح العقارات في السوق.

هناك أيضا أسلوب مغاير، وهو أن يتقدم وكيل الشراء بالنيابة عن المشتري لإبلاغ مالك العقار أن هناك من يهمه شراء العقار بالثمن الذي يحدده. وفي معظم الأحوال السابقة، لا بد للمشتري أن يكون مستعدا لدفع مبالغ أعلى من سعر السوق. وهي علاوة يقدرها خبراء الشراء بنحو 10 - 15 في المائة من ثمن الشراء.

ولكن الاستراتيجية المناسبة تعتمد على حالة السوق. ففي الأحوال التي يكون فيها العرض أكبر من الطلب ينصح الوكيل عميله المشتري بالانتظار حتى تعرض العقارات في السوق قبل أن يتقدم للشراء. ولكن النصيحة في أحوال نقص المعروض، كما هو الحال حاليا، هي الإسراع بإتمام الصفقة قبل وصول العقار إلى السوق.

ويؤكد وكيل شراء أن عملية الشراء عادة ما تكون عاطفية، فالمشتري يقع في حب عقار معين ولا يمانع من دفع أي مبلغ للحصول عليه. وهناك حالات مثبتة لمشترين دفعوا مليون جنيه إسترليني زيادة على السعر المطلوب للحصول على قصر الأحلام.

وفي الوقت الذي يزداد فيه استخدام وكلاء الشراء، فإن بعض المشترين يفضلون التوجه مباشرة إلى أصحاب العقار، إما بالكتابة إليهم أو بالدق على الباب وسؤالهم. ولكن هذا الأسلوب له أيضا سلبياته، فهو يزعج أصحاب العقار الذين قد يقررون عدم البيع لمشترٍ معين مهما كانت الإغراءات. كذلك فإن مثل هذه الأساليب تغضب وكلاء الشراء الذين يتصلون بمشترين آخرين عندما تصلهم فرصة تسويق ثمينة لعقارات نادرة في السوق.

هناك الكثير من الإجراءات الأخرى التي ينصح بها وكلاء شراء العقار للمساعدة على إتمام الصفقات، فالمشتري يجب أن يكون مرنا، خصوصا في توقيت إتمام الصفقة، حتى لو طلب مالك العقار منحه بعض الوقت لكي ينتقل إلى عقار آخر. لا بد أيضا من عرض مبلغ سخي في العقارات ذات القيمة الكامنة لضمان الحصول عليها. وفي النهاية، فإن أفضل أسلوب هو مراعاة مشاعر البائعين، ودخول مجال العقارات الفخمة من أوسع أبوابها، وهو وكيل الشراء العقاري.

تمويل الشراء على الرغم من أن معظم صفقات القطاع الفاخر تجري نقدا، فإن البعض يقترض لتمويل عقاره الجديد. ولدى البحث عن ممول للصفقات الكبرى، يكتشف المشتري أن عدد البنوك المقرِضة يتقلص تدريجيا كلما ارتفع حجم الإقراض المطلوب. ولا تزيد نسبة الإقراض في هذا القطاع بأي حال عن 80 في المائة كحد أقصى من ثمن العقار المطلوب.

خبراء العقار في هذا القطاع من السوق يؤكدون أن معظم المشترين يساهمون بنسب تتراوح بين 20 و30 في المائة من ثمن العقار. ونظرا لأن حجم القرض كبير، فإن المتمرس منهم يبحث عن أقل سعر فائدة ممكن في السوق. وتتيح بعض الشركات المتخصصة في لندن قروضا في الوقت الحاضر بسعر فائدة لا يزيد على 3 في المائة لقروض أكبر من المليون جنيه إسترليني. وهو سعر يقل عن سعر الإقراض للعقارات العادية في بريطانيا.

ويضيف خبراء السوق أن سعر الفائدة ليس هو العامل الأهم في هذا القطاع من السوق، فالعاملون في القطاع المالي مثلا لا يعتمدون على دخل ثابت، وتتكون أجورهم من مبالغ لا تزيد على 200 إلى 300 ألف جنيه سنويا، مع حوافز إنجاز هائلة في السنوات المربحة. ويريد المشترون في هذا القطاع أن تحتوي القروض المصرفية على عامل مرونة يتيح لهم فرصة دفع نسبة كبيرة من القرض في أوقات معينة والامتناع عن الدفع تماما في أوقات أخرى. وبسبب هذا الوضع لا يقبل الكثير منهم على تعاقدات بأسعار ثابتة للفائدة.

وتقول إحصاءات بنك إنجلترا لإن نسب تداول العقار البريطاني هذا العام أقل مما كانت عليه في عام 2007 بنحو 20 في المائة. ولكن، في القطاع السوبر تزداد نسبة الطلب هذا العام عما كانت عليه منذ عام واحد بنحو 10 في المائة.

البائعون في هذا القطاع أيضا يفضلون عدم عرض عقاراتهم في الصحف وعلى صفحات الإنترنت للبيع علنا، وهم يمقتون تعليق لافتات «للبيع» على عقاراتهم الأرستقراطية، ولذلك فهم يفضلون التعامل مع وكيل شراء عقاري ينهي كل الإجراءات في هدوء، أحيانا، من دون أن يشعر الجيران في العقار المجاور أو يعرفون أن العقار معروض للبيع.

وفي قطاع العقار الفاخر، تعرض إلى جانب القرية البريطانية الكثير من الصفقات غير العادية التي تشمل القلاع الاسكوتلندية والقصور التي تشمل أراضيها أنهارا أو سواحل بحرية. ومع شراء بعض هذه العقارات، يحصل المشتري على لقب عريق يمكن له أن يسجله رسميا، وأن تتوارثه عائلته أيضا.