السعودية: «إزالات مكة» وعدم فسح المخططات يرفعان أسعار العقارات في الطائف

وسط تراجع تملك الخليجيين بنسبة 10%.. وخبراء يتوقعون استقطابها لاستثمارات جديدة

مدينة الطائف في جنوب غربي السعودية مرشحة للنمو العقاري خلال الفترة المقبلة («الشرق الأوسط»)
TT

حمل مستثمرون ورجال أعمال في الطائف (جنوب غربي السعودية)، ارتفاع الأسعار الذي تشهده معظم مخططات المدينة إلى عدة عوامل رئيسية، يأتي على رأسها هجرة صغار المستثمرين من مكة المكرمة إلى الطائف، بحكم أنها أقرب المدن إلى مكة، مبررين أن ما نسبته 30 في المائة في سعر المساكن كان بسبب ارتفاع الطلب، تزامنا مع بحث خليجي دؤوب نحو التملك في العاصمة الصيفية للسعوديين.

وقال جميل القصير، شيخ طائفة العقار بمحافظة الطائف، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة الطائف باتت تفتقر للكثير من المخططات، والدليل على ذلك الانحسار التي تشهده المحافظات بعدم الفسح، وهو ما راكم الطلب على الكثير من المساكن، وزاد: «أصبحت الطائف مركزا لاستقبال المستثمرين من الداخل، وهي نقطة تحمل جوانب إيجابية وسلبية، وسلبيتها تكمن في أنها رفعت أسعار العقار بنسبة 40 في المائة، وهي نسبة كبيرة في مدينة تتطلع لجلب استثمارات عقارية كبيرة».

وعزا القصير ارتفاع العقارات المفاجئ في مدينة الطائف إلى رغبة الخليجيين في الحصول على فرص استثمارية وتملك المساكن، وجاءت حصيلة الصيف الماضي مشجعة من الخليجيين، بعد سنوات من تدني النسب الاستثمارية التي نقصت بنسبة 10 في المائة.

وأفاد بأن عقارات مكة المكرمة ورغبة المستثمرين الخليجيين في التملك رفعت السلعة العقارية في الطائف، وهو ارتفاع يعتبره العقاريون ارتفاعا غير مسبوق، وليس له مخرج سوى الشروع في إيجاد مخططات بديلة ذات سمات استثمارية مشجعة، للوصول بالطائف إلى مصاف الدول الجاذبة للاستثمار.

وعلل رئيس طائفة العقاريين في العاصمة الصيفية ذلك الارتفاع لما باتت تشهده الطائف من جوانب إيجابية كبيرة ومشجعة، حيث أضحى موقعها الاستراتيجي محفزا مهما لتحرك رؤوس الأموال الخليجية والداخلية، وخرجت الطائف من عباءة الاستثمار الصيفي فقط، وتوثبت نحو فتح آفاق متجددة، نحو الاستثمارات الفندقية والسكنية والخدمية، متوقعا في هذا الارتفاع حراكا عقاريا قد ينتج عنه استثمارات بمليارات الدولارات، وهو ما سيخلق أبعادا تنافسية، وسيعيد البوصلة العقارية نحو الاتجاه الصحيح.

وقال القصير: «إنه كلما توفر عرض للمخططات بشكل أكبر، منح السوق الاستقرار، مؤكدا قدوم صغار المستثمرين للطائف وجدة، بعد أن أصبح الاستثمار في العاصمة المقدسة مرهقا ومتعبا، وبات تفضيل الطائف، بعد أن أكد الصيف جدوى الاقتصاد في الشأن السياحي الذي أنهى الموسم بنجاح ضخم، بعد أن استفادت كل القطاعات الخدمية من التحرك الاستثماري».

وأوضح أن «آخر المخططات في الطائف كانت الوسام، والقيم، وهي مخططات قديمة، على الرغم من احتواء الأول على سبعة آلاف قطعة عقارية، ومن بعدها لم تظهر مخططات جديدة».

إلى ذلك أكد عبد المحسن آل الشيخ، رئيس المجلس البلدي في العاصمة المقدسة أن «مكة تزخر بأراض ستكون متاحة ومتوافرة لفئة الشباب في جهة (بوابة مكة)، حسبما أدلى به أمين العاصمة المقدسة في مناسبة سابقة».

وزاد: «سيكون كذلك في جهة المتنزه الوطني، الذي ستتوافر فيه مساحات تفرض فرصا استثمارية لشريحة كبيرة راغبة في التملك في مكة المكرمة، ستكون مهيأة بكاملها، وتدعم فرصا كبيرة في هذا الاتجاه».

وأردف آل الشيخ بالقول إن «مكة المكرمة تعتبر سوقا ديناميكية للعقار، فهي قلب العالم الإسلامي، وتشهد تحولات جذرية تهيئها نحو التطور والتمدن والتنظيم، خاصة فيما يعرف بمنطقة الحرم، أي منطقتي الحل والحرم، وتشهد نموا سكانيا مطردا، إلى جانب زيادة أعداد المعتمرين والحجاج»، وقال: «أنا أعتقد أنه شيء طبيعي أن يكون هناك ارتفاع، باعتبار الارتفاع وصل إلى حدود معينة، ويحكمه طبعا مفهوما العرض والطلب. وأعتقد أن الإنشاءات إذا تمت، فستكون جديرة باستقرار الأسعار، أو على الأقل أن تعود إلى مستويات مقبولة».

وحول رغبة شريحة كبيرة من فئة الشباب في الهجرة إلى مدن أخرى، بغية اللحاق بفرص استثمارية ممكنة، قال: «أنا أعتقد أن الهجرة ظاهرة صحية، لا أقصد الهجرة من مكة المكرمة، لأن جوارها بلا شك مطلب عظيم، وكانت هناك هجرة كبيرة في معظم المدن الصغيرة، نحو المدن الكبرى فيما مضى من الأيام».

وأعرب عن اعتقاده أن «توافر الخدمات في تلك المدن الصغيرة أحالها إلى مناطق جذب على غير العادة، وأصبحت الحقيقة تكمن في أن هناك قفزات هائلة ونموا واضحا للعيان، بتوفير الكثير من الخدمات والمؤسسات العلمية أو الوظائف، وكلها تشجع على الهجرة العلمية، وهي ظاهرة صحية لا أعتقد أنها سلبية».

وأشار إلى وجوب تهيئة بيئة جاذبة لشباب المستثمرين، خاصة الذين في مقتبل العمر، حتى لا تكون الفرص منعدمة أمامهم، وقال: «هناك فرق بين المستثمر والراغب في السكن، والأخير يواجه مشكلات كبيرة في مكة، ونحن نسعى من خلال التعاون الكبير لحلها».

وأكد الشريف ماجد الشنبري، رئيس الشؤون المالية والإدارية بشركة الطائف للسياحة والاستثمار، أن الطائف باتت أقرب من أي وقت مضى نحو التأهب للبيئة الاستثمارية العقارية، مفيدا بأنها أضحت مدينة وعاصمة صيفية للسعوديين والخليجيين والعرب، وأنها تمتلك كل المقومات السياحية التي تبعث على خلق فرص استثمارية عقارية تدفع بعجلة الطائف الاقتصادية نحو آفاق أرحب.

وعرج الشنبري بالقول: «كانت الطائف منذ التاريخ محط أنظار القادمين بحكم موقعها الاستراتيجي، الذي يعتبر ملاصقا للعاصمة المقدسة في مكة المكرمة، وبات يرودها الخليجيون ويرومون منها استغلال أجوائها الباردة، وطقسها الصيفي في النزوح نحو أداء الشعائر الدينية في مكة المكرمة، ناهيك عن أنها أصبحت، بفضل المشاريع التطويرية، أقرب لمكة منها عن جدة، وذلك نتاج تخطيطات اقتصادية وعقارية دؤوبة، دأبت عليها الحكومة السعودية منذ عشرات السنين».

وحول نسب تملك الخليجيين في مدينة يصفها السعوديون بأنها الأولى سياحيا، ساق مثلا بأزمة الخليج الثانية، التي جعل الكويتيون منها الطائف، المكان الذي يحتضنهم لاقتناعهم بشكل كبير، بأنها المدينة الأنسب والأفضل استراتيجيا، بحكم قربها من مدينتي مكة وجدة، ومنذ ذلك الحين بدأ التهافت على تملك الفيلات والمساكن الجاهزة والدوبلسكات والشقق الفاخرة، واتجهوا بشكل لافت نحو تملكها، وجعلها مقرا صيفيا ثابتا تتوالى عليه الأسر الكويتية في أحياء الطائف، خاصة جهة مخططات النسيم والسحيلي ومخطط الملك فهد والوسام.

وزاد الشنبري في حديثه أن استراتيجية تملك العقارات في مدينة الطائف باتت قليلة، ومناخ ضخ الأموال بها مطمئن؛ فلم تعد تلك المدينة التي تحسر مناشطها بالصيف، بل أثبتت من خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة عقب افتتاح طريق الهدا – الكر، أنها شريان اقتصادي مهم وكبير، ينطلق من خلاله ملايين الزوار لمدينة الطائف، وبدأ تنامي ارتفاع المؤشرات العقارية واضحا وكبيرا، وزادت وتيرته عقب قرار الجهات الرسمية السعودية بإزالة آلاف العقارات في العاصمة المقدسة لصالح مشاريع تطويرية، حيث شكل ذلك القرار زيادة معدلات الهجرة العقارية، بسبب ما بات يعرف بالارتفاع المهول وغير المنطقي لمعظم العقارات في العاصمة المقدسة. وأبان كذلك أن ما نسبته 30 في المائة من رؤوس الأموال للمشاريع الاستثمارية المتوسطة قد وضعت نصب أعينها الاستثمار في الطائف، بحجة أنه - عقاريا - محافظ على توازنه، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار والأمتار العقارية، فإن الارتفاع في السعر لهذه الأمتار ظل منطقيا في ظل الاحتياجات المنطقية للاستثمار العقاري.

وقال: «شكل ارتفاع العقارات في الطائف في السنين القلائل الأخيرة، الحاجة الماسة نحو فسح مخططات جديدة، واعتماد انطلاق تلك المخططات من شأنه أن يرتقي بالطائف تنمويا، وهو ما خلق اقتصاديات متوسطة أثبتت نجاعتها من خلال الشاليهات، والشقق الريفية، وإلى جانب ضرورة وجود دراسات وأبحاث عن الاستثمار في الطائف، واطلاع المستثمر الأجنبي على الفرص الاستثمارية وإدخاله للسوق. إلى ذلك علق لؤي قنيطة، رئيس اللجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية بالطائف لـ«الشرق الأوسط» بأن قرب موقع الطائف من محافظة جدة ومكة له تأثير إيجابي وسلبي في الوقت نفسه على المحافظة، والطائف في الفترة المقبلة ستحظى بالكثير من المشاريع والنهضة العمرانية الجيدة، حيث سيكون هناك إنشاء الجامعة وتحديث المطار والمدينة الصناعية والمشاريع السياحية، وسيكون مستقبلها زاخرا جدا بهذه المشاريع، وخصوصا فيما لو انتهت مشاريع طرق الربط والوصول إلى الطائف من خطوط برية وجوية وسكة حديدية.

وبين أن الطائف تعتبر الثانية على مستوى السعودية من حيث المساحة، وتزخر بالكثير من المقومات الجغرافية التي تسمح لعدة استثمارات في وقت واحد أن تكون بها؛ على سبيل المثال هناك مناطق أثرية وسياحية جميلة جدا، وتعتبر الطائف منطقة زراعية جيدة، وهناك مساحات كبيرة لإنشاء المصانع، فهي مهيأة لهذه الاستثمارات العامة.

من جانبه، أشار محمد الأنصاري، مدير شركة «العبيكان القابضة» إلى توطين مصادر القوة ودعمها من خلال التخطيط السليم والتنفيذ تحت أفضل المقاييس، ومراقبة الاحتياجات وتطويرها بما يتوافق مع طموح المواطن والزائر والمقيم, ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد نال التطور جميع مناطق المملكة على وجه العموم، والمدن المحيطة بمكة والمدينة على وجه الخصوص.

وتعتبر مدينة الطائف ثاني المدن العربية القديمة بعد مكة, ويعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد, وتتميز بموقعها الاستراتيجي لقربها من مكة المكرمة، وكونها نقطة ربط لعدة طرق، كما يوجد بها ميقاتان للإحرام, وكما تتميز الطائف بجمال الطبيعة واعتدال الجو صيفا، فإنها تعتبر مصيفا مهما للمملكة ودول الخليج.

وأضاف: بحسب إحصائية قبل عدة أعوام، فإن عدد سكان مدينة الطائف 885 ألف نسمة تقريبا، ويصل في فصل الصيف إلى 1.350 مليون نسمة, ومن المتوقع أن يصل عدد سكان الطائف في عام 2013 إلى 1.650 مليون نسمة.

ولفت إلى أن جميع الدلائل الاقتصادية تشير إلى أن القطاع العقاري سيشهد طفرة كبيرة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وأنه قادر على اجتذاب استثمارات كبيرة, ومع التزايد الملحوظ في النمو السكاني نجد مدينة الطائف من أكثر المدن المرشحة لاستقبال ومجابهة هذا النمو، ويرجع السبب في ذلك إلى نشأة الكثير من التجمعات السكنية والتجارية مؤخرا.

وأوضح أنه بحسب دراسة حديثة، أجرتها الشركة، أثبتت وجود مستقبل واعد لمدينة الطائف، في ظل المشاريع التنموية الاقتصادية، التي بدأ العمل الفعلي بها، سواء من القطاع الحكومي أو الخاص.