السعودية: مطالبات بعودة البناء الأصيل عبر تقنيات «الأبنية الخضراء» الحديثة

منتدى يدعو لتأسيس مركز معلومات وطني سعودي لرصد الأثر البيئي للمباني

TT

يبدو أن تقنيات «الأبنية الخضراء» بدأت بالعودة في الأراضي السعودية، بعد أن بدأ نجمها بالسطوع في الغرب قبل نحو 5 سنوات إثر تزايد تأثير الأبنية التقليدية على البيئة؛ حيث يتميز هذا النوع من الأبنية بمحافظته على التنوع الطبيعي للنظام الإيكولوجي؛ بحيث تكون المباني جزءا من الطبيعة ودورتها، بدلا من أن تكون عدوة لها.

و«الأبنية الخضراء» تأخذ بعين الاعتبار في تصميمها حماية البيئة من التلوث الناتج عن الصناعات، وذلك باستخدام مواد أعيد تدويرها، إلى جانب اعتمادها على الموارد الطبيعية، كإضاءة الشمس الطبيعية وحركة الرياح ومياه الأمطار، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الآثار السلبية للمباني على البيئة أدنى ما يمكن، إلى جانب زيادة جودة المبنى.

وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأبنية يعتبر علما معماريا حديثا، فإن هناك من يؤكد أن لها أصولا قديمة في العالم، ويستدل المهندس فيصل الفضل بالتصميم المعماري القديم للمنازل في السعودية قبل أكثر من 50 عاما؛ حيث كانت المواد المستخدمة في البناء قديما جزءا لا ينقطع عن البيئة المحيطة بالمسكن.

ويشير المهندس الفضل في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن طريقة البناء القديمة في البيوت السعودية، هي جزء من الطريقة العصرية للأبنية الخضراء؛ حيث كان الناس في السابق يتعمدون البناء حول الفناء، وليس العكس كما هو الآن، ليتضمن البيت السعودي القديم في وسطه ما يعرف بـ«بطن الحاوي» الذي يقوم بدور مهم في عملية التنظيم الطبيعية للهواء داخل المنزل؛ حيث يدخل من خلاله الهواء نهارا، ويخرج ليلا.

كما تطرق الفضل إلى أن «الأبنية الخضراء» تشترك مع المباني السعودية والعربية الأصيلة، في تمتعها بهوية خاصة تؤثر إيجابا في العلاقة بين الساكن والمسكن، وذلك من خلال القدرة على التفاعل مع الساكن؛ حيث يتسع البناء أو يضيق بسهولة حسب الحاجة، إلى جانب وجود علاقة بين الغرف من ناحية التصميم. والاتصال الواضح بين الساكن ومسكنه، يعتبره المهندس الفضل نوعا من الاقتصاد الاجتماعي، وانتقد ما يتم في المباني التقليدية حاليا، والتي تفصل تماما بين الاقتصاد والاجتماع، الأمر الذي وصفه الفضل بأنه يجعل المباني تبدو أقل إنسانية.

ويضيف: «في السنوات الخمسين الأخيرة، فرضت علينا الحداثة التعود على نمط معين من التصاميم، ولو نظرنا إلى تاريخ الآباء والأجداد وأمعنا النظر في عمق التراث العمراني والتوازن البيئي سنتعلم أشياء تضيف لنا في حداثتنا».

ورغم أن «الأبنية الخضراء» لا يعتبرها الفضل غريبة على المجتمع السعودي، فإن تطبيقاتها الحديثة تعتبر جديدة على العالم؛ حيث يصف العملية بأنها أصبحت عملية هندسية دقيقة. وأشار إلى وجود عمليات هندسية دقيقة جدا تتيح تصميم البيت بشكل مفصل ودقيق، بحيث توفر التكييف الطبيعي الملائم للمسكن، إضافة إلى توفير أشعة الشمس بشكل كافٍ، واصفا هذه العملية بأنها كانت تتم سابقا بطريقة عفوية ومكتسبة غير دقيقة. كانت الرياض قد شهدت الأسبوع الماضي إقامة المنتدى السعودي للأبنية الخضراء، برعاية وزارة الشؤون البلدية والقروية وبمشاركة وزارة المياه والكهرباء؛ حيث دعا المنتدى إلى إلحاق مفهوم التوازن البيئي والعمراني باستراتيجية التنمية العمرانية الوطنية الخاصة بوزارة الشؤون البلدية والقروية.

ودعت توصيات المنتدى إلى تطوير بناء الكود السعودي ليشمل الكود الأخضر المتوافق مع ضوابط وشروط تطبيق الحد الأدنى من مواصفات أنظمة الأبنية الخضراء، لافتة إلى أهمية تدريب العاملين في الأمانات والبلديات والجهات ذات العلاقة بمفهوم الأبنية الخضراء.

وأكد الخبراء ضرورة استمرار الحملات الوطنية للمياه والكهرباء لتشمل سبل الطاقة المستجدة وتدوير المياه، وتبني البلديات الفرعية لمكافآت المواطنين لاستخدام البدائل والمواد الاختيارية الصديقة للبيئة، كما أشادت بالجهود القائمة في الحفاظ على الموروث والهوية الوطنية الخاصة بالمجتمع السعودي العمراني العريق. ولم تغفل التوصيات جانب التثقيف والتعريف بمفهوم الأبنية الخضراء للأطفال، إلى جانب المطالبة بإنشاء برامج دراسات عليا في الجامعات السعودية في هذا المجال.

وعلى الصعيد غير الحكومي، طالب المنتدى بتفعيل دور الجمعيات المهنية والعلمية من خلال التدريب المهني الهندسي والتعليم المستمر فيما يخص منظومات ومعايير الأبنية الخضراء، كما اقترح تطوير مسمى معايير الاستدامة القطرية إلى مسمى معايير تقييم الاستدامة الخليجية، على أن يكون مقرها الرياض.

ولفتت التوصيات إلى أهمية دعم جهود المجلس السعودي للمباني الخضراء لنشر ثقافة الأبنية، داعية إلى ضرورة تأسيس اللجنة الوطنية الخاصة للأبنية الخضراء لدى الغرف التجارية السعودية تعنى بالاستثمار ودعم رجال الأعمال والمنتجات والخدمات الصديقة للبيئة وحماية المستهلك من الغش الأخضر. ودعا المنتدى إلى ضرورة تأسيس مركز معلومات وطني سعودي لرصد الأثر البيئي للمباني بالتعاون مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية، وطالب المنتدى جمعية العمران السعودية بتبني مفهوم الأبنية الخضراء من منظور علمي لتدريب وتطوير العاملين في العمارة والتخطيط. ولم تغفل التوصيات دور المطورين العقاريين والاستشاريين؛ حيث دعتهم إلى تطوير الاستخدامات والاستفادة من عمل نماذج لمعلومات البناء في جميع خدمات البناء الاستشارية والمقاولاتية، مؤكدة ضرورة تحقيق التوازن البيئي والعمراني والتشجير في التطوير العمراني.

كما طالبت بتحقيق الجودة لأعمال المقاولين من خلال تقييم المنشآت بشهادات التصميم والتنفيذ والتشغيل للأبنية الخضراء، إلى جانب دعم المطور لمنتجات مواد البناء الأخضر وأنظمة الطاقة المستجدة وإعادة تدوير المياه ومخلفات البناء. ولم تهمل هذه التوصيات ضرورة التدرج في تطبيق الأبنية الخضراء على المقاول والبدء بالمشاريع الكبرى ثم مشاريع القطاع الخاص العامة مثل الفنادق والمراكز التجارية الكبرى.

ويسعى عدد من شركات التطوير العقاري إلى تطبيق مفهوم الأبنية الخضراء في مشاريعها الجديدة، في الوقت الذي يعمل فيه عدد من المهندسين المعماريين على تطوير تصاميم تتواكب مع متطلبات الأبنية الخضراء، لزيادة مساهمتها بالحفاظ على البيئة، في ظل الدراسات التي تؤكد وجود ضرر من الأبنية التقليدية على البيئة، والتي منها الوجهات الزجاجية والتي تسهم في زيادة درجة الحرارة داخل المدن.