«الشراء أو عدم الشراء؟».. السؤال المحير في أسواق اليوم

في ظل المخاوف الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على أسواق العقار

TT

لا يشك أحد من خبراء العقار في أن الأسواق تحسنت بعض الشيء منذ أسوأ أيام الأزمة الائتمانية في عام 2008، ولكن الأغلبية تعترف بأن الاقتصادات الغربية تمر بمرحلة حساسة تتساوى فيها فرص النمو والسقوط. وتنقسم سوق العقار حاليا بين آراء ترى أن مرحلة الانتعاش النسبي سوف تستمر لبعض الوقت، بينما ترى آراء أخرى أن أسواق العقار سوف تتبع توجهات الاقتصاد نحو موجة تراجع مزدوجة تنهار معها معدلات الأسعار الحالية.

وتتكرر قصة النمو العقاري الحالي بين شركات تطوير العقار وبيعه من لندن إلى نيويورك وهونغ كونغ، ففي بعض المناطق ارتفعت الأسعار إلى معدلات عادلت أو فاقت ما كانت عليه في عام الذروة 2007، ولكن الشركات لا تشعر بالاستقرار ولا تدري ما إذا كانت المعدلات الحالية مستمرة وراسخة أم أنها مجرد مرحلة عابرة يتبعها التراجع.

وتقول إحصاءات المعهد الملكي البريطاني لمهندسي العقار إن استفتاء بين الأعضاء أظهر أن أعدادا أكبر ترى تراجعا في الأسعار عن هؤلاء الذين يشهدون تحسنا فيها. وهم يرون السبب الواضح لهذا التراجع في تدني مستويات الطلب على العقار بسبب صعوبات التمويل.

وعليه، يتكهن المعهد بتراجع في أسعار العقار البريطاني حتى نهاية العام الحالي، نسبته نحو خمسة في المائة. ليس هذا فقط، بل إن مؤشرات التراجع سوف تستمر في عام 2011 أيضا.

وفي الولايات المتحدة، حذر ألن غرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، من أن موجة التراجع الطفيفة في الأسعار التي شهدتها الأسواق الأميركية في العام الحالي يمكن أن تسفر عن موجة أكبر للإفلاسات العقارية التي تتفاعل تلقائيا إلى مشكلة كبرى.

وما يزيد الأمر صعوبة في الإجابة على سؤال (ما إذا كان الوقت الحاضر هو التوقيت الأفضل للشراء) أن الاقتصاديين أنفسهم ينقسمون إلى نظريتين على الأقل فيما يتعلق بوضع الأسواق. وتمثل وجهة النظر الأولى جين مايكل، رئيسة الاقتصاديين في مؤسسة «ستاندرد آند بور» التي تتبنى الجانب المالي من المعادلة، وتقول إن الأسواق لم تستعد بعد توازنها من الفقاعة السعرية التي مرت بها خلال الفترة ما بين 1997 - 2007، التي أسفر عنها ارتفاع غير عقلاني لأسعار العقار، وتراجع القدرة على ملكيتها لدى فئات كبيرة من المشترين لانفصام العلاقة بين الأجور وأسعار العقار في المتوسط. وهي ترى أن سوق العقار مثل أي سوق مالية أخرى قد تمر بفترات غير عادية، ولكنها في النهاية تعود للاستقرار على المعدلات الطبيعية التي تمثلها الصلة المباشرة بين معدل الأجور وأسعار العقار.

ومن جهة أخرى، يرى لوسيان كوك، مدير شركة «سافيل» العقارية الدولية، أن الأمر يتعلق مباشرة بالعلاقة بين العرض والطلب، ويري أن تراجع الطلب متعلق أساسا بحالة الاقتصاد وشعور المستهلك بأنه مقبل على أيام صعبة. وهو يضيف أن مستويات الأسعار يمكنها أن تخدع المستثمر، ولكن حجم الصفقات لا يمكن أن يخدع. وهذا الحجم من الصفقات الآن هو أقل مما كان عليه في العام الماضي، حتى مع تحسن عروض القروض العقارية.

وهكذا ترى مدرسة اقتصادية أن الأسواق تنطلق بقوة الدفع والعلاقة مع الأجور، والأخرى تربط السوق أكثر بأساسيات العرض والطلب وحالة الاقتصاد. ويمكن القول إن كلا الجانبين محق في استنتاجاته، لأن الحركة في أسعار أسواق العقار تتراوح بين الرغبة في الاستفادة من توقعات ارتفاع الأسعار، والحاجة إلى السكن، بغض النظر عن اعتبارات المكسب والخسارة. وهذه العوامل لها تأثيرات مختلفة على السوق.

وبوجه عام لا يوجد في الواقع سوق عقار دولية، وإنما مجموعة من الأسواق، حتى لو اشتركت جميعا في مؤثرات كبيرة، مثل الأزمة الائتمانية والحوافز التي استخدمتها بعض الحكومات لمنع إخلاء المساكن من ساكنيها وعرضها للبيع في المزاد لصالح البنوك.

في الولايات المتحدة، توجه الدعم مباشرة إلى مشتري العقار عبر الائتمان الضريبي الفيدرالي. ولكن المتوقع أن تختلف توجهات الأسواق في المستقبل خلال العشر سنوات المقبلة، مثلما كان الحال خلال العقد السابق لازمة الائتمان.

ويتفق الخبراء على أن بعض الأسواق، مثل إسبانيا وأيرلندا ودبي، شهدت فقاعات عقارية. وفي هذه الأسواق حيث تركز النشاط العقاري على مستثمرين ومضاربين كانوا يدخلون السوق للشراء من أجل البيع بربح بعد حين، وليس بغرض السكن في العقارات.

ودخلت شركات البناء والمقاولات إلى المعادلة ببناء المزيد من العقارات من أجل تحقيق الربح السريع. وعندما انفجرت الفقاعة عانت الأسواق من فائض إمدادات العقار، وهو وضع سوف يستمر لبعض الوقت، لأن هناك الكثير من المضاربين الذين ينتظرون أي تحسن في الأسعار من أجل التخلص من فوائضهم العقارية التي ما زالوا يحتفظون بها.

وفي دول أخرى شهدت ارتفاعات سعرية، مثل بريطانيا وفرنسا، لعبت عوامل المضاربة دورا أقل، لأن معظم المبيعات كانت لغرض الإقامة في العقارات. وارتبط ارتفاع الأسعار في هذه الدول بندرة العقار المتاح في القطاعات المتوسطة والعليا، وأيضا بعدم وجود المزيد من الأراضي للبناء عليها في نطاق المدن. ولكنها على أي حال لم تصل إلى حد الفقاعة التي لا ترتبط فيها الأسعار بأي علاقة بالواقع. وفيما يتعلق بعلاقة أسعار العقار بالأجور، وهي العلاقة التي ما زالت مرتفعة، فإنها إذا قيست بنسبة ما يدفعه المقترض من جملة دخله تبدو معقولة في بلد مثل بريطانيا وفي منطقة اليورو، أيضا نظرا لانخفاض أسعار الفائدة إلى نسب متدنية تاريخيا.

أحد الخبراء العاملين في السوق هو جون هنت، الذي توقع بدقة ذروة السوق في عام 2007، وباع شركته العقارية المسماة «فوكستونز» بمبلغ 350 مليون إسترليني، أكد أن موجة التراجع الحالية جاءت أقل بكثير في تأثيراتها الضارة على المستهلكين من موجة الكساد التي جاءت في بداية التسعينات وعانى خلالها مستثمرو العقار من معدلات فائدة باهظة. وهو ينشط الآن في شراء العقارات التي تمثل القيمة في أنحاء لندن، ويقول إن السوق بها الكثير من الفرص، وأن الإمدادات ثابتة، ولذلك فإن فترة استقرار الأسعار الحالية لن تستمر طويلا قبل أن تعاود الأسعار ارتفاعها مرة أخرى مع بزوغ أول علامات عودة النشاط الاقتصادي.

وفي دول مثل ألمانيا وسويسرا لا ينظر المشترون هناك إلى العقارات كاستثمارات، وإنما كمساكن للإقامة فيها، ولذلك لا تعير الأغلبية في هذه الدول أي أهمية لشراء العقارات، ويكتفون بالإيجار طويل الأجل. وتتدنى في هذه الدول نسب مالكي العقارات، ولذلك من المتوقع أن تبقى أسواق هذه الدول مستقرة وغير مثيرة في المستقبل كما كانت في الماضي. وحتى داخل الأسواق الواحدة، مثل السوق الأميركية، لم تعد أرجاء السوق متجانسة، وتخضع فيه الولايات المختلفة لظروف عقارية مغايرة. في فلوريدا، انتشر نشاط البيع من على الخريطة، الذي أدى إلى المضاربة من هؤلاء الذين كانوا يشترون ويبيعون من قبل أن تبنى العقارات. وفي داخل المدن الأميركية، حيث بدأت أزمة الائتمان المعروفة باسم «صب برايم»، كانت الشركات المالية تبيع القروض لمشترين لا يحتملون أقساط العقار، وكان التمويل بالاقتراض على العقار سهلا، على أساس أن ارتفاع قيمة العقار سوف يعوض الشركات المالية ويضمن قروضها، وبالطبع لم يكن هذا صحيحا ولا كافيا.

وفي بعض الولايات الأخرى التي لا تعاني من ندرة الأراضي، ولا من ارتفاع قيمة المواقع، لم ترتفع فيها الأسعار كثيرا عن تكلفة البناء والأرض فقط.

ولكن يمكن القول إن السوق العالمية الوحيدة التي تخضع لعوامل موحدة هي سوق العقارات الفاخرة في المواقع المرموقة بالمدن الكبيرة. وترتبط أسعار العقار في هذه المواقع بإنجاز الأسواق المالية في العالم. ويمكن ملاحظة تناسق هذه الأسواق من واقعة سقوط بنك «ليمان»، حيث شهدت العقارات الفاخرة في لندن ونيويورك وهونغ كونغ حينذاك أكبر تراجع سعري في السنوات العشر الأخيرة.

ولم ترتفع كثيرا أسعار عقارات مانهاتن في العام الأخير بسبب ضعف الاستثمار الأجنبي فيها، بسبب قوة الدولار أمام اليورو.

ولكن عقارات لندن الفاخرة وعقارات جنوب فرنسا ما زالت نشطة وتحافظ على قيمتها بفضل الإقبال الأجنبي عليها. وتقدر مصادر السوق أن الأجانب يشترون نصف العقارات الفاخرة التي يزيد ثمنها عن 20 مليون يورو.

ولا تبدو مؤشرات المستقبل واضحة، ولكن المواقع الجيدة التي يرغب المستثمرون في الإقامة فيها سوف تحافظ على قيمتها.

وهناك فرص نمو في الأسواق الناشئة التي تنتشر حول العالم من الصين وحتى البرازيل. وتبدو هذه الأسواق جذابة في الوقت الحاضر الذي تنخفض فيه معدلات الفائدة تاريخيا، أما الأسواق التقليدية فإن العقارات ذات النوعية الممتازة فيها سوف تحافظ على قيمتها ولن تتراجع كثيرا أو تنهار على المدى المنظور. والإجابة على السؤال الحائر تبدو منطقية في نهاية المطاف: اختيار الموقع الجيد في المدن الكبيرة والاستثمار في عقارات جيدة النوعية سوف يثبت أنه استثمار جيد على المدى البعيد. أما المخاطرة في الأسواق الناشئة فهي مثيرة، وقد تجلب المزيد من الأرباح على المدى القصير، ولكنها تأتي محملة بالكثير من المخاطر أيضا.

* قواعد الاقتراض في القطاع الفاخر

* في قمة القطاع الفاخر، حيث العقارات تفوق قيمتها العشرة ملايين دولار كحد أدنى، يختلف الموقف عن أسواق العقار العادية. فكلما زاد المبلغ المطلوب اقتراضه تقلص عدد البنوك المستعدة للإقراض. وفي بعض الأحوال يكون العكس صحيحا، حيث تتنافس البنوك على إقراض الأثرياء في قمة السوق، ولا يجد المقترض العادي من يلتفت إليه.

وتنشط سوق العقارات في قطاع القمة في الربع الأول من كل عام، لأن شراء العقارات باهظة الثمن يتم تمويله من الحوافز المالية التي يحصل عليها العاملون في الأسواق المالية في نهاية كل عام.

خبراء العقار في هذا القطاع من السوق يؤكدون أن معظم المشترين يسهمون بنسب تتراوح بين 20 و30 في المائة من ثمن العقار، وأنهم يملكون في العادة أصولا أخرى لا تقل في قيمتها عن قيمة العقار الذي يتم الاقتراض عليه. وفي الوقت الذي تفرض فيه البنوك الكثير من الرسوم والفوائد على المقترض الصغير، فإنها في الواقع تقدم بعض الحوافز للمقترض الكبير. وتقدم البنوك سعر فائدة أقل من أسعار الفائدة السائدة في السوق. وتتيح بعض الشركات المتخصصة في لندن قروضا في الوقت الحاضر بسعر فائدة لا يزيد عن 2.5 في المائة لقروض أكبر من المليون جنيه إسترليني، وهو سعر يقل عن سعر الإقراض العقاري من البنوك للمستثمر الصغير الذي يلامس الخمسة في المائة على الرغم من أن سعر الفائدة الأساسي في السوق ما زال لا يزيد عن نصف في المائة. وتقدم البنوك أيضا الكثير من المرونة في شروط السداد، وهو أمر غير متاح للمقترضين الصغار. فالمشتري في هذا القطاع يريد قروضا تتيح له فرصة دفع نسبة كبيرة في أوقات معينة، والامتناع عن الدفع تماما في أوقات أخرى. وبسبب هذا الوضع لا يقبل الكثير منهم على تعاقدات بأسعار ثابتة للفائدة.

وفي قطاع النخبة، لا يعتبر التمويل هو الرقم الصعب في المعادلة العقارية، وإنما ندرة العقار الفاخر المناسب. ففي القطاع الفاخر لا تتوافر الكثير من العقارات «السوبر» في السوق في الوقت الحاضر، على الرغم من وجود فائض من العقارات العادية.