منازل العُطل.. قطاع صاعد بقوة في سوق العقارات الهندية

تعزز الطلب عليها مع توفير العديد من المصارف قروضا خاصة بها تصل إلى 75% من قيمتها

أحد المنتجعات السياحية في الهند
TT

عندما انتقلت نفيسة خان من بيتها الريفي في كشمير إلى شقة في مومباي شرعت في التفكير للمرة الأولى في بناء منزل أحلامها، بعيدا عن صخب المدينة. وبعد مشاورتها أصدقاءها وإجراء بعض البحث عبر شبكة الإنترنت، اشترت قطعة أرض على مساحة 4.000 قدم مربع على أحد التلال في شيرول الواقعة على مسافة ساعة بالسيارة من مومباي. وعلى هذه الأرض، تنوي شيرول بناء منزل للعطلات بحيث تزوره شهريا هي وزوجها وطفلاها. وقالت نفيسة، 35 عاما، مديرة بإحدى الشركات: «على خلاف الحال مع شقتنا بالمدينة، سيتميز هذا المنزل بمساحة كافية لأن نقيم به حفلات كبيرة ونخصص فيه غرفة للمكتبة».

الملاحظ أنه على مدار العقد الماضي، خاصة خلال السنوات القلائل الأخيرة منه، شهدت سوق العقارات الهندية صعود قطاع ناشئ جديد - قطاع المنازل الثانية أو تلك المخصصة لقضاء العطلات. إضافة إلى ذلك، تعزز الطلب على منازل العطلات في الوقت الراهن مع توفير العديد من المصارف والمؤسسات المالية قروضا لتنفيذ مثل هذه المشروعات، وبمقدور هذه المؤسسات تمويل ما يصل إلى 75% من تكاليف العقار.

ومثلما الحال مع نفيسة، بدأت أعداد متزايدة من الهنود في الاستثمار في المجال العقاري على أطراف المدن. ولم تعد مسألة امتلاك منزل ثان حكرا على فائقي الثراء، حيث شرعت أعداد كبيرة من أسر الطبقة المتوسطة في الاستثمار في منازل ريفية وفيلات على شواطئ منعزلة وتلال هادئة. وتعمد شركات التنمية العقارية أيضا إلى الترويج لمثل هذه المواقع باعتبارها تصلح لمنازل مخصصة لقضاء العطلات الصيفية أو الأسبوعية. وكشفت دراسة مسحية أن مبيعات المنازل الثانية ارتفعت بنسبة تصل إلى 50% بين عامي 2003 و2009. وتمثل المنازل الثانية حاليا ما بين 3% و4% من إجمالي مبيعات المنازل سنويا.

ومثلما هو متوقع، يعد الهنود غير المقيمين المجموعة الأكبر بين العملاء المحتملين لمنازل العطلات في الهند. وسعيا لخدمة هذا القطاع، تعمد مجموعة من الشركات المعنية بهذه النوعية من المنازل إلى تعزيز مركزها داخل السوق. ومن أجل إضفاء مزيد من الجاذبية على هذه المشروعات، يجري عرض العديد من العناصر الإضافية مثل «سبا» ومراكز لليوغا وملاعب غولف وألعاب مائية.

وتنتمي العديد من هذه العقارات إلى مجمعات سكنية مغلقة تحيطها أسوار، وتتوافر بها خدمات نفعية وصيانة. وتتميز العقارات في هذا القطاع بتنوع واضح ما بين العقارات الموجودة على شواطئ أو تلال والأخرى الموجودة على أطراف الحواضر الكبيرة. ورغم توافر العديد من المناطق المناسبة لشراء منازل ثانية بها، تحظى كيرالا وغوا والتلال الواقعة على أطراف مومباي بالشعبية الأكبر على مستوى الهند.

وتعمد الشركات العقارية إلى تنفيذ مشروعات بمنأى عن ضجيج المدن الكبرى، وتعمل في مختلف جنبات البلاد، خاصة أوتي وكودايكنال ويركود ومونار بالجنوب، ولونافالا وكامشيت وكهاندالا وبانشغاني في الغرب، وموسوري وشيملا ومانالي وناينتال في الشمال.

ومن بين المناطق الأخرى الأدنى شهرة ييلاغيري وبونمودي وتشيكماغالور وكاسوني ولاندور وشيرول وإغاتبوري ونيرال وموراباد.

وربما تشكل أليبوغ، المدينة الساحلية الهادئة، أشهر المناطق التي يقصدها سكان مومباي لقضاء العطلات، وتقع في منتصف المسافة بين بون ومومباي. وقد شهدت المدينة ازدهارا في قطاع العقارات نتيجة قربها من الماء واليابسة، حيث تقع على بعد 15 دقيقة فقط من «بوابة الهند» في مومباي. وتضطلع أليبوغ بدور الموطن الثاني بالنسبة لكل من الأفراد العاديين والأثرياء والمشاهير، أمثال راتان تاتا وفيجاي ماليا وغوتام سينغانيا وياش بيرلا ونجم هوليوود جوهي تشاولا.

من جانبه، اضطلع المصمم المعماري الشهير بيناكين باتيل، الذي استقر في أليبوغ منذ سنوات، بتصميم العديد من المنازل بالمدينة. وكانت آخر إبداعاته فيللا خشبية تتألف من غرفة نوم ومطبخ صغير ودورة مياه وفناء خشبي خارجي.

بالنسبة لسكان العاصمة دلهي، يعد الحصول على منزل ثان على التلال حلما ثمينا. من جهتها، أكدت مانيشا أغاروال، 52 عاما، طبيبة نفسية تعمل في دلهي، أنه من المهم أن يهرب المرء لبعض الوقت من زحام وضجيج المدن لتصفية ذهنه. وقالت: «ليس هناك ما يمكنه تهدئة الأعصاب مثل التمتع بنسيم الهواء على جبل مختلطا برائحة أشجار الصنوبر». وقد استلزم الأمر من أغاروال خوض حرب لأكثر من خمس سنوات كي تتمكن من شراء قطعة أرض وبناء منزل عليها بسبب القوانين شديدة الصرامة المتعلقة بشراء الأراضي داخل هيماتشال براديش من جانب أفراد يعيشون خارجها. إلا أن أغاروال علقت بقولها: «كان الأمر يستحق هذا العناء». وبالفعل، تحظى أغاروال بمنزل رائع على مرتفع، ويمكنها من نافذة غرفة نومها مشاهدة قمم سلسلة جبال دهولادهار المغطاة بالجليد. ويعم الضوء المنزل عبر النوافذ العديدة الموجودة به، وبفضل الطمي والأحجار التي بني منها المنزل لديه القدرة على الاحتفاظ بدرجة حرارة جيدة.

وكان امتلاك منزل على التلال بمثابة حلم الطفولة لأنشومان سين، مصور حر مقيم في دلهي، وتمكن من تحقيق حلمه منذ شهر واحد مضى، حيث بنى منزلا مؤلفا من طابقين في قرية داغار بالقرب من رامغاره بمقاطعة ناينيتال. يقع المنزل على ارتفاع 7.000 قدم، وتعد المنطقة برمتها نائية على نحو مخيف وتقع قرب غابة تعج بأشجار الصنوبر والأرز ويعيش بها الكثير من النمور. وأوضح سين أن «بعد المكان والبرية المحيطة به هي التي اجتذبت انتباهي».

وتحتل غوا المرتبة الثانية كأكثر منطقة تجتذب الراغبين في الحصول على منازل ثانية. ويفد إليها أفراد من مومباي ودلهي وتشيناي وبانغالور، بجانب الهنود غير المقيمين بالبلاد من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وبفضل الخطوط الجوية السهلة وتوافر الأموال في السنوات الأخيرة، لم يعد حلم بناء ريفيرا هندية على غرار الريفيرا الفرنسية حلما بعيد المنال. بجانب إمكانية استغلالها كمنازل ثانية، تحمل هذه المنازل فرصا استثمارية فريدة، حيث يمكن للاستثمار بهذه المناطق تحقيق عائدات فورية إذا أقدم مالك المنزل على تأجيره أو عرضه لنظام التشارك. ويقبل الكثيرون على استئجار منازل ثانية، بدلا من الشراء، لما يعتبرونه توفيرا للنفقات، خاصة تلك المتعلقة بالبقشيش والخدمات والضرائب. وباختيارهم المكوث في منازل عطلات، يتمتع السائحون بمساحات أكبر مما توفره الفنادق. وتشير إحصاءات إلى أن قرابة 54% من المنازل الثانية داخل الهند يجري شراؤها تحديدا بهدف استغلالها في العطلات أو لأغراض ترفيهية أخرى.

على مستوى البلاد، تتركز أنظار غالبية الشركات العقارية المعنية بهذا القطاع على التلال، لكن ذلك لم يمنع من ظهور البنغال، تحديدا المناطق الريفية بها، وضفاف نهر غانغا كمناطق استحوذت على اهتمام شركات التنمية العقارية.

ومن أوائل المشروعات على هذا الصعيد «سونار تاري»، المجمع السكني الشامل الواقع على بعد 300 كيلومتر من كولكاتا. ويضم المجمع متنزهات وملاعب وناديا وسوقا ومطعما يقدم أطباقا تنتمي لمطابخ عالمية مختلفة ومستشفى.

من ناحيته، أوضح كومار سانكار باغتشي، المدير الإداري لشركة «بنغال بيرليس للتنمية العقارية» التي بنت المجمع بالتعاون مع «هيئة سرينيكيتان دهروباجيوتي للتنمية»، أنه «قمنا ببناء هذا المجمع كموطن لمنازل ثانية لسكان كولكاتا، خاصة أنهم يعيشون تحت وطأة ضغوط عصبية شديدة وينشدون الراحة والاسترخاء خلال عطلة نهاية الأسبوع».