دراسة: 5% نسبة الاستثمار العقاري في سورية من الناتج المحلي الإجمالي

السوريون يفضلون وضع مدخراتهم في عقارات لسهولة تسييلها

جانب من العاصمة السورية دمشق (أ.ب)
TT

قال الدكتور دريد درغام مدير عام المصرف التجاري السوري (أكبر مصرف سوري) «إنه على الرغم من ضخامة حركة البناء في سورية، بقي العرض السكني العام والتعاوني والخاص أقل بكثير مما هو مطلوب، لأن الطلب على العقارات في سورية مزدوج: منه ما يرتبط بطلب على استثمار حقيقي بقصد السكن أو التجارة أو الصناعة، ومنه ما يرتبط بالادخار (وهو ذو كثافة تشوه بشكل كبير توقعات البعض)».

موضحا في دراسة أعدها بعنوان «التمويل العقاري في سورية هواجس ومقترحات»، أنه «لو أخذنا الناتج المحلي الإجمالي لسورية، لوجدنا أنه نحو 55 مليار دولار، منه نحو 65 في المائة للقطاع الخاص، أي ما لا يقل عن 35 مليار دولار، وبفرض أن نسبة الأرباح فيها 20 في المائة فقط (وهي نسبة متشائمة جدا)، لوجدنا أن الفوائض السنوية لا تقل عن 7 مليارات دولار. وبإضافة الطلب على السكن الفعلي إلى هذا الرقم الذي سيستثمر معظمه في السكن أيضا، نجد أن الطلب أكبر بكثير مما يتم استثماره سنويا في سورية (نسبة الاستثمار العقاري في سورية حاليا نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، مما يؤهل الأسعار للارتفاع أكثر بكثير مما هو عليه الحال حاليا. ويزيد ذلك كله من معاناة الطبقة المتوسطة، التي يقل عدد أفرادها وتنخفض إمكاناتها مع الزمن لصالح فئات ميسورة لا تنفك تستثمر مدخراتها في المزيد من الاستثمارات العقارية داخليا وخارجيا ولأسباب مختلفة».

وتوقع درغام في دراسته «أن يجري امتصاص مجموع العقارات الفارغة حاليا بالحجم الهائل للمبالغ السنوية الناجمة عن الربح أو الطلب المحلي على السكن (حيث التزايد السكاني كبير منذ عقود) أو الاستثمارات المقبلة من غير السوريين في مجال السكن».

مذكرا: «ولأسباب مرتبطة بالتهرب الضريبي تطلب الكثير من الشقق والمنازل لاستثمارها كورش أو مكاتب خلفية أو ما شابه ذلك. وبالتالي فإن الطلب على تلك الشقق لا يرتبط بالأغراض السكنية لوحدها».

مشيرا إلى «أن ذلك يشرح الأسباب التي تدعو السوريين إلى التحول من وضع مدخراتهم في الخزانات الحديدية أو الأوراق المالية أو المصارف إلى وضعها في العراء، في عقارات على الهيكل في معظمها (لأن تسييله أسهل لمن يرغب بالادخار فيها)، أو جاهزة للاستعمال (لمن يحتاجها للسكن أو للنشاط التجاري). وبالتالي مهما كانت الظروف، فلن تحل أي خطوات إجرائية أو ترقيعية هذه المشكلة».

معتقدا «أن فرض ضريبة على العرصات المعدة للبناء (في حال عدم تنفيذ الغرض الذي خصصت من أجله ضمن المدن)، قد لا يمنع المدخرين من الاستمرار بامتلاك العقارات، لأنها ملاذهم الوحيد حاليا للادخار. وفي حال صدور التعليمات التنفيذية لذلك القرار، فقد نشهد تحولا عن المضاربة من العرصات إلى الشقق والمنازل، خاصة تلك الموجودة على الهيكل. كما قد نشهد تلاعبا بطريقة مبتكرة في عمليات تأخير تنفيذ أي ترخيص عن طريق متاهات المحاكم والقضايا المرفوعة فيما بين الراغبين في تأخير التنفيذ. بناء على كل ذلك، ونظرا لأن المقاربة تحتاج إلى معالجة مختلف مركبات الطلب، وخاصة تلك التي تقبل التحويل إلى مطارح أخرى غير عقارية».

ويرى مدير التجاري السوري «أنه طالما لم تتواجد أدوات أو أوراق ادخار مضمونة، وقابلة للتسييل، ومرتبطة بأسعار العقارات (أو الدخول، أو قابلة للتعويض عن انخفاض القدرة الشرائية)، فستستمر تلك الحلقة المفرغة من تزايد أسعار العقارات في سورية، ونقص المعروض منها عن طلب لا ينفك يتزايد بسبب التزايد السكني وتزايد المدخرات الباحثة عن ملاذ آمن. وطالما أن العقارات مرتفعة القيمة، والقدرة الشرائية للرواتب منخفضة، فسيستمر الطلب على العقارات ظاهريا بالانخفاض، ولكنه في العمق موجود. وإضافة لضرورة رفع قيمة الدخول وإيجاد فرص عمل، سيبقى الحل كامنا في إيجاد أقساط مريحة للمواطن الباحث عن سكن أو استثمار تجاري أو صناعي، وإيجاد أدوات ادخارية مرتبطة بمؤشر يضمن عدم تناقص القيمة مع الزمن، وتقييما موضوعيا وتسييلا سريعا عند اللزوم».

كاشفا في هذا السياق «عن القرض العادل الذي بدأ المصرف التجاري بتقديمه، ويبدأ تسديده مع فائدة يسيرة جدا، ولكن القسط يتزايد تدريجيا مع تزايد وسطي دخل الفرد أو تزايد قيمة العقارات أو التضخم، وهو في عمقه يهدف إلى حل مشترك لكل من المقترض والمودع والمصرف والمستثمر والدولة، إضافة للمستأجر الكامن في حال التعثر».

وحدد الدكتور درغام أهداف القرض العادل بتمويل مشاريع السكن، والتجارة وغيرها بأقساط مغرية ومن دون كفيل، سواء على الهيكل، أو المعدة للبناء، أو المبنية حسب الرغبة، بتأمين مزيد من القيم المضافة لتحريك الاقتصاد وتوفير فرص العمل. وتنشيط قطاع البناء (المحرك الأساسي للقطاعات)، وأمل بمكاسب أسعار وجودة في ظروف الركود العالمي الحالي.

وتبسيط الشروط والإجراءات للمغتربين، مما سيزيد من موارد القطع الأجنبي للإسهام باستقرار العملة المحلية، إضافة إلى تنويع جيد لسندات الخزينة في المجال العقاري، مقابل السيولة لكل من المصارف والمودعين عموما، وبذلك ستتوجه السيولة لتمويل الاستثمار بدل الاستهلاك، ويتأكد ذلك في ظل تقييم دوري وعادل لهذا النوع من السندات المرتكزة على القرض الشامل أو الأدوات العقارية، ضمن تنويع خاص من السوق المالية السورية، أو ضمن عمليات كل مصرف على حدة حسب الحاجة. ويضاف إلى ذلك أنه يمكن توريق (تقسيم) الدين العقاري ليصبح مقبولا من جميع المدخرين، مهما بلغت قيم مدخراتهم (وهذا سيسمح بتجنيب ادخار المال في بعض مناطق السكن العشوائي الرخيصة السعر نسبيا), وأخيرا تأمين منافذ متنوعة لرسم السياسة العمرانية السورية لتشجيع منطقة أو نوع من العقارات..

مشيرا إلى أن أهمية القرض الشامل تأتي من الأفكار لتناسب التسليفات الطويلة الأمد في العقارات السكنية والتجارية.

هذا، وتميزت سورية لعقود غابرة برواتب موظفين ذات قوة شرائية مرتفعة وإيجارات وسطيا أقل من الأقساط السكنية، فبرر ذلك للمهاجرين من الريف إلى المدينة تفضيل الاستئجار والاستثمار العقاري في مدنهم وقراهم، وكانت العقارات الفائضة استثمارات بقصد التأجير للمهاجرين من خارج المدينة بشكل رئيسي، فكانت الهجرة مؤقتة منسجمة مع التزايد السكاني والنمو الاقتصادي.

ومع مرور الزمن تزايد السكان من بضعة ملايين في الستينات إلى أكثر من 20 مليونا حاليا، وتناقصت القدرة الشرائية لدخول الطبقة المتوسطة، وأصبحت الفوائد على الودائع أقل بكثير من التضخم، فأدى ذلك بالمدخرين إلى التحول من اكتناز المال (عادة قديمة أيام الذهب والفضة) والودائع المصرفية التي انخفضت فوائدها إلى أدوات أكثر أمانا. وبغياب أي أدوات مالية ذات أداء معقول قادر على مواجهة التضخم، أصبح العقار ملاذا آمنا على أكثر من صعيد بالمقارنة مع الذهب (الوسيلة الرئيسية لمنافسة العقار)، والعملات الصعبة: فهو يحقق الأرباح باستعماله لأغراض التجارة أو السكن، إضافة إلى تزايد قيمته بشكل لم يكن يتوقعه أي مختص سابقا. وزاد الطين بلة تركز الاستثمار في المدن الرئيسية على حساب ريف يسعى لتوطين السكان الذين تجذبهم المدينة وتغريهم بخدمات متزايدة وأرباح غير مسبوقة على العقار والعمل وغيرها.

ومع زيادة قيمة العقار بشكل كبير (فتزايد القسط) مقارنة بالقيمة الاستعمالية (لم تخضع الأجرة لذات الزيادة)، أصبح الملاذ الأول للمقيمين والمهاجرين. ومع تزايد الطلب على عقارات المدينة بشكل لا يقارن مع عقارات الريف، أصبحت الدعوة مفتوحة للمدخرين من أهل المدن والأرياف للاستثمار في عقارات المدن بشكل أساسي، وتحولت الهجرة المؤقتة إلى دائمة!