ناطحات السحاب تعود إلى لندن بالجملة وبعضها باستثمار عربي

بعد نجاحها في مدن أخرى

TT

سوف يتغير أفق لندن العقاري بإضافة ناطحتي سحاب جديدتين على الأقل، تظهران في الأفق في عام 2014، بعد موافقة كبرى شركات تطوير العقار «بريتيش لاند» و«لاند سيكيوريتيز» على عمليات البناء، والحصول على تمويل أجنبي من قطر وكندا والصين، وسوف يكون بناء الناطحتين هو أول عمل معماري ضخم في لندن منذ ثلاثة عقود، بعد تطوير العقار المميز المعروف باسم «غيركن»، وتقطنه شركة تأمين سويسرية في حي السيتي المالي، ولكن هناك الكثير من مشاريع بناء ناطحات السحاب في لندن، بعضها بمشاركة رأس المال العربي، إلى درجة أثارت مخاوف بعض مراقبي السوق الذين يخشون فقاعة بناء جديدة، وأيضا هلع المحافظين على التراث المعماري التقليدي، الذين يعتبرون الناطحات اعتداء صارخا على العقار التقليدي في لندن.

ولكن مصادر تطوير العقار في لندن ترى أن هذه المشاريع هي تصويت بالثقة في مكانة لندن كمركز مالي عالمي، ومؤشر لعودة الانتعاش الاقتصادي إليها، ولو بعد حين. وتقوم شركة «بريتيش لاند» بتطوير المشروع الأول، ويطلق عليه اسم «تشيزغريتر» بتمويل من صندوق معاشات كندي.

وسوف يصل ارتفاع المبنى إلى 740 قدما، وكانت شركة «بريتيش لاند» قد قامت بهدم مبني يسمى «ليدنهول» لبناء الناطحة الجديدة التي تعلو إلى 48 طابقا، ويقوم بتصميمها المصمم الشهير ريتشارد روجرز. وهو بناء يشبه المخروط الثلاثي الشكل، ولذلك اكتسب اسمه «تشيزغريتر».

وجاء هذا القرار في أعقاب قرار مماثل، اتخذته في الأسبوع نفسه (خلال الشهر الماضي) أكبر شركة عقار بريطانية، هي «لاند سيكيوريتيز» لبناء ناطحة سحاب منافسة في منطقة السيتي أيضا، وهي ذات شكل غريب يشبه شكل جهاز اللاسلكي، ويطلق عليها اسم «ووكي توكي». وسوف يتم افتتاح الناطحتين في عام 2014، بعد أن ظلت مشاريع مجمدة منذ عام 2008 بسبب أزمة التمويل العقاري، وصعوبة تنفيذها في وقت كانت لندن تعاني فيه من زيادة مساحات المكاتب الفائضة عن الحاجة.

وأشار رئيس قسم التخطيط في حي السيتي، بيتر ريس، إلى هذه المشاريع على أنها انعكاس لقوة لندن كعاصمة مالية واقتصادية ناجحة، وأضاف أن المستثمرين الأجانب فضلوا الاستثمار العقاري في لندن عنه في نيويورك أو في الشرق الأوسط.

وتأتي هذه المشاريع، علاوة على ما تم تسليمه هذا العام من مشاريع عقارية أخرى في لندن، بعضها من نوع ناطحات السحاب التي غيرت من شكل المدينة، وبعضها مشاريع أخرى على نطاق كبير، مثل المجمعات التجارية والسكنية. من الناطحات متوسطة الحجم هناك مبنى «هيرون تاور» في منطقة «بيشوبس غيت» ومركز مالي باسم «روتشايلد» بجوار محطة «بنك». كما يجري العمل حاليا على ناطحة ثالثة اسمها «بنيكل تاور»، بعد توقف مرحلي جرت خلاله مفاوضات مع كونسورتيوم مالي من أجل الاستمرار في تمويل المشروع.

وافتتحت هذا الأسبوع شركة «لاند سيكيوريتيز» مشروع مجمع تسوق تجاري اسمه «وان نيو تشينغ» في قلب السيتي، وهو الأول من نوعه في الحي المالي.

وفيما يتعلق بمشروع «تشيزغريتر» اتفقت شركة «بريتيش لاند» على شراكة في التمويل من شركة عقارية أخرى اسمها «أكسفورد بروبرتيز» ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الصفقة قريبا. ويحتاج المشروع إلى نحو 350 مليون إسترليني من التمويل لاستكماله. وكان المشروع قد توقف في عام 2006 لنقص التمويل، ولكنه يعود حاليا مع توقعات إيجابية لما سوف يكون عليه وضع العقار التجاري في لندن بعد ثلاث سنوات.

من أبرز الناطحات المرموقة الأخرى في لندن مشروع برج «بيناكل» (The Pinnacle) أو «الذروة»، الذي يجري العمل فيه حاليا ليكون الأعلى في حي السيتي المالي، بارتفاع يصل إلى 945 قدما (288 مترا)، وكانت شركة ألمانية اسمها «بيفا» تقوم بالمشروع، ولكنها باعته بمبلغ يفوق المليار إسترليني لشركة الاستثمار العقاري العربية «أراب إنفستمنتس» التي تعمل من منطقة نايتسبريدج. وعلى على الرغم من ضخامة حجم الاستثمار في المشروع، فإنه ليس المشروع العربي الوحيد بين أبراج لندن، حيث تدخل سلطنة عمان شريكا في مشروع آخر. وسوف يكون المشروع هو الثاني طولا في بريطانيا بعد ناطحة أخرى تسمى «شارد»، وهو يتكون من 63 طابقا، ويكتمل في عام 2012. وتم تخفيض ارتفاع الناطحة نظرا لاعتراض هيئة الطيران المدني البريطانية عليها.

هذا ويعمل مستثمر آخر، اسمه جيرالد رونسون، على بناء ناطحة سحاب، يطلق عليها اسم «هيرون تاور»، على مقربة من «الذروة» العربية.

ولكن حتى هذا المشروع يشارك فيه أيضا رأس المال العربي، حيث وقع رونسون تعاقدا مع ثلاثة بنوك ألمانية لاقتراض مبلغ 370 مليون إسترليني، بضمانات تشمل مشاركة رأسمال عماني حكومي في المشروع، بالإضافة إلى عدد من مستثمري العقار من القطاع الخاص. ويصل ارتفاع ناطحة هيرون إلى نحو 663 قدما (202 متر) وسوف يتم افتتاح الناطحة الجديدة في شهر فبراير (شباط) عام 2011.

من ناحيتها، تنفذ شركة «بريتيش لاند» الكثير من المشاريع الأخرى التي تستخدم كمجمعات لمكاتب الشركات، وترى الشركة أن هناك الكثير من الطلب على العقارات الذكية في المستقبل، وعلى هذا الأساس تبدأ عمليات البناء في برج «تشيزغريتر» من دون الحصول على اتفاق مع مستأجرين مسبقا، كما جرى العرف في هذا القطاع. وتبقى مخاوف من أن دخول الكثير من الناطحات في السوق في توقيت متزامن من شأنه أن ينعكس سلبيا على العوائد الإيجارية.

من ناحية أخرى، تؤكد شركة «لاند سيكيورتيز» أنها سوف تبدأ البناء فور حصولها على الترخيص لناطحة سحاب تخضع الآن لتحقيق حكومي، بسبب انعكاسها السلبي على التراث، وإذا تمت الموافقة، فسوف يكون البناء أيضا من دون الحصول على تأكيدات مسبقة من مستأجرين راغبين في العقار، ولا تأبه هذه الشركات بتحولات السوق في عام 2011، التي ستدخل فيها الكثير من المشاريع الجديدة إلى السوق، لأن الاستثمار العقاري بهذا الحجم يكون للمدى البعيد. وسوف يكون الفارق بين مبنى وآخر هو عامل القيمة المضافة الذي ستحاول كل شركة أن تبرزه في تسويقها العقاري. وفي نهاية المطاف تنظر كل شركة عقارية في لندن إلى قيمة استثمارها من زاوية البيع بعد البناء.

وكانت آخر الصفقات المربحة التي جرت قبل عامين بيع شركة «بريتيش لاند» لمبني البنك الأوروبي للإعمار والتنمية إلى شركة استثمار ألمانية بمبلغ وصل إلى 406 ملايين إسترليني.

وأسهم هذا النشاط المعماري غير المسبوق في تغير مناخ إصدار التراخيص العقارية، التي كان من شبه المستحيل الحصول عليها حتى تم بناء مبنى شركة التأمين السويسرية، المعروف باسم «غيركن»، الذي يرتفع في هيكل بيضاوي زجاجي ملفت للنظر إلى درجة أنه يناطح الآن معالم لندن التاريخية في التعريف بلندن.

وكان لبلدية لندن دور كبير في تشجيع إصدار تراخيص البناء لكي تفتح آفاق منافسة لندن إزاء مدن أوروبا الأخرى، في استضافة الاستثمار الأجنبي في العقار، وفي مجالات الأعمال الأخرى التي تستأجر هذه العقارات الجديدة.

وبلغ من حدة الصراع على بناء الناطحات في لندن في الوقت الحاضر أن بعض الجهات التقليدية أخذت تحذر من مخاطر انتشار الناطحات بلا حساب في وسط لندن، ويزداد الخوف كلما اقتربت هذه الناطحات من قصور ملكية أو معالم تاريخية، حيث ظهرت أول انتقادات إعلامية لبناء الناطحات في لندن في أعقاب إعلان شركة «لاند سيكيورتيز» أنها بصدد بناء ناطحتي سحاب؛ إحداهما في حي فيكتوريا القريب من قصر باكنغهام التاريخي، والثانية بالقرب من برج لندن السياحي. والمبنى الأخير تعترض عليه هيئة التراث البريطاني التي تقول إنه سوف يفسد الذوق العام في حي تاريخي عريق، وتذهب الهيئة إلى حد المطالبة بمنع بناء المزيد من ناطحات السحاب في لندن، على الأقل في المسار الذي يوازي نهر التيمز حتى شرق لندن.

ويتم التحقيق حاليا في حالة ناطحة سحاب حي فيكتوريا لمعرفة مدى إضرارها بالمنظر العام من قصر باكنغهام. وكانت شركة «لاند سيكيورتيز» قد كلفت شركة «كول بيدرسون فوكس» التي تبني أعلى ناطحة سحاب في العالم في شنغهاي ببناء ناطحتين في حي فيكتوريا لا يقل طول كل منهما عن 50 طابقا. وفي الوقت الذي تحاول فيه المجالس المحلية عرقلة مثل هذه المشاريع، يستعد عمدة لندن لتحقيق انتصار قانوني بانتزاع حق الفيتو من مجالس أحياء لندن لكي تكون له الكلمة الأخيرة في تطوير لندن، والسماح ببناء الناطحات فيها حتى تنافس العواصم الأخرى.

ولجأ أحد أحياء لندن، وهو حي ويستمنستر، إلى هيئة اليونيسكو، لكي تتدخل لحماية التراث التاريخي في لندن من الناطحات، وكتبت الهيئة فعلا احتجاجا إلى الحكومة البريطانية تعترض على عدم تدخلها لحماية المواقع الأثرية.

ومن مخاطر هذا التوسع الرأسي غير المسبوق في لندن زيادة الإمدادات العقارية بطريقة يعتبرها البعض مضاربة عقارية، لأن البناء يجري من دون ضمانات الحصول على مستأجرين. وفي نهاية الربع الأول من العام الحالي، كانت المساحة الشاغرة للعقارات التجارية في لندن نحو 8.3 مليون قدم مربع، بنسبة خمسة في المائة انخفاضا عما كانت عليه منذ عام واحد. وتشير شركة «نايت فرانك» العقارية إلى أن نشاط البناء الجاري حاليا سوف يضيف مليون قدم مربع أخرى إلى السوق. ولكنها تشعر بالتفاؤل، لأن المساحات الجديدة سوف يتم استغلالها من قطاع البنوك المتوسع دوما في لندن.

هذا وتعد لندن حاليا هي الموقع الأغلى عقاريا في العالم، متفوقة بذلك على إمارة موناكو التي كانت تعرف تقليديا بأنها جنة الأثرياء. وسبب هذا الانطلاق العقاري هو الاستثمار الأجنبي، خصوصا من مناطق مثل الشرق الأوسط وروسيا وشرق آسيا.

وتحظى لندن بأكبر عدد من أثرياء العالم من المقيمين فيها، ومعظم هؤلاء هم أيضا من الأجانب.

* ناطحات سحاب جديدة تظهر في لندن حتى عام 2014 1- «تشيزغريتر»: مشروع لناطحة سحاب تقوم بتنفيذه شركة «بريتيش لاند» بتمويل من صندوق معاش كندي. ويتم اكتمال المشروع في عام 2014. ويصل ارتفاع المبنى إلى 740 قدما 2- «ووكي توكي»: تنفذه أكبر شركة عقار بريطانية هي «لاند سيكيوريتيز». المبني ناطحة سحاب في منطقة السيتي أيضا، وهي ذات شكل غريب يشبه شكل جهاز اللاسلكي، ولذلك اكتسبت اسم «ووكي توكي» ويشارك رأسمال عربي في المشروع 3- «بيناكل»: أعلى ناطحة سحاب في لندن تمت الموافقة المبدئية عليها، يعلوها شكل حلزوني ويدخل فيها الاستثمار العربي بكثافة عبر شركة «أراب إنفستمنتس» التي تعمل من منطقة نايتسبريدج ومواقع أوفشور. ويرتفع المبنى إلى 945 قدما 4- «شارد أوف غلاس»: وهي ناطحة سحاب مبنية، كما يدل اسمها، على شكل قطعة زجاجية مدببة. ومن المقرر أن يكون هذا المبنى هو الأعلى في بريطانيا وأوروبا، بحيث يستطيع الساكن في الطوابق العليا منه أن يكشف كل أنحاء العاصمة. صمم المبنى المعماري رينزو بيانو، وتشارك في التمويل عدة شركات، بعضها من خارج بريطانيا، ولكن من دون تأكيد لوجود استثمار عربي فيه، يرتفع المبنى إلى نحو 1016 قدما. وتقول الشركات المشرفة على المشروع إنها استأنفت المشروع هذا العام بعد صدور الترخيص وإتمام كل إجراءات التمويل 5- «هيرون تاور»: تدخل سلطنة عمان مستثمرا في ناطحة السحاب «هيرون تاور» التي تقع في حي السيتي وترتفع إلى نحو 794 قدما 6- «لايدنهول بلدنغ» وتملكه شركة «بريتيش لاند» وهو مربع الشكل، ويصل ارتفاعه إلى 736 قدما. وتقوم الشركة ببنائه من دون ضمان الحصول على مستأجرين له مسبقا 7- «تاور 42» وهو برج زجاجي قاتم اللون، تعلوه قمة مكعبة الشكل، ويشارك في تمويله عدد من كبار المستثمرين العقاريين، من بينهم شركة «هيرميس». ويرتفع البناء إلى نحو 600 قدم 8- «برودغيت تاور» وهو برج تجاري تقيمه على مشارف حي السيتي شركة «بريتيش لاند»، ويرتفع إلى 540 قدما 9- مبنى «ويليس» وهو ملاصق لبرج «غيركن» الزجاجي، ولكنه يقل عنه حجما وطولا، وتقوم بالمشروع أيضا شركة «بريتيش لاند»، وهو يرتفع عن سطح الأرض بنحو 415 قدما