سوق العقارات السعودية مرشحة لـ«التحليق» أعلى بدفعة شبابية قوية متوقعة

تقرير بنكي يقترح فرض ضريبة على الأراضي غير المستثمرة وإنشاء هيئة عليا للسوق العقارية

TT

كشف تقرير بنكي سعودي عن معاودة القطاع العقاري في السعودية الاتجاه الصعودي في أسعار العقارات التجارية والسكنية، وذلك من خلال ارتفاع، وصفه التقرير بالمتناسب مع حركة الطلب على العقارات، يدعم هذا الاتجاه عدة توقعات من خلال 3 عوامل.

وأرجع تقرير البنك السعودي الفرنسي أول تلك العوامل إلى أن تكون مخصصات المشاريع الحكومية في الميزانية العامة للدولة أعلى من مخصصات عام 2010، التي بلغت نحو 270 مليار ريال (72 مليار دولار)، وكذلك إقرار الرهن العقاري الذي ينظر له كأحد آليات دعم قدرة الأفراد، وخاصة المنتمين للطبقة المتوسطة، على امتلاك العقارات السكنية، إضافة إلى توسع البنوك في عملية التمويل والخروج من منطقة الحذر.

وفي حين كشفت الدراسة التي طبقها البنك السعودي الفرنسي على 6 مدن سعودية رئيسية، هي العاصمة الرياض ومدينة جدة ومدن المنطقة الشرقية (الدمام والخبر والظهران)، عن تسجيل شمال العاصمة السعودية ارتفاعا في أسعار العقارات بلغ نحو 40.6 في المائة، في حين سجل متوسط أسعار الفيلات الصغيرة مساحات تتراوح بين 300 و400 متر، أعلى معدل ارتفاع في الأسعار تسجله المدن السعودية الرئيسية، في الوقت الذي تشير التوقعات إلى تصاعد الأسعار للعقارات التجارية، شمال العاصمة الرياض، مع ذلك الارتفاع، الذي سيتزامن مع بدء عمل مركز الملك عبد الله المالي، شمال العاصمة الرياض، الذي يخطط لتدشينه منتصف عام 2011.

وأشارت التقارير إلى أنه بعد التراجع الذي سجله القطاع العقاري في السعودية في فصل الصيف، عادت القيمة الإجمالية لصفقات الأراضي إلى الارتفاع مجددا في الرياض والدمام، طبقا لبيانات وزارة العدل السعودية، في الفترة ما بين شهري يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول)، بلغت قيمة هذه الصفقات في الرياض 65.6 مليار ريال (17.4 مليار دولار)، حيث نَمَت بمعدل 21.6 في المائة، بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2009.

كما ارتفعت قيمة صفقات الأراضي بمعدل 10.3 في المائة في الدمام، لكن قيمة صفقات الأراضي في الرياض، خلال النصف الأول من العام الحالي، كانت أكبر منها في نصفه الثاني، بحسب ما ذكره التقرير، الذي أشار إلى أنها بلغت في شهر فبراير (شباط) وحده 9.5 مليار ريال (2.5 مليار دولار) وسجلت، بذلك، أعلى مستوى شهري لها منذ منتصف عام 2008، على أقل تقدير، وقد تمثل هذه الحقيقة مؤشرا على أن زخم تجارة الأراضي تراجع كلما تم التوغل أكثر في العام الحالي.

ولفت التقرير، الذي أعده الدكتور جون اسفيكياناكيس، المدير العام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، وتركي بن عبد العزيز الحقيل، المدير الأعلى للقسم الاقتصادي، على 13 موقعا في السعودية، إلى أن متوسط أسعار الشقق الكبيرة ارتفع بمعدل 4.7 في المائة ليبلغ 485.8 ألف ريال، كما اتخذ متوسط أسعار الشقق الصغيرة منحى مماثلا، إذ ارتفع بمعدل 8 في المائة خلال الشهور الـ12 الأخيرة إلى 412.9 ألف ريال.

وفي حين أشار التقرير الذي اعتمد على بيانات رسمية إلى أن الحكومة السعودية، تسعى خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة (2010 - 2014) لتطوير 266 مليون متر مربع من الأراضي لإقامة مشاريع سكنية بجهود القطاعين العام والخاص خلال سنوات الخطة، لبناء مليون وحدة سكنية تمثل 80 في المائة من الطلب المتوقع، مما سيخفض أسعار الأراضي التي وصفت بالباهظة. وقالت الدراسة إنها السبب الرئيسي في رفع أسعار العقارات السكنية، إلى مستويات لا تتناسب مع مداخيل المواطنين.

وطبقا للدراسة، فقد ارتفع متوسط أسعار الفيلات الصغيرة في مدينة الرياض إلى 1.23 مليون ريال، أي بمعدل 19 في المائة، بالمقارنة مع النصف الأول، بينما ارتفع هذا المتوسط في جدة خلال نفس الفترة إلى 1.54 مليون ريال، أي بمعدل 17.1 في المائة.

وبينما يرى معدو الدراسة الدكتور جون، والحقيل، أن معدلات ارتفاع أسعار الفيلات الصغيرة في المنطقة الشرقية كانت أقل من نظيراتها في المدن التي خضعت للتقييم، حيث سجل متوسط أسعارها 768.3 مليون ريال، أي بأقل من 1 في المائة من المستوى الذي سجله في النصف الأول من العام الحالي، كما سجلت أسعار الفيلات الصغيرة ارتفاعا بـ3.2 في المائة على مستوى السعودية، حيث بلغت أسعارها 1.06 مليون ريال في المتوسط العام.

بينما أشار التقرير إلى أن العائلات السعودية بدأت تتجه إلى الفيلات الصغيرة، حيث سجل الطلب على الفيلات الكبيرة تراجعا منذ مطلع العام الحالي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض المتوسط العام لأسعار الفيلات الكبيرة (400 إلى 700 متر مربع) في المملكة، إلى 1.79 مليون ريال في النصف الثاني، أي بمعدل 2 في المائة، بالمقارنة مع مستويات النصف الأول، وبنحو 13 في المائة قياسا إلى مستويات النصف الثاني من عام 2008.

ويرتكز القطاع العقاري السعودي على قاعدة صلبة، تتمثل بالطلب المتزايد على العقارات في صفوف شريحة الشباب الكبيرة في البلاد، والنقص في معروض الشقق والفيلات التي تحظى بإقبال شديد، وقانون ونظام الرهن العقاري الذي يُتوقع أن يعزز تدريجيا القدرة التمويلية للمشترين المحتملين للعقارات السكنية.

وتعكس الارتفاعات الكبيرة في أسعار بيع الفيلات، لا سيما الصغيرة منها، وجود نقص واضح في معروض هذه السلع، الأمر الذي يتطلب من شركات البناء السعودية أن تكافح من أجل جسر الهوة القائمة بين العرض والطلب على الفيلات خلال السنوات المقبلة.

وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 2009، مثلت شريحة الشباب، الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، 59 في المائة من إجمالي سكان السعودية، وبعدما يدخل هؤلاء الشباب سوق العمل، فسيتزوجون وسيسعون إلى شراء فيلاتهم وشققهم الخاصة بهم، وبما أن متوسط عدد أفراد العائلة السعودية انخفض خلال العقد الماضي، فإن أعداد الساعين إلى شراء عقارات سكنية أصغر وأرخص ستزداد حتما، والسبب الذي يمنع الكثير من السعوديين من شراء عقارات سكنية هو أسعارها المرتفعة، التي تجعل شراءها صعبا من دون تمويل إضافي.

وأكدت الدراسة أن قانون ونظام الرهن العقاري المرتقب سيفتح آفاقا جديدة أمام البنوك من خلال تحديد القواعد، التي ستحكم صفقات قروض الإسكان، مشيرة إلى أن غياب إطار قانوني واضح ينظم عملية امتلاك وإعادة امتلاك العقارات، ويسمح بطرد المستأجرين ومصادرة العقارات في حالات التجاوزات الخطيرة، يمثل رادعا رئيسيا يمنع البنوك من توسيع نشاطها في سوق الائتمان العقاري.

إلا أن الدراسة لمحت إلى أن إقرار قانون ونظام الرهن العقاري ليس الحل الوحيد لتسهيل شراء العقارات على المواطنين، لأن تحقيق هذا الهدف سيستغرق بعض الوقت، فعلى المدى المتوسط، على الأقل، سيكون من المستبعد أن يستفيد من هذا القانون معظم السعوديين الذين يقل دخلهم الشهري عن 8 آلاف ريال، مما يعني أن غالبية الشباب لن يمكّنهم قانون ونظام الرهن العقاري من شراء شقة بقيمة 464 ألف ريال، لشراء شقة كبيرة أو 1.06 مليون ريال لشراء فيلات صغيرة ، وهما متوسطا أسعار هاتين السلعتين في السعودية خلال النصف الثاني من العام الحالي. لذا، من المستبعد أن يُحدِث قانون ونظام الرهن العقاري المرتقب أي ثورة فورية في القطاع العقاري السعودي.

وفي الوقت ذاته، تتوقع الدراسة أن تتبنى البنوك سياسة مرنة تجاه قروض الإسكان بعد تمرير هذا القانون، وتوسعا في عمليات التمويل منذ بداية عام 2011، حيث تشير التوقعات الاقتصادية إلى أن الحكومة السعودية ستضخ المزيد من الأموال للمشاريع، لزيادة زخم النمو الاقتصادي، وأشارت الدراسة إلى أن البنوك تقدم حاليا منتجات مالية في مجال الائتمان العقاري، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن فئة مشتري المساكن المحتملين الذين سيدعمهم نظام الرهن العقاري، وسيشجع البنوك على الانفتاح عليهم. ولا بد من التحلي بالحكمة لتفادي تقديم قروض الإسكان الميسرة (ذات أسعار الفائدة المنخفضة) إلى ذوي الدخل المحدود.

كما لمحت الدراسة إلى الدور الذي لعبه صندوق للتنمية العقارية الذي أنشئ في السبعينات من القرن الماضي لدعم التمويل العقاري، الذي يحاول كثير من السعوديين الاستعانة به في الحصول على مساكنهم الخاصة، لكن قدرة الصندوق محدودة، وفترات الانتظار للحصول على الدعم طويلة نسبيا، تتراوح بين 15 و18 سنة.

وأوضح التقرير أنه مع نهاية الربع الثالث من عام 2009، بلغت القيمة الإجمالية لقروض هذا الصندوق 77.1 مليار ريال، وكانت هذه القيمة قد ارتفعت بمعدل 2.9 في المائة بالمقارنة مع مستويات السنة السابقة. لكن صدر مؤخرا قرار حكومي يقضي بأن يلغي صندوق التنمية العقارية شرط امتلاك الفرد للأرض التي سيُبنى عليها العقار السكني لكي يتأهل للحصول على قرض ميسر قدره 300 ألف ريال موحد في جميع أنحاء السعودية، ومن شأن ذلك أن يتيح فرصة امتلاك عقارات سكنية أمام شريحة أكبر من السكان. كما نص القرار أيضا على حصول كل منطقة على مبالغ متساوية من صندوق التنمية العقارية.

ويمثل التمويل العقاري نحو 2 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي للسعودية، بينما تمثل قروض الإسكان المصرفية 2.8 في المائة فقط من مجموع القروض المصرفية بحسب الدراسة، فعلى صعيد الإسهام في الاقتصاد، فقد أسهم قطاع البناء بـ7.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في عام 2009، في الوقت الذي أسهمت قطاعات المال والتأمين والعقارات معا بـ12.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في نفس العام، لذلك يرى معدو الدراسة أن السوق مهيأة للتوسع في السنوات المقبلة، خصوصا أن القطاع الخاص السعودي بدأ يستعيد زخمه، وقد ينمو القطاع الخاص غير النفطي بمعدل 4 في المائة في العام الحالي، مدعوما بالبرنامج الرسمي لتحفيز الاقتصاد، وبقوة الاقتصاد الكلي، نتيجة لأسعار النفط المرتفعة.

وأدت الدراسة إلى ضرورة إيجاد جهة هيئة تنظيمية للسوق العقارية، أسوة بهيئة سوق المال، تكون ذات مرجعية قانونية، ولديها الصلاحيات في فرض القرارات وتوقيع العقوبات على المخالفين للأنظمة العقارية في السعودية، وبين الدكتور جون الحقيل أن الانخفاضات الحادة في أسعار العقارات في بعض الدول المجاورة خلال النصف الثاني، أبرزت الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني ورقابي أكثر فاعلية، لتنظيم القطاع العقاري السعودي، وحماية مشتري العقارات السكنية من أي ارتفاعات مفتعلة في أسعارها من جانب سماسرة وتجار العقارات.

وتابع معدو الدراسة أنه ينبغي على الجهات المختصة في السعودية تأسيس هيئة رقابية عليا رسمية في البلاد، تتمتع بصلاحيات تسمح لها بفرض القوانين العقارية المراعية للإجراء، بينما تستطيع الحكومة السعودية أن تعزز القدرة التنافسية للقطاع العقاري من خلال توفير أراض أرخص لشركات البناء وقروض ميسرة تستخدمها في تمويل المشاريع السكنية التي تستهدف ذوي الدخل المتوسط والمحدود.

كما طالب معدو الدراسة بضرورة فرض معايير معمارية عالية لضمان بناء مساكن تستخدم بها الطاقة بكفاءة أعلى، حيث تعاني 70 في المائة من العقارات السكنية في السعودية من رداءة العزل الحراري.

كما يتمثل التحدي الآخر، بحسب البنك السعودي الفرنسي، الذي ينبغي على السلطات السعودية أن تتغلب عليه في احتواء مضاربات الأراضي، لأن المستثمرين يميلون إلى شراء الأراضي بهدف جني الأرباح، وليس لتطوير مشاريع عقارية، مقترحين على الحكومة السعودية (فرض رسوم على الأراضي الشاغرة داخل الأحياء التي يجمدها كبار العقاريين سنوات طويلة من دون أن يُستفاد منها).

وقال الحقيل إن ذلك سيجبرهم على التخلص منها بهامش ربح صغير أو تقسيمها ثم تطويرها استعدادا لبيعها، وبهذه الطريقة سوف يتم الحد من مغالاة كبار العقاريين في رفع الأسعار، مما يعزز التقدم في هذا القطاع.