«دولار واحد» إيجار المنزل الأسبوعي في «نيو ساوث ويلز» الأسترالية

ضمن إطار حملة بـ 14 بلدة في المنطقة الغنية بالمناجم للبقاء على قيد الحياة

بيت ريفي صغير بمنطقة نيو ساوث ويلز الأسترالية
TT

عرض أهالي بلدة تروندال في منطقة نيو ساوث ويلز البعيدة والمعروفة بمناجمها في أستراليا، تأجير منازلهم الشاغرة، التي لم يسكنها أحد منذ سنوات طويلة، بدولار واحد في الأسبوع أي أربع دولارات في الشهر. أي أقل من ثمن بطاقة اليانصيب الأوروبية الأسبوعية في بريطانيا. ويبدو أن الانتعاشة الأخيرة التي شهدتها البلدة على الصعيد الزراعي، واستعادة حقول القمح حياتها وأمجادها ونشاطها بعد سنوات من الجفاف والقحط، شجعت البلدة النائية والبعيدة على طرح هذا العرض العقاري الغريب والطريف والجاد في نفس الوقت. وتعرض البلدة ستة من منازلها العشرة الشاغرة بهذا السعر التشجيعي الزهيد.

الشرط الوحيد أمام الذين يقبلون العرض هو الإسهام في إعادة بناء وتحديث هذه البيوت وإصلاحها فقط لا غير.

كما يكشف العرض البون الشاسع بين مختلف المناطق في أستراليا والعالم بشكل عام على الصعيد العقاري، إذ تواصل أسعار العقارات حول المدن الكبرى في جميع دول العالم، وبنسب خيالية أحيانا (يصل إيجار المتر المربع أحيانا إلى عدة آلاف من الدولارات في سيدني ولندن وهونغ كونغ ومونتي كارلو ونيويورك)، وتتراجع في الكثير من المناطق البعيدة والأطراف ومناطق الريف التي لا تضم معالم الحياة الحديثة، وعلى رأسها الوظائف. وهذا الأمر بالذات أحد أهداف الحملة التي تعرف بـ«حملة الدولار الواحد»، أي تشجيع الناس الذين عملوا في المدن وحياتها الصاخبة بالعودة إلى الريف والتمتع بخيراته وهدوئه وحياته الاجتماعية الاشتراكية إذا صح التعبير. فالبلدة تبعد عن سيدني التي تعتبر أكبر المدن في البلاد على جميع الصعد، أكثر من ثلاثمائة وخمسين كيلومترا، أي ما يكفي من المسافة لهروب البعض إلى قلب المناطق البرية الواسعة والشاسعة في جنوب شرقي أستراليا. ومع هذا فهي مربوطة بسيدني عبر سكك الحديد وربما بمدن نيوكأسل ومارلبون وكانبيرا المعروفة والمطلوبة جدا عقاريا وتجاريا وحياتيا، ما يمنحها بعض المميزات.

كما يبدو العرض أيضا محاولة لوقف احتضار البلدة النائية التي تعتمد على الزراعة ورعي الماشية والحفاظ على خدماتها الأساسية المتبقية بعد سنوات من الإهمال والتجاهل، على حد قول شيري كويد، إحدى المسؤولات عن الحملة لدب الحياة في بلدتها. أي أن الخطوة خطوة وقائية لمنع احتضار البلدة واندثارها، وتشجيع الحياة الريفية المصغرة.

ويعتبر العرض أيضا فرصة للهاربين من التقلبات في عالم العقار الأسترالي وارتفاع معدلات الفائدة أيضا في الفترة الأخيرة. فالكثير من التقارير تشير إلى أن الكثير من الناس وسكان المدن هربوا من معدلات الفائدة المرتفعة والقروض العقارية وغلاء المعيشة خلال العامين الماضيين ولجأوا إلى البلدات الصغيرة والبعيدة كتروندال وراغبي وغيرها. ومنها بلدات لا يتعدى عدد سكانها الخمسين نسمة، أي قرى صغيرة جدا تعتمد في معيشتها على الزراعة والاكتفاء الذاتي فعلا، وتؤمن حياة آمنة ومريحة للأطفال. وقد بادلت إحدى العائلات منزلها الذي يضم ست غرف نوم في مدينة ميلبورن المعروفة بتعددها السكاني وامتزاجها العرقي أيضا، بمنزل مؤلف من ثلاث غرف نوم مع هكتار واحد من الأرض في بلدة كومنوك المشابهة لتروندال. وتقول نيكول ميرسار صاحبة المنزل إنها انتقلت إلى البلدة مع زوجها وأطفالها الستة قبل عامين، وإنها لا تندم على خطوتها، التي تعتبرها أفضل ما قامت به منذ سنوات. وترجع نيكول أسباب انتقالها إلى غلاء المعيشة وارتفاع قيمة فواتير الكهرباء والماء والغاز وغيرها في مدينة ميلبورن. وتشجع نيكولا الناس على القيام بنفس الخطوة، وتقول إن هناك الكثير من الخيارات أمام الناس؛ فالأبواب ليست موصدة في وجه الباحثين عن حل لعائلاتهم وأطفالهم.

وقد بدأت هذه الحملة (حملة الدولار الواحد)، قبل حملة تروندال فعلا بسنتين في هذه البلدة بالذات، ومن قبل إحدى المواطنات، وهي كريستين واتسون، بهدف إنقاذ البلدة من كارثة اقتصادية بعد سنوات من الجفاف في المنطقة، وفي محاولة لرفع عدد أطفال مدرسة البلدة. ومنذ ذلك الحين أي منذ عام 2009 وفكرة واتسون تبنت أكثر من أربع عشرة بلدة في المنطقة الحملة، ومنها بلدات غرينثورب وتاليمبا في المناطق الوسطى الغربية من ولاية نيو ساوث ويلز، وبلدات اليفورد وتوتنهام في المناطق الشمالية الغربية من الولاية، بالإضافة إلى بلدة واريالدة جنوب حدود كوينزلاند.

وتقول شيري كويد إحدى المسؤولات عن حملة تروندال بهذا الإطار: «لقد شهدنا عدة سنوات صعبة فعلا مع الجفاف، لكن في حين أن البلدة لا تتعرض للموت، فإنها تحتاج إلى بعض الحياة.. تروندال نفسها بلدة صغيرة وتحيط بها مناطق كبيرة، فيها الكثير من الفرص من ناحية الوظائف والمدرسة، هناك حاجة كبيرة إلى المعلمين، وهناك حاجة لممرضين في تروندال». أما المزارع بين مارين فيقول: «إن هناك إحساسا رائعا بالمجتمع في البلدة؛ فالجميع فيها أصدقاء». الحملة قبل تروندال شهدت نجاحا نسبيا في بعض بلدات الولاية المنتشرة في جميع الأنحاء كما تؤكد بعض التقارير، وتقول دانيال إلين الذي عمل في حملة بلدة غرينثورب بالقرب من بلدة كاورا في المناطق الوسطى، إن الحملة ساعدت بلدته وأسهمت في انتعاشها نسبيا. فقد ساعد انتقال بعض العائلات إليها في تحسين وضع المدرسة وروضة الأطفال الصغار. لكن إلين تقول إن معظم الوافدين لم يستخدموا المنازل القديمة المعروضة بدولار واحد في الأسبوع، بل استأجروا عقارات أخرى بسعر مائة دولار أحيانا، أي منازل جاهزة لا تحتاج إلى الإصلاح.

وتؤكد الين أنه لا يمكن للقادمين أن يأتوا إلى هذه البلدات، لأنها رخيصة فقط، بل عليهم أن يكونوا على استعداد للعيش حياة ريفية، وتربية الدجاج وما شابه، والتخلي عن الكثير من الكماليات التي تقدمها المدن والحياة الحديثة.

ويبدو أن ما يدفع الحملة هذه في أستراليا أيضا، هو قوى السوق بعد إلغاء المركزية في المنطقة، إضافة إلى حركة هجرة المتقاعدين من المدن إلى الريف في السنوات الأخيرة. والأهم من ذلك شبكة الإنترنت الوطنية التي أصبحت متاحة في معظم المناطق، ولم تعد حكرا على المدن، ما يعني أن بإمكان الكثير من الناس والمصالح التجارية الانتقال إلى خارج المدن والعمل من دون أي إشكال حقيقي.

وكانت الحكومة الأسترالية في إطار برنامجها الخاص والكبير لتطوير المناطق، قد أسهمت بتمويل البنية التحتية حتى يتم بناء المزيد من المنازل في المناطق النائية التي يرغب البعض في الانتقال إليها، وقد رصدت الحكومة ما لا يقل عن 200 مليون دولار أسترالي كما يبدو لهذه الغاية وبناء المزيد من المصارف الصحية وشق الطرقات لربط المناطق ببعضها، وفتحها على بعضها، وفرز الأراضي لعمليات البناء.

على أي حال، وعلى الجبهة الأخرى، أشار استطلاع أخير إلى أن ارتفاع أسعار العقارات في أستراليا قد يتراجع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وقد وصلت نسبة النمو في الأسعار في بعض المناطق، وخصوصا المدن الكبرى، إلى 10 في المائة، وأحيانا 12 في المائة خلال العام الماضي. ويقول مسؤول في مؤشر «وست باك» في ميلبورن، إن 63 في المائة من المستهلكين، في أكتوبر (تشرين الأول) يتوقعون ارتفاع أسعار العقارات خلال السنة المقبلة. أي بتراجع بنسبة 7 في المائة عما كانت عليه يوليو (تموز) الماضي، عندما كانت النسبة 70 في المائة. ويتوقع المستهلكون بشكل عام ارتفاع أسعار العقارات بنسبة لا تتعدى الـ2.6 في المائة العام المقبل، أي أنها تراجعت من نسبة يوليو (تموز)، التي وصلت إلى 3.6 في المائة، وأبريل (نيسان) التي كانت 5.7 في المائة. وتشير بعض التقارير أيضا إلى أن مدن سيدني وبيرث واديليد، ستكون الأقوى عقاريا في البلاد خلال السنوات الثلاث المقبلة، وأن الأوضاع الاقتصادية في كوينزلاند، أو الثقة المتراجعة هناك للمستهلكين، لن تساعد على نمو الأسعار في بريسبين كما يفترض. ويقول تقرير «كيو بي آي إل إم آي أستراليا» الذي وضعته مؤسسة «بي آي س شاربنال»، إن أسعار العقارات في سيدني وبرث واديليد سترتفع من الآن حتى عام 2013 بنسبة 20 في المائة، بينما لن تتعدى النسبة 15 في المائة في بريسبين وفي هيبيرت، بنسبة 13 في المائة، وداروين وكارنبيرا بنسبة 12 في المائة، وماليبورن بنسبة لا تتعدى 9 في المائة.