العقارات الريفية.. وجهة الأرستقراطيين وأكثر القطاعات «تحليقا» في بريطانيا

خبير لـ «الشرق الأوسط» : الآن هو الوقت الأمثل لشراء القصور الريفية بعد «تصحيح» الأسعار

TT

على غير المتوقع، تراجعت أسعار العقارات الريفية الفاخرة في بريطانيا بنسبة واحد في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام، وفقا لآخر تقرير صدر عن إدارة الأبحاث في شركة «نايت فرانك» العقارية في لندن. وجاء هذا التراجع بعكس ما سبق وحققه القطاع من ارتفاع طوال العام الأخير بنسبة إجمالية بلغت ثمانية في المائة. وبلغت نسبة الزيادة خلال الربع الثاني وحده 2.5 في المائة.

واعتبر أندرو شيرلي، رئيس قسم أبحاث العقارات الريفية في شركة «نايت فرانك» أن هذا «التصحيح» في الأسعار عاد بهذه العقارات إلى معدلات «واقعية». وأضاف أن الوقت الآن يعد مثاليا للبحث في إمكانية شراء العقارات الريفية الفاخرة بأسعار معقولة. وهو يعترف بأن تيار التراجع قد يستمر لنهاية العام الحالي، حيث إن الربع الأخير من العام هو موسم شتاء لا تنشط فيه أسواق العقارات البريطانية تقليديا.

ولكنه رفض التعميم، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل منطقة قائمة بذاتها من حيث التسعير ومن الصعب التعميم على جميع المناطق. وأضاف أن قطاع العقارات الريفية الفاخرة يتعلق بالعقارات نفسها ونوعيتها ومدى جاذبيتها للمشتري. ففي الوقت الذي تجذب فيه بعض العقارات الريفية المعروضة للبيع الكثير من الاهتمام ويتنافس عليها المشترون بزيادة عروض الأسعار عن السعر المطلوب، وهو أسلوب يسمى (Gazumping)، فإن بعض العقارات الأخرى، وهي أيضا من نوعية جيدة، لا تجد عليها الكثير من الطلب من دون سبب واضح. ولدى سؤاله عن توقعات الأسعار في عام 2011، قال إن الشركة لم تعلن بعد عن توقعات الأسعار للعام الجديد، وإن المؤشرات تبدو غير واضحة في الوقت الحاضر.

ولكن شيرلي لا يعبر عن دهشته على الرغم من أن هذا التراجع جاء بعد عام كامل من زيادة الأسعار، بل يقول إن التراجع كان متوقعا لأن الانتعاش الاقتصادي لم يصل بعد ولأن برنامج المراجعة المالية الحكومي، أو ميزانية التقشف التي أعلنت منذ أسابيع، أظهرت مدى تراجع الإنفاق الحكومي وصعوبة توقع انتعاش في المدى المنظور. وهو يردد ما سبق وقاله رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون في مؤتمر حزب المحافظين بالتأكيد على أن الجميع في بريطانيا يعاني اقتصاديا هذا العام.

وبخلاف هذه المعاناة السائدة على جميع الطبقات، ارتفع عدد العقارات الريفية الفاخرة المعروضة للبيع في الشهور الأخيرة، وزادت نسبة العقارات المعروضة للبيع خلال الربع الثالث من العام بنحو 12 في المائة عما كانت عليه خلال الربع الثالث من العام الماضي. وهو ينصح البائعين في هذا القطاع بأن يكونوا واقعيين وأن يراجعوا الأسواق عن كثب، وكلما كانت هناك حاجة لخفض الأسعار، كان من الأفضل إنجاز ذلك سريعا نظرا لتوقع المزيد من الانخفاض خلال الربع الأخير من العام.

ويضيف أن القطاع الفاخر في لندن وضواحيها لا يتأثر كثيرا بعوامل محلية مثل الاقتصاد البريطاني، لأن نسبة كبيرة من المشترين فيه هم من الأجانب. ومع ذلك فقد سجلت مكاتب الشركة تراجعا طفيفا في الأسعار في الأشهر الأخيرة حتى داخل لندن. وفي الريف البريطاني تزداد حساسية المشترين للأسعار في قطاعات السوق المختلفة من قصور وأكواخ ومزارع.

ويضيف روبرت سويتنغ، رئيس قطاع العقارات الريفية (مبيعات) أن شركة «نايت فرانك» تحقق أفضل الصفقات للبائعين، ولكنه أشار أيضا إلى زيادة الحساسية من المبالغة في الأسعار، خصوصا إذا ما كان العقار دون الفئة الممتازة. وهو يطمئن المشترين أيضا على زيادة إمدادات العقارات الريفية التي يمكن الاختيار من بينها بعد فترة طويلة كانت الأسعار فيها جامدة وغير قابلة للتفاوض مع خيار محدود أمام المشترين. وهو يعتقد أن هناك فرصة للحصول على قصر ريفي بثمن معقول قبل موسم العودة إلى السوق بالجملة خلال الربيع المقبل.

ويضيف سويتنغ أن السوق تشهد أيضا ظاهرة أخرى تتمثل في تباعد طرفي السوق بين العقارات ممتازة النوعية التي تستحق ثمنها وتلك التي تقع في الدرجة الثانية ولكنها مسعرة بأكثر من قيمتها. ولا يعرف الفارق بين الفئتين إلا الخبير العقاري المتمرس، فالموقع والنوعية أحيانا يكونان من الخصائص المحلية التي لا يعرفها الغريب عن المنطقة. وهو يشير إلى الفارق بوضوح بالقول إن شركة «نايت فرانك» استطاعت بيع عقارين ريفيين فاخرين خلال الصيف الماضي بعلاوة بلغت 20 في المائة فوق ثمنهما المطلوب، بينما لم تحقق عقارات أخرى دون المستوى الأسعار التقريبية المرصودة لها.

وهنا تظهر أهمية الاعتماد على وكلاء شراء محترفين لاختيار العقار المناسب. ويعمل هؤلاء على اختيار العقارات المناسبة التي تلائم المشتري لكي يختار منها. وفي الكثير من الأحيان لا يتم الإعلان عن هذه العقارات في السوق ولا يعلم بأمر بيعها سوى شركات قليلة ووكلاء بيع يعرضونها سرا على زبائنهم.

وخلال هذا العام، انتشرت ظاهرة صعوبة التوفيق بين العقارات الريفية القليلة المتاحة في الأسواق وبين مطالب المشترين. وأشار الكثير من شركات شراء العقار إلى أنها تجد مطالب المشترين صعبة التحقيق في الكثير من الأحيان. فمنهم من يطلب شراء عقارات مجاورة لبقية أفراد الأسرة، مثل الآباء أو الأقارب، ومنهم من يلتزم بمعايير معينة مثل اشتراط حمامات سباحة بمساحات كبيرة. وتقول لوسي راسل مديرة شركة «كوانتيسنتيال إيستيت» التي تعمل كوكيل شراء عقاري، إن أحد أغرب الطلبات التي تلقتها كانت من رجل أعمال يريد قصرا ريفيا به مساحة داخلية كافية لكي يعرض فيها يختا طوله 48 قدما! وأشارت أكثر من وكالة لندنية إلى أن مكاتبها التي تتعامل مع الأجانب من الشرق الأوسط وروسيا والهند تبدو مزدحمة هذه الأيام بطلبات عقارية تتراوح ما بين القصور الريفية والشقق اللندنية التي «تطل علي هايد بارك». وتقول مديرة شركة «بروبرتي فيغن» روري سكارسبريك إن المبالغ المعروضة تصل أحيانا إلى مائة مليون إسترليني، وإن الكثير من الأجانب يعتقد أن الوقت الحاضر يمثل أفضل فرصة شرائية خلال السنوات العشر الأخيرة لتحقيق حلم الحصول على قصر إنجليزي ريفي.

ويقول جوناثان برانويل، رئيس القطاع الريفي في شركة «برايم بيرتشيس» للبحث عن العقارات للأثرياء، إن أحد العوامل التي تزيد من صعوبة معادلة العرض والطلب في القطاع الريفي الفاخر، أن معظم العقارات لا تعرض للتسويق في السوق المفتوحة. فالبائع والمشتري معا يريدان السرية في إجراء التعاملات، وهي سرية تقع في نفس مرتبة أهمية العثور على العقار المناسب. ويلجأ المشتري في العادة إلى شركات شراء متخصصة لديها معلومات عن العقارات المعروضة للبيع وتكون ملتزمة بتعاقدات المحافظة على السرية مع البائعين والمشترين على السواء. وهو يرى أن المشترين في فئة القمة لا يفضلون العقارات التي يتم تسويقها على نطاق واسع.

أما فيما يتعلق بالمطالب التي تبدو خيالية في بعض الأحيان، فهو ينصح المشترين بأن يتجاوزوا هذه العقبة بإجراء التعديلات التي يطلبونها بأنفسهم في العقارات ما دام أن الموقع والنوعية مناسبان. وفي بعض الأحوال قد يكون من المناسب أيضا هدم العقار بالمرة وبناؤه بتصميم جديد يروق للمشتري بحيث يتضمن كافة التعديلات والتجهيزات الحديثة التي يطلبها. وفي هذه الحالة لا بد من الابتعاد عن العقارات التاريخية (Listed) التي يمنع القانون هدمها أو تعديلها.

وتوفر القصور الريفية البريطانية الكثير من المزايا مثل المساحات المفتوحة على مزارع ومراع خضراء لا تتوافر في المدن والمساحات الداخلية واسعة الأرجاء التي تتيح فرص إدخال كافة التعديلات التي يريدها المشتري. وهي أيضا مواقع تتمتع بالهدوء ووقع الحياة البطيء بالمقارنة مع المدن. وهي بالإضافة إلى أنها مقار للإقامة فإنها تقدم فرصا استثمارية أخرى. فالكثير من القصور الريفية تفتح أبوابها للمناسبات الاجتماعية والحفلات واجتماعات الشركات. كما تقدم قصور أخرى فرص الزيارة للجمهور والتسوق الريفي سواء لشراء الزهور أو المنتجات الريفية الأخرى من الأجبان واللحوم والخضراوات والفاكهة. وفي بعض القصور تقدم المقاهي التابعة لها مشروبات ساخنة ووجبات للزائرين.

ويتيح قانون بريطاني صدر في عام 2007 إعفاء ضريبيا كاملا على تجديد العقارات الريفية القديمة. ويستغل الارستقراطيون هذا القانون من أجل تحويل الإسطبلات والمباني العتيقة إلى مكاتب حديثة واستوديوهات لإقامة الفنانين أو للتأجير للشركات. ويستثمر الأثرياء الإنجليز في شراء المزيد من العقارات الريفية من أجل الاستغلال التجاري، وبعضهم يبتعد عن المدن. ولكن أحد نماذج هؤلاء الارستقراطيين هو دوك نورثهامبرلاند الذي يقول على موقعه على الإنترنت إنه يطور العقارات على نطاق دولي، بالإضافة إلى المقاطعة التي يملكها والمكونة من 40 ألف فدان شمال شرقي إنجلترا.

ولا يجد الأثرياء المشترون في هذا القطاع أي صعوبات في الحصول على التمويل اللازم لاستثماراتهم أو لشراء ما يريدونه من عقارات بضمان القصور التي يقيمون فيها أو الأموال السائلة التي يمتلكونها. والأمر المؤكد هو أن معظم الأثرياء الإنجليز يبحثون في الأسواق الآن عن فرص استثمارية وبعضهم يرصد ما بين 50 ومائة مليون إسترليني لاستثمارات عقارية خلال عام 2011 على أساس أنه العام الذي سيوفر أفضل الأسعار والفرص قبل عودة النشاط الاقتصادي مرة أخرى وبداية موجة جديدة من ارتفاع الأسعار. وينشط هؤلاء، خصوصا في شراء المزارع المتاخمة لقصورهم الريفية.

من الفرص الأخرى التي تتيحها القصور الريفية لأصحابها إمكانية الاستغلال التجاري للأراضي. فالكثير من كبار الملاك في الريف يعرضون الأراضي القريبة من المدن للاستغلال الإسكاني ويحصل بعضهم على تراخيص بناء ترفع من قيمة الأرض عدة أضعاف. ويلجأ البعض إلى بيع هذه الأراضي المرخصة إلى شركات تطوير عقاري، بينما يقوم البعض الآخر بتطوير المشاريع بأنفسهم.

وأحد أمثلة التطوير الريفي، مشروع ينفذه أكبر أرستقراطي بريطاني، وهو الأمير تشارلز في منطقة قريبة من مدينة دورشستر في مقاطعة دورست. فهو يطور مشروع مدينة سكنية متكاملة لخمسة آلاف نسمة يطلق عليها اسم «باوندزبيري»، كما يسهم في مشروع آخر في منطقة نيوكي على مساحة مائة فدان يطلب له تراخيص بناء لنحو 850 مسكنا بالإضافة إلى مكاتب ومنافذ تجارية.

ملاحظة أخيرة حول الاستثمار الارستقراطي قالها إيان مونكس، الشريك في شركة الاستشارة العقارية «بيدويل» وهي أن الأثرياء ينشطون في عمليات الشراء والاقتناء أثناء فترات الكساد ويمتنعون عن النشاط أثناء فترات الانتعاش. وهو يرى أن السبب واضح وهو أن فترات الكساد توفر أفضل الفرص وهذا هو سر النشاط الحالي في شراء القصور والعقارات الريفية.

* بعض النماذج المعروضة للبيع في الوقت الحاضر حسب شركة «نايت فرانك»

* قصر «بول كينز هاوس» في منطقة سيرنسيستر بمقاطعة غلوسترشير، وهو معروض في السوق بمبلغ 2.5 مليون إسترليني (3.25 مليون دولار). وهو نموذج لما يسمى قصور منطقة كوتسوولد، وهو يصلح للمعيشة العائلية أو الحفلات والمناسبات. وتحيط بالقصر أميال من الخضرة والحدائق.

* منزل ريفي فاخر اسمه «مولت هاوس» يقع في منطقة شيبينغ نورتون في مقاطعة أكسفوردشير، وهو معروض للبيع بسعر 1.26 مليون إسترليني (1.6 مليون دولار) ويعود إلى أوائل القرن الماضي. وهو محاط بالحدائق وبه إسطبل خيول وأراض مساحتها 6.5 فدان. ويتكون المنزل من أربع غرف، مع إمكانية شراء ستة فدادين من الأرض الإضافية. وهو يحتاج إلى ديكورات وتحديث.

* كوخ اسمه «باتركوم» في مقاطعة ديفون، وهو معروض بسعر 475 ألف إسترليني (نحو 620 ألف دولار) وهو كوخ تاريخي من الدرجة الثانية سقفه من المواد الطبيعية «ثاتش» ويقع في قرية هادئة بالقرب من مدن توتنس وتورباي. وهو جيد الديكورات وتجهيزاته حديثة على أعلى المستويات.