«تضارب» التقارير حول سوق العقار في بريطانيا

أحدها يرشح ارتفاع الأسعار بـ16% بحلول 2014

ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة منذ الطفرة في العاصمة لندن بنسبة لا تقل عن 3.5 في المائة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تواصلت التقارير المتضاربة حول أوضاع الأسواق العقارية في بريطانيا وأسعار العقارات نفسها بعدما أكد تقرير أخير لمركز البحوث الاقتصادية والتجارية «سيبر» (Centre for Economics and Business Research) أن أسعار العقارات قد ترتفع بنسبة 16 في المائة نسبة إلى ما هي عليه الآن بحلول عام 2014. وتوقع التقرير الأخير الذي تناولته وسائل الإعلام البريطانية تصحيحا على الأسعار بنسبة 2.2 في المائة فقط العام المقبل (2011) بسبب ارتفاع معدلات البطالة وسياسات الحكومة التقشفية الجديدة والضغوط التي يتعرض لها المستهلك بشكل عام منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وحسب التقرير فإن بقاء معدلات الفائدة المنخفضة والتوقعات المتزايدة بشأن ضخ الحكومة المزيد من الأموال في الأسواق وقلة العقارات المتوفرة في الأسواق بعد العام المقبل سيساهم في إعطاء الأسواق العقارية دفعة قوية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار من جديد. وقد تصل نسبة هذا الارتفاع إلى 16 في المائة كما ذكرنا بعد ثلاث سنوات من الآن. ويبدو أن التقرير يعول في هذه الزيادة أو المعادلة على الأموال الإضافية (ما يعرف بالتيسير الكمي «Quantitative easing») التي ستضخها الحكومة البريطانية في الأسواق بشكل عام. إذ يتوقع أن يكون لذلك تأثير كبير على حركة الأسواق التجارية والعقارية بشكل خاص. ويعتقد بعض الخبراء في عالم المال والعقار أن من شأن ضخ المزيد من الأموال في الأسواق وبمليارات الجنيهات أن يخفض معدلات الفائدة الطويلة المدى وإعادة الحياة في قطاع القروض العقارية المخنوق هذه الأيام. وكانت هذه القروض وقلتها أو شحّها والشروط الجديدة والتعجيزية المفروضة عليها قد ساهمت خلال الفترة السابقة في إبطاء حركة الأسواق العقارية بشكل لم يسبق له مثيل منذ سنوات طويلة في بريطانيا وبعد عقد كامل من التسهيلات. وقد تراجع عدد منتجات القروض العقارية المعروضة في الأسواق بشكل لم يسبق له مثيل أيضا. وعلى هذا الأساس فإن توقعات المركز بأن يرتفع عدد هذه القروض من 47 ألف قرض في الشهر إلى 77 ألف قرض بعد ثلاث سنوات، أي في نهاية عام 2014. ومع هذا فإن عدد القروض العقارية المتوقعة والمتفائلة من المركز ستبقى أقل مما كانت عليه أيام الطفرة العقارية التي انتهت عام 2007، حيث تعدت 120 ألف قرض في الشهر أحيانا.

ويتوقع مركز «سبير» أيضا أن تكون أسعار العقارات نهاية العام المقبل ورغم عملية التصحيح أعلى بنسبة 7 في المائة مما ستكون عليه في بدايته، أي أن معدل سعر العقار نهاية العام المقبل لن يكون أقل من 179.4 ألف جنيه إسترليني (270 ألف دولار تقريبا). وحسب التقرير الذي نشره المركز فإن الزيادة التي ستحصل العام المقبل ستتبع بزيادة بنسبة 4 في المائة العام التالي، 2012، أي مع استضافة العاصمة لندن للألعاب الأولمبية، وبنسبة أكبر لا تقل عن 5.5 تقريبا في عام 2013 ثم بنسبة مماثلة لعام 2012 في عام 2014، ليصل معدل سعر العقار في البلاد إلى 209 آلاف جنيه (313 ألف دولار) تقريبا.

ويأتي هذا التقرير على خلفية التقرير المعاكس الذي نشرته مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» وذكرته «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، بأن أسعار العقارات من الآن حتى نهاية عام 2012 بنسبة 20 في المائة. كما كان تقرير آخر لمؤسسة «غلوبال انسايت» قد أكد في هذا الإطار أن أسعار العقارات ستتراجع العام المقبل بنسبة لا تقل عن عشرة في المائة عما هي عليه هذه السنة. ويأتي كل ذلك أيضا بعدما نشر بنك «هاليفاكس» تقريره الأخير الذي يشير إلى ارتفاع في أسعار العقارات في أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام بنسبة 1.8 في المائة بعد تراجع بنسبة 3.7 في المائة في سبتمبر (أيلول)، أي قبل شهرين. ويعتبر بنكا «هاليفاكس» و«نيشن وايد» من أهم البنوك البريطانية على الصعيد العقاري ومؤشراته وحجم القروض العقارية التي يطرحانها في الأسواق. ورغم أن التقارير الشهرية لا يتطابق تماما بعضها مع بعض بين البنكين فإنها قلما تتناقض بشكل صارخ حول الأسعار والمعدلات، وتبقى ضمن حدود معقولة، لكن القرير الشهري الأخير لـ«نيشن وايد» يقول إن أسعار العقارات تراجعت بنسبة لا تقل عن 0.7 في المائة في أكتوبر، أي أن معدل سعر العقار تراجع بما لا يقل عن 2500 جنيه إسترليني (3750 دولار).

ومن جهة أخرى أكد تقرير أخير لمؤسسة «سافيلز» العقارية الدولية أن الفارق بين أداء العقارات السكنية الممتازة والنوعية والفاخرة والعقارات العادية أصبح أكبر مما كان عليه في السنوات القليلة الماضية، رغم أن النوعين يعانيان من التباطؤ في الوقت نفسه. ويوضح التقرير الأخير لـ«سافيلز» بهذا الشأن أن نسبة التراجع على أسعار العقارات الممتازة خلال الأشهر الستة الماضية لم يتعد الـ1.4 في المائة، أي بتراجع بنسبة 2 في المائة عما كان عليه في عز الطفرة العقارية نهاية عام 2007. أما العقارات العادية فشهدت تراجعا بنسبة 2 في المائة تقريبا خلال الأشهر الستة الماضية، أي بنسبة 7 في المائة عما كانت عليه أيام تلك الطفرة. كما أن أسعار العقارات التي تقع في مناطق مزدحمة وضاجّة إلى جانب الطرقات العامة والرئيسية قد تراجعت بنسبة 13 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه أيام الطفرة، وبنسبة لا تقل عن 2.6 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية. أما العقارات الريفية التي تعاني من نفس المشكلة، أي مشكلة الضجة والتلوث والازدحام، فقد خسرت خُمس سعرها الذي حققته أيام الطفرة. وبعضها، وخصوصا العقارات التي يصل سعرها إلى مليوني جنيه في المناطق الريفية، فقد 17 في المائة من قيمته. وكانت هذا العقارات قد خسرت حسب التقرير بين عامي 2008 و2009 أيضا 28 في المائة من قيمتها التي كانت عليها أيام الطفرة. أما العقارات الممتازة والفاخرة فلم تتعد قيمة التراجع على أسعارها في هذين العامين أكثر من 13 في المائة.

وبينما خسرت العقارات الممتازة التي تتراوح أسعارها بين مليون (1.5 مليون دولار تقريبا) ومليوني جنيه في بريطانيا 0.9 من قيمتها التي كانت عليها أيام الطفرة، ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة منذ الطفرة في العاصمة لندن بنسبة لا تقل عن 3.5 في المائة. ما يعني أن العقارات الفاخرة في العاصمة لا تزال الأفضل أداء في البلاد وتعارض التراجع العام الذي يحصل منذ فترة، كما أكدت «الشرق الأوسط» خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتتوقع «سافيلز» أن تزداد الشقة بين العقارات العادية والعقارات الممتازة خلال العامين الماضيين، رغم أن التوقعات بشأن العقارات الممتازة لا تزال أفضل من غيرها للسنوات المقبلة لقلة العقارات المتوفرة منها في الأسواق.

كما أكد تقرير لبنك «هاليفاكس» أن أسعار العقارات الريفية الممتازة قد تضاعفت تقريبا منذ عشر سنوات وأن الشقة أو الفارق بينها وبين عقارات المدن وأطرافها تزداد يوميا. وحسب «هاليفاكس» فإن أسعار العقارات في المناطق الريفية الإنجليزية الجميلة قد ارتفع بنسبة 96 في المائة بين عام 2000 و2010. ووصل معدل سعر العقار العادي في المناطق الريفية إلى أكثر من 210 آلاف جنيه (315 ألف دولار تقريبا). وهذا يعني أن سعر العقار في الريف كان يزداد 198 جنيها (300 دولار تقريبا) أسبوعيا منذ عشر سنوات. كما يعني ذلك أيضا أن معدل سعر العقار الريفي أعلى حاليا من معدل سعر العقار المدني بـ35 ألف جنيه (52.5 ألف دولار تقريبا). ويقول تقرير «هاليفاكس» إن منطقة جنوب أوكسفوردشر الساحلية لا تزال الأفضل أداء في البلاد على هذا الصعيد، إذ وصل معدل سعر العقار فيها حاليا إلى 388.3 ألف جنيه (582.45 ألف دولار تقريبا).

وعلى الجبهة الشمالية في اسكوتلندا أكد تقرير لهيئة مراقبة أسعار العقارات الاسكوتلندية أنه رغم التراجع الذي شهدته الأسعار في الربع الثالث ممن هذا العام فإن هناك دلائل على خروج الأسواق الاسكوتلندية من الركود الذي عانت منه بين عامي 2008 و2009. وأوضح تقرير للهيئة أن أسعار العقارات خلال هذا العام ارتفعت بنسبة 4.6 في المائة سنويا. وبين أغسطس (آب) وأكتوبر هذا العام ارتفعت أسعار العقارات السكنية في اسكوتلندا بنسبة لا تقل عن 3.7 في المائة. وعلى هذا الأساس يكون معدل سعر العقارات في البلاد حسب أرقام بنك «لويدز» قد وصل إلى 165 ألف جنيه (247.5 ألف دولار)، ومع هذا فإن عدد الصفقات العقارية في البلاد قد تراجع بشكل ملحوظ منذ عامي 2008 و2009. ويبدو أن عدد الصفقات بين أغسطس وأكتوبر كانت أقل بنسبة 17 في المائة مما كانت عليه بين مايو (أيار) ويوليو (تموز) وأقل بنسبة 10 في المائة مما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي.

وبشكل عام فإن عدد الصفقات العقارية في نهاية هذا العام لا يزال أقل بنسبة 50 في المائة عما كان عليه أيام الطفرة عام 2007. ومع هذا فإن معدل سعر العقار في اسكوتلندا في سبتمبر هذا العام بقي أقل بنسبة 3 في المائة عما كان عليه عام 2009. وعلى أي حال فإن التراجع على عدد الصفقات العقارية لا يزال على حاله. ويبدو أن استعادة الأسعار أنفاسها في اسكوتلندا يعود إلى استعادة الاقتصاد الاسكوتلندي بعض العافية وبعد الركود الكبير الذي تعرض له، إذ سجل نموا بنسبة لا تقل عن 1.3 في المائة في يونيو (حزيران) هذا العام، حسب المعلومات المتوفرة من بنك «لويدز».

وحسب البنك أيضا فإن مدينة ابردين الشمالية سجلت أعلى ارتفاع سنوي على الأسعار في جميع أنحاء اسكوتلندا، إذ وصلت نسبة النمو هذه إلى أكثر من 15 في المائة. ووصل معدل سعر العقار في المدينة إلى 224.6 ألف جنيه (337 ألف دولار قريبا). أما المناطق الجنوبية المحاذية لإنجلترا فقد شهدت تطورا مغايرا حسب «لويدز»، باستثناء العاصمة أدنبرة التي عادة ما تسجل أفضل معدلات النمو تاريخيا. فقد تراجعت أسعار العقارات في هذه المناطق بنسبة لا تقل عن 0.2 في المائة خلال العام الماضي. لكن نسبة الارتفاع التي سجلتها أدنبرة (4 في المائة تقريبا) لا تزال أقل من ابردين ودندي التي سجلت نموا على الأسعار بنسبة 5.6 في المائة. ولم تتعد نسبة النمو على الأسعار في المدينة الثانية في اسكوتلندا، وهي غلاسكو، أكثر من 1.3 في المائة.