الشراء من على الخريطة يعود لسوق العقار الدولية

بعد أن «انقرض» إثر انفجار الفقاعة العقارية نهاية 2007

TT

من أبرز معالم متغيرات سوق العقار الدولية في الشهور الأخيرة عودة الشراء من على الخريطة، وهو أسلوب انقرض منذ ثلاث سنوات بعد انفجار الفقاعة العقارية الأخيرة نهاية 2007. وفي لندن يرى كثيرون العديد من الفوائد الكامنة في هذا الأسلوب الذي ينتشر بسرعة بين الشركات المطورة للعقارات الجديدة، خصوصا في المواقع المتميزة.

ومن ناحية، تعاني الأسواق من ندرة العقارات الجيدة ونقص الإمداد العقاري بوجه عام، كما أن المشتري يريد الحصول على أفضل العقارات من حيث الموقع والتصميم كما يريد ضمانات سعرية. وهو في الوقت الحاضر يعتبر نفسه في وضع قوي من حيث التفاوض على الأسعار في أسواق منخفضة. ومن جهة أخرى ترى الشركات المطورة ضمانا في بيع وحدات المشاريع مسبقا ومن قبل التقدم للبنوك من أجل طلب التمويل، وهو أمر صعب المنال من دون تحصيل مقدم جميع الوحدات المعروضة للبيع قبل الشروع في البناء.

ويضيف من جاذبية الشراء من على الخريطة تطبيق العديد من القواعد والقوانين الجديدة لحماية المستهلك، منها ضمانات التسليم في الموعد المتفق عليه وحماية قانونية من إفلاس شركات تطوير العقار. وتطلق شركات العقار بعض المشاريع التي تأجلت أثناء فترة الكساد وهي من جميع الأحجام مع فترات تسليم تمتد إلى أربع سنوات في المستقبل.

ويقول مستشار العقار فرانك كلين الذي يعمل مع شركة «اربان شير» أن شركات تطوير العقار تقع تحت ضغوط من البنوك لكي تحقق أهداف المبيعات المخطط لها، وتقدم الشركات بدورها خصومات جيدة للمشترين من ذوي الملاءة المالية الذين يحققون للشركة بعض الأمان المالي بضمان الشراء من على الخريطة.

وتقول أحدث إحصاءات العقار البريطانية إن موجة الانتعاش المقبلة سوف تبدأ عام 2012 مع استقبال لندن لدورة الألعاب الأوليمبية المقبلة، وقد تكون قبل ذلك بشهور.

وحينذاك سوف يكون الاقتراض أكثر يسرا من البنوك كما ستعاود الأسعار ارتفاعها. ووفق هذا التحليل، فإن الشراء من على الخريطة الآن يبدو جذابا لأنه يقدم للمشتري الموقع الذي يريده بالتصميم الذي يطلبه وبالسعر السائد حاليا، وهو سعر منخفض بكافة المقاييس. ويعتقد العديد من المشترين أن العقارات التي يتعاقدون عليها حاليا وهي في طور الرسم التخطيطي سوف تكون قيمتها أعلى عند التسليم بعد عدة سنوات.

ويختار المشتري من على الخريطة العقار المطلوب من بين تلك المعروضة، كما تتيح شركات تطوير العقار فرصة للمشتري لكي يطلب بعض التعديلات أو التصميمات الداخلية في عقاره.

وتتيح إحدى الشركات في شرق لندن، ضمن مشروع اسمه «اورانج غاردنز» الفرصة للمشترين لكي يتبادلوا الأفكار مع مهندسي المعمار في المشروع من أجل إجراء بعض التعديلات على التصميم لكي يحصلوا على تصميم داخلي يروق لهم.

من المزايا الأخرى أن الشركات مطورة هذه العقارات لا تطلب من المشتري سوى الارتباط بنسبة 10 في المائة كمقدم، مع دفع بقية المبلغ عند تسلم العقار. ولا شك هناك في أن الفكرة تروق للعديد من المستثمرين، حيث تقدم شركة «سان جيمس» العقارية مثلا المرحلة الثانية من مشروعها الإسكاني في منطقة روهامتون قبل تسعة أشهر من موعده، بعد انتهاء مبيعات المرحلة الأولى في ثلاثة أشهر بدلا من عام كامل. وسوف تكون المرحلة الثانية من المشروع، واسمها «اودلي رو»، جاهزة للتسليم في نهاية العام المقبل. وتجري المبيعات بوتيرة سريعة رغم أسعار تصل في بعض الوحدات إلى 800 ألف إسترليني.

في مشروع آخر اسمه «غرينج غاردنز» لا تطلب الشركة المطورة للمشروع أكثر من ألفي إسترليني كمقدم. وتتيح الشركة للمشترين فرصة ثلاثة أسابيع لاختيار التصميمات الداخلية والألوان وكيفية التشطيب التي تروق لهم. ويحتوي المشروع على 63 شقة تبدأ أسعارها من 300 ألف إسترليني.

وأدخلت الحكومة البريطانية منذ أبريل (نيسان) الماضي معايير جديدة لحماية المستهلك عبر اتفاق ملزم لشركات العقار توافق عليه إدارة المعايير التجارية التابعة لوزارة التجارة والصناعة البريطانية. وتغطي هذه الاتفاقات كافة جوانب البيع من على الخريطة والأمور التي تسبق وتعقب التعاقد. وتشترط الاتفاقات أن تعرض شركات العقار شروطا جيدة وعادلة للمشترين خصوصا فيما يتعلق بمواعيد التسليم.

وتبدأ عملية الشراء بمعاينة الخريطة والاستفسار عن كافة جوانب العقار مع الشركة البائعة وبعد الاقتناع بجدوى المشروع يمكن حجز الوحدة العقارية بدفع مبلغ رمزي تبلغ قيمته ما بين ألف وخمسة آلاف إسترليني وفقا لثمن العقار النهائي. وهو مبلغ لا يرد، ولكنه يخصم من المقدم. وبعد ذلك يعود المشتري خلال فترة أقصاها شهر واحد لكي يدفع نسبة 10 في المائة من الثمن. ويخسر المشتري مقدم الثمن إذا خالف التعاقد ولم يكمل عملية الشراء. ولذلك لا بد من التأكد من قدرة المشتري على اقتراض التمويل الذي يلزمه قبل التعاقد على شراء الوحدة السكنية من على الخريطة.

ومن الصعب على شركات العقار الالتزام بمواعيد محددة لتسليم العقارات الكاملة وهي تعطي المشتري تاريخا تقريبيا وقد يكتمل العقار قبل أو بعد هذا التاريخ. وعند الانتهاء من بناء وتشطيب العقار تطلب الشركة من المشتري معاينة العقار وتدبير دفع بقية المبلغ خلال فترة أسبوعين. ويجعل هذا التسليم من عملية بيع عقار قديم يتوافق مع شراء الجديد عملية صعبة، كما أن بعض شركات العقار تقوم بتسليم وحدات في المشروع قبل الانتهاء من كامل المشروع.

ويمكن للمشتري أن يضع بعض الشروط عند التعاقد، مثل استعادة مقدم الشراء إذا لم يتم تسليم العقار الجديد خلال فترة زمنية محددة. وفي الظروف العادية لا تفضل الشركات إقبال زبائنها على إعادة بيع العقارات أثناء فترة البناء وقبل التسليم، ولكن يمكن التفاهم مع معظم الشركات على ذلك بلا مشكلات. ويدفع المشتري النهائي ضرائب العقار عند التسلم. وسوف تطبق ضريبة بريطانية جديدة قدرها خمسة في المائة على العقارات التي تزيد قيمتها على مليون إسترليني بداية من شهر أبريل (نيسان) المقبل.

وتمنح الشركات ضمانا لمدة عشر سنوات للعقارات الجديدة لحماية المشتري مع أي مشكلات في نوعية البناء أو التشطيب، وتقوم بالتأمين شركات محايدة للوقاية من حالات إفلاس شركات العقار. ويتعين على المشتري أن يسأل عن حجم التكاليف المطلوبة منه تحت بند «مصاريف خدمة» وهي مصروفات يشترك فيها كل ملاك المجمعات العقارية من أجل الحفاظ على المظهر العام للعقار ولصيانة المواقع المشتركة مثل الحدائق والمصاعد وطلاء المبنى دوريا. كما يجب عدم التركيز على بعض مظاهر المشروع التي قد تظهر أولا على الخريطة ولكنها في التنفيذ النهائي قد تلغى، مثل مواقف السيارات والأندية الصحية أو حمامات السباحة.

وتتألق شركات العقار في إظهار مزايا المشاريع واصطحاب المشتري في جولة افتراضية عبر شاشات الكومبيوتر حول العقار وداخله من أجل إبراز المزايا الكامنة. وتبدو صور الكومبيوتر والبروشورات المصقولة جذابة للغاية ومغرية بالتعاقد الفوري. ومع ذلك يحذر الخبراء من التسرع، وهم ينصحون بأن يجري المشتري أبحاثه جيدا قبل التعاقد.

من الأمور التي يجب الانتباه إليها مساحة العقار الإجمالية وأسلوب التصميم المتبع والمواصفات، ونسبة الضوء الطبيعي المتوقعة داخل العقار ومدى قرب العقار من الوحدات الأخرى ومساحة الحديقة المرفقة واتجاه الحديقة بالعلاقة مع الشمس. فمن السهل الانبهار بعقار قائم بعد تفحص جوانبه والتجول فيه، ولكن من الصعب الحكم على الرسوم أو على النماذج المصغرة. ويمكن المقارنة مع مشاريع سابقة أقامتها الشركات العقارية للحكم على نوعية عقاراتها.

ويجب إدراك أن شركات تطوير العقار لا تقدم أي إضافات جمالية أو تصميمية ما لم يتم التعاقد عليها مسبقا. ويمكن للمشتري أن يستعين بمهندس عقاري خاص به لكي يفحص موقع العقار والمواصفات.

وفي كل الأحوال لا ينبغي دفع الثمن مقدما في مشروع لم يكتمل بعد. وحتى في الحالات التي يبنى فيه العقار خصيصا لمشتر واحد، فلا بد من دفع التكاليف مرحليا وفق تقدم مراحل البناء. ولكن المكافأة التي تنتظر المشتري الماهر هي أنه قد يحصل على عقار قيمته أعلى من الثمن المدفوع فيه وقت التسليم. ويحدث هذا في الأحوال العادية التي ترتفع فيها أسعار العقار باضطراد، وأيضا في حالات الذروة أو الفقاعات التي تنطلق فيها الأسعار بلا هوادة وتجذب قطاعات المضاربين إلى مجال الشراء من على الخريطة. ولكن في حالات تراجع الأسواق فإن السعر قد يكون أقل من الثمن المدفوع، وهي مخاطرة يجب أن يضعها المشتري في الحسبان، خصوصا إذا كان مقترضا لشراء العقار. وترفض بعض البنوك الإقراض على عقارات تقل قيمتها عن قيمة القرض أو تعادله.

فوائد التخطيط الجيد لعمليات الشراء من على الخريطة

* تقول شركة «برايم لوكايشن» العقارية على موقعها الإلكتروني إن شراء عقارات لم تبن بعد عملية تحتاج إلى كثير من الشجاعة والإقدام. ولكن الشجاعة يمكن أن تكون لها عوائد جيدة لو تحلى المشترى ببعض الحكمة والتخطيط الجيد قبل الإقبال على هذه الخطوة.

من النقاط التي تلفت الشركة النظر إليها ما يلي:

* التوقيت: كلما كان دخول هذه المشاريع في بداياتها كلما كان الاختيار بين الوحدات العقارية المتاحة أفضل للمشتري وكلما كان التفاوض أسهل.

* الموقع: للموقع أهمية قصوى خصوصا إذا كان المشتري ينوي تأجير العقار أو إعادة بيعه خلال سنوات قصيرة. وتشمل أهمية الموقع نوعية المنطقة من حيث النشاط الاقتصادي القائم فيها والطلب على التأجير وقربها من وسائل المواصلات العامة ومنافذ البيع والخدمات.

* معرفة السوق: لا بد من التعرف على ملامح المنطقة من شركات بيع وتأجير العقار القائمة فيها والتعرف على نوعية العقار المطلوب سواء للمشترين أو للمستأجرين. وقد يكون من الفطنة أيضا التعرف على الوحدات العقارية الأخرى المشابهة التي يشتريها مستثمرون بغرض التأجير أيضا، وذلك لمعرفة حجم المنافسة.

* السعر: يجب التعرف على مستوى الأسعار السائدة في المنطقة سواء للبيع أو للإيجار، فهذا المعدل يمنح المشتري فرصة التعرف عن كثب على العوائد المتوقعة لبيع العقار أو تأجيره وعما إذا كانت العملية مربحة أم خاسرة. ولا بد أن يأخذ المشتري في الاعتبار أن السوق يمكن أن تتغير كثيرا في فترة 12 شهرا. وهناك بعض شركات تطوير العقار التي تضمن نسبة عوائد إيجارية معينة خلال العام الأول من تأجير العقار. وإذا كانت هناك نسبة كبيرة من الشقق أو العقارات الجديدة التي سوف تصل السوق في فترات زمنية متقاربة ومواقع متلاصقة، فإن ذلك يعني وجود خطر تشبع في المنطقة واحتمال زيادة الإمدادات عن الطلب الفعلي.

* العقار: يجب معاينة مواصفات العقار ومدى صلاحيته للفئة التي يتوجه إليها المستثمر، سواء كان العائلات أو الأفراد المحترفين، فلكل فئة حاجاتها المختلفة. ولا يجب الاعتماد على الخرائط وحدها بل يجب معاينة الموقع نفسه ومشاهدة المنطقة المحيطة به.

* مخاطر الشراء من على الخريطة: بالإضافة إلى هبوط الأسعار خلال الفترة بين توقيع التعاقد وتسلم العقار، هناك أيضا مخاطر تأخر تسليم العقار، وصعوبة الحصول على التمويل بالإضافة إلى عدم مطابقة العقار للشروط المتفق عليها. والنسبة الغالبة من المشترين لا تعرف أسرار تصميمات العقار على الورق أو القواعد القانونية الكاملة التي تحكم عملية الشراء من على الخريطة، ولذلك ينصح الخبراء بالاستشارة القانونية.