مسلسل مشروع «ثكنات تشيلسي» في لندن يتواصل.. وحلقته الجديدة عنوانها «كنيسة»

ديار» القطرية تتقدم بطلب شهادة حصانة للتصرف في الموقع

صورة قديمة لثكنة تشلسي قبل شرائها من قبل «ديار القطرية» (ا.ف.ب.)
TT

لا يزال المشروع القطري العقاري الطموح الخاص بـ«ثكنات تشلسي» في لندن، يواجه بعض العقبات، وبحاجة إلى بعض التوضيحات والترتيبات القانونية قبل إقلاعه. وقد أثار المشروع «عاصفة عقارية» وجدلا طويلا حتى الآن، بعدما وصف بتدخل الأمير تشارلز أخيرا لإلغاء التصميم الأولي المقترح للموقع المهم والتاريخي القريب من منطقة نايتس بريدج وكينغز رود وباترسي في العاصمة البريطانية، وقد ذكرت تقارير بريطانيا في هذا الإطار أن شركة «الديار» القطرية، صاحبة المشروع، وتطويره على الموقع المعروف بموقع بلغريفيا، تقدمت بطلب للحصول على شهادة حصانة بعدم وضع كنيسة الثكنات السابقة على لائحة العقارات المسجلة والمحمية تاريخيا، حتى تتمكن من التصرف بالكنيسة وجميع أجزاء الموقع، والبدء في مشروعها الضخم الذي يعتبر أحد أهم المشاريع العقارية المستقبلية في العاصمة.

وفي حال نجاح الشركة بالحصول على الحصانة لمدة خمس سنوات، فسيكون بإمكان الشركة هدم أو تعديل مبنى الكنيسة والجدار المحيط بها من دون العودة إلى المجلس المحلي أو الحكومة، أو بكلام آخر من دون الحصول على إذن خاص للقيام بذلك.

وكانت مارغريت هودج، الوزيرة في الحكومة العمالية السابقة، قد رفضت نصيحة مجلس التراث الإنجليزي الذي يعمل على حماية المباني التاريخية، بوضع مبنى الكنيسة على لائحة المباني التراثية والتاريخية. وهذا يعني أن القرار بشأن مصير الكنيسة الذي قد يؤثر على تصميم المشروع وطبيعته، أصبح بيد جون بينروز، الوزير الجديد في حكومة الإتلاف المحافظة والليبرالية الجديدة. وتأمل الهيئات الخاصة بحماية المباني التاريخية والتراث الإنجليزي، بأن يرفض الوزير الجديد طلب الشركة العقارية التي كانت من أنشط الشركات خلال السنوات الماضية عقاريا في العاصمة.

ويعتبر المعنيون بالأمر، ومنهم الأسقف ريتشارد تشارترز، أن الكنيسة والجدار المتبقي من موقع الثكنات العسكرية القديمة، جزء لا يتجزأ من تاريخ الثكنات، وهو الجزء الوحيد الذي يذكر بها وبتاريخها العسكري، أضف إلى ذلك أن الكثير من هؤلاء يعتبرون مبنى الكنيسة نفسه مبنى ذا أهمية تاريخية ومعمارية، ومبنى نادرا من مباني المدينة التاريخية التي يفترض الحفاظ عليها.

وتقول ديار، إنها تقدمت للحصول على شهادة الحصانة، لتوفير يقين فيما يتعلق بوضع الكنيسة في المشروع، وإن المشروع أو التصميم الجديد للموقع يتوخى الاحتفاظ بمبنى الكنيسة، وتكييفه كمركز متعدد الاستخدامات من النواحي الثقافية والاجتماعية.

ويبدو أن هذا لا يتعارض مع طموحات أصحاب الحملة المعارضة لهدم مبنى الكنيسة بشكل عام، إلا في التفاصيل.

وكانت تقارير بريطانية قد ذكرت أن أحد الأسباب التي دفعت الأمير تشارلز إلى معارضة التصميم الأولي الذي وضعه اللورد روجرز هو مصير الكنيسة نفسها. ولا بد من الذكر هنا أن المشروع أدى إلى نزاع بين «ديار» القطرية وشركة «سي بي سي» التي يملكها الأخوان كاندي، بعد تخلي «ديار» عنه، وكانت «سي بي سي» قد وضعت التصميم الأول للمشروع العقاري الضخم، وعارضه الأمير تشارلز كما يقال. وكان يفترض بالخطة الأولى للمشروع التي وضعت عام 2009 بناء 552 شقة سكنية فاخرة في 17 قسما. وبعد تخلي «ديار» عن «سي بي سي»، قاضتها «سي بي سي»، وطالبت بتعويضات بقيمة 81 مليون جنيه إسترليني. وذكرت بعض المصادر البريطانية والعربية أن القيمة لم تتعد الـ68.5 مليون جنيه. وفي نهاية يوليو (تموز) هذا العام توصلت الشركتان إلى اتفاق تسوية للنزاع، بقيت بنوده سرية حتى الآن.

ومع أن بنود الاتفاق بقيت سرية بشكل عام، وخصوصا ما تعلق منها بالتعويضات أو التسويات المالية، فقد أقرت المحكمة التي تعاطت مع دعوى «سي بي سي» بحق الشركة بالحصول على تعويضات مالية نتيجة إلغاء «ديار» العقد معها.

وأشارت المحكمة إلى أن دور الأمير تشارلز في القضية لم يكن مرحبا به. وطالبت «سي بي سي» بالقيام بدعوة أخرى خاصة لتحديد قيمة التعويض المالي الذي تتطلبه من «ديار»، ولذلك تبقى الأرقام التي ذكرناها في السابق مجرد تخمينات أولية، ليست مؤكدة.

على أي حال فإن القضية تدور حول طبيعة التصميم الذي سيكون عليه مشروع «ديار» لموقع الثكنات وطبيعته، وعلى الأرجح، فدخول الأمير تشارلز على الخط، كان لهذا السبب، إذ إن الأمير من الناشطين والمعروفين جدا بتشجيع العمارة التقليدية والمحلية المحافظة منذ سنوات، وعلى الأرجح أن يلعب دورا كبيرا في المستقبل في الطريقة التي يتم فيها تطوير وإعادة بناء بعض أحياء المدن في بريطانيا بتشجيع حكومي، ومن المعروف أن الأمير من المعارضين للكثير من الطرازات الحديثة التي انتشرت في المدن البريطانية على حساب الطرازات البريطانية التقليدية التي تتنوع وتشمل الطرازات القوطية والجورجية والفيكتورية والرومانيسكية وغيرها. وقد نشط الأمير، ومنذ سنوات أيضا، على تشجيع العمارة التي تأخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية والصحية.

وبعد تخلي «ديار» عن تصميم اللورد روجر عبر شركة «سي بي سي»، اعتمدت «ديار» المهندس المعماري مايكل سكواير الذي يصفه البعض بـ«الممل» معماريا، لكنه دائما يرد على منتقديه أيضا بالقول إنه مهتم بتصميم المباني التي يمكن أن يشعر فيها الناس بالراحة. وقد بدأ سكواير الذي يبلغ 64 من العمر مشواره المعماري في عام 1976 في منطقة بيملكو في العاصمة لندن. وبدأ هذا المشوار بالتطوير والتوسيع الخاص بالمنازل والمحلات التجارية مع 15 موظفا.

وانتقل المهندس الجديد لثكنات تشلسي إلى منطقة ساوث كينزينغتون في عام 1988، وهو يمتلك شركة توظف 44 موظفا، وانتقلت شركته في بداية العام 2001 إلى منطقة كينغزكروس، وتعتبر أهم المعالم المعمارية حتى الآن في العاصمة لندن المشروع الذي قام به لبروك هاوس في منطقة بارك لين.

* تاريخ «ثكنات تشيلسي» وكنيستها

* تم بناء ثكنات تشيلسي وكنيستها عام 1859 لاستيعاب كتيبتين من القوات البريطانية. وقد استبدلت مباني الموقع الفيكتورية الأصلية بسلسلة من أبراج الباطون المسلح بعد الحرب العالمية الثانية في الأربعينات.

وكانت الكنيسة جزءا لا يتجزأ من تصميم الثكنات الأولى التي بنيت بعد نهاية حرب القرم التي دارت بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية في مارس عام 1856. وانتهت الحرب التي دخلت فيها بريطانيا وفرنسا إلى جانب العثمانيين بهزيمة روسيا، وتوقيع ما يعرف باتفاقية باريس. وشاركت بريطانيا في الحرب بأكثر من ربع مليون جندي.

وقد صمم الكنيسة آنذاك المعماري جورج مورغان، وتم افتتاح الموقع العسكري الذي كان يعتبر مكتفيا ذاتيا من الكثير من النواحي عام 1862. وحسب هيئة حماية التراث البريطانية، فإن الكنيسة تعتبر مزيجا من الطراز الإيطالي الرومانيسكي الذي انتشر في أوروبا الغربية التي كانت تحت سيطرة روما قديما، والطرازين البيزنطي والفينيقي والقوطي. ولذا تم استخدام القرميد الأحمر والبرتقالي الجميل في بنائه.

يعرف داخل الكنيسة بتفاصيله من ناحية الديكور، ولوحاته الجدارية المبلطة التي تحتفظ بأسماء الشخصيات اعسكرية التي قضت في ثمانينات القرن التاسع عشر. وكان الجيش الجمهوري الآيرلندي قد هاجم الثكنات عام 1981 بقنابل مسمارية، وأدى الهجوم إلى مقتل مدنيين.

ومنذ 1990 كان الموقع يستخدم فقط كمستودعات لوزارة الدفاع البريطانية. وقد تم رفض وضعه على لائحة المباني التاريخية عام 1997. وفي عام 2005 أعلن وزير الدفاع البريطاني، جون ريد، آنذاك عن نية الحكومة بيع الثكنات التي تحتاج إلى الكثير من الترميم. ولم يتم إخلاء الثكنات من حراسها والناقلات والمروحيات التي كانت تستخدمها إلا في عام 2008، ونقل الجنود إلى ثكنات المدفعية الملكية في منطقة ووليتش، كم نقل الكثير من الجنود من خمسة مواقع وثكنات عسكرية أخرى في العاصمة لندن، بعد قرار الحكومة بيع هذه المواقع لغاية التطوير السكني.

وحسب خطة مجلس بلدية وست مينيستر عام 2006، كان يفترض أن يستخدم نصف الموقع للتطوير السكني الرخيص، وتم إنشاء مجتمع خاص من سكان المنطقة التي تضم الثكنات لملاحقة الموضوع والتأكيد على عملية بناء المنازل الرخيصة.