الزفاف الأميري البريطاني سينعش أسعار العقار في 2011.. مؤقتا

تقديرات بأن يضخ زواج الأمير ويليام من كيت ميدلتون 1.5 مليار دولار على الأقل في الاقتصاد البريطاني

احتفالات لندن بزفاف الأمير ويليام لن ترفع قطاع العقار من كبوته («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تحتفل بريطانيا بأكبر حفل ملكي يقام فيها منذ ثلاثة عقود، تسود أحلام الانتعاش كل قطاعات الاقتصاد البريطاني، من تجارة العاديات وهدايا السياح الرخيصة، وحتى أسعار العقار وصناعة السياحة. وتستعد لندن لاستقبال ملايين السياح الذين سيحضر بعضهم خصيصا إلى بريطانيا في الربيع المقبل للمشاركة في الاحتفال العام، وسوف ينعكس هذا بالتأكيد على قطاع العقار سواء كان قطاع الفنادق أو الإيجار السكني أو حتى شراء العقار.

«الشرق الأوسط» سألت الخبير العقاري في شركة «نايت فرانك»، ليام بيلي، عن تأثير هذا الزفاف الأميري على قطاع العقار البريطاني، فقال إن الحكومة الائتلافية تأمل بالطبع في أن ينعكس الزفاف على المزاج الشعبي العام بموجة شعور إيجابي، وربما أيضا بدفعة رضاء في الانتخابات المحلية التي تعقب الزفاف في أبريل (نيسان)، لكن بعض المعلقين يعتقدون أن هذا قد لا يتحقق للسياسيين. وأضاف «بالنسبة لسوق العقار، التاريخ يخبرنا بأن الإعلان السعيد قد لا ينعكس إيجابا على سوق العقار البريطانية، ولا على معدلات الأسعار خلال الصيف المقبل». ويستطرد أنه «حينما تم الإعلان عن زفاف الأمير تشارلز والليدي ديانا في بداية الثمانينات كانت سوق العقار تمر بمرحلة نمو فقاعي بلغت 25 في المائة سنويا، لكن مع حلول موعد الزفاف تراجعت هذه النسبة إلى نحو خمسة في المائة فقط. وبعد ذلك بعام واحد، في 1982 وقعت حرب الفولكلاند وعزز الانتصار فيها شعور الثقة فعادت أسواق العقار إلى معدلات نموها التي كانت قبل الزفاف». واستنتج بيلي أن أحداث الزفاف الملكية قد تعطي دفعة قصيرة الأجل لثقة المستهلكين لكنها، وفقا للنماذج التاريخية السابقة، فأنها في الغالب لا تؤدي إلى انتعاش أسواق العقار.

ومع ذلك، فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني عن تفاؤله بالأخبار السارة لدى إعلانه عن موعد زفاف الأمير ويليام من خطيبته كيت ميدلتون يوم 29 أبريل (نيسان)، وعبر عن تفاؤله بأن تنعكس هذه الأخبار السارة على المزاج الشعبي العام، الذي قصمته ثلاث سنوات من الأخبار السلبية من كساد وزيادة ضرائب وأسعار وتراجع في القيم العقارية وانهيار في الوظائف والأجور.

وبلغ من حساسية الحدث في المناخ الاقتصادي الراهن أن الأمير ويليام قرر عدم البذخ في الاحتفال، وأكد أنه سوف يتحمل مع خطيبته تكاليف العرس حتى لا يثقل كاهل الخزانة العامة ودافعي الضرائب بالمزيد من التكاليف. وكانت الملكة قد ألغت أيضا هذا العام حفلا سنويا يقام تقليديا في نهاية كل عام للاحتفال بـ«الكريسماس»، نظرا للمتاعب الاقتصادية التي يعاني منها أفراد الشعب العاديون. وسوف يتكفل الأمير تشارلز، ولي العهد، وعائلة ميدلتون بتكاليف حفل الزفاف المقدر لها أن تصل إلى 40 مليون إسترليني. لكن دافعي الضرائب سوف يتحملون فاتورة الأمن والشرطة.

ورحبت بالإعلان أيضا كل قطاعات التجارة والصناعة البريطانية، ما عدا أستاذ اقتصاد في جامعة لندن اسمه ستيفان زيمانسكي قال إنه يشك في انعكاسات إيجابية على الاقتصاد البريطاني على المدى الطويل من جراء الزواج الأميري، لأن الحدث لن يضيف جديدا إلى البنية التحتية للاقتصاد البريطاني. لكن هذا الرأي هو النشاز بين البريطانيين الذين ينتشون بحدث وطني يتطلعون إليه ويحصلون من خلاله على يوم عطلة رسمية، إن لم يكن فوائد مادية أخرى! من الناحية السياحية، قالت مديرة قطاع التسويق السياحي المسمى «فيزيت بريتين» إن الزواج الأميري البريطاني سوف يضيف عوائد سياحية لن تقل عن 500 مليون إسترليني إضافية في العام المقبل. ويزور بريطانيا سنويا أكثر من 30 مليون سائح يجلبون معهم من العوائد ما يزيد على 16 مليار إسترليني. ولا شك أن العام الجديد سوف يشهد انتعاشا استثنائيا في هذا المجال. وكأحد الأمثلة التجارية البسيطة، سجلت شركات تنتج خواتم مقلدة لخاتم الخطبة الذي قدمه الأمير ويليام لخطيبته كيت، وهو يعود في الأصل إلى والدته الأميرة ديانا، ارتفاعا مفاجئا في مبيعاتها بنسبة 800 في المائة.

أحد الأمثلة الأخرى، قرار الأمير ويليام الانتقال بعد الزواج للمعيشة في شمال مقاطعة ويلز حيث يخدم مع سلاح الجو البريطاني. وانعكس الإعلان على الفور على أسعار العقارات في مقاطعة ويلز التي ارتفعت إلى درجة أن بعضها في القطاع الفاخر يعتبر الآن من «النقاط الساخنة» عقاريا. كما سوف تتوافد أفواج السياح للمنطقة لزيارة القلاع التاريخية والمدن العتيقة، مما سوف ينعش قطاعات العقار في المقاطعة بشكل عام.

ولا يقتصر الانتعاش على مقاطعة ويلز وحدها، فالاهتمام السياحي يشمل الكثير من المناطق الأخرى، مثل اسكوتلندا، حيث درس الأمير ويليام وخطيبته كيت في جامعة سان أندروز الشهيرة، كما أن كيت وويليام هما من الشباب الذين يذهبون إلى النوادي الليلية والبوتيكات في أنحاء لندن، وهي مواقع سوف تكون جاذبة للاهتمام السياحي أيضا. من ناحية أخرى تتطلع صناعة الموضة إلى اختيار كيت لفستان زفافها، لأن هذا الاختيار سوف يشجع صناعة التصميم والموضة في بريطانيا.

ويقول مدير شركة «هوم أواي» للتأجير العقاري، تيم بوتون، إن تأثير الزواج الأميري سوف يكون عظيما، وإن التأثير سوف ينعكس إيجابيا بالتأكيد على القيم الإيجارية في لندن. وقد حدث ذلك بالفعل في الأحداث السابقة المماثلة. ففي حالة مباريات كأس العالم في جنوب أفريقيا زاد الطلب على الإيجارات بنسبة ألف في المائة، كما ارتفعت الإيجارات نفسها بنحو 150 في المائة. وأضاف «نتوقع أن مالكي العقار ومديري العقارات في لندن سوف يضاعفون الإيجارات في فترة الزواج الأميري في أبريل (نيسان) المقبل».

وفي ما يتعلق بانعكاس الحفل على الصناعة البريطانية، لا يتفق الجميع على الأثر الإيجابي، حيث يقول جورج شو، وهو صاحب شركة إعلام محلية، إن الأمر لا يتعدى الدعاية لتشتيت الانتباه بعيدا عن خفض النفقات الحكومية وتدهور حالة الاقتصاد. وهو يعتقد أن المستفيد الأول من الحدث هم «صانعو ومصدرو إعلام الزينة وأكواب الشاي من الصين».

ولا يتفق كثيرون مع هذا الرأي، حيث توجه كل الصناعات اهتمامها نحو الحدث، وبعضها ينتج مجموعات خاصة من منتجاتها في ذكرى الزواج الأميري. إحدى الشركات أنتجت مجموعة من الموبيليات وأخرى أعلنت عن «كوكتيل أميري» وهكذا.

من ناحيتها أكدت صحيفة «صن» الشعبية أن الزواج الأميري سوف يضخ مليار إسترليني على الأقل في الاقتصاد البريطاني. وتأتي معظم العوائد من السياحة، خصوصا من أميركا وأوروبا، حيث من المتوقع أن تتضاعف أعداد السياح الغربيين الذين يريدون مواكبة الحدث في لندن.

وتؤكد هيئة السياحة البريطانية أن عشرات الملايين من المشاهدين سوف يتابعون الزفاف الأميري على شاشات التلفزيون، وسوف يزيد هذا من الاهتمام بكل شيء بريطاني من الهدايا البسيطة وحتى العقارات.

وبغض النظر عن انعكاسات الزفاف الأميري على الاقتصاد البريطاني، فإن التأثير المباشر على سوق العقار البريطانية سوف يكون مؤقتا في رأي أغلبية خبراء العقار. فالاستثمار العقاري هو للمدى الطويل، ولا يتأثر بأحداث عابرة إلا في ما يتعلق بتوقيت هذه الأحداث، مثل ارتفاع الإيجارات أثناء شهر الزفاف. والبعض يؤكد أن هناك عوامل إيجابية تمتد إلى المدى الطويل نتيجة للانتشار الإعلامي الدولي والتسويق الذي سوف تتمتع به بريطانيا نتيجة للحدث. وهذا التحليل قد يكون صحيحا أيضا في رفع الطلب على بعض المواقع البريطانية، مثل العاصمة لندن، كونها سوقا عقارية دولية، لكن ليس بالضرورة على كل أنحاء بريطانيا.

والاستثمار في العقار البريطاني يجب أن يبنى على قواعد استثمارية سليمة، تشمل الموقع وحالة الاقتصاد البريطاني ونوعية العقار. ولمن يريد الاستفادة من الميزة التسويقية الإضافية للزفاف الأميري عليه أن يأخذ في الاعتبار عوامل القيمة العقارية الدائمة كأساس لهذا الاستثمار، وأن يتوجه إلى المواقع التي تحافظ على القيمة أكثر من غيرها.

وفي هذا المجال، أجرت شركة «نايت فرانك» العقارية الشهيرة بحثا حول أفضل مواقع الاستثمار العقاري البريطاني، وهي المواقع التي تحافظ على قيمتها حتى في حالات التراجع والكساد الاقتصادي. وكانت لندن من ضمن القائمة، ولكن على رأس القائمة كانت مدينة كمبردج التي تضم الجامعة الشهيرة. فهي تقدم كل المزايا التي اعتمد عليها البحث من حيث معدل الأجور ونسب النمو السكاني ومعدلات نمو القيمة العقارية. فهي الأعلى في الأجور، والأفضل في كفاءة القوى العاملة فيها، كما أنها مدينة تاريخية، وتوفر الجامعة فيها فرص عمل متعددة. وتضم كمبردج أيضا مستشفيات ومراكز علوم، وهي صارمة في إصدار تراخيص البناء مما يحافظ على قيمة العقار القائم فيها.

ويقول ريتشارد هاتش، الشريك في مؤسسة «كارتر جونز» العقارية في المدينة، إن هناك قائمة انتظار بعضها يمتد لسنوات في انتظار وصول العقار المناسب إلى السوق من أجل شرائه فورا. ويضيف أن الإمدادات العقارية في المدينة محدودة، وسواء كان هناك كساد أو انتعاش فالمدينة في انطلاق عقاري دائم. لكن الأسعار في المدينة مرتفعة وزادت بنسبة 49 في المائة بين عامي 2002 و2007، ولذلك فمنزل من الطراز الفيكتوري في وسط المدينة لا يقل سعره عن 600 ألف إسترليني، وقد يصل إلى مليون إسترليني.

المدينة الثانية على لائحة أفضل مدن الاستثمار العقاري في بريطانيا هي يورك. وهي أيضا مدينة جذابة وتاريخية وتتمتع بالكثير من المزايا مثل السياحة والمواصلات السريعة إلى لندن (ساعتان بالقطار). كما أنها محاطة بالكثير من المدن التي توفر فرص العمل والزيارة. وهي قريبة من مدينة ليدز الصناعية التي يفضل سكانها المعيشة خارجها. وتوفر يورك أيضا أفضل العوائد الإيجارية، كما أن بها بعض أفضل المدارس في شمال إنجلترا. وهناك الكثير من العائلات البريطانية التي تنتقل إلى يورك خصيصا من مدن أخرى من أجل مدارسها.

من المدن الجذابة الأخرى مدينة أكسفورد على بعد خمسين ميلا شمال غربي لندن. ويصل ثمن المنازل العائلية في أفضل ضواحي أكسفورد إلى ما بين 1.2 و1.5 مليون إسترليني، لكن الطلب عليها يزيد عن المعروض منها للبيع. وهي سوق متنوعة ما بين مستثمرين وأساتذة جامعة وطلاب أثرياء من خارج بريطانيا. وهي باختصار مدينة مضادة للكساد.

ولا تقتصر القيمة على المدن التاريخية، وإنما تشمل أيضا المدن الجديدة، مثل «ميلتون كينز» التي تقع شمال لندن لأنها تتمتع ببنية تحتية حديثة وشبكة مواصلات جيدة. وتباع الشقق في وسط المدينة بأسعار جيدة، تبدأ من 200 ألف إسترليني، وهي جذابة لقطاع كبير من العاملين في لندن، حيث لا تستغرق الرحلة بالقطار أكثر من 40 دقيقة. وتقع «ميلتون كينز» في المركز الرابع بين أفضل المدن البريطانية من جهة القيمة العقارية.

من الاستثمارات الجيدة أيضا المدن الساحلية البريطانية، خصوصا على الساحل الجنوبي. فهي توفر مواقع مفضلة للمتقاعدين، كما أنها تجذب أيضا السياح والزائرين في فصل الصيف. وهي توفر أسلوب حياة أكثر هدوءا من لندن، ويفضلها من لا يضطر إلى العمل أو السفر إلى العاصمة. وتعد سهولة المواصلات من المدن وإليها وارتباطها بما حولها من المدن وبلندن من أهم العوامل التي تدعم أسس أسعار وقيمة العقار في المدن البريطانية على اللائحة.

وهكذا فإن أسس الاستثمار العقاري في بريطانيا يجب أن تكون مبنية على قواعد استثمارية سليمة، مثل الاختيار الجيد لموقع الاستثمار، وليس على أحداث جارية مهما كانت أهميتها، مثل زفاف الأمير ويليام. فالمناسبة قد تمنح العقار البريطاني قفزة سعرية في الإيجارات والأسعار، لكن القطاع سرعان ما يعود إلى طبيعته، حيث تستعيد العوامل الاقتصادية فاعليتها، ويتوازن العرض والطلب مرة أخرى.