قطاع العقارات يزداد انتعاشا مع استضافة البرازيل كأس العالم 2014

الأسعار بدأت ترتفع بمعدلات قياسية خاصة في المدن التي ستحتضن الحدث

جانب من مدينة ساوباولو التي ستحتضن كاس العالم
TT

عندما كانت جوليا بيكر، معلمة في هولندا، تبحث عن منزل تقاعد في المنطقة الاستوائية شمال شرقي البرازيل عام 2006، لم تكن تفكر في منافسات كأس العالم لكرة القدم.

وبعد قيادة سيارة مستأجرة على ساحل ولاية ريو غراندي دو نورتي جيئة وذهابا، قررت بيكر شراء منزل مكون من غرفتين في منتجع «بيبا» العصري الوقع على مسافة 85 كيلومترا جنوب ناتال (عاصمة الولاية).

لكن اختيار ناتال لتكون من بين المدن الـ12 التي ستستضيف نهائيات بطولة كأس العالم 2014 أعطى دفعة قوية للاقتصاد المحلي، الذي استفاد بالفعل من الرخاء الذي شهده الاقتصاد البرازيلي في الآونة الأخيرة، وقطاع العقارات فيها.

عبارة «مدينة مضيفة» تعني الاستثمارات العامة في البنية التحتية، التي طال انتظارها، والمتمثلة في إنشاء طرق جديدة وإصلاح الطرق المتضررة وتطوير وسائل النقل العامة ومصانع معالجة المخلفات. وسيتم تطوير ميناء المدينة التي يقطنها أكثر من 800.000 - أغلبهم مجندون في الجيش البرازيلي - ليستقبل السفن الكبرى.

وتشير بيكر إلى أنها دفعت ما يعادل 60.000 دولار ثمنا للعقار وضرائب نقل الملكية والتوثيق وعمولة وكيل الولاية التي أضافت 10 في المائة إلى السعر. وتخطط بيكر لتحديث المطبخ وتم تأجيل تطوير الحمامات لأسباب عائلية، لكنها غرست زهورا جديدة في حديقتها الصغيرة وقامت بقص العشب.

وقالت بيكر مشيرة إلى العرض الذي تلقته لشراء المنزل مقابل 123.900 دولار، الذي رفضته: «يمكنك تخيل حجم الدهشة التي أصابتني عندما عرض علي 220.000 ريال مقابل المنزل من شخص حصل على رقم هاتفي من جار لي. وبعملية حسابية بسيطة فقط تضاعفت قيمة المنزل خلال أربع سنوات».

يبدو أن الأجانب في بيبا، التي تغص بالحانات والمطاعم، يفكرون في بيع عقاراتهم بقدر شرائها. فقبل أربعة أو خمسة أعوام كان الأفراد القادمون من أوروبا الشمالية والدول الاسكندنافية على وجه التحديد يقبلون على الشراء في «بيبا»، في الوقت الذي كان فيه الدولار الأميركي يعادل 2.3 إلى 2.4 ريال برازيلي، و2.75 إلى 2.95 يورو.

وعلى الرغم من ارتفاع معدل التضخم إلى 5 في المائة، الذي يعتبر أعلى من نظيره في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو، فإن سعر صرف الريال يقف عند 1.57 مقابل الدولار و2.27 مقابل اليورو.

هذه المستويات غير المسبوقة من الاستثمار الأجنبي المباشر في البرازيل ومعدلات الفائدة العالية كانت العوامل الرئيسة في صمود الريال مقابل العملات الأخرى.

نتيجة لذلك، يقدر مارك ماكهيو، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفست إن برازيل»، شركة استشارات عقارية، تتخذ من مدينة فورتاليزا - شمال شرقي البرازيل - مقرا لها، انخفاض نسبة أعداد المشترين الأجانب للعقارات في شمال شرقي البرازيل بنحو 70 في المائة خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية.

وأشار إلى أن تراجع الأجانب عن شراء العقارات يعود إلى ارتفاع مستويات الطبقة المتوسطة البرازيلية وشغف الطبقة فوق المتوسطة بالإنفاق على العقارات.

وقال ماكهيو: «يتطلع أثرياء شمال البرازيل إلى قضاء العطلات الأسبوعية في البلاد، على سبيل المثال، على بعد ساعة من السفر بالسيارة من سكنهم الأصلي. وقد شجع التضخم المالي، الذي شهدته البلاد في السابق، البرازيليين على الاستثمار في الخارج، أما الآن فقد تعززت الثقة لدى البرازيليين في الاستثمار المحلي».

وتحاول بعض المشروعات السكنية إضافة بعض المزايا الهادفة إلى جذب المشترين البرازيليين. ففي فندق «بولو بيتانغوي» والمشروع السكني الواقع على بعد 17 كيلومترا شمال ناتال، على سبيل المثال، سيقام مستشفى لجراحات التجميل إلى جانب عوامل الجذب التقليدية من ناد رياضي وخيار المطاعم.

لكن وكلاء العقارات الذين يعملون داخل وحول ناتال يرون في البرازيل استثمارا جيدا للمشترين الأجانب. فهم يتوقعون فرصة أكبر لزيادة الأسعار في العقارات السكنية ومؤشرات قليلة على إمكانية تراجع السوق في أي وقت قريب.

ويرى آيدان رانكين، المحلل الاقتصادي في وكالة «بروبرتي فرونتيرز» للعقارات في أكسفورد، بإنجلترا أن ناتال وريو غراندي دو نورتي تمتلكان مقومات كبيرة للنمو في المستقبل. فيقول: «ناتال أكثر المدن البرازيلية شبها بأوروبا وبوابة إلى داخل البلاد، وتشهد إقبالا متزايدا على المساكن الرخيصة والجيدة».

وتقوم شركة «بروبرتي فرونتيرز» على تسويق الشقق في بناية تضم 86 شقة في مقاطعة بتروبوليس، التي زادت فيها قيمة العقارات بنسبة 30 في المائة خلال العامين الماضيين، بحسب رانكين. ويبلع سعر الشقة التي تبلغ مساحتها 55 مترا مربعا، وتضم غرفتي نوم إضافة إلى تأمين مكان لركن السيارة، التي تبعد كيلومترا واحدا عن الشاطئ، نحو 180.000 ريال.

من ناحية أخرى، تقوم وكالة «سينرغي إيموفي»، بتسويق منازل منفصلة في منتجع «بيبا» تضم ثلاث غرف كل منها ملحق بها دورة مياه، وتبلغ مساحة المنزل 204 أمتار في مجمع سكني يطل على المحيط، مقابل 585.000 ريال.

من المتوقع أن يقام نهائي كأس العالم 2014 على استاد «ماركانا» الشهير في ريو دي جانيرو، العاصمة البرازيلية السابقة، وستستضيف دي جانيرو الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2016.

ويقول جون ويلتمان، المترجم والمحرر البريطاني الذي يعيش في منطقة هيوميتا في ريو دي جانيرو: «هناك شعور كبير بالحيوية والتفاؤل»، ويعيش ويلتمان في منزل مؤلف من ثلاث غرف، درجه من الرخام، واستورد بلاط سقفه من بلجيكا، وصممه وبناه رجل إنجليزي خلال فترة انتعاش العقارات في المدينة في ثلاثينات القرن الماضي. وأضاف ويلتمان: «تعاني ريو دي جانيرو من مشكلات الفقر وغياب العدالة الاجتماعية وجرائم العنف، لكن الأوضاع بدأت في التطور نحو الأفضل خلال السنوات الأخيرة».

وتتفوق ريو على مدن الشمال الشرقي في عدد المقيمين الأجانب نتيجة للجانب الثقافي الذي تتمتع به. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك مهرجان «باراتي» الدولي للأدب المشهور اختصارا باللغة البرتغالية بـ«فليب». ومنذ تدشينه عام 2003، جذب هذا الحدث الكتاب البارزين إلى مدينة باراتي الصغيرة الواقعة بولاية ريو دي جانيرو. وقد حضر هذا المهرجان إيزابيل أليندي في أغسطس (آب) من هذا العام إلى جانب جمهور غفير من محبي الكتب بلغ 20.000.

وعلى الرغم من وجود أكثر من ألف تجمع من مدن الصفيح، التي تتلألأ أضواؤها ليلا من فوق المناطق السكنية الفاخرة في المدينة التي تطل على المحيط، فإن ذلك لم يشكل حجر عثرة في طريق الازدهار العقاري في ريو دي جانيرو.

وترتفع قيمة العقارات في ريو دي جانيرو عن نظيرتها في ساو باولو، أكثر المراكز الحضرية ازدحاما بالسكان في أميركا الجنوبية، ولعل أبرز الأسباب في ذلك السمات الجغرافية للمدينة، فأحياء إيبانيما وليبلون، أغنى الأحياء، ومقاطعة زونا سول في العاصمة ريو دي جانيرو تحيطها الجبال، ولا توجد مساحات أخرى للبناء.

ويبلغ متوسط سعر إعادة بيع الشقق في إيبانيما في الوقت الراهن 9.088 ريال مقابل المتر المربع أو ما يعادل 500 دولار أميركي مقابل القدم المربع الواحد، بحسب البحث الذي أعدته «سيكوفي ريو»، شركة عقارات في ريو دي جانيرو. وقد ارتفع متوسط قيمة العقارات في إيبانيما بنسبة 16.3 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بحسب المصدر ذاته.

بيد أن استضافة المدينة لدورة الألعاب الأوليمبية ربما تجلب قدرا ضئيلا من الراحة لسوق العقارات المحموم في المدينة. فقرار بناء القرية الأولمبية وإقامة كثير من الأحداث بين البحيرات في بارا دا تيجوكا، التي تبعد 15 كيلومترا غرب إيبانيما، سيعني المزيد من التحسن للبنية التحتية في المنطقة التي تملك المزيد من المساحات للتوسع بها.

ونتيجة لذلك، ربما يتحرك مركز الثقل الاجتماعي بعيدا عن أحياء إيبانيما وليبلون وكوباكابانا، وهو ما سيكون من حظ الممثلين ورجال الإعلام الذين اتخذوا من بارا دا تيجوكا مقرا لهم بالفعل.

* خدمة «نيويورك تايمز»