الحصول على إذن البناء أكثر الأمور تعقيدا في بريطانيا

لندن تنتظر «شارد» برجها الأعلى في أوروبا العام المقبل

تعتبر بريطانيا من أكثر بلدان العالم تشددا حول المباني العالية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بدأت الأضواء تسلط أكثر هذه الأيام على أطول الأبراج السكنية والتجارية في بريطانيا وأوروبا على الأرجح، وهو برج «شارد»، الذي سيصل طوله إلى أكثر من 1016 قدما، الذي سينتهي العمل به نهاية العام المقبل أو في بداية العام 2012. وتم بناء ثلث البرج الزجاجي الحديث حتى الآن وسيضم 87 طابقا. وعلى الرغم من أن فكرة بناء البرج بالقرب من محطة لندن بريدج، بدأت منذ عشر سنوات، فإن العمل على إنجاز المشروع الضخم لم يبدأ قبل مارس (آذار) العام الماضي (2009). وفي حال الانتهاء من بنائه كما هو متوقع، يقال إن من سطحه المرتفع جدا سيمكن رؤية جميع أنحاء لندن وجميع معالم المدينة الضخمة والمترامية الأنحاء من شمال لندن في فنسبري بارك إلى كنيسة القديس بول على الجهة الأخرى من نهر التيمس. ويبالغ البعض بالقول إنه سيمكن من خلال البرج رؤية بحر المانش أو القناة الإنجليزية (بحر الشمال) التي تفصل بريطانيا عن فرنسا شرقا.

وبدأت مناقشة فكرة بناء هذا الصرح المعماري الضخم والكبير قبل عشر سنوات، كما ذكرنا، في لندن بين صاحب المشروع والفكرة مع رجل الأعمال اللندني ايرفين سالار والمهندس المعماري الإيطالي المعروف دوليا بينزو بيانو خلال لقاء غداء في أحد مطاعم العاصمة البريطانية.

وقد استوحى المهندس المعماري شكل البرج من بيئة نهر التيمس وسكك الحديد المحاذية لمقر الاجتماع بين الرجلين بالإضافة إلى أشرعة القوارب وأبراج منطقة موقع البرج الذي سيكون في جنوب النهر.

ولأن مسألة الحصول على إذن للبناء في بريطانيا ليست قضية سهلة، للكثير من المحاذير البيئية والمعمارية والشروط الخاصة بالتراث في كل منطقة، كما تبين من مشروع بناء ثكنات تشيلسي أيضا في الفترة الأخيرة، والاعتراضات الكثيرة التي حصلت على تفاصيله.

ولأن العاصمة أيضا كانت محرمة على المباني العالية في السنوات الماضية، صارع رجل الأعمال اللندني المعروف ايرفين سالار منذ عام 2002 مع مجلس بلدية ساوثوورك اللندنية للحصول على إذن بناء البرج، أي منذ تسع سنوات، إذ عارضه مجلس التراث الإنجليزي في البداية، واعتبر الفكرة غير مؤاتية أو غير مناسبة للندن التي كانت محرمة على الأبراج في السابق، وتخوف المجلس، كالكثير من النقاد، من أن يحجب البرج رؤية كاتدرائية القديس بول التي تعبر من أهم معالم المدينة الدينية والوطنية والمباني التاريخية الأخرى، كالبرلمان وغيره من معالم المدينة العمرانية المهمة. كما لم يكن ولي العهد، الأمير تشارلز، أيضا متحمسا للفكرة، وكما هو معروف، يروج منذ سنوات للعمارة التقليدية القديمة في البلاد، ويحاول الحد من المباني الحديثة التي تشوه الطرازات الفيكتورية والجورجية والرومانسيكية في المدينة. كما ألفت الحكومة البريطانية العمالية آنذاك لجنة تحقيق في المشروع كلفت نحو 10 ملايين جنيه، قبل الحصول على إذن العمارة.

وفي بداية مشروع ايرفين سالار، كان هناك عدد من الداعمين الماليين وبشكل خاص من سالار وشركة المقاولات والعقارات «سي إل إس هولدينغ» التي تتشارك في ملكيتها عائلة سويدية ورجل الأعمال السوري الأصل سيمون حلبي، الذي أعلن إفلاسه لاحقا.

وبعد صراع قانوني على ملكية المشروع، اشترى كونسورتيوم من مستثمرين قطريين حصة «سي إل إس» عام 2007، وأصبحت تلك الحصة لاحقا ملكا للبنك الوطني في قطر الذي يملك حاليا ثمانين في المائة من حصة المشروع. ولهذا السب يعتبر القطريون من أهم المستثمرين العقاريين في بريطانيا خلال السنوات القليلة الماضية مع الدخول في مشاريع ضخمة وغالية الثمن، إثر فشل المفاوضات للاستحواذ على سلسلة متاجر «سانزبوري» المعروفة؛ فبالإضافة إلى امتلاك مشروع ثكنات تشيلسي بما لا يقل عن مليار جنيه إسترليني، اشترى القطريون مؤخرا متجر «هارودز» المعروف من رجل الأعمال المصري محمد الفايد، بمبلغ أكبر بكثير، يصل إلى مليار ونصف المليار جنيه.

كما دخل القطريون على خط دعم مشروع برج «ووكي توكي» «لاند سكيوريتيز» في العاصمة أيضا. واشترى القطريون أيضا في هذا الإطار موقع «بارك هاوس» العقاري المهم، مقابل متاجر «سلفريدجيز» في أكسفورد ستريت بـ250 مليون جنيه من «لاند سكيوريتيز» نفسها، ويتوقع أن ينتهي العمل بمشروع «هاوس بارك» الذي سيضم 165 ألف قدم من مساحات المكاتب و39 وحدة سكنية فاخرة عام 2012.

كما يملك القطريون، الذي يرغبون في العاصمة البريطانية لتركيز استثماراتهم العقارية في القارة الأوروبية، موقع السفارة الأميركية في ساحة غروفنر في لندن، والكثير جدا من الأسهم في الشركات الكبرى ومنطقة كناري وورف.

على أي حال فإن برج شارد، كما ذكرنا، سيكون بطول 1016 قدما، وسيرتفع 87 طابقا. ويقال إن كمية التراب التي سيتم حفرها لبناء البرج ستحتاج إلى سبعة آلاف وستمائة شاحنة كبيرة لنقلها، وإن كمية الباطون المسلح التي ستستخدم لبناء ودعم البرج الزجاجي الطبع ستكون قادرة على ملء اثنين وعشرين بركة سباحة من القياس الأولمبي. ويبدو أن هذه الكمية ستكون مدعومة بأكثر من خمسة آلاف طن من قضبان الحديد.

وتقول «التايمز» اللندنية في هذا الإطار، إن البرج سيستهلك 11 ألف لوح من ألواح الزجاج، أي ما من شأن تغطية ثمانية ملاعب لكرة القدم، وتم تصميم البرج ليتحمل هجوما بالطائرات، مثل الهجوم الذي تعرض له برجا التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2010. وسيخدم سكان البرج والعاملين فيه عند نهاية أكثر من 44 مصعدا، منها مصاعد مضاعفة، ومنها مصاعد خاصة بالسكان ومنفصلة عن المواقع التجارية في البرج.

وسيكون الطابقان الأول والثاني من البرج خاصين بالمتاجر الفاخرة، التي على الأرجح ستضم أهم الماركات العالمية الخاصة بالملابس والمجوهرات والتحف والقطع الفنية والسجاد ومحلات أجهزة الهاتف الجوال، والدراجات الهوائية والأدوات الرياضية والعطور وغيرها.

وسيضم البرج كما هو متوقع فندقا فاخرا، وعلى الأرجح أن يكون فندق «شانغر لي» من فئة خمس نجوم وما فوق. وسيضم هذا الفندق الذي سيتوزع على 18 طابقا 202 غرفة فاخرة جدا، ومجهزة بكل ما تتطلبه غرف الفنادق الدولية الحديثة والفاخرة من أدوات الاتصالات كالإنترنت والتلفزيون وغيرها من الأدوات الكهربائية المريحة. وسيكون نصيب المكاتب، المساحة التي تفصل بين الطابق الثاني حتى الطابق الثامن والعشرين. وبالطبع يتوقع أن تكون هذه المكاتب مكاتب من الدرجة الأولى أو الممتازة والحديثة والمجهزة بآخر التقنيات التي تتعطش إليها لندن والكثير من العواصم الدولية هذه الأيام، كما تشير الإحصاءات العقارية قبل الأزمة المالية الدولية.

وبالطبع هناك حيز كبير للترفيه والعناية بالزبائن والزوار والسكان الذين سيمتلكون الشقق الفاخرة في البرج، ولذا سيخصص عدد من الطوابق للمطاعم، وكما يتوقع أيضا ستكون كثير من المطاعم الفاخرة في هذه الطوابق والمطاعم التي تحمل نجوم ميشلين وغيره من الأسماء اللامعة في عالم المأكولات في العاصمة البريطانية. وستطل هذه المطاعم على جميع أنحاء العاصمة من مبنى البرلمان بيغ بين إلى كناري وورف في المناطق الشرقية، وأبعد من ذلك، لتؤمن مشهدا بانوراميا مذهلا، ولذا يتوقع أن تكون بعض المطاعم من أهم المطاعم الدولية الجديدة التي يقف وراءها الكثير من الطباخين والمشاهير، وأن تتنوع بين المأكولات الدولية التي تضم المأكولات الهندية والصينية والآسيوية بشكل عام، والمأكولات الإيطالية والفرنسية والأوروبية، بالإضافة إلى المطاعم الشرقية التي تضم عادة المطاعم التركية واليونانية واللبنانية والمغربية.. وفوق الفندق حتى الطابق الخامس والستين شقق سكنية فاخرة وحديثة جدا ستكون محاطة بالحدائق الشتوية وجميع الخدمات الترفيهية والرياضية والصحية، وكل ما لذ وطاب من المواقع. وبعد ذلك حتى سطح البرج ستنتشر صالات العرض وغيرها من المعالم الحديثة، وعلى الأرجح أن تكلف الشقق والمتاجر عشرات الملايين من الجنيهات، ولن يتمكن من شرائها سوى أغنياء أوروبا والشرق الأوسط وأغنياء الصين الجدد وروسيا وغيرهم من الأميركيين.

ويقول المهندس المعماري بينزو بيانو ردا على المعترضين على البرج وشكله في المدينة، إن زجاجه أو عملية تزجيجه ستكون خاصة، بحيث يمكن للبرج أن يتمازج مع لون السماء ويختفي فيه؛ فبعد هطول المطر سيبدو أزرق، وعندما تكون السماء صافية سيبدو أحمر كالشفق.

ويجدر الذكر هنا أن بيانو، الذي يعتبر من أهم المعماريين الجدد خلال السنوات الماضية، عمل منذ بداية عام 2000 على مشاريع مهمة وكثيرة لا تحصى، وخصوصا في الولايات المتحدة، ومنها: متحف لوس أنجليس للفنون عام 2003، ومتحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر، وقصر ترانس ناشيونال في بوسطن (2005)، ومتحف ويتني للفنون الأميركية في نيويورك (2005)، والكثير من المشاريع المهمة في هذه المدينة. كما صمم بيانو برجا آخر في سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا، ومعهد الفنون في ولاية شيكاغو، أضف إلى ذلك مشروعا مهما في العاصمة اليونانية أثينا، أو المركز الثقافي لستافروس نياركوس بالتحديد، والأوبرا هاوس في فالتا عاصمة مالطا.