خبراء لـ«الشرق الأوسط»: تأثير أولمبياد 2012 على عقارات لندن «عشوائي»

42% من العقارات الجديدة تقام شرق العاصمة حيث تنظم الألعاب

جانب من القرية الاوليمبية (رويترز)
TT

ربما تكون إنجلترا قد خسرت سباق تنظيم كأس العالم لعام 2018، ولكن لندن تستقبل بعد أقل من عامين دورة الألعاب الأولمبية التي تقام في الضواحي الشرقية فيها. الإعلان عن فوز لندن بالدورة كان منذ خمس سنوات تقريبا وتزامن مع فترة الطفرة العقارية. وحينذاك توقع كثير من الخبراء أن منطقة شرق لندن سوف تكون بمثابة منجم من الأرباح الأسطورية لمطوري ومستثمري العقار، على غرار ما حدث في الدورات الرياضية الأخرى، خاصة دورات كأس العالم. ولكن هذه التوقعات كانت قبل عصر الانكماش الاقتصادي والأزمة المالية، فما وضع عقارات شرق لندن الآن؟ وما تأثير الدورة الأولمبية المقبلة على أسعار العقار في المناطق المحيطة؟

«الشرق الأوسط» استعرضت مجموعة من آراء خبراء العقار حول هذا الموضوع. وكانت الآراء، كما كان متوقعا، متضاربة بين مؤيد للتأثير الإيجابي المستدام وبين أخرى تعتبر أن التأثير سوف يكون مؤقتا، وفئة ثالثة تعتبر أنه إذا كان هناك تأثير للدورة الأولمبية فهو قد دخل في الاعتبار بالفعل نظرا للسنوات الخمس الماضية التي كان الجميع يعرف خلالها بموعد الدورة واتخذ قراراته بالفعل سواء بالاستثمار أو الابتعاد عن الموقع. والاستنتاج النهائي من مجموع الآراء هو أن تأثير الدورة الأولمبية سوف يكون «عشوائيا» وغير منتظم بين منطقة وأخرى، ولكن العامل الأكثر تأثيرا في سوق العقار البريطانية بشكل عام الآن هو الأزمة المالية الخانقة وصعوبة التمويل وتراجع الأسواق بشكل عام.

ولهؤلاء الذين لا يقطنون لندن، لا بد من التعريف بأن الأحياء الشرقية في لندن هي أحياء شعبية بها نسبة عالية من الفقراء والمهاجرين الأجانب والعاطلين عن العمل، وبعض الأحياء فيها تشتهر بالعنف بين الشباب وحالات اعتداء وطعن بالسلاح الأبيض. ولكن هذا الوصف لا يعمم على كل مناطق شرق لندن، لأن بعضها الآن يضم أحياء مالية وسكنية راقية، ولأن الاستثمارات فيها مستمرة منذ الثمانينات حينما تم بناء حي «دوكلاندز» الذي يعد من معالم المدينة حاليا.

الأرقام تشير إلى أن نسبة زيادة الأسعار شرق لندن خلال السنوات العشر الماضية كانت في حدود 130 في المائة في المتوسط. وبعض الأحياء ارتفعت بنسبة 150 في المائة. ولكن معظم هذه الزيادة جاءت في السنوات الخمس الأولى من العقد الحالي، أي من قبل إعلان فوز لندن بتنظيم الدورة الأولمبية المقبلة. ويقول ماركوس ديكسون من شركة «سافيل» العقارية إن التحدي القائم هو جذب مشترين من خارج المنطقة وتأسيس قواعد جديدة في المنطقة تجعل العائلات تريد الاستقرار فيها، خاصة العائلات ذات الدخل المرتفع.

وهناك جوانب من هذا الرأي حدثت بالفعل نظرا لتحسن شبكة المواصلات شرق لندن ومد خطوط مترو وسكك حديدية جديدة. كما أن المشاريع الجديدة سوف تربط المنطقة مباشرة بمطار هيثرو وبالقطار السريع الذاهب إلى أوروبا والمسمى «يوروستار». إضافة إلى ذلك، ساهم إنشاء مطار «لندن سيتي» الصغير في تعزيز القيمة العقارية أيضا في المنطقة. وتجري الآن اللمسات الأخيرة على مشروع أكبر مجمع تجاري في أوروبا يقام في المنطقة باسم «ويستفيلد ستراتفورد سيتي» الذي سيتم افتتاحه عام المقبل.

خبيرة بيع العقار في شركة «فوكستون»، كيت دودكين، قالت إن سكان الحي الغربي في لندن في الماضي كانوا يشعرون بالإهانة لو اقترح عليهم سمسار عقاري السكن شرق لندن، أو أي منطقة تقع شرق حي هولبورن، ولكنهم الآن يشاركون مع مستثمرين أجانب في الشراء في شرق لندن إن لم يكن بغرض السكن فللاستثمار. ويؤكد على رأيها خبير العقار في شركة «نايت فرانك» جون كينيدي، الذي أشار إلى أن نصف الاستفسارات الأجنبية عن الاستثمار في شرق لندن تأتي من الصين. والسبب هو أن هؤلاء المستثمرين يعرفون بالخبرة كيفية تحول السوق العقارية بفضل الدورة الأولمبية ويستفيدون من تجربتهم أثناء استضافة بكين الدورة الأولمبية السابقة.

وتؤكد تقارير أخرى من شركة «سافيل» أن 35 في المائة من المستثمرين في المشاريع العقارية الجديدة في لندن، سواء في شرق المدينة أو في مناطق أخرى، هم من الصينيين. ويأتي الصينيون إلى لندن لعدة أسباب؛ أهمها توقع ارتفاع الأسعار مع الدورة الأولمبية، ولأن العملة الصينية «اليوان» تتمتع بسعر صرف جيد إزاء العملات الحرة الغربية، وأيضا بسبب لإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لتضييق مجال المضاربات على العقارات الصينية؛ الأمر الذي دفع بالاستثمار العقاري الصيني للخروج عبر الحدود. وخلال العامين الماضيين ارتفع سعر صرف اليوان مقابل الإسترليني بنحو 32 في المائة. ويستثمر الصينيون في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وهونغ كونغ.

وعودة إلى شرق لندن، حيث ما زالت المنطقة المتاخمة لمنشآت الدورة الأولمبية تعاني في الوقت الحاضر من انخفاض الأسعار بوجه عام عن متوسط أسعار لندن الكبرى بنحو 20 في المائة. وفي هذه الحال، ينصح الباحث في شركة «سافيل» لوسيان كوك بأن الاستراتيجية المتبعة يمكن أن تنجح في حالة التوقيت الجيد. فالشراء الآن والبيع قبيل انعقاد الدورة عام 2012 وقبل وصول دفعات العقار الجديد إلى المنطقة، يمكن أن يحقق أرباحا. وكذلك البديل أو الشراء والانتظار حتى يتم استيعاب العقارات والمشاريع الجديدة كافة التي يجري العمل فيها حاليا. ولكن لا يجب الانتظار طويلا بعد الدورة الأولمبية لأن التأثير بعيد المدى غير معروف بعد.

وتشير أبحاث قامت بها شركة «نايت فرانك» إلى أن 42 في المائة من العقارات الجديدة كافة في لندن تقام في منطقة شرق لندن ولها علاقة بالدورة الأولمبية، حيث تراهن شركات العقار على تأثير هذه الدورة في تشجيع الأسعار والمبيعات. وتترجم هذه النسبة إلى نحو 76 ألف عقار سكني. هذا بالإضافة إلى 130 ألف ترخيص عقاري بالبناء صدرت في المنطقة حتى الآن، ولكنها لم تدخل بعد طور الإنشاء. وقد لا يتم بناء بعض هذه الوحدات نظرا للوضع المالي المتدهور وصعوبة الحصول على التمويل اللازم.

ويشير تشارلي هارت من شركة «نايت فرانك» إلى أن منطقة ستراتفورد تعتبر نقطة أولمبية ساخنة لأنها في مركز الحدث، أما المناطق البعيدة نسبيا، فإن التأثير الإيجابي فيها قد يكون هامشيا. وتستقبل هذه المدينة «الحديقة الأولمبية» والقرية الأولمبية التي ستضم آلاف العقارات الشعبية التي تباع بعد ذلك لأهل المنطقة.

وإذا كانت هذه هي آراء شركات العقار التي ربما لديها مصلحة في تشجيع بيع وشراء العقار والحث على الاستثمار، فماذا عن جهات تنظيم وإدارة ليس لها مصلحة مباشرة في أسواق العقار؟ لهذا كان رأي مدير التخطيط في المعهد الملكي لمهندسي العقار جيريمي إيدج مهمّا. ويعتقد إيدج أن استضافة لندن للدورة الأولمبية لن ينعكس بالضرورة إيجابيا على أسعار العقار في لندن. ولكنه يعترف أن المناطق القريبة من الحدث سوف ترتفع سعريا بكل تأكيد. ويضيف إيدج أن نقطة الجاذبية العقارية في لندن سوف تتحرك في اتجاه الشرق، وسوف تتغير ملامح منطقة شرق لندن، خاصة لو وفرت معيشة جيدة للسكان الجدد الذين يستقرون فيها بعد الدورة الأولمبية. وهو يريد أن يرى مزيدا من الاستثمار في البنية التحتية والمواصلات في المنطقة، ويدعو الحكومة لأن تساهم في ذلك الجهد أيضا بتوجيه استثمارات القطاع الخاص شرقا.

وتشارك هيئة السياحة البريطانية في التسويق للحدث الأولمبي، وتعتقد متحدثة من الهيئة هي جاكلين فرنش، أن الاستفادة السياحية سوف تعم أيضا على قطاع الفنادق والعقارات في جميع أنحاء لندن حيث يستفيد أصحاب العقارات من الطلب الهائل على الإقامة في لندن خلال فترة انعقاد الدورة الأولمبية. وتريد الهيئة أن تشجع سياحة المؤتمرات أثناء فترة الدورة الأولمبية لرغبتها في جذب رجال الأعمال إلى لندن خلال هذه الفترة.

تقرير عقاري آخر صادر من بنك «باركليز» كشف عن صورة مختلطة في شرق لندن ما بين مناطق زادت زيادة ملحوظة في الأشهر الأخيرة ومناطق أخرى لم تتحرك الأسعار فيها إلا بنسب ضئيلة. ولكن البحث يستنتج مع ذلك أن المستقبل سوف يوفر فرصة جيدة لعقارات شرق لندن لكي تتحسن وترتفع بالنسب نفسها التي تعم بقية أنحاء العاصمة. ويرى التقرير أن السبب الأكبر في استمرار هذا التحسن بعد انقضاء فترة الدورة الأولمبية هو تحسن البنية التحتية والمنشآت الأولمبية التي سوف تفيد المجتمع المحلي في المنطقة. ويخشى التقرير من قرار حكومي بخصم مبلغ 27 مليون جنيه إسترليني من ميزانية اللجنة المشرفة على التجهيزات الأولمبية، بسبب إجراءات التقشف الحكومي، ولكنه يقول إن الأثر لن يكون مؤثرا في عمليات البناء، خاصة أن الميزانية الإجمالية للمنشآت الأولمبية تبلغ 9.3 مليار جنيه إسترليني.

ويجمع الخبراء على أن الأزمة المالية جاءت في أسوأ توقيت ممكن للمنطقة، فالأسعار تراجعت شرق لندن بين عامي 2007 و2009 بنحو 20 في المائة، وتجد المنطقة صعوبة في استعادة ما فقدته من قيمة، بغض النظر عن اكتساب قيمة إضافية، على الرغم مما يقال عن «التأثير الأولمبي». وفي الوقت نفسه، ما زالت أحياء غرب لندن تكتسب القيمة المضافة ذاتيا على الرغم من عدم ارتباطها بأي نشاط خاص بالدورة الأولمبية.

وتعتقد شركة «وينكورث» لتسويق العقار التي تعمل محليا شرق لندن أن شركات تطوير العقار في المنطقة تماطل في تنفيذ المشاريع في الوقت الحاضر، لأنها غير مهتمة بتنفيذ المشاريع في أقرب فرصة ممكنة لمعرفتها أن الأسعار سوف ترتفع ولرغبتها في الاستفادة من هذه الارتفاع. وهي أيضا تريد أن توفر من تكاليف الاقتراض في الوقت الحاضر انتظارا لتحسن الأحوال.

والنتيجة أن مناطق كاملة شرق لندن ما زالت تشبه معسكرات العمل نظرا للمشاريع غير المكتملة فيها، ولا يشجع هذا الوضع على تحسن الأسعار وارتفاع القيمة. ويشرح كبير الاقتصاديين في مصرف «هاليفاكس»، مارتن إيليس، الوضع بأن المشترين في أوقات تراجع أسعار العقار لا يقامرون على المناطق التي سوف تتحسن في المستقبل وإنما يتنافسون على المناطق ذات القيمة المضمونة، وهو ما يسميه إيليس «الهروب إلى القيمة».

وسوف يكون التحدي الأكبر لمنطقة شرق لندن هو التغلب على سمعتها السلبية التي التصقت بها منذ عقود كمنطقة فقيرة محرومة من الخدمات. ومفتاح نجاح المنطقة، وفقا لتقرير الخبير العقاري ريتشارد إيليس، هو أن يقيم فيها المشترون بصفة دائمة بدلا من الانتقال منها فور انتهاء الدورة الأولمبية أو عند تكوين عائلة بعد الزواج. ويقول المفاوض العقاري حسين رمضان الذي يعمل في موقع الحدث في ستراتفورد إنه إذا كان لأسعار العقار في لندن أن تتحسن، فإنها سوف تتحسن في المنطقة لأنها سوف تتحول في غضون عامين إلى أفضل مناطق لندن.

المنشآت الأولمبية شرق لندن من شأنها تحسين أحوال المنطقة

* بغض النظر عن تحولات أسعار العقار التي تخضع لعوامل العرض والطلب وحالة السوق، فإن المنشآت الأولمبية التي تقام الآن شرق لندن سوف تنعكس إيجابيا على أحوال المنطقة معيشيا واقتصاديا. فالمنطقة الأولمبية تقام على أراض قاحلة كانت مقرا لمصانع ومخازن مهجورة شرق العاصمة. وتقام «الحديقة الأولمبية» على مساحة 2.5 كيلومتر مربع لتكون أكبر حديقة من نوعها تقام داخل مدينة في أوروبا منذ القرن التاسع عشر. وتضم القرية الأولمبية 2800 منزل جديد؛ نصفها على الأقل منازل شعبية ذات أسعار منخفضة. كما تتحسن وسائل المواصلات من وإلى المنطقة بعد إنفاق ملايين الجنيهات على مشاريع المواصلات العامة.

وسوف تقام الدورة الأولمبية بين 27 يوليو (تموز) إلى 12 أغسطس (آب) 2012. وكانت بريطانيا قد استضافت دورتين أولمبيتين في الماضي عامي 1908 و1948. وسوف تكون لندن أول مدينة تستضيف الأولمبياد الحديث ثلاث مرات. وكانت الولايات المتحدة استضافت دورات أكثر من بريطانيا ولكن في مدن متفرقة.