السعودية: طفرة في تداولات المدينة المنورة ترفع أسعار العقار

سعر المتر المربع في المنطقة المركزية 80 ألف دولار

جانب من المدينة المنورة («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد عقارات المدينة المنورة في السعودية منذ نحو 3 سنوات طفرة في الأسعار ساهمت في ارتفاع أسعارها في ظل تجاوز سعر المتر المربع الواحد في المنطقة المركزية 300 ألف ريال (80 ألف دولار)، إلى جانب وجود نوع من المضاربات كانت نتيجة نشوء ارتفاعات وهمية على خلفية الإقبال الكبير عليها، إضافة إلى أن المدينة المنورة تعد أرضا خصبة لجذب المستثمرين من خارجها لأنها لم تستثمر سابقا بالشكل الصحيح.

وأوضح أحمد الدبيخي، رئيس مجلس إدارة مجموعة «أحمد الدبيخي للاستثمار العقاري» أن المدينة المنورة تشهد تطورا في المجال الاستثماري والعقاري والمعرفي، باعتبارها من أهم المناطق التي تحتوي على فرص استثمارية عقارية كبيرة، الأمر الذي يجعلها تقف في مركز متقدم على الخريطة الاقتصادية والاستثمارية.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة إقبال كبير على الاستثمار العقاري من داخل المدينة المنورة وخارجها، وذلك بعد فترة الركود التي مرت بها السوق خلال الفترة الماضية، غير أنها لم تؤثر كثيرا في النشاط العقاري»، مؤكدا تزايد الطلب على المنتج العقاري بالمدينة المنورة حاليا.

وأرجع سبب ذلك التزايد إلى أسباب عدة، من ضمنها تميز المدينة المنورة بمجالات كثيرة في الاستثمار العقاري من خلال الاستثمار الفندقي في المنطقة المركزية التي تحظى برغبة كبيرة من قبل المستثمرين، لافتا إلى أن سعر المتر المربع الواحد في هذه المنطقة يتجاوز 300 ألف ريال (80 ألف دولار)، في حين ما زال الطلب على الاستثمار بها في ازدياد.

وأشار إلى أن الكثير من الخطط دخلت حيز التنفيذ من أجل توسيع المنطقة المركزية كي تستوعب حجما أكبر من الاستثمارات، من ضمنها الاستثمار في تطوير الأراضي والوحدات السكنية، حيث إن الطلب ما زال كبيرا في هذا المجال، فضلا عن وجود مدينة المعرفة الاقتصادية وما تضمنته من مشاريع عملاقة على المستوى المعرفي والاستثماري بالنسبة للمجالات الفندقية والوحدات السكنية ومراكز التسوق.

وأضاف «من المؤكد أن مدينة المعرفة الاقتصادية أثرت بشكل واضح على أسعار المناطق المحيطة بها التي ارتفعت بنسبة 100 في المائة، وهو ما يعتبر أثرا ظهر مع بداية الإعلان عن إنشاء تلك المدينة، إلا أنه من المتوقع أن تزداد هذه الأسعار في الارتفاع كلما قطعت المدينة شوطا بعد أن تم البدء في العمل على البنية التحتية لها».

وذكر رئيس مجلس إدارة مجموعة «أحمد الدبيخي للاستثمار العقاري» أنه تم الإعلان عن إنشاء نحو 500 فيللا سكنية في إحدى زوايا مدينة المعرفة الاقتصادية، التي تعد القريبة من البنيان العمراني للمدينة المنورة، مشيرا إلى أن ما يميز مدينة المعرفة أنها واقعة في وسط البلد، وهو ما جعلها تؤثر بشكل واضح على الجوار.

وأبان أن مدينة المعرفة الاقتصادية من شأنها أن تعزز المنطقة المحيطة بها في السوق العقارية، التي ستشهد أسعارها ارتفاعا مع كل مرحلة يتم البدء فيها، موضحا في الوقت نفسه أن هذه المدينة بحاجة إلى ما يقارب الـ10 سنوات للانتهاء من إنشاء نحو 70 في المائة منها.

واعتبر أحمد الدبيخي سوق العقار في المدينة المنورة مختلفة عن أي سوق أخرى على مستوى مناطق السعودية، لأنها من أكبر مناطق التسوق في المملكة، لا سيما أن ملايين المسلمين يزورونها سنويا، الأمر الذي يعكس وجود قوة شرائية كبيرة تجعلها متميزة عن المناطق الأخرى.

ولفت إلى وجود طلب متنام ومتزايد على الأراضي والوحدات السكنية، الذي ما زال يتسارع بصور أكبر من المعروض منها، إلى جانب بعض الأنظمة المتوقع صدورها قريبا من ضمنها الرهن العقاري ونظام الوحدات السكنية والتعديلات التي طرأت على القروض العقارية، مما يعزز ويزيد من قوة الاستثمار والفرص الاستثمارية في هذا المجال، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة تنوعا في المنتجات العقارية.

وجدي حافظ، عضو اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة، أكد أن سوق العقار في المدينة تعد جاذبة للمستثمرين من خارجها أكثر من الموجودين بها، مرجعا سبب ذلك إلى قداسة المدينة المنورة ورغبة المسلمين في أن يكونوا بها.

وقال خلال اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» قال: «تشهد سوق العقار في المدينة المنورة طفرة بدأت منذ نحو ثلاث سنوات، كانت سببا في ارتفاع الأسعار، فضلا عن وجود نوع من المضاربات في السوق نتيجة نشوء ارتفاعات وهمية على خلفية الإقبال الكبير»، مشيرا إلى أن نسب ارتفاع أسعار العقار في المدينة المنورة تجاوزت 200 في المائة في بعض المناطق.

وأفاد بأن المدينة المنورة حتى الآن تعتبر صغيرة من حيث المساحة مقارنة بالمدن الأخرى، وهو ما يجعل المقارنة بينها وبين تلك المدن غير سليمة، باستثناء مكة المكرمة بحكم القداسة المشتركة بينهما، إلا أن أسعار العقارات في المدينة لم تصل إلى 30 في المائة مما هي عليه في مكة، وهو ما يجعل منها أرضا خصبة للمستثمر الواعي.

واستطرد في القول: «إن أهالي المدينة المنورة لديهم حدود معينة للشراء في ظل توفر الإمكانية أمام شرائح معينة من السكان، إلا أن نشاط السوق العقارية بها جاء نتيجة إقبال المستثمرين عليها من خارج المدينة، والذين عادة ما يفضلون الاستثمار الفندقي أو المستشفيات أو الأسواق التجارية».

وحول وجود حجم معين للاستثمار من الخارج داخل المدينة المنورة، ذكر عضو اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة أنه لا توجد إحصائيات محددة، إلا أن ما تتم رؤيته يؤكد أن معظم المشاريع الاستثمارية تأتي من الخارج، لا سيما أن المدينة المنورة لم تستثمر حتى الآن بالشكل المطلوب.

ولمح إلى بعض المشكلات التي من شأنها أن تؤثر على نشاط سوق العقار في المدينة المنورة، من ضمنها المنازعات والمخططات البعيدة عن المدينة، خصوصا أن التطوير الذي شهدته المدينة المنورة مؤخرا بدأ من المناطق البعيدة عن الأجزاء المطورة في السابق ولم يكن بشكل تدريجي.

وزاد: «إن بعض المخططات عادة ما تخلو من الخدمات أثناء طرحها في السوق حتى من ناحية سفلتة الشوارع الرئيسية، غير أنها بمجرد وصول الخدمات إليها فإن أسعارها تشهد ارتفاعا مفاجئا»، لافتا إلى وجود مطالبات من أجل إصدار مؤشر عقاري، إلا أن الإجراءات الرسمية لا تساعد على تنفيذ ذلك بشكل سريع.

وبين حافظ أن الشائعات لها دور كبير جدا في تحريك سوق العقار بالمدينة المنورة، حيث إن هناك مناطق يقبل على الشراء بها مجموعة كبيرة من الناس ليكتشفوا فيما بعد أنها تخضع لعمليات مضاربة، موضحا أن اللجنة العقارية تسعى دائما إلى تقديم النصح وعدم الاندفاع للشراء في المناطق البعيدة عن المدينة المنورة، خصوصا أن هذه المناطق تشهد بطئا في وصول الخدمات إليها.

وهنا، علق أحمد الدبيخي قائلا «رغم النشاط الجيد في السوق العقارية بالمدينة المنورة فإنه من الضروري أن يواكب المناطق الأخرى من خلال إيجاد اندماجات وتحالفات عقارية، وأخرى بين الشركات العقارية والمالية من أجل تقديم خدمات ومنتجات جديدة مثل الصناديق العقارية وغيرها»، مبينا أن ذلك ينعكس إيجابا على المستثمر والمستهلك في نفس الوقت.

وأكد أن ما يسمى المؤشر العقاري المعمول به حاليا ليس دليلا على نشاط السوق من عدمه، لا سيما أن الآلية التي يعمل بها تعتبر غير دقيقة، متوقعا في الوقت نفسه أن الفترة المقبلة إن لم تشهد ارتفاعات في أسعار العقار فإنها لن تسجل أي انهيار للسوق العقارية.

وأردف قائلا «إن جميع المعطيات الموجودة حاليا تدل على عدم وجود أي احتمالات لانهيار السوق العقارية، غير أنه قد يكون هناك هدوء يفرضه الارتفاع الكبير في الأسعار، لكن المسيرة ما زالت مستمرة لتكون الأمور بخلاف ما كان يتوقعه بعض المثبطين في ظل نشاط السوق»، لافتا إلى أن الطلب لا يعني أنه يوجب الارتفاع بقدر ما سيوجد نشاطا بوتيرة متساوية.

وكان المهندس محمد العلي، أمين عام هيئة تطوير المدينة المنورة، قد أعلن في تصريحات صحافية سابقة عن وجود متابعة لإعداد مخطط شامل للمدينة المنورة بهدف التأكد من أن الخطط التي سيتم وضعها تلبي احتياجات المدينة وساكنيها وزائريها من الحجاج والمعتمرين.

وأشار إلى أنه ستتم الاستعانة بعدد من الخبراء والمحللين والعاملين في شتى المجالات لوضع تصور ورؤية استراتيجية في المستقبل تحدد من خلالها الأهداف وخطط العمل المتعلقة بأعمال التطوير، مؤكدا مشاركة جميع الجهات المعنية في ورش العمل التي ستناقش مخرجات المخطط والوصول إلى تصور مشترك يحقق التطلعات المأمولة.

وأوضح أن الهيئة تسعى للتركيز على ملف تطوير المنطقة المركزية وإجراء تقييم شامل لوضعها الحالي من حيث الخدمات المتوفرة والاحتياجات المستقبلية باعتبارها تمثل واجهة مهمة جدا، لأنها تستقطب زوار المسجد النبوي الشريف، فضلا عن مناقشة إيجاد استراتيجية شاملة لتطوير المدينة المنورة عن طريق خطة مدتها 20 عاما تهدف إلى وضع كافة الاحتياجات للعقدين المقبلين وإيجاد التوازن المطلوب بين النمو السكاني وحجم الخدمات وشبكات الطرق والمرافق.

من جهته، كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في المجلس البلدي بالمدينة المنورة، عن رفع المجلس لمقترح حول زيادة معدل الارتفاعات في بناء الأبراج والعقارات بالمدينة المنورة.

وفند الدكتور صلاح الردادي، رئيس المجلس البلدي في المدينة المنورة مبررات ذلك المقترح خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا «إن النظام الحالي قد مضى عليه ما يزيد على 14 عاما وهو ما يحتم إعادة النظر فيه، إلى جانب أن الإحصائيات الحديثة التي أعدتها بعض الجهات أشارت إلى زيادة عدد الحجاج والزوار للمدينة المنورة ليصلوا إلى نحو 6 ملايين زائر وحاج في الوقت الحاضر، في حين من المتوقع أن يبلغ عددهم ما يقارب 10 ملايين خلال السنوات القريبة المقبلة».

وأبان أن المنطقة المركزية المحيطة بالحرم النبوي الشريف في حالة اكتمالها لن تتسع لأكثر من 300 ألف زائر وحاج، إضافة إلى احتمالية أن تقل كثيرا على خلفية توجيهات الجهات العليا بنزع ملكيات الجهة الشرقية والغربية من الحرم النبوي الشريف.

وأضاف أن «مساحة منطقة حرم المدينة المنورة تعد محدودة جدا في ظل رغبة الأهالي في إبقاء مساكنهم داخل حدود الحرم، فضلا عن مواكبة التغيرات في أمانات وبلديات السعودية التي قام بعضها بتعديل هذه الأنظمة».

وأفاد رئيس المجلس البلدي بأن مقترح إعادة النظر في ارتفاعات البناء بالمدينة المنورة يأتي كوسيلة لجذب المستثمرين السعوديين ومواكبة تطلعات الدولة في هذا الميدان، إضافة إلى أن النمو السكاني الذي تشهده جميع مدن السعودية يتطلب عملية تخطيط مستمرة لا تتوقف عند اعتماد المخططات.

وذكر أن هناك شرائح كبيرة من المواطنين الذين تقدموا إلى المجلس البلدي لإعادة دراسة موضوع الارتفاعات، ونظم البناء الذي مضى عليه أكثر من 14 عاما، مضيفا «ثمة مطالبات كثيرة بإعادة النظر في نسبتي الملاحق للفلل والمباني السكنية بحيث لا تقل عن 50 في المائة».

وشدد الدكتور صلاح الردادي على ضرورة إعادة النظر في نظام الارتفاعات ونظم البناء بالشكل الذي يحافظ على قدسية المدينة المنورة، واعتبار المسجد النبوي كأهم عنصر فيها، والمحافظة على الوظيفة الأساسية للمدينة بأن تكون ذات صفة دينية، وخدمية، وإدارية.

واقترح أن تكون هذه المبررات والتوصيات والمقترحات أساسا لأي دراسات أخرى قد تظهر وتؤثر على قدسية المدينة المنورة للمحافظة على وضعها، مؤكدا أن هذا التعديل المقترح بإعطاء ارتفاعات جديدة يشجع كثيرا من المواطنين على فكرة إعادة النظر في مبانيهم القديمة والمتهالكة والمحيطة بالمنطقة المركزية، وإعادة إنشائها حسب الارتفاعات الجديدة.

وأضاف «شهد المخطط الإقليمي والإرشادي إدخال الكثير من التعديلات والتغيرات من مجلس المنطقة وأمانة المدينة المنورة، وذلك بناء على المستجدات التي تفرض نفسها في بعض المناطق التي يشملها المخطط»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الضواحي والمدن التابعة المقترح توطين السكان فيها لم تتم حتى الآن نتيجة عدم توفر الخدمات بها، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى إمكانيات وميزانيات ضخمة لتأسيس البنية التحتية لها.

الجدير بالذكر أن مجموعة من المستثمرين العقاريين كانوا قد توقعوا في وقت سابق أن العقار بالمدينة المنورة سيواصل الارتفاع ليقفز في بعض المخططات إلى 50 في المائة خصوصا القريبة من المشاريع الحيوية، في حين ستشهد الإيجارات تراجعا كبيرا نتيجة توفر العرض وقلة الطلب.

وأوضح آنذاك المهندس فاروق إلياس مدير عام شركة «المهندسون للتطوير العقاري» في المدينة المنورة أنه بمجرد البدء في صرف تعويضات العقارات المنزوعة ستشهد السوق ارتفاعا خصوصا في المخططات القريبة من المنطقة المركزية، الذي قد يتراوح في بعض المواقع ما بين 50 و100 في المائة حسب موقع الأرض إن كانت تجارية أو داخلية.

وأبان أن ما يحدث حاليا من تخطيط وتطوير وتنفيذ لبعض المشاريع في المدينة سيساهم في حدوث قفزة خيالية في السوق العقارية خلال الأعوام العشرة المقبلة، والتي قد تزيد خلالها أسعار بعض المواقع بنسبة 500 في المائة.

ولم يستبعد إلياس توافد تحالفات لشركات ورجال أعمال من أجل شراء المخططات في المدينة المنورة خاصة بالمنطقة المركزية، مستثنيا المخططات القريبة منها التي قد يكون الإقبال عليها محدودا أو شبه منعدم.

وكانت قد ترددت معلومات حول تجاوز قيمة العقارات المنزوعة من المنطقة المركزية 10 مليارات ريال، إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من نزع الملكيات في بعض المواقع، خاصة المناطق العشوائية التي قد تتجاوز قيمتها 8 مليارات ريال خلال العام المقبل بهدف تنفيذ مشاريع حيوية تساهم في تقديم خدمات بلدية تتواكب مع ما تشهده المنطقة من تطوير.