مدن الهند تتحول بسرعة إلى غابات من الإسمنت على طرز مانهاتن وشيكاغو

وسط تحول كبير في الثقافة والأسماء وثراء الطبقات الوسطى

TT

يبدو أن العالم بمختلف أقطاره قد احتشد في ضواحي العاصمة الهندية دلهي التي تزخر بالأبراج الشاهقة، ففي محيط دائرة يبلغ نصف قطرها 20 كيلومترا، تجد «سكوتيش غاردينز» (الحدائق الاسكوتلندية) وكاليفورنيا و«هايد بارك» و«ويندسور بارك» و«هاسيندا» - وجميعها أسماء لمجمعات سكنية. ويعد هذا نموذجا على ميل صناعة الإسكان الهندية لإطلاق أسماء أجنبية على مجمعات الوحدات السكنية.

وقد ولت الأيام التي جرت العادة خلالها على إطلاق أسماء بالهندية أو اللغات المحلية الأخرى في الهند على المجمعات السكنية، مثل «إيكتا غاردنز» و«دهروفا أبارتمنت» و«تارا أبارتمنت». الآن، أصبح أكثر من 80% من المجمعات السكنية والمدن الجديدة تحمل أسماء أجنبية غربية، مثل «هاميلتون هايتس» و«كاسا إسينزا» و«مايفيلد غاردن» و«باناش هومز.» والتساؤل الذي يفرض نفسه: هل هذه الظاهرة الجديدة تأتي من قبيل التغيير فحسب، أم أنها تحمل وراءها دلالات أعمق؟ من جانبهم، يعتقد الخبراء المعنيون بصناعة الإسكان أن هذا التحول يرتبط بصورة وثيقة بالتصميم، حيث يعكس بصورة أساسية أسلوب حياة غربيا وحداثة.

من بين هؤلاء أوتكارش بالنيتكار، الخبير البارز لدى شركة «إرنست أند يونغ»، الذي قال: «نظرا لأن الشريحة الحالية لمشتري العقارات بالهند تمثل مزيجا من الأجانب والهنود غير المقيمين بالبلاد وأبناء الطبقة الوسطى الذين يجوبون العالم، فإن مثل هذه الأسماء تشكل عنصر جذب أكبر وتضفي مكانة رفيعة على المشروع». واستطرد بأن «أسماء المشروعات السكنية حاليا تعكس نسقا غربيا أكبر، مثل الكتل السكنية الشاهقة مزودة بأبراج وأقواس وما إلى غير ذلك، أو الفيلات منخفضة الارتفاع المقامة على الطرز الإسبانية والفينيسية والإيطالية».

وأشار أديتيا بانسال، المدير الإداري لـ«إيه بي دبليو غروب»، إلى أن «الغرب جرى التطلع إليه بإعجاب دوما لفخامته وتطوره وأسلوب الحياة الحديث به. وعندما يتعلق الأمر بالعقارات، نجد أن الأسماء الغربية تحمل قيمة إلهامية بالنسبة للعملاء المحتملين، حيث ترتبط مثل هذه الأسماء الأجنبية بالمساكن الفاخرة المبنية على أحدث طراز وتحمل قيمة لدى مالك المنزل ترتبط بالإعجاب والإبهار».

وقد أطلق على مشروع «غولف كورس رود» في جورجاون الذي تقيمه «إيه بي دبليو غروب» اسم «لا لاغون» في إشارة لما وصفه بانسال بـ«طراز عالمي حديث يميز شققنا». وتثير كلمة «لاغون» في الذهن صورة المياه. وبالفعل، يزخر المشروع بأحواض السباحة والنافورات والبحيرات الصغيرة. وتستهدف مثل هذه المشروعات شريحة من المجتمع ليس من السهل إرضاء أذواق أفرادها، حسبما أوضح بانسال، مضيفا أن «لا غون» تعبر بصورة رائعة عن رغبات النخبة.

من ناحيته، حمل أنوج كومار، الذي درس تكنولوجيا المعلومات، بداخله حلما أميركيا. وبالفعل، أخذ هذا الحلم في التحقق، لكن ليس في بوسطن أو نيويورك، وإنما بقرية بارولي في هاريانا على أطراف دلهي. داخل هذه المنطقة ترتفع الأعمدة الخراسانية والأسمنتية لـ«كاليفورنيا كنتري»، وهي مجموعة من التجمعات السكنية جار إنشاؤها، حجز فيها كومار شقة بمساحة 1.700 قدم مربع مقابل 4 ملايين روبية.

وقال: «أنا بانتظار أن أعيش حياة أميركية في عنوان أميركي». منذ أربع سنوات، قوبل طلب كومار الحصول على فيزا للسفر إلى الولايات المتحدة بالرفض، لكن اليوم لم يعد هذا الأمر ذا أهمية لأنه عثر على منطقة داخل الهند ستبدو دوما مثل كاليفورنيا.

الملاحظ أن جورجاون، إحدى ضواحي دلهي، نجحت في هدم الحدود الجغرافية على نحو يفوق أي مكان آخر، حيث تضم تحت مظلتها مجمعات سكنية بأسماء متنوعة مثل «ويلينغون استيت» و«برنستون استيت» و«كارلتون استيت» و«ريتشموند بارك». وقد اختارت شركة «نيمبس» للتنمية العقارية، ومقرها دلهي، الجمع بين اسمي مدينتين مختلفتين للغاية لابتكار اسم لمشروع جديد لها، وهو «لندونويدا - هايد بارك». وأوضح يوغيش غويل، مسؤول الشركة، في تصريحات لوسائل إعلام أن سبب التسمية يعود إلى أن «13 أكرا (الفدان = 1.038 أكرا) من بين إجمالي المساحة البالغة 15 أكرا خضر».

وربما ألهمت «الفوفوزيلا» المميزة لجماهير كرة القدم الجنوب أفريقية مسؤولي شركة «سوبرتيك» للتنمية العقارية عندما أطلقت على مشروع جديد لها «نويدا كيب تاون».

ويعتقد أن هذه الأسماء الحديثة أصبحت من العناصر الإضافية التي توليها شركات التنمية العقارية اهتماما. عن ذلك، أعرب ديباك شاه، رئيس شؤون التسويق لدى «آي آر إي أو»، وهي مؤسسة استثمارية عالمية رائدة افتتحت مؤخرا مشروع للتنمية العقارية، عن اعتقاده بأن اختيار أسماء العلامات التجارية يعكس أذواق المجتمع.

واستطرد شارحا أنه «على سبيل المثال، حملت الكثير من المجمعات السكنية والإدارية التي أقيمت خلال السنوات الأولى من استقلال البلاد طابعا هنديا مميزا. وربما كان لمشاعر الوطنية والقومية المتأججة آنذاك صلة بذلك. اليوم، ربما تمثل العولمة العنصر الكامن وراء إطلاق أسماء غربية على المشروعات العقارية، وذلك بعد أن مر المجتمع الهندي بدورة كاملة وربما بدأ الناس في الربط بين الأسماء الغربية وجاذبية الحياة الحديثة. وبذلك، نجد أن هذه الظاهرة مرتبطة في جوهرها بتقبل المجتمع والعملاء».

وأبدى بروتن بانجيري، رئيس «شركة تاتا للتنمية العقارية»، اعتقادا مشابها، حيث يرى أن تطلعات العملاء داخل الهند مرت بتغيرات على مر السنوات. مع تزايد الميول الاستهلاكية وتغيرات ثقافية أخرى، تغير وجه الهند أيضا - من الهندي إلى مزيج من الهندية والإنجليزية، ومن الأزياء ذات الطابع العرقي إلى مزيج من طرز مختلفة من الملبس، ومن منازل تضم الأسر الكبيرة إلى أخرى تضم أسرا صغيرة، ومن الزواج التقليدي القائم على اتفاق الأهل إلى الزواج بدافع الحب وما إلى غير ذلك.

داخل قطاع العقارات، يتجلى ذلك في انتشار الأسماء الغربية وفي التصميم المعماري للعديد من التجمعات السكنية والإدارية.

من ناحيته، قال فينيت كومار سنغ، المعني بالعقارات: «لا يتجاوز الاسم كونه جزءا من المشروع. وبالنسبة لغالبية المشترين، تعد تجربة شراء منزل فرصة لا يقابلها المرء سوى مرة في العمر وتعتمد ردود الأفعال تجاه المنازل المعروضة للبيع عبر موقعنا على الموقع والسعر والسمات والكماليات والشركة التي بنت المشروع. وبالفعل، بمقدور الأسماء الجذابة اجتذاب أعداد أكبر قليلا عن الأخرى الرصينة».

ويتجلى بوضوح أمام العاملين بالمجال العقاري المنطق وراء اقتطاع أسماء من خرائط أميركية وبريطانية وإطلاقها على مشروعات عقارية هندية. من جهته، قال أفنيش أغاروال، رئيس «ميريتون غروب» التي تولت بناء مشروع «أورانج كاونتي»، وهو مشروع يتألف من أبراج شاهقة داخل غازي آباد استوحت إلهام تصميمها من مسلسل تلفزيوني حول كاليفورنيا، إن الهنود يربطون الاسم الأجنبي الغربي بـ«جودة أعلى».

تملك سونيا مالك، المهنية العاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات، منزلا بمنطقة فاسانت كونجي. وعن سبب إقبالها على «أورانج كاونتي»، قالت إنها اعتقدت أن «اسما أجنبيا جذابا ربما يجتذب سكانا من خلفية اجتماعية مشابهة لها».

تضم بون مجمع «بيفرلي هيلز» السكني، بينما يوجد «كنزنغتون بولفارد» في نويدا، وستظهر «كامب ديفيد» قريبا في بنغالور.

من جهته، أوضح سانجيف أوندهي، رئيس شؤون العمليات بشركة «فاير لكشر ديفيلبرز» والتي تتولى بناء مشروع «إمبريان» في بنغالور، أنه «نعتقد أن اسم المشروع ينبغي أن يعكس تصميمه. وكان اسم (امبريان) الذي يعني أعلى طبقات السماء اختيارنا. وهو اسم حديث ومعاصر يدغدغ تطلعات العملاء المهتمين بأسلوب الحياة المعاصر».

واستطرد بأن الاسم يعتمد على نمط العقار. بالنسبة للعقارات رفيعة المستوى، فإنه نظرا لأن أعمال تصميم والتخطيط تقوم بها شركات عالمية، فإن أسماء المشروعات تعكس ذلك.

وقال: «مثلا يدور مشروعنا السكني الفاخر في جورجاون حول فكرة (الفن والثقافة). لذا اختير له اسم (ريزينا ريزيدنسي) لأنه يقع على سفح مرتفعات ريزينا». إلا أن بعض الشركات تتطلع لما وراء كوكب الأرض. مثلا، تتولى «إيلينز غروب» بناء مجمعات أطلقت عليها أسماء من قبيل «إيلين ستيشن وان» و« إيلين ستيشن تو» و«إيلينز إليت» و«إيلينز هب» و«إيلينز فاستراك» و«إيلينز بلند» و«إيلينز فالي» و«إيلينز سويت هوم».