آسيا تستحوذ على ثلثي المباني التجارية الجديدة خلال العامين المقبلين

وسط النمو الكبير في الدخل والاقتصاد

النشاط في المساحات الإدارية الهندية ينطلق من النمو الاقتصادي القوي وتعافي صناعة تكنولوجيا المعلومات
TT

أعرب محللون عن اعتقادهم بأن ثلثي مشروعات المباني التجارية التي ستنجز خلال العامين المقبلين على مستوى العالم ستكون في آسيا. وقد شهدت الهند وحدها أكثر من 55 مليون قدم مربع إضافية في المساحات المكتبية عام 2010، وفي طريقها لإضافة نحو 50 مليون قدم مربع أخرى خلال 2011/2012. وتأتي مومباي في المقدمة باستحواذها على حصة تفوق 25% من إجمالي المساحات الإدارية في الهند خلال 2011/2012، وتليها بانغالور، ومنطقة العاصمة بنسبة 19% و17% على الترتيب، طبقا لتقديرات صادرة عن شركة «سي بي ريتشارد إليز» للاستشارات العقارية.

الملاحظ أن النشاط في المساحات الإدارية الهندية ينطلق من النمو الاقتصادي القوي ومضي صناعة تكنولوجيا المعلومات في تعافيها. عن ذلك، قال براديب جين، رئيس «بارسفناث ديفلبرز ليميتيد»: «على امتداد قرابة عامين، تحملت سوق العقارات الإدارية الهندية وطأة الجزء الأكبر من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. إلا أن الشهور الثمانية الأخيرة شهدت تحسنا واضحا في المناخ التجاري العام، الأمر الذي زاد بدوره الطلب داخل الضواحي التجارية المركزية والمساحات الإدارية بمناطق أخرى».

وتوصلت دراسة مسحية أجرتها شركة «دي تي زد» العالمية للاستشارات مؤخرا عبر عقد لقاءات مع نحو 200 من شاغلي وحدات إدارية، عبر دلهي ومومباي وبانغالور، إلى أن غالبيتهم كانوا يبحثون عن مساحات إدارية جديدة. وخلال الدراسة، اتضح أن ما يصل إلى 110 ممن شملتهم اتخذوا بالفعل أو على وشك اتخاذ إجراءات لاستئجار أو شراء مساحات إدارية.

تشير الأرقام إلى أن أكبر سبع مدن هندية تضم مساحة إدارية إجمالية تبلغ 26.000 متر مربع، وهو ما يكافئ تقريبا مجمل المساحة المعروضة في شنغهاي وسنغافورة وهونغ كونغ وسيول مجتمعة. ويرى محللون أن أسواق مومباي وبانغالور ودلهي تحتل مرتبة متقدمة في الدورة العقارية في ما يخص حجم الصفقات، ومن المتوقع أن تكون أول من يسجل نموا في إيجارات المساحات الإدارية خلال عام 2011.

من جانبه، قال سوميت راكشيت، المدير التنفيذي لـ«كوشمان آند ويكفيلد إنديا»: «لقد عادت ظاهرة الالتزامات المسبقة، وهو ما يعد مؤشرا صحيا على استعادة سوق المكاتب نشاطها». ويكشف ذلك أيضا أن قطاع الشركات كان يعكف بنشاط على التخطيط لاستراتيجيات توسعية سبق إرجاؤها لأن الظروف الاقتصادية لم تكن مواتية.

أيضا، هناك تحول في الطلب على المساحات داخل «المناطق الاقتصادية الخاصة»، والتي سجلت بها التزامات مسبقة كبرى. ومن المتوقع استمرار الطلب في التزايد على مدار العام المقبل الذي سيشهد أيضا تناميا في نشاطات البناء والتشييد.

الملاحظ أن قطاع المساحات التجارية أو المكاتب بدأ في بناء قدرة كبيرة بداية من عام 2007، وبسبب الأزمة العالمية التي وقعت عام 2008 وما تلاها من انحسار، استشرت مشاعر الإحباط جراء وجود وفرة مفرطة في العرض.

وشرح شاشانك أغراوال، مدير بموقع «IndiaCube.com» الإلكتروني، أن «شركات تعمير وبناء، مثل (دي إل إف) و(يونيتيك)، جنت نسبة كبيرة من عائداتها من تأجير مساحات إدارية ومكاتب نظرا لتمتع جميع مشروعاتها بمواقع استراتيجية، مثل قربها من المطار أو من شبكة طرق جيدة. وعادة ما تفضل الشركات متعددة الجنسيات والعاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات استئجار مساحات مبنية، بينما تفضل الشركات الهندية الاستثمار في عقارات تملكها. ومن ناحية الظاهرية، يبدو أن أماكن العمل بالمباني الجديدة ستتميز بعدد أقل من الجدران والمساحات المغلقة، والمزيد من المساحات المفتوحة للسماح بقدر أكبر من الحركة والراحة».

وتميل التوجهات الإنشائية الجديدة للتركيز على سبل البناء صديقة البيئة، والاعتماد بصورة كاملة على عناصر طبيعية لتعزيز القدرة على الاستفادة من المبنى. كما يهتم المستخدمون النهائيون للمباني بتوافر مستوى أكبر من الإدارة المهنية للمباني في ما يخص الصيانة، بما يسهم في زيادة الإنتاجية. وتمخضت الأزمة الاقتصادية التي وقعت 2008/2009 والمصاعب التي تلتها عن مولد نماذج تجارية جديدة. وأصبح هناك إدراك متزايد لأهمية خفض التكاليف والتفاوض بقوة حول قيمة الإيجارات وتحقيق أقصى استفادة من كل بوصة في المساحات المتوافرة. ومن المتوقع أن يظهر ربع المساحات المكتبية الجديدة في مومباي التي تمثل رابع أغلى سوق عالمية للمساحات الإدارية، مع تكلفة إشغال تصل إلى 125.76 دولار للقدم المربع، بينما تصل التكلفة في أغلى سوق للمساحات المكتبية في العالم، وهي منطقة ويست إند بلندن، إلى 183 دولارا للقدم المربع.

جدير بالذكر أن هذه هي أسعار ما قبل فترة الركود. لكن المفاجأة لا تتوقف هنا، حيث تفوقت بانغالور، التي تعد بمثابة «سيليكون فالي» الهند، على سنغافورة على هذا الصعيد. ويرى خبراء أن السبب الرئيسي وراء التنامي السريع لبانغالور في أسعار الإيجارات المنخفضة نسبيا، رغم أن أسعار الإيجارات في المناطق القريبة من دلهي مثل نويدا وغورغاون تتراوح بين 40 و45 دولارا للقدم المربع شهريا، أن شركات تكنولوجيا المعلومات تفضل بانغالور لما توفره من قوة بشرية ذات مؤهلات أفضل.

وقال ديباك كابور، مدير شركة «غولشان هومز» العقارية «كان الطلب دوما كبيرا على المساحات التجارية أو المكتبية داخل الهند. وتعد الهند محورا للشركات متعددة الجنسيات الكبرى على مستوى العالم، الأمر الذي يحمل معه طلبا هائلا على المساحات المكتبية، مع تزايد أعداد الموظفين. ويتمثل أهم عاملين يعملان لصالح المساحات المكتبية في توافر إمكانات وكماليات على أحدث طراز، وتوافر قدرة على الاتصال والارتباط. وقد تلقى التزايد الأخير في بناء مساحات مكتبية جديدة من جانب العديد من الشركات العقارية دفعة إيجابية من جانب الشركات العاملة بالبلاد. وقد كانت الهند وستبقى محط اهتمام للشركات متعددة الجنسيات لما تتميز به من عمالة رخيصة ماهرة».

ويعتقد الكثير من المحللين أن تكاليف العقارات من الممكن أن ترفع مجمل تكاليف التشغيل داخل الهند بمقدار الثلث تقريبا. أما شركة «كيه بي إم جي» للمحاسبة فقد طرحت تقديرا يتسم بقدر أكبر من التحفظ - ورغم ذلك لا يزال مرتفعا للغاية - حيث ترى أن تكاليف العقارات تشكل ما يتراوح بين 10% و15% من إجمالي تكاليف التشغيل داخل الهند، مقارنة بما يتراوح بين 2% و3% دوليا. والواضح أن التكاليف المرتفعة للمساحات المكتبية والعقارات تخلف تداعيات سلبية على الشركات الهندية، حيث تجبر الشركات على إعادة نقل مكاتبها وتغيير حجمها وإعادة النظر في استراتيجياتها من حين لآخر.

على سبيل المثال، عند النظر إلى مكاتب شركة «تاتا تيليسيرفيسيز» في وسط مومباي، نجد أنها تعتمد على أنظمة إضاءة وتبريد طبيعية، وتتميز بكونها صديقة للبيئة وتبلغ درجة من الاتساع تجعلها قادرة على احتضان جميع عمليات الشركة العاملة بمجال الاتصال عن بعد داخل هذه المدينة الضخمة تحت سقف واحد. يذكر أن مقر هذه المكاتب كان في ما مضى مخزنا لـ«فولتاس»، وهي شركة أخرى تتبع مجموعة «تاتا». هذا المكان الذي يعد محورا لجهود صنع الاستراتيجيات داخل خامس أكبر شركة هندية بمجال الاتصال عن بعد كان يضم من قبل أجهزة تبريد وتكييف للهواء مكدسة داخل صناديق ضخمة. وربما تبدو مسألة تحويل مخزن إلى مقر لرئاسة شركة بمجموعة «تاتا» الغنية أمرا متناقضا، لكنها تكشف حجم الضغوط التي تفرضها أسعار العقارات المرتفعة على الشركات.

عن ذلك، قال سي إن ناغاكومار، مسؤول شؤون الموارد البشرية بشركة «تي تي إس إل»، الذي كان أحد العقول المدبرة وراء قرار تحويل مخزن لمكاتب للشركة «بالنسبة لأي شركة، تشكل المساحات المكتبية حصة كبيرة من النفقات الإدارية. وعليه، فإن العقارات تشكل قطعا حصة كبيرة من النفقات، خاصة داخل الهند التي تكتسي سريعا بطابع حضري».

وعالميا، لا تتجاوز تكاليف الإيجار كنسبة من المبيعات في ما يتعلق بمطاعم الوجبات السريعة والمطاعم الأخرى الراقية 8%. لكن الإيجارات تتسم بارتفاع تكلفتها داخل الهند لدى مقارنتها بالقوة الشرائية للعملاء. وأشار فيكرام باكشي، المدير الإداري لفروع «ماكدونالدز» في شمال وشرق الهند، إلى أن «أي منفذ بيع لـ(ماكدونالدز) في الهند يتعين عليه تحقيق مبيعات أعلى بنسبة تتراوح بين 20% و25% لتحقيق ذات المستوى من العائدات في السوق العالمية». من جهته، قال بي بي بهاتاتشاريا، الخبير الاقتصادي ونائب مدير جامعة جواهر لال نهرو، إن ارتفاع أسعار العقارات لا يعد بالأمر الغريب بالنظر إلى أن المعروض من الأراضي محدود. وأضاف «التساؤل المهم هو: ما مدى حجم الارتفاع في الأسعار الذي يمكن التوافق معه؟ أحيانا، يدفع المضاربون الأسعار نحو الارتفاع، ثم ينحسر الطلب وتعقب ذلك فترة خمول. لكن بعد فترة من الوقت، يعاود الطلب ارتفاعه». عبر الهند وعبر مختلف القطاعات، يتكرر هذا السيناريو مرة بعد أخرى. وحتى تثبت الأسعار عند مستوى واقعي ويستقر العرض والطلب، سيبذل أصحاب الأعمال والشركات جهودا دؤوبة لاستغلال كل بوصة مربعة يملكونها.