السعودية: دعوات لبناء مدن نموذجية وتوفير السكن لمحدودي الدخل

المساهمات العقارية المتعثرة تلقي بظلالها على سوق العقار في المنطقة الشرقية

دعوات إلى بناء مدن نموذجية ومد الخدمات للأطراف لتوفير السكن لمحدودي الدخل («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن تحديد النطاق العمراني في المنطقة الشرقية، وتحديدا لضواحي الدمام والخبر والقطيف والظهران، واستمرارية حجز حيازات واسعة من المخططات السكنية والأراضي من قبل جهات مختلفة، قد ألقى بظلاله على سوق العقار بشكل جلي، كما فاقم قضايا المساهمات المتعثرة في نواح عدة من المنطقة، وساهم في حجز كثير من الأراضي وتعليق أموال طائلة ينشد أصحابها الحل بعد طول انتظار.

وأجمع خبراء عقاريون على أهمية تدخل الجهات المختصة لوضع حلول جذرية، واتخاذ إجراءات عاجلة وملزمة سواء بما يسهم في تصفية المساهمات المتعثرة، خاصة أن أسعارها قد تضاعفت وبالإمكان أن تغطي حقوق المساهمين، أو فك الكثير من الأراضي التي تقع تحت يد شركات وقطاعات حكومية أخرى، إضافة إلى مد الخدمات لمخططات خارج النطاق العمراني الحالي لتمكين ذوي الدخل المحدود من تملك أراض سكنية، أو بناء مناطق نموذجية وبمساحات تتوافق وحاجة طالبي الوحدات السكنية.

وفي هذا الصدد يصف الخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن صنيتان المساهمات المتعثرة بأنها تلقي بالضرر على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى المواطن البسيط بشكل خاص، في ظل جرأة بعض المستثمرين على أخذ أموال المساهمين، ومن ثم يعلق المساهمة إلى أجل غير مسمى، بحجة أنه لم يصف المساهمة ويتركهم معلقين.

وحمل بن صنيتان جهات أخرى مسؤولية تعثر كثير من المساهمات، وقال إنه لا بد للجهات المختصة من إيجاد حلول عاجلة، وأن تطرح مخططات جديدة خارج النطاق العمراني، إضافة إلى وجوب حصول صاحب المساهمة على ترخيص معتمد من الجهات المعنية، وإلزامه بحفظ حقوق المساهمين، وأن تودع المبالغ في البنك، وتحديد فترة زمنية لتصفية المساهمة. كما أنه يجب تسهيل التراخيص وإجراءات تنفيذها، كي لا تتأخر حقوق المساهمين.

واعتبر الخبير العقاري محمد بغلف المساهمات المتعثرة ومشكلاتها غالبا ما تكون بسبب جهل صاحب المساهمة أو تصرفه في أموال المساهمين وبالتالي يقف عاجزا على أن يكمل المساهمة، وقال «هنالك مشكلة الأخرى نعاني منها والمتمثلة في تضارب الصكوك وبيع الصك لأكثر من شخص وبالتالي الدخول في قضية شائكة وتعطيل المساهمة».=

وعاد بغلف يقول إن من مسببات تعثر المساهمات أيضا يعود إلى أن صاحب المساهمة يجهل قطاع العقار، وأخذ أموال المساهمين الذين يرون أن الاستثمار في العقار أقل مخاطرة، ولا يحتاج لمزيد من الجهد أو الارتباط كسائر الأعمال التجارية الأخرى. خاصة أن أغلب المساهمات العقارية حققت نجاحات كبيرة وأرباحا وفيرة.

وأشار بغلف إلى أن المساهمات المتعثرة قد لا تتجاوز نحو 15 مساهمة، وليس لها تأثير كبير على الأسعار في سوق العقار.

وقال «أتصور أن أهم الحلول لتصفية هذه المساهمات أن تتولى إحدى الجهات الرسمية دراستها جيدا والعمل على تطوير هذه المساهمات وأن تتولى مسؤولية بيعها، بما يحفظ حقوق المساهمين».

وعن دور اللجان العقارية في الغرف قال محمد بغلف: اللجان ليس لديها عصا سحرية، بقدر أنهم تجار تبرعوا بوقتهم وجهدهم في سبيل توصيل صوت العقاريين للغرفة التي بدورها تنقلها للجهات المسؤولة، ومع هذا فإن اللجان طرحت الكثير من الأفكار والمقترحات أمام الجهات المعنية والبعض منها أصبح حيز التنفيذ، وكانت اللجان قد ساهمت سابقا في وضع نظام المساهمات العقارية والمندرج تحت مظلة هيئة سوق المال.

وأشار إلى أن هذا النظام ساهم في الحد من دخول ما وصفهم بالدخلاء على قطاع العقار، كما أن النظام نفسه أيضا أوقف بعض العقاريين الجدد نتيجة للشروط التي وضعت بعد تطوير فكرة النظام والتي تتطلب على صاحب المساهمة أن يودع 50 مليون ريال (13.3 مليون دولار) كضمان لدى هيئة سوق المال مقابل الحصول على الرخصة، وتحفظ جميع أوراق المساهمة لدى جهة ثالثة.

وأشار إلى هذا النظام حد أيضا من أرباح صاحب المساهمة الذي كان يستفيد في السابق من أموال المساهمين ومن عمولة البيع وتطوير الأرض كمقاول، وكانت الأرباح تتراوح بين 20% إلى 30%، وحاليا لا تتجاوز الأرباح حدود 8%.

وقال بغلف الذي يشغل عضوية اللجنة العقارية بغرفة الشرقية: إن سوق العقار تتوقف على الطلب والعرض، وهناك طلب متزايد في الوحدات السكنية في السعودية بشكل عام وفي المناطق الرئيسية بشكل خاص، متوقعا استمرارية حجم الطلب على الوحدات السكنية خلال العشر سنوات المقبلة، وهذا مبعث اطمئنان وليس خوفا على قطاع العقار، وأن الأسعار سوف تستقر على مدى العامين المقبلين.

وأضاف أن الاستثمارات العقارية لا تتوقف أيضا بل هناك مشاريع عقارية تنفذ ولم يعلن عنها، ودعا المستثمرين إلى تبني مشاريع مميزة كي تمثل إضافة إلى المنطقة، وإيجاد معالم معمارية تزيد المنطقة جمالا وتميزا. مطالبا الجهات الحكومية المعنية بتسهيل إجراءات تراخيص المشاريع بما يخدم المنطقة ويحفز المستثمرين لطرح مشاريع جديدة وبمواصفات عالية القيمة.

وكشف بغلف إلى أنه بصدد طرح مشروع استثماري صنف من المشاريع المميزة في المنطقة وأطلق عليه اسم (تجار الشرقية)، وهو عبارة عن فلل مكتبية راقية وعلى مساحة 18 ألف متر مربع وبكلفة تصل إلى أكثر من 225 مليون ريال، متمنيا أن يحصل على الموافقة النهائية بعد الموافقة المبدئية التي استغرقت 18 شهرا.

من جهته عزا المستثمر العقاري سعيد محمد آل حصان ارتفاع الأسعار في سوق العقار بالمنطقة الشرقية إلى المساهمات المتعثرة وسيطرة شركة «أرامكو» السعودية على جانب كبير من المخططات السكنية، مطالبا بتدخل الجهات المختصة لوضع حد لما وصفه بالأزمة العقارية التي تواجه المنطقة الشرقية.

وأشار إلى أنه في حال أن سمحت شركة «أرامكو» بفك مساحات واسعة من الأراضي التي تضع يدها عليها فإنها حتما ستفتح مجالات وفرصا أكبر أمام المواطنين لتملك أراض سكنية، وكذلك الحد من ارتفاع الأسعار. وقال «لو رفعت البنوك يدها عن المخططات التي تمولها وطالبت بحقوقها حتما ستنهار السوق العقارية»، مشيرا إلى أن الأسعار المرتفعة للوحدات السكنية حدت كثيرا من عمليات البيع وهو مؤشر ينبئ بتراجع الأسعار في ظل ضعف القوة الشرائية لدى الكثير من المواطنين.

وأشار إلى أن الوضع العقاري في المنطقة الشرقية قد يكون له وضع خاص عما هو عليه في المناطق الأخرى، وذلك لتلك المعوقات والمشكلات التي لا توجد إلا في الشرقية، وخاصة فيما يتعلق بتداخل الصلاحيات وتشابك ملكية حيازات واسعة من المخططات التي كان يجب أن تكون مخططات سكنية.

وطالب بإيجاد تنظيمات مشتركة بين البنوك وصندوق التنمية العقارية لتمكين المواطنين من ذوي الدخل المحدود من تملك وحدات سكنية دون تحميلهم أعباء أرباح إضافية للتمويل.

وكشف آل حصان إلى أنه طرح مشروعا في القديح (محافظة القطيف) يتكون من 200 وحدة سكنية عبارة عن شقق للتمليك، وبكلفة تصل إلى أكثر من 100 مليون ريال (26.6 مليون دولار)، مشيرا إلى أن هناك طلبا متزايدا على تلك الوحدات قبل الانتهاء من المشروع، في حين تتراوح سعر الوحدات من 440 ألف ريال (117 ألف دولار) إلى 700 ألف ريال (186.6 ألف دولار).

وأشار إلى أن العقاريين يتطلعون لإشهار هيئة عليا لسوق العقار على أن يرأسها عقاري مخضرم، للنهوض بهذا القطاع المهم، ويعيد له هيبته وتخليصه من ما سماهم بـ(المستعقرين).

إلى ذلك أوضح أحمد عبد المنعم العنيزي عضو اللجنة العقارية بغرفة الشرقية أن المساهمات المتعثرة تحتاج لحلول جذرية على أن يتم البدء بالمساهمات الأسهل ثم الأكثر تعقيدا، على أن تشكل لها لجنة من المساهمين أنفسهم وتعيين محام ومحاسب قانوني تحت مظلة المنطقة الشرقية، والعمل على تصفية هذه المساهمات كون الكثير منها قد تضاعف سعرها وقيمتها السوقية قد تغطي حقوق المساهمين.

وأوضح إلى أنه إذا ما تولدت الإرادة لدى المساهمين والجهات المعنية فإن الحل لن يكن مستعصيا.

ولم يخف تأثير تلك المساهمات على السوق في المنطقة والمبالغة في الأسعار، في ظل الطلب المتزايد مقابل تمسك كثير من العقاريين بالأراضي لأن الكثير منهم غير مضطرين للبيع، ولا تؤخذ عليهم رسوم سنوية، كما أنه ليس هناك استثمارات بديلة مغرية.

وأضاف أن وجود عدم القدرة على الشراء أيضا ساهم في تراجع البيع في الأراضي ذات المساحات الصغيرة بنسبة تصل إلى 60%، في حين أن المنطقة الشرقية بمختلف محافظاتها تحتاج إلى نحو 200 وحدة سكنية سنويا، وذلك لتزايد النمو السكاني.

وأشار العنيزي إلى أنه لا بد من تدخل الجهات المختصة في البلاد لفك الأزمة السكانية، سواء ببناء مناطق نموذجية بمشاركة القطاع الخاص لتطويرها بأسعار رمزية، على أن يتم تحديد المساحات وفقا لحاجة صاحب الطلب، لأن أغلب مساكن السعوديين القائمة حاليا هي تفوق في الغالب حاجة الأسرة.

كما يتوجب أيضا بحسب العنيزي مد الخدمات إلى المخططات البعيدة من مركز المدينة وخاصة على طريق الرياض والتي ستسهم في إيجاد حلول معقولة لكثير من المواطنين، وكذلك فك الاختناقات داخل المدن الرئيسية كالدمام والخبر والقطيف.

وقال «إن استمرارية أزمة السكن قد ينذر بمخاطر ومشكلات اجتماعية في المستقبل، وهو ما يتطلب من الدولة سن قوانين لتنظيم قطاع العقارات وتمكين ذوي الدخل المحدود من تملك أراض ولو بسعر رمزي»، متوقعا استمرارية الأسعار في الارتفاع، بل قد تتضاعف الأسعار بنسب كبيرة في حالة إقرار الرهن العقاري وذلك لكثرة الطلب على المساكن.

وبين العنيزي أن الاستثمارات العقارية حاليا أقل من المطلوب في المنطقة الشرقية، في حين أن مشاريع الأمانة في الغالب ترسى على مستثمرين غير مؤهلين، كون تلك المشاريع تطرح أمام العموم للمناقصة، وكثير من تلك المشاريع فشلت كون المستثمر أحيانا قليل الخبرة واندفع للحصول على المشروع بعطاء ناهض مقابل مدد إيجارية محدودة وبالتالي فإن مثل هذه المشاريع مصيرها الفشل. ودعا إلى وجوب عدم طرح مشاريع الأمانة إلا لمستثمرين مؤهلين كي يستفاد من مثل هكذا مشاريع.

من جهته أكد عبد اللطيف أحمد النمر رئيس مجموعة «المستشارون العقاريون» أن وضع العقار في السعودية بصفة عامة مطمئن إلى درجة كبيرة، وكل المعطيات والمؤشرات تعزز الانطباع نحو مستقبل أفضل لهذا القطاع في ظل زيادة الإنفاق الحكومي والمشاريع العملاقة التي طرحتها الحكومة السعودية، أو الحاجة المتزايدة للوحدات السكنية مدعومة بالنمو السكاني المتزايد، وكذلك الحاجة لمدن صناعية أخرى.

وأضاف النمر أن ارتفاع الأسعار ناتج طبيعي لأنه لم تكن هناك قفزات هائلة مثلما حدث في دول أخرى، وربما كانت هناك قفزة واحدة قوية، وما تبعها كانت قفزات عادية بحدود سعرية تصل إلى 10% وهذه قفزات طبيعية.

وأكد النمر أن هناك مساهمات ما زالت متعثرة في المنطقة الشرقية سواء بسبب ضعاف النفوس من أصحاب بعض المكاتب العقارية الذين استحوذوا على أموال المساهمين، ولم يستغلوها الاستغلال السليم. أو ممن هم ضحايا عدم فسح بعض المخططات الذين يرغبون في تطويرها.

وقال النمر إن المساهمات المتعثرة الأخرى في مختلف مناطق الشرقية يتراوح حجمها بين 100 مليون إلى 150 مليون متر مربع تقريبا.

وقال «لا بد من وضع حلول جذرية لهذه المشكلات، وإن كانت المساحات الكبيرة تشكل عقبة مهمة أمام كثير من الحلول، ولا ننكر أن هناك أخطاء ويتم معالجتها الآن عن طريق لجان شكلت لهذا الغرض ونتطلع إلى حلول عاجلة، لأن فك هذه المساحات سينعكس إيجابا على المصلحة العامة».

وأشار إلى وجود الكثير من المساحات المعطلة أيضا داخل المدن ويعود تعطيلها في الغالب لخلافات الورثة من الأبناء أو لأسباب أخرى، وطالب النمر الجهات المعنية بالتدخل لحل أزمة الأراضي المتوقفة، وذلك بوضع تقييم لقيمة هذه الأراضي، وأن يختار أصحابها تطويرها أو بيعها لمن يرغب في تطويرها بدلا من حجزها لسنوات طويلة، وحرمان الآخرين من الاستفادة منها بما ينعكس على المصلحة العامة.

وأيد النمر الطروحات التي تنادي بفرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء والتي لم يطورها ملاكها، وقال أعتقد أنه حان الوقت لفرض رسوم على الأراضي داخل المدن بهدف تحفيز الملاك لتطويرها أو بيعها لمطورين آخرين.

وطالب بتدخل المجالس البلدية للمساهمة في حصر هذه المساحات، وتتخذ الإجراءات التي تسهم في فكها، لإيجاد مساحات واسعة للبناء ودفع عجلة التنمية، لأنه ليس من حق الملاك احتكار هذه الأراضي للأبد، فكما لهم حق فهناك آخرون لهم حق الاستفادة أيضا. كما أن هناك حلولا وخيارات أمام الملاك بإدخال شركاء للتطوير.

وكشف النمر عن طرح وتطوير مشروع عقاري مخصص لإقامة مشاريع صناعية بجوار مخطط المدينة الصناعية الثانية بالدمام، وعلى مساحة 2.7 مليون متر مربع، تم تقسيمها إلى 3 أجزاء بالتساوي وبمساحة 900 متر مربع لكل جزء على أن يبدأ العمل في تطوير الجزء الأول خلال الأسبوعين المقبلين، وينتهي كامل المشروع في نهاية العام المقبل.

إن تكلفة المشروع تقدر بنحو 570 مليون ريال، (152 مليون دولار) تشمل قيمة الأرض وكلفة التطوير، مشيرا إلى أن طبيعة الاستثمار في هذا المشروع هي صناعية، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات المساندة مثل المستودعات، والورش، والمواقف وخلافه. مشيرا إلى أن مثل هذا المشروع سوف يسهم في فك الاختناقات الحالية للمدن الصناعية في المنطقة والتي ما زالت تحتاج إلى مشاريع عملاقة.