العقارات السويسرية: البعض يعتبرها مستقرة وخبراء ينتظرون فقاعة

مازالت الملاذ الآمن في لحظات الاضطراب

العقارات السويسرية تحتفظ بقيمتها أكثر من أسواق أوروبا الأخرى («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي يضع فيه مؤتمر دافوس السنوي عقارات سويسرا تحت الأنظار، فإن السفر إلى سويسرا للسياحة والتزلج على الجليد عادة أوروبية ارستقراطية مستقرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع قضاء الاوقات الطيبة في مناخ معقم نظيف وجليد ناصع البياض، سرعان ما تتحول العطلة للبعض إلى اقامة دائمة أو شراء عقار ثان يكون بمثابة المقر المؤجل للتقاعد. ومن ابرز المشاهير الذين ذهبوا إلى سويسرا ولم يعودوا جينا لولوبريجيدا والن ديلون وساشا ديستيل وروجر مور. ولكن هذا الاقبال الكبير من خارج سويسرا على شراء العقارات، مع مزايا الاقامة السويسرية من ضرائب منخفضة وضمانات للقيمة الاستثمارية، اسفر عن زيادات مضطردة في أسعار العقار السويسري بنسب غير مسبوقة، في الوقت الذي كانت فيه معظم أسواق العقار الأوروبية تتهاوى تحت وطأة الكساد والأزمة المالية.

وربما لهذا السبب حذرت هيئة سويسرية لحماية المستهلك اسمها «كومباريس» من تحول الوضع إلى فقاعة عقارية خصوصا أن أسعار العقارات السويسرية اضحت الآن اعلى من مقدرة الشعب السويسري نفسه على الشراء. وخلال العام الأخير ارتفعت أسعار العقار السويسري بنسبة سبعة في المائة، وبنسبة 11 في المائة حول بحيرة جنيف التي تعد من أسخن النقاط العقارية في سويسرا في الوقت الحاضر. ويصل سعر الشقة الصغيرة المتواضعة المكونة من غرفتين إلى مليون فرنك سويسري (نحو المليون دولار)، بينما تصل أسعار الفلل الجبلية إلى مليوني فرنك سويسري. وترتفع الأسعار في المدن الرئيسية وفي منتجعات الجليد بنسب أعلى من القرى السويسرية. وتخشى البنوك السويسرية من ارتفاع أسعار الفائدة المرتبطة الآن بسعر التعامل بين بنوك لندن والمسمى «ليبور» ولا يزيد عن واحد في المائة في الوقت الحاضر. وكان متوسط الفائدة على القروض العقارية السويسرية ثابتة الفائدة لمدة خمس سنوات نحو 2.3 في المائة خلال العام الماضي، ارتفع في الربع الأول من العام الحالي إلى 2.5 في المائة. ويقل هذا المعدل بنحو النصف عن معدلات عام 2008 قبيل الأزمة المالية العالمية.

ويقول رئيس هيئة رقابة أسواق المال السويسرية باتريك رافوب إن كل عوامل الفقاعة المالية تجتمع في سويسرا الآن. وهو يتذكر فقاعة مماثلة وقعت منذ عشرين عاما واستغرقت البنوك السويسرية عدة سنوات لاستعادة التوازن بعدها. وقال رئيس البنك الوطني السويسري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن التجربة تشير إلى أن فترات تراجع أسعار الفائدة تشجع على الاقتراض المكثف الذي ينقلب إلى أزمة عندما تعاود أسعار الفائدة ارتفاعها مرة أخرى. وهو يحذر من أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى أزمة إذا لم تتخذ السلطات المالية إجراءات إضافية لتلافي المخاطر.

ويرى العديد من خبراء المصارف السويسرية أن أسعار الفائدة الحالية منخفضة بنسب تاريخية. وكانت التوقعات أن يرفع البنك المركزي السويسري أسعار الفائدة خلال الصيف الماضي، ولكن البنك رأى أن أسعار الفرنك السويسري المرتفعة لا تساعد على ذلك. وترى الحكومة السويسرية أنها طبقت إجراءات من شأنها حماية البنوك من أزمة عقارية أخرى مثل اشتراط دفع مقدم لا يقل عن 20 في المائة من قيمة العقارات قبل التقدم للقروض العقارية، كما يتعين على البنوك التأكد من قدرة المقترض على خدمة ديونه. ويرى أحد المراقبين أنه مهما كانت الإجراءات الحكومية فلا بد أن تكون هناك نسبة من المقترضين الذين لن يستطيعوا دفع أقساط قروضهم عند ارتفاع أسعار الفائدة الأمر الذي يحتم عليهم بيع عقاراتهم. وهذا من شأنه أن يزيد إمدادات العقار في السوق ويخفض الأسعار.

وعلى الرغم من هذه المخاطر يعتبر البعض العقارات السويسرية غاية في الاستقرار والحفاظ على القيمة، فهناك العديد من العوامل المشجعة التي قد تؤجل وقوع الفقاعة أو حتى تلغيها. من هذه العوامل استمرار انخفاض أسعار الفائدة في المدى المنظور بلا دلائل على قرب ارتفاعها، وزيادة في عدد الأجانب الذين يفدون للاستثمار في سويسرا الأمر الذي شجع على استمرار ارتفاع الطلب على كافة أنواع العقار. كما أن العديد من المستثمرين السويسريين أنفسهم سحبوا استثماراتهم من مواقع أخرى في أعقاب الأزمة المالية وعادوا بها للاستثمار في داخل سويسرا. أيضا يشهد الاقتصاد السويسري مرحلة انتعاش حاليا بنسبة نمو ربع سنوية بلغت في الصيف الماضي نحو 3.4 في المائة.

وجدير بالذكر أن هناك بعض العراقيل أمام استثمار الأجانب في بعض العقارات السويسرية التي يلزمها استخراج العديد من التراخيص المحلية من الكانتون المعني بالإضافة إلى الترخيص السويسري. وتضع الحكومة السويسرية حدودا قصوى، أو «كوتا» لاستثمار الأجانب في عقارات تدخل ضمن نطاق المنتجعات السياحية. ولكن المعروف أن سويسرا تتقرب لأصحاب الأموال وتذلل لهم كل العقبات سواء في الإقامة أو الاستثمار. كما أن بنوكها الخاصة تقوم بمعظم خدمات التفاوض والشراء والإدارة لصالح عملائها.

وبغض النظر عن احتمالات وقوع الفقاعة العقارية، فإن سويسرا بالمقارنة مع كثير من العقارات الأخرى ما زالت تعد هي الملجأ الآمن في زمن الاضطراب العقاري.

وعلى مر السنين اجتذبت سويسرا الأثرياء من أنحاء أوروبا الذين وجدوا فيها الملجأ الآمن في أوقات الاضطراب السياسي والمالي. ويعتبر الوقت الحالي مناسبا لكي يعاود الأثرياء البحث عن ملاجئ عقارية آمنة في عصر الأزمة المالية.

وتشير إحدى أكبر وكالات العقار السويسري، واسمها «ويتاغ الاستشارية»، في تقرير فرعها في مدينة لوكارنو أن معظم المشترين الأجانب لا يعرفون المنطقة ويبحثون عن عقار سويسري في عدة مواقع لأن سويسرا تستهويهم كموقع استثماري. وبعض هؤلاء يبحث عن عقارات في منطقة بحيرة جنيف والبعض الآخر في مناطق جبلية مثل سان موريتز أو غيشتاد. ولكن بعضهم يعثر بالصدفة على مناطق مغمورة مثل «تيتشيني».

وتمتد المنطقة، وتعرف باسم «كانتون تيتشيني»، من جبال الألب شمالا إلى حدود إيطاليا الشمالية جنوبا بالقرب من مدينة ميلانو. ولكن مناطق جذب العقار السياحي في المنطقة للأثرياء الأجانب تتركز في ثلاث مناطق فقط هي لوغانو واسكونا ولوكارنو. وهي مناطق قريبة من بعضها البعض ولكنها تختلف في طبيعتها وأسلوب الحياة فيها. ولوغانو هي مدينة الأعمال وأحد المراكز المالية السويسرية. كما أنها تتميز بمطار دولي هو الوحيد في المنطقة وأيضا بمدارس دولية تجذب الأجانب. وبها أيضا مراكز تجارية ومناطق أعمال ومناخ يجذب المستثمرين إلى الإقامة فيها بصفة دائمة، بخلاف اسكونا التي تعد سوقا للعقارات الموسمية السياحية. ولا تغلق لوغانو أبوابها خلال فصل الصيف بل تزدحم بالنشاط طوال شهور العام.

وتنطبق مواصفات لوغانو على لوكارنو أيضا ولكن الأخيرة تشتهر بصفاتها الإيطالية السويسرية ولكنها ليست دولية مثل لوغانو. وهي تشتهر بمهرجان السينما الذي تقيمه في الصيف وتعرض فيه الأفلام على جداريات كبيرة الحجم. أما اسكونا فهي أصغر المناطق الثلاث وأكثرها جمالا ولكنها تصلح أكثر كمنتجع سياحي كما انها تعج بالألمان من داخل سويسرا وخارجها خلال شهور الصيف. وتعود جذور الصلة بين اسكونا والألمان إلى بدايات القرن الماضي نظرا لطبيعة المكان واسلوب الحياة الهادئة التي لا يعكرها صخب مواقع السياحة الأوروبية الأخرى. كما أن الاثرياء يعرفون انهم في اسكونا لا يواجهون متاعب في حياتهم اليومية من ناحية الأمن.

وتعود هذه المنطقة السويسرية إلى الواجهة العقارية مرة أخرى بعد سنوات من الاهمال خلال الثمانينات حين تحول الاهتمام إلى مناطق أخرى خصوصا نحو إيطاليا على ضفاف بحيرة كومو. وكانت المنطقة حينذاك تعرف بأنها لا تصلح إلا للتقاعد والاسترخاء بعيدا عن صخب الحياة الأوروبية. كذلك فقدت البحيرات السويسرية جاذبيتها لفترة تحول خلالها المستثمرون إلى مواقع أخرى شملت ضفاف البحر المتوسط وفلوريدا ومناطق البحر الكاريبي. ولكنها تعود الآن إلى الواجهة بعد إقبال بعض المشاهير، مثل جورج كلوني، على شراء عقارات فيها.

وتقول شركات العقار المحلية إنها تشهد الآن موجة نشاط جديدة قوامها الاستثمار الأجنبي والعائلات التي تود أن تقضي في المنطقة بعض الوقت أو تقيم فيها. ويتسم هؤلاء بالثراء والرغبة في الحياة الهادئة ولكن مع الوجود في موقع مناسب سهل المواصلات والاتصالات مع فوائد أمنية وضريبية أيضا.

ويدفع هؤلاء في المتوسط نحو ستة إلى ثمانية ملايين دولار ثمنا لعقارات تتراوح في مساحاتها من 400 إلى 600 متر مربع في موقع جيد. ويتركز انتباه هؤلاء على الفلل التي تتمتع بمشاهد طبيعية على البحيرات والجبال. وفي العادة لا تعرض في الأسواق العقارات المطلة على البحيرات مباشرة، حيث اصحابها الاثرياء يعرفون جيدا ندرتها وقيمتها. وهي في العادة عقارات تورث داخل العائلات ولا تباع. وحينما تصل إحدى هذه الفلل إلى السوق يمكن للسعر أن يصل إلى 20 مليون دولار. ولكن الحل الأفضل هو شراء الفلل التي تطل على البحيرة من اعلى التلال حيث المناظر الطبيعية للمنطقة.

والامر المهم في العقارات السويسرية هو انها تكتسب سمعة متزايدة وتعود إلى الواجهة كمجال استثماري مرغوب. وبالتالي فإن تيار الأسعار يستمر في الارتفاع ويخالف الانهيار السائد في أسواق أخرى. وخلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت الأسعار في المنطقة بنسبة 20 في المائة تقريبا. وتختلف نسبة الارتفاع بين موقع وآخر، فيما تؤكد شركات العقار المحلية أن لديها قوائم انتظار للفلل التي تطل على البحيرات مباشرة. وبعض هؤلاء المنتظرين لفرصة الشراء لديهم الاستعداد لدفع أي مبلغ مطلوب. وعلى الرغم من جمال الفلل التي تقع على السفوح الجبلية فإن معظم المشترين من كبار السن لا يريدون المواقع الجبلية التي تربط بينها طرق ملتوية صعبة القيادة ويفضلون عليها المواقع القريبة من قلب المدن ومن البحيرات.

من ناحية أخرى هناك العديد من المستثمرين الاجانب في سويسرا من ذوي الموارد المحدودة الذين لا يريدون عقارات على البحيرات تتكلف ملايين الدولارات. ولهؤلاء تقدم سويسرا المنازل الريفية الصغيرة التي تحتاج إلى ترميم والتي يعود تاريخ بعضها إلى العصور الوسطى. وتوجد عدة الاف من هذه المنازل الريفية المهجورة في انحاء سويسرا، وبعضها يصلح لتحويله إلى عقارات سياحية بعد التجديد.

وتقدم الحكومة السويسرية اعانات للمستثمرين لتجديد هذه العقارات بنسب تصل إلى 30 في المائة من التكاليف. ويصل الحد الأقصى من الاعانات إلى حدود 150 ألف دولار ولكن قليلين هم الذين يتقدمون للحصول على هذه الاعانات لان شروطها تتضمن الالتزام بتقديم العقارات المرممة للاستخدام السياحي لمدة خمسة اشهر كل عام ولمدة 15 عاما. وهناك أيضا العديد من الشروط حول كيفية الترميم وفقا للقواعد المحلية وباستخدام المواد المتاحة في المنطقة.

وتوفر هذه المنازل الريفية فرص الاختلاء بالطبيعة بعض الوقت بعيدا عن مظاهر المدنية سريعة الإيقاع. وهي تلقى اقبالا كبيرا من قطاعات متزايدة من السياح الأوروبيين. وتتاح حرية التصميم داخل المنازل بحيث يمكن تحويلها إلى شقق حديثة مع الاحتفاظ بطابعها التقليدي في الخارج. وتتوقف الأسعار على المساحة والموقع وقيمة التحديث الداخلي. ويستغرق تجديد المنزل الريفي في العادة نحو العام الكامل.

وتحتوي العقارات السويسرية السياحية على هواتف منزلية وتوصيلات للإنترنت بالإضافة إلى مطابخ وحمامات حديثة مزودة بالمياه الساخنة. وهي تصلح للسكن طوال شهور العام ولكن معظمها يستخدم موسميا خلال فصل الصيف في المدن أو الشتاء في المنتجعات الجليدية. ويتوزع المستثمرون في هذه المنازل الريفية بين السويسريين أنفسهم، ويمثلون نصف المستثمرين تقريبا، وبين الأوروبيين الآخرين.

* حقائق حول سوق العقار السويسرية

* يحتاج الاجانب إلى تصريح خاص لشراء العقارات الكبيرة التي تزيد مساحتها عن ثلاثة آلاف متر مربع.

في سويسرا يزيد عدد وكلاء الشراء عن أي دولة أوروبية أخرى وهم يعملون لصالح أجانب يستأجرون أو يشترون عقارات سويسرية. ويحصل هؤلاء الوكلاء على عمولات تتراوح بين واحد و2.5 في المائة.

بعض المقيمين الأجانب في سويسرا يتعين عليهم تجديد الإقامة سنويا للاحتفاظ بملكية العقارات التي اشتروها. وعدم تجديد الإقامة قد يهدد ملكية العقار.

الحصول على الجنسية السويسرية لمواطني الاتحاد الأوروبي سهل نسبيا، حيث لا تشترط سويسرا سوى دخل سنوي لا يقل عن 50 ألف فرنك سويسري مع انعدام أي ديون والإقامة في سويسرا لفترات لا تقل عن 180 يوما في السنة، وللحصول على الجنسية يجب أن يجتاز المتقدم اختبارا عن أسلوب الحياة السويسري وأن يتعهد بأن يكون مركز أعماله من سويسرا.

تفرض بعض الكانتونات ضرائب إرث تصل نسبتها إلى سبعة في المائة، ولا تفرض سويسرا ضريبة زيادة رأسمالية على القيمة المضافة للعقار بين وقت الشراء ووقت البيع.