العقارات الدولية تمر بمرحلة هيكلة وإعادة تمويل

وسط معدلات معقولة في الفوائض

لا يحمل عام 2011 الكثير من الانتعاش للقطاع العقاري («الشرق الأوسط»)
TT

وصف جيم ريلاندر، مدير الاستثمار العقاري في شركة «شرودر» للاستثمار، وضع أسواق العقار الدولية في الوقت الحاضر بأنها مرحلة إعادة هيكلة وإعادة تمويل. وقال إنه يشعر ببعض التفاؤل إزاء الأسواق لأن فوائض العقار لم تكن بالحجم الذي كانت تخشاه شركات الاستثمار العقاري. كما أنه لاحظ تحسن جانب الطلب العقاري في الشهور الأخيرة، وتوقع أن تأتي مرحلة التحول نحو الانتعاش في نهاية العام الحالي.

وحول أفضل الفرص خلال العام الجديد قال ريلاندر إن الأمر يعتمد على الفرص المتاحة وليس على المواقع الجغرافية، فهناك فرص جيدة في معظم مدن العالم، خصوصا أن التسعير يبدو جيدا في المرحلة الحالية. وأشار إلى أن هناك مؤشرات إلى الكثير من الفقاعات السعرية في الأسواق الناشئة، وحذر من الإقبال على هذه الأسواق في الوقت الحاضر لأنها لم تمر بفترة تراجع وتصحيح كما حدث في الأسواق الأوروبية والأميركية. وهو يعتقد أن بعض هذه الأسواق ما زال مسعرا بأكثر من قيمته الحقيقية. وفي ما يتعلق بأسواق العقار البريطانية قال ريلاندر إن مفتاح التوقعات في الحالة البريطانية هو توازن العرض والطلب في ما يتعلق بالمشروعات الجديدة التي تأتي إلى الأسواق خلال العام. وأضاف أن التراجع حدث عندما زادت إمدادات العقار عن الطلب المتاح في الأسواق، مما جعل الفائض بمثابة عقبة في طريق الانتعاش لفترة طويلة.

وتشتهر شركة «شرودر» بتقديم الاستثمارات العقارية لمستثمريها في أنواع متعددة من التوريق والاستثمار المباشر، ولكنها كلها تشترك في هدف واحد وهو تقديم أفضل فرص العوائد للمستثمر. وهو يعتقد أن بعض شركات العقار الكبرى تقدم مثل هذه الفرص من العوائد وارتفاع قيمة رأس المال. وهذه الشركات لديها فوائض نقدية وهي مستعدة لزيادة عوائد المستثمرين فيها. وترى شركة «شرودر» الكثير من نماذج هذه الشركات في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، كما تتوقع أن تستمر الشركات في هذه التوجهات ما دامت تحقق الأرباح.

وفي بريطانيا توقعت عدة شركات عقارية أن تتراجع الأسعار بنسب تصل إلى 10 في المائة خلال عام 2011 عما كانت عليه في العام الماضي، علاوة على التراجع الذي تحقق في عام 2010. وقال هوارد أرشر، الاقتصادي في شركة «غلوبال إنسايت»، إن من الصعب الشعور بالتفاؤل في أسعار العقار خلال عام 2011 بينما الحكومة البريطانية تنفذ برنامجا للتقشف وخفض الإنفاق الحكومي. وعبر أرشر لـ«الشرق الأوسط» عن خشيته من عوامل فقدان الوظائف وارتفاع نسب البطالة، خصوصا في وظائف القطاع العام. وتعد أهم العوامل الضاغطة على قطاع العقار البريطاني صعوبة الحصول على التمويل اللازم للشراء والحاجة إلى مقدم نسبته لا تقل عن 20 في المائة من ثمن الشراء. وسوف تضطر البنوك البريطانية إلى تسديد مبلغ 130 مليار جنيه إسترليني إلى بنك إنجلترا والخزانة العامة هذا العام، وهي مبالغ اقترضتها أثناء فترة الطفرة.

ويعتقد سايمون روبنسون من معهد مهندسي العقار البريطاني أن الأسعار سوف تتأرجح خلال عام 2011 بين الصعود الطفيف والهبوط الطفيف لكي تنهي العام بنسبة اثنين في المائة تقريبا أقل مما كانت عليه في بداية العام. ويوافقه في الرأي مارتن غابور كبير الاقتصاديين في أكبر جمعية عقار اسمها «نيشنوايد» الذي يشير إلى تراجع تدريجي في أسعار العقار البريطاني خلال النصف الأول من العام الحالي.

ويضيف غابور أن دورة الانتعاش سوف تعود ولكنها قد تستغرق وقتا طويلا. ويضيف أن الطفرة السابقة استغرقت وقتا طويلا، ولذلك يجب أن نتوقع فترة تصحيح قد تستغرق بعض الوقت حتى تعود الأمور إلى نصابها وتستعيد الأسواق توازنها.

وكان من الممكن أن تسقط الأسعار في بريطانيا بنسب أكبر لولا أن بنك إنجلترا (البنك المركزي) ما زال يحافظ على أسعار الفائدة في أدنى معدلاتها (نصف في المائة). وما زال الرأي السائد بين الاقتصاديين أن أسعار الفائدة على الإسترليني سوف تستمر على نفس معدلاتها حتى نهاية عام 2011، ولكن ارتفاعها قد يكون حتميا مع اقتراب العام من نهايته. وهناك بعض الاقتصاديين الذين يتوقعون هبوطا بنسبة تصل إلى 10 في المائة خلال العامين المقبلين. أحد هؤلاء هو جوناثان دافيز الذي يتوقع هبوطا بنسبة 30 في المائة خلال خمس سنوات، ويشير إلى أن المبيعات شبه مجمدة الآن، لأن الأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية بنحو 25 في المائة.

ويختلف في الرأي راي بولجر من شركة «تشاركول» العقارية، الذي يقول إن الأسعار سوف تواصل صعودها على نهاية هذا العام لأن المتاح منها للبيع في الأسواق يتناقص، وهذا سوف يزيل الضغوط على الأسعار. وهو يشير إلى قطاع الشراء الاستثماري من أجل التأجير، وهو مجال لم يتراجع، وما زال من أنشط قطاعات السوق. ويعوض هذا القطاع نقص المشترين الجدد في السوق الذين يعانون من مخاوف فقدان الوظيفة وصعوبة الحصول على التمويل وانعدام السيولة لتوفير مقدم الثمن. ويلجأ هؤلاء حاليا إلى الإيجار.

القطاع التجاري

* أما في القطاع التجاري فتختلف الصورة قليلا، حيث يقول مارك بنتينغ رئيس مجموعة «أيتشسون رافيتي» العقارية إن توقعات هذا العام غير مضمونة بالمرة. وأكبر ما يخشاه بنتينغ هو تأثير انخفاض الإنفاق الحكومي في بريطانيا، وأيضا في الدول الصناعية التي تعاني من عجز في ميزانياتها، على القطاع العقاري التجاري. وهو يرى انعكاس الوضع السلبي على شركات العقار من القطاع الخاص أيضا لأنها تعتمد بنسبة كبيرة على القطاع العام ومعدلات الإنفاق فيه. وفي بريطانيا يرى بنتينغ أن المنطقة الواعدة هي منطقة الجنوب الشرقي من إنجلترا لأنها لا تعتمد كثيرا على الإنفاق الحكومي.

وهو لا يرى أي أفق لبداية مشروعات تجارية جديدة خلال عام 2011، خصوصا لأنها تحتاج إلى الكثير من التمويل غير المتاح حاليا في الأسواق. كما أن وضع الأسواق لن يتحسن في ما يتعلق بالمشروعات القائمة بالفعل التي قد لا يكتمل بعضها. وهو يرى بعض وضوح الرؤية في نهاية العام الحالي بعد دراسة تأثير خفض الإنفاق الحكومي على القطاع.

ويقسم بنتينغ القطاع إلى ثلاثة مجالات هي المكاتب والمنافذ التجارية والمصانع. وفي مجال المكاتب يرى الكثير من الخمول ولكن مع تحسن طفيف في تراجع معدلات المكاتب الخاوية لظهور بعض الطلب في السوق يعادل المكاتب الشاغرة الجديدة بما يحقق نوعا من التوازن في السوق. ولا توجد في بريطانيا أي مشاريع مكاتب جديدة على الإطلاق في الوقت الحاضر، على حد علمه، ولكن الوضع قد يتغير مع بداية نمو الاقتصاد البريطاني مرة أخرى. وهو يرى قطاع المنافذ التجارية أفضل حالا مع بعض النشاط في المدن ومراكز التسوق التي خالف بعضها التيار. ويرى بنتينغ أن مجال تأجير المنافذ التجارية ما زال أنشط حالا من المكاتب، وذلك بعكس المصانع التي تعاني أكثر من غيرها في مرحلة الكساد بسبب تراجع الطلب بشكل عام. ولا يشهد هذا القطاع الكثير من نشاط البناء الجديد، ولن تتحسن مستويات الإيجار فيه قبل عام 2012.

العقارات الآسيوية

* ومن القطاع التجاري البريطاني إلى أسواق آسيا التي يعتقد البعض أنها تقدم أفضل الفرص في عام 2011، ولكن البعض الآخر يحذر من فقاعة، خصوصا أن أسعار بعض العقارات الآسيوية تضاعفت خلال العامين الماضيين. وتحاول الحكومات الآسيوية تطبيق بعض المعايير الجديدة الموجهة نحو تهدئة وتيرة أسواق العقار، مما يمكن معه توقع تراجع العوائد واستقرار الأسعار هذا العام. ولكن أساسيات الأسواق الآسيوية ما زالت مشجعة وفيها الكثير من العوامل الجاذبة غير المتاحة في الأسواق الغربية مثل معدلات النمو الاقتصادي العالية وارتفاع قيمة عملاتها والعمران المدني المتوسع دوما فيها. ويتوقع مراقبون أن ترتفع الأسعار بنسب تتراوح بين خمسة وعشرة في المائة.

وتعتمد الأسواق الآسيوية أيضا على الاستثمار الأجنبي المكثف القادم إليها من الخارج. وليست هناك أية بوادر بعد إلى تراجع موجات الاستثمار خلال العام الحالي، بل إن العكس قد يكون صحيحا حيث تشير أرقام شركة «ريتشارد إيليس» للأبحاث العقارية إلى زيادة الاستثمار العقاري الأجنبي الهارب من خمول الأسواق الغربية سعيا وراء المزيد من العوائد. وتقدر الشركة حجم الاستثمار العقاري الأجنبي في آسيا خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2010 بنحو 46 مليار دولار، وهو ضعف حجم الاستثمار خلال الفترة المماثلة من عام 2009.

كما زادت وتيرة الاستثمار الأجنبي في آسيا خلال الربع الثالث من العام بنسبة 53 في المائة أكثر مما كان عيه في الربع الثاني من العام نفسه. هذا الإقبال المكثف على الاستثمار في آسيا جاء بالتناقض مع الاستثمار الأجنبي في العقار الأوروبي الذي تراجع بنسبة ثمانية في المائة خلال الفترة نفسها. وعلى الرغم من أن توقعات عام 2011 ليست واعدة بنفس النسبة التي تحققت في العام الماضي، إلا أن المدى المنظور يجعل الأسواق الآسيوية أفضل حالا من الأسواق الأميركية والأوروبية التي لن تتحرك كثيرا عن موقعها الحالي بسبب استمرار الإفلاسات العقارية وارتفاع معدلات البطالة.

السوق الأميركية

* وفي ما يتعلق بالسوق الأميركية يقول راي بولجر، الاقتصادي في شركة «تشاركول» العقارية، إن قرار الاحتياطي الفيدرلي ضخ المزيد من النقد إلى الأسواق لإنعاشها في عملية اسمها «Quantitive Easing»، يعني أن السوق الأميركية لم تخرج من مرحلة الأزمة بعد. واعترف رئيس الاحتياطي الفيدرالي أمام لجنة من الكونغرس الأميركي أن معدل التحسن الحالي حاليا يعني أن عودة النشاط الطبيعي للاقتصاد وللسوق سوف تستغرق ما بين أربع وخمس سنوات.

وتؤكد الأرقام والإحصاءات واقع سوق العقار الأميركية المتردية. فأبحاث شركة «كورلوجيك» تؤكد أن 10.8 مليون عقار أميركي، أي نحو 22 في المائة من العقارات التي تخضع لقروض عقارية، تعاني من قيمة عقارية أدنى من قيمة القروض، وهو ما يسمى بالقيمة السلبية. وفي أسوأ الولايات، نيفادا، تعاني من القيمة السلبية نسبة 68 في المائة من إجمالي العقارات التي اقترض أصحابها لشرائها. ويوضح هذا الوضع حجم المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي، والتي لن تحل خلال هذا العام على الرغم من الإعفاءات الضريبية والحوافز الأخرى.

وتشير شركة «ستاندرد آند بور» الاستثمارية إلى أن توقعات الوظائف السلبية وصعوبة الحصول على التمويل سوف تساهم في جعل 2011 عاما «مسطحا» في ما يتعلق بالأسعار. وعلى الرغم من ظهور إحصاءات أخيرة تشير إلى انخفاض معدلات البطالة الأميركية إلى تسعة في المائة، فإن بوادر الانتعاش العقاري لم تظهر بعد بسبب تراكم الديون التي تثقل كاهل القطاع. وتراجعت معدلات الإفلاس العقاري في الشهور الأخيرة، إلا أنها ما زالت تسير في اتجاه صعودي. وترى عدة جهات أميركية لأبحاث العقار أن العامل الوحيد الذي من شأنه قلب المعادلة ودفع القطاع نحو الانتعاش هو نمو الوظائف الأميركية مع خروج الاقتصاد من حالة الركود التي يعاني منها حاليا.