إسبانيا تبحث عن مشترين لـ 700 ألف منزل معروض للبيع

فيلات فاخرة في سواحل الأندلس تطرح بتخفيضات تصل إلى أكثر من 50% من قيمتها

فيلا فخمة عرضت في ماربيا التي تعد بين أفضل منتجعات الأثرياء في أوروبا
TT

وعدت بياتريز كوريدور، وزيرة الإسكان الإسبانية، وضع قوانين جديدة للتخطيط لإنهاء حالة الارتباك التي أدت إلى إخلاء بعض البريطانيين من ممتلكاتهم التي وصفت بأنها بنيت بصورة غير قانونية.

وقالت الوزيرة: «تعالوا إلى هنا آمنين، وثقوا في نظام بلادنا والشفافية التي نتمتع بها. هناك عرض مغر للغاية على الطاولة الآن، بأسعار مميزة وأقل كثيرا من تلك التي كانت قبل عامين، وسوف تجدون بكل تأكيد ما تبحثون عنه».

ويعكس طلب الوزيرة حسب صحيفة «الديلي تلغراف» الانزعاج الواضح في إسبانيا بشأن هذا الكم الكبير من المنازل التي بنيت مؤخرا في انتظار البيع - والتي يقع 400 ألف منها بالقرب من الساحل الإسباني - منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية في البلاد. ومع انخفاض الأسعار بنسبة 40% تحاول شركات الإنشاءات والمصارف جاهدة لاستعادة بعض من استثماراتها. وكان البريطانيون قد اشتروا خلال السنوات الأخيرة ثلث العقارات التي بيعت لأجانب في إسبانيا، لكن الكثيرين منهم أقدموا على بيع هذه الوحدات نظرا للروايات المثيرة للفزع بشأن إلغاء أذون التخطيط بأثر رجعي والتعقيدات الأخرى، وهو ما أدى إلى تراجع أعداد المشترين البريطانيين.

وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن 100 ألف منزل بنيت حول الساحل خلال العقد الأخير تواجه مشكلات تخطيط لم تحل بعد، لكن السكان يرون أن العدد يفوق ذلك بكثير. وقالت الوزيرة في مقابلة مع صحيفة «صنداي تلغراف»: «البريطانيون يأتون على رأس أولوياتنا، وهم من نبدي تجاههم اهتماما أكبر. صحيح أنه كانت هناك بعض المشكلات، لكننا نرغب في طمأنة البريطانيين والأجانب الآن بأننا نقوم بكل ما في وسعنا لعرض التفاصيل بكل وضوح وشفافية». ومن بين خطة الإصلاحات القضائية التي سيتم تمريرها في البرلمان الإسباني هذا الشهر، إلزام المجلس المحلي في أي منطقة يباع فيها أحد العقارات بتقديم وثيقة تحدد بوضوح حدود العقار وفئة الأرض المقام عليها العقار ووصول الخدمات مثل الكهرباء والماء إليها والتفاصيل الخاصة بشأن الموافقة على التخطيط.

وأشارت كوريدور إلى أنه إذا ما قام أحد بشراء منزل بكل الأوراق الصحيحة فسيطمئن إلى قانونيته. فإذا لم يكن هناك ذكر للإجراءات القانونية بشأن وثيقة شراء المنزل فإن الشخص الذي يشتري العقار عبر الطرق الشرعية سيعلم عندئذ أن هناك دعما قضائيا له. وتشير بعض التقديرات إلى وجود ما يقرب من مليون وحدة سكنية مطروحة الآن للبيع في إسبانيا من بينها منازل لم يقطن فيها سوى مالك واحد.

وتأمل الحكومة الإسبانية في أن تعطي عودة المشترين البريطانيين دفعة للاقتصاد المعتل عبر ضخ المزيد من السيولة في المصارف وتوفير فرص عمل للعاملين في مجال الإنشاء والتأكيد على الانخفاض الحر في أسعار العقارات. ومن المتوقع أن تدشن الحكومة الإسبانية على مدى الأسابيع القليلة القادمة حملة في بريطانيا ودول شمال أوروبا للترويج لأسواق العقارات بها، مؤكدة على انخفاض أسعار العقارات في كل من ملقة بنحو 24% و19% في منطقة تناناريف. وتضيف كوريدور في لقائها مع الصحيفة: «إنها تخفيضات رائعة خاصة في العقارات عالية الجودة، فهي عقارات تستحق العناء». ويبدي جن هيز موافقة على ذلك، فيقول من شرفة شقته المطلة على ساحل كوستا دل سول القريب من إيسيبونا، والتي اشتراها قبل شهر مقابل 161 ألف يورو بأقل من سعرها الأصلي بـ100 ألف، وقد حث هيز، 66 عاما، آخرين على اغتنام فرصة انخفاض أسعار العقارات. ويقول نيك ستيورات، وكيل عقارات بريطاني ويدير موقع «هوت بروبرتيز» الإسباني: «هناك صفقات ضخمة يمكن عقدها هناك، مثل الفللات المعروضة في منطقة ماربيلا المعروضة للبيع بنصف أسعارها السابقة. ومن خلال الحصول على محام مستقل أمين والتأكد من حقوق الملكية والضمانات البنكية، يمكن تجنب كل القصص المرعبة التي تسمع عنها».

لكن الشكوك لا تزال تساور آخرين، ففي منتجع فيلامارتين للغولف القريب من أليكانتي في جنوب شرقي إسبانيا يتضح مدى المشكلة التي تواجه الوزيرة كوريدور، حيث يوجد 12 ألف منزل خاو في منطقة واسعة، وأعداد كبيرة من المنازل في فيلامارتين تنتظر من يشتريها. وقد علقت اللافتات على الشرفات تعرض أسعارا رخيصة للعقارات التي أعادت البنوك امتلاكها من أصحابها.

وتعلن في المدن الرئيسية لوحات الإعلانات التي أثرت فيها الشمس على الطرق الرئيسية باللغة الروسية والإنجليزية عن منازل إجازات رائعة، لكن الشوارع التي خلت سوى من بعض السيارات التي تحمل لوحات بريطانية تحكي قصة مختلفة. فيؤكد روبين بارتون، 65 عاما، الذي يقيم في فيلامارتين منذ نحو 10 سنوات، أثناء جلوسه أمام حانة ستري سود أيريش، ربما يتطلب الأمر أكثر من حملة تسويقية بارعة وإدخال تغييرات فنية في القانون لإعادة البريطانيين والقضاء على انخفاض الأسعار.

وقال بارتون: «الحقيقة هي أن في إسبانيا منازل تفوق الطلب بكثير، والتي لا تلقى إقبالا. ونظرا للأزمة التي تشهدها باقي دول الاتحاد الأوروبي فليست هناك احتمالية في أن تجدي التحركات الإسبانية نفعا في تسويق هذه المنازل». وأشار بارتون إلى عدد من البنايات التي لم تكتمل والتي انتهت أعمال البناء في الخارج لكن الأعمال الداخلية منها لم تنته بعد، «هذه المباني قائمة هكذا منذ سنوات، ولن يتمكن أحد من الانتهاء منها، إنها دليل على أن غياب التخطيط قادر على إحداث كل هذه الفوضى».

وتشير غابي بايسكر، المدير الإداري لشركة «إن صن بروبريتيز» في فيلامارتين، إلى أنها لم تبع شقة واحدة خلال الشهر الماضي، وقامت بالبحث في سجلاتها محاولة العثور على الصفقة الأخيرة التي قام بها بريطانيون لشراء منازل لا بيعها، وأن من يقومون بعمليات الشراء الآن هم الروس وسكان الدول الاسكندنافية. وخلال قيادتها السيارة متجولة في شوارع فيلامارتين، وتجوب مضمار الغولف ومتجاوزة الحانة الآيرلندية، أشارت إلى الكثير من المباني التي انخفضت أسعارها بصورة كبيرة. فكل شيء يباع بتخفيضات كبيرة. وقالت إنها باعت شقة مكونة من غرفتين مقابل 107.500 يورو وهو ما يعادل نصف قيمتها الأولية. ويمكن للأسرة البريطانية أن تبيع الفللا الخاصة بها والمزودة بحمام سباحة والتي تقدر قيمتها الأصلية بـ320 ألف يورو مقابل 260 ألف يورو. وهناك عقار ثالث مكون من ثلاث غرف نوم في فللا شبه مستقلة وتتمتع بمنظر يطل على الساحل معروضة في السوق مقابل 205 آلاف يورو أي بسعر يقل عن سعرها الأصلي بـ120 ألف يورو. وتقول بايسكر: «قبل 3 سنوات كان 90% من عملاء الشركة بريطانيين، والآن ربما لا يتجاوز نسبتهم 2% في تراجع كامل للأعمال».

في هذه الأثناء، يحذر من تورطوا في نزاعات قضائية معقدة من ذلك النوع الذي يمثل مشكلة للمشترين الأجانب - من وصول بعض القضايا إلى المحكمة الأوروبية - من أن التغيرات التي قامت بها كوريدور في القوانين لن تحل المشكلة أمام المشترين الجدد. فيقول تشارلز سفوبودا، الذي كان منزله في فالينسيا موضع نزاع قضائي على مدار السنوات الثماني الماضية: «بوسع الحكومة الإسبانية الآن تقديم كل الضمانات التي ترغب بها، لكن من دون تفعيل القوانين لن يتغير شيء»، الجماعة التي تدعم مالكي العقارات عبر الدعاوى القضائية لديها 30 ألف عميل في فالينسيا وحدها.

«المشكلة هي أن الإسكان عادة ما يتم التعامل معه على المستوى الإقليمي، والقوانين الإقليمية لا تشكل فارقا على الإطلاق. وفي المدن الصغيرة لا يوجد شخص مؤهل من الناحية الفنية لتنفيذ هذه القوانين». «أنا أتمنى كل التوفيق لهذه المقترحات الجديدة وأنا على يقين من أنها نوايا طيبة. لكن الأوضاع هنا أشبه بقصة (آليس في بلاد العجائب)، فقوانين الإسكان قد تبدو متشابهة لكن على صعيد التطبيق لا شيء يتحقق».

ومن بين النماذج الأخرى على المشكلات القانونية التي يواجهها مشترو المنازل في إسبانيا، مورا هيلين، 46 عاما، التي اشترت منزلا مع زوجها جون بالقرب من مدينة ألبوكس، 130 ميلا جنوب مدينة أليكانتي، لتكتشف بعد فوات الأوان أن المنزل لم ينل موافقة قانونية، ومن ثم أبدت تشككا تجاه القانون الجديد والذي لن يطبق بأثر رجعي على حالتها. وقالت: «أنا أنظر من نافذة مطبخي ولا أزال أرى المنازل تبنى حيث لا ينبغي أن تكون. وبالنسبة للأفراد الذين اشتروا منازل مثلنا قبل 3 سنوات والذين سقطوا في مأزق قانوني تشعر وكأن حوائط المنزل الأربعة ستطبق عليك. نحن ما زلنا مطاردين من قبل آلة لن تتحرك، ولن تغمض جفنها. فالنزاع القضائي على المنازل أصيب بحالة من الشطط».

قام هؤلاء السكان بتشكيل اتحاد خاص بهم يضم 700 عضو ومن المتوقع أن يلتقوا هذا الأسبوع مع 36 منظمة أخرى في الأندلس لشن حملة من أجل استعادة حقوقهم. ونبهوا على ضرورة حذر البريطانيين الراغبين في شراء منازل في إسبانيا. وتقول هيلين: «الكثير من الأماكن بها حماية قانونية، لكن قوانين الحكومة الإسبانية لا تطبق على الإطلاق على المستوى المحلي. فنواياها دائما صحيحة، وأعتقد أن الجهود تسير في الطريق الصحيح. لكن في الوقت الراهن أعتقد أن على المشترين البريطانيين البحث في مكان آخر».