لندن: محطة قطارات مهجورة وعقارات متنوعة بأسعار تبدأ من 40 ألف إسترليني

أول مزادات العقار في 2011

في المزاد تتم الصفقات فوريا («الشرق الأوسط»)
TT

مع تحسن الطقس في لندن، بدأ موسم المزادات نشيطا بخمسة مزادات عقدت هذا الأسبوع لعقارات في لندن وجنوب شرقي إنجلترا، تراوحت في تقديرات أسعارها ما بين 40 ألف إسترليني (نحو 60 ألف دولار) وحتى 950 ألف إسترليني (1.4 مليون دولار). وظهرت بين العقارات المعروضة للبيع مواقع غير عادية مثل محطة قطارات مهجورة في شرق لندن مساحتها شاسعة تبلغ 1688 قدما مربعا. وتعرض المحطة إدارة النقل في لندن بسعر تقريبي يصل إلى 180 ألف إسترليني (270 ألف دولار). أما أرخص العقارات المعروضة، فهي قطعة أرض في قرية على الساحل الإنجليزي الجنوبي يمكن البناء عليها وتعرض بسعر 40 ألف إسترليني (60 ألف دولار).

كذلك يعرض للبيع استوديو هائل الحجم غرب لندن يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، ويعد من علامات غرب لندن بالقرب من مخرج الطريق السريع رقم «إم 40» المتجه إلى أكسفورد. وعلى الرغم من الشارع المزدحم دوما بالمرور الذي يقع فيه الاستوديو، فإن تقديرات السعر له بلغت 950 ألف إسترليني (1.4 مليون دولار). ويقع الاستوديو في أعلى المبنى، وتحته توجد غرف المعيشة على طابقين. وتقول دار المزاد «ويلموت» إن راقصة باليه مشهورة كانت تعيش في استوديو مجاور في الخمسينات، كما تتوقع الدار أن يحتدم الصراع على اقتناء الاستوديو بين الفنانين ولاعبي التنس، لأن الموقع قريب من نادي كوينز المشهور للتنس.

ولكن، ليست كل العقارات بمساحة أو ثمن هذا الاستوديو، بل إن الغالبية العظمى منها بيعت بأثمان رخيصة نسبيا يمكن لأي عائلة بريطانية أن تغطيها. والملاحظ هذا العام أن نسبة كبيرة من هذه العقارات تعرضها المجالس المحلية للبيع، وهي عقارات كانت تعرض للتأجير في الماضي للطبقات الفقيرة وتسمى عقارات «كاونسيل». ولكن المجالس تعاني هذا العام ضيق ذات اليد بسبب تقلص الميزانيات وانخفاض الدعم المركزي الحكومي، كما أنها أعفيت من مهمة تأجير البيوت للفقراء. وتريد المجالس البلدية أن تتخلص من هذه العقارات في أسرع فرصة ممكنة وبأي ثمن، مما يعني أن المشترين كانوا محظوظين بشراء بعضها رخيصة.

ويقول بول موني، خبير المزادات في شركة «سافيل» التي أشرفت على أحد المزادات، إن بعض المنازل المعروضة للبيع تم تقسيمها إلى شقتين لكل منزل، ويمكن إعادة العقارات إلى طبيعتها الأولى بسهولة أو الإبقاء عليها بحيث تسكن الأسرة في طابق وتعرض الطابق الآخر للإيجار للمساهمة في سداد القروض العقارية وكنوع من الاستثمار العقاري.

من ناحية أخرى، هناك المزيد من العقارات المصادرة من أصحابها بسبب تراكم الديون والعجز عن سداد الأقساط العقارية. وبعض هذه العقارات تحتاج إلى إصلاحات جذرية بينما بعضها الآخر في حالة جيدة ولا يحتاج إلا لبعض الديكورات الشكلية. وتوضح نشرات المزادات حالة كل عقار على حدة، كما تنصح المشتري بضرورة المعاينة الميدانية للعقار وإجراء مسح عقاري عليه قبل التقدم للشراء عبر المزاد. وينصح موني المشترين بالاستعداد ماليا لدخول المزاد، لأن تبادل الوثائق يتم فوريا ويعد ملزما قانونيا.

وهو يقول إن المزادات تناسب المشترين الذين باعوا عقاراتهم للتو ويبحثون عن عقارات بديلة أو هؤلاء الذين رتبوا حجم قروضهم قبل خوض المزاد. وفور رسو المزاد على المشتري تعتبر الصفقة نافذة قانونيا ويمكن أن يتعرض المشتري الذي لا يستطيع الوفاء بالتزاماته إلى المساءلة القانونية والغرامة علاوة على ثمن العقار.

هناك أيضا بعض العقارات التي تباع وهي مشغولة بسكانها. وعلى المشتري أن يعرف نوعية التعاقد الذي حصل عليه الساكن، لأن هناك تعاقدات قصيرة المدى تنتهي بعد 12 شهرا وأخرى مضمونة وطويلة المدى وتشبه الملكية ولا حدود زمنية لها ما دام أن الساكن ملتزم بدفع إيجاره الشهري الذي لا يتغير إلا وفق ضوابط معينة.

وهناك عشرات العقارات التي عرضت للبيع هذا الأسبوع بالمزاد كان من بينها بيت في منطقة كامبريول في وسط لندن بسعر 285 ألف إسترليني (427 ألف دولار)، وهو رخيص بمعايير هذا الموقع. كما بيعت العديد من العقارات الساحلية بأسعار تراوحت بين 250 وحتى 620 ألف إسترليني (375 وحتى 930 ألف دولار). وشاركت في المزادات عدة بيوت مزاد منها «سافيل»، و«أندروز إن روبرتسون»، و«ويلموت» و«ألسوب» و«كلايف إيمسون». وسوف تعود دورة مزادات العقار في الشهر المقبل وتجرى على نحو شهري حتى نهاية العام.

ولا توجد مقاييس دقيقة لأسعار العقار النهائية، فبعض العقارات بيعت بأكثر من تقديراتها بينما سحب بعضها الآخر من المزاد لعدم وجود الطلب الكافي ولفشل العقارات في تحقيق معدلاتها الأدنى. ويؤكد خبراء العقار أن تسعير المزادات للعقارات المعروضة فيها يكون في الغالب بأسعار أقل من مستوى السوق من أجل تشجيع الجمهور على الحضور والمشاركة في المزادات. والنصيحة التي يوجهونها هي أن يبحث المشتري عن القيمة الحقيقية لكل عقار قبل الشراء وأن يضع لنفسه حدا أقصى للسعر الذي يرغب في دفعه ولا يتخطاه.

وفي بريطانيا، ارتفع في العام الأخير عدد العقارات التي بيعت بالمزاد بنسبة 20 في المائة، إلى نحو 36 ألف عقار. وكان هذا المعدل لا يزيد على 15 ألف عقار في عام 1998. وبلغ من جاذبية المزادات أنها تشمل الآن العقارات الصعبة التي كانت تستبعد منها في الماضي. وكانت هذه العقارات الصعبة تعرض على قطاعات متخصصة في السوق، تقبل عليها بأسلوب المظاريف المغلقة التي يقدم المضاربون فيها أسعارا نهائية لا تقبل النقاش بحيث يقبل بها البائع أو يرفضها. وينظر هؤلاء المقاولون إلى العقارات الصعبة، مثل محطة القطارات المهجورة، كنوع من الاستثمار بحيث يجري إزالتها واستثمار الأرض في مشاريع أخرى. وفي المزاد، يتأكد كل من البائع والمشتري فورا من بيع العقار وشرائه في يوم المزاد نفسه، إذا ما تخطى السعر الحد الأدنى المطلوب في العقار. وهذا يختلف جذريا عن أسلوب البيع العادي في السوق الذي يستغرق في بريطانيا عدة أسابيع يسودها القلق من الطرفين، بسبب احتمال انسحاب أحد طرفي الصفقة في اللحظة الأخيرة قبل تبادل التعاقد القانوني. في حالات البيع بالمزاد تتم الصفقات فورا وبلا شروط. فحينما تدق مطرقة مندوب المزاد إيذانا بإتمام الصفقة، تصبح نافذة قانونيا.

وتقول مؤسسات المزاد البريطانية إن الأسعار المعلنة في الكتيبات ليست إلا مؤشرات للأسعار التي يمكن أن تباع بها العقارات. وتمثل هذه الأسعار في بعض الأحيان الحد الأدنى. وهي تؤكد أن المزادات لم تعد الحل الأخير للتخلص من العقارات الصعبة وبيعها بأي ثمن، بل إن المزادات الآن تعتبر الاختيار الأول لتحقيق معدلات أسعار تفوق أحيانا المتوسط السائد في السوق. وهي تحقق للبائع عملية بيع فورية تتيح له اتخاذ قراراته الاستثمارية الأخرى بسرعة وتوفر له أيضا سيولة سريعة من العقار لا يتيحها أي مصدر آخر.

مما يذكر أن المزادات أصبحت الآن وجهة العديد من المستثمرين في العقار الذين يشترون بغرض البيع. وهم يسعون لإصلاح العقارات ثم بيعها بالمزاد أيضا أو بوسائل أخرى، ويحققون أحيانا معدلات ربح جيدة. ويعتمد هؤلاء على خبرتهم في اختيار العقارات ذات المواقع الجيدة التي يمكن إعادة بيعها بسهولة. أحد هؤلاء المستثمرين اشترى منزلا بالمزاد في قلب لندن بسعر نصف مليون إسترليني. وأجرى على العقار بعد ذلك بعض التحسينات للديكور الداخلي والحديقة. وبعد هذه التعديلات التجميلية التي لم تكلفه كثيرا، أعاد عرض العقار للبيع في مزاد آخر بعد الشراء بعدة أشهر وحقق صفقة بيع بمبلغ 570 ألف إسترليني. ويمكن للمستثمر العقاري تعقب العقارات التي لم تحقق الحد الأدنى لأسعارها في المزاد، وهي قليلة، لكي يعرض على أصحابها عروض شراء قريبة من المبلغ المطلوب فيها بعد انتهاء المزاد. وتنجح أحيانا هذه الوسيلة في الفوز بعقار رخيص على هامش المزاد وليس داخل قاعته.

وتشير عدة بنوك بريطانية الآن إلى أنها توافق على تمويل العقارات التي تباع في المزاد ما دام أن المشتري يتمتع بالملاءة المالية المطلوبة. وكما قال اتحاد مقترضي العقار البريطاني، فإن تمويل الشراء من المزادات يمكن أن يكون أساسا لتطور جذري في سوق التمويل العقاري أثناء حالة الجمود الحالية. كذلك يفتح المجال فرصة للبنوك العالمية للمنافسة على تمويل صفقات العقار البريطانية، الأمر الذي يلغي عمليا الحدود الجغرافية من عمليات التمويل العقاري. ولكن البعض يعترض على هذه الفكرة. فقد قال أحد مستشاري العقار المتخصصين في لندن إن تمويل الاستثمار العقاري عبر المزادات يفتح الباب مرة أخرى للمضاربة على العقار، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى بداية فقاعة لا تحتاجها الأسواق. وهو ينصح بضرورة الاستشارة المالية ومناقشة كل قرض على حدة من خلال الوسطاء الماليين. وهو يرى أن المشتري يحتاج أحيانا إلى النصيحة المالية لكي يختار القرض المناسب له من بين عشرات الاختيارات المتاحة في السوق، ولذلك فإن نسبة 60 في المائة من عمليات التمويل العقاري في بريطانيا ما زالت تجري عبر وسطاء ماليين.