خبراء: سوق العقار الأميركية لم تنته من مرحلة الهبوط بعد

بعضهم يرى أنها على وشك الدخول في مرحلة أسوأ

TT

تراجعت أسعار العقارات في كل أرجاء الولايات المتحدة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي لتدفع سوق المنازل إلى أدنى مستوى لها منذ بداية الأزمة.

في ظل هذه الحال المثيرة للانقباض، أكد بعض الاقتصاديين والمحللين الماليين على أن الدمار قد وقع وأنه لا بديل سوى عودة أسعار العقارات إلى الارتفاع مرة أخرى. فيما رأى آخرون أن السوق لم تنته من مرحلة الهبوط بعد. وهناك من يرون أن السوق على وشك الدخول في مرحلة أسوأ.

روبرت شيلر أستاذ الاقتصاد في جامعة يال ومؤلف كتاب «حماسة غير عقلانية»، والذي أسهم في تطوير مؤشر أسعار المنازل ستاندرد أند بور كيس شيلر، يضع نفسه بين الفئة الأخيرة، حيث أكد في مقابلة هاتفية معه أنه يتوقع «مجازفة حقيقية» بسقوط آخر للسوق بنسبة 15 أو 20 أو 25%. ودلل على ذلك بانخفاض مؤشر كيس ـ شيلر الذي يتناول الأسعار في 20 مدينة بنسبة بلغت 31.2% عن أعلى معدل بحسب البيانات التي صدرت يوم الثلاثاء. فقد انخفضت أسعار المنازل في كل من أتلانتا وكليفلاند ولاس فيغاس وديترويت دون مستوياتها قبل 11 عاما. وهو انخفاض يعتقد شيلر أنه ممكن الحدوث ويمكن أن يضع شيكاغو ودالاس وتشارلوت ومينابوليس في دائرة الخطر أيضا. وسوف تتسبب في خلق عقد ضائع للمنازل في كل كثير من أنحاء البلاد حتى قبل تأثير التضخم المالي.

وقال شيلر إن الكثير من التوجهات السياسية تنبئ عن مستقبل مخيف، سيكون من بين وقائعه الشكوك بشأن شركات الرهن العقاري القابضة مثل «فاني ماي» و«فريدي ماك» والمقترحات بخفض الحسومات الضريبية على الرهن العقاري.

من جانبه يرى كارك إي كيس أستاذ الاقتصاد المتفرغ بجامعة ويلسلي أنه لا يعتقد أن المستقبل موحش بهذا القدر الذي يصوره شيلر، وأكد في مقابلة هاتفية أجريت معه أيضا يوم الثلاثاء أنه كان يرى أن سوق العقارات كانت تقف على «قاع راسخ يتجه إلى الأسفل».

وكان مؤشر ستاندرد أند بور لأضخم 20 مدينة قد انخفض 1% خلال شهر ديسمبر عن الشهر السابق، على الرغم من كون الانخفاض 0.4% لدى تعديل البيانات بشأن التقلبات الموسمية. ونشر المؤشر انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى لها في 11 مدينة خلال شهر ديسمبر مقارنة بذروة أسعار المنازل خلال عامي 2006 و2007، وهو ما يمثل ارتفاعا مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الذي شهد انخفاض الأسعار في 9 مدن فقط، حيث انضمت مدن فينكس ونيويورك إلى قائمة ضمت أتلانتا وشيكاغو وسياتل.

وكانت واشنطن المدينة الوحيدة في المؤشر التي سجلت أرباحا شهرية على أسس غير معدلة، فيما أعلنت 5 مدن عن تحقيقها أرباحا على أسس معدلة.

أحد الإحصاءات التي أيدت وجهة نظر كيس قالت إن التراجع المعدل في ديسمبر ونوفمبر كان نصف الانخفاضات التي وقعت خلال الشهرين السابقين وهو ما يشير إلى أن الانخفاض ربما يكون بطيئا.

ويبدو أن غالبية المحللين يقفون في منطقة وسط ما بين شيلر وكيس.

فأعلنت شركة «كابيتال إيكونوميكس»، يوم الثلاثاء أنه «على الرغم من القدرة الكبيرة على تحمل الأسعار ورخص أسعار المنازل الكبير فإن هذه الازدواجية في أسعار المنازل التي بدأت العام الماضي ستتواصل خلال العام الحالي»، وتشير تقديرات الشركة إلى أن الأسعار ستنخفض مرة أخرى بنسبة 5% ما لم يتم تطوير «الحلقة السيئة» من الأسعار الهابطة وحبس الرهن العقاري المرتفع التي ستزداد فيها الأسعار سوءا.

كما نشر مؤشر كيس ـ شيلر أيضا يوم الثلاثاء إحصاءاته الربع سنوية التي تغطي أسعار المنازل في جميع أنحاء الولايات المتحدة. والتي أظهرت انخفاضا في أسعار العقارات بنسبة 3.9% في الربع الرابع، و4.1% خلال عام 2010 ككل.

وكما هو معروف فإن مؤشر كيس ـ شيلر متوسط متحرك كل 3 أشهر، وهو ما يعني أنه يتحرك ببطء وأنه أعلى الآن بأقل 3% من أدنى انخفاض مسجل في ربيع عام 2009، في الوقت الذي سادت فيه آمال واسعة بأن السوق تتحرك نحو الانتعاش. لكن الائتمان لم يمهد المناخ المناسب لعودة دائمة.

ويقول أندرو لي بيدج، المحلل في «داتا كويك إنفورميشن سيستمز»: «ستتعرض كل الأماكن لهزة ثانية للأسباب ذاتها، من الانتعاش الاقتصادي البطيء وعدم توافر فرص العمل وضيق فرص الائتمان وغياب خطط التحفيز الحكومية وتفشي الشعور بأن الأسعار يمكن أن تهبط مرة أخرى، أضف إلى ذلك أن عددا قليلا من الأفراد يحصلون على وظائف وأن الكثيرين يبدون قلقا واضحا إزاء فقد الوظائف التي لديهم».

وسط كل هذا الشعور بالكآبة، يعتقد البعض أن الموقف أفضل مما قد يصوره كثيرون مثل الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، والتي تظهر بياناتها أن أسعار المنازل التي تقطنها أسرة واحدة ارتفعت في 78 منطقة من بين 152 منطقة حضرية خلال الربع الرابع من عام 2010 عنها في الربع الرابع من عام 2009. من بينها زيادات تخطت حاجز 10%.

لكن حتى مع تأكيد المجموعة على أن التراجع في أسعار المنازل قد تمت المبالغة بشأنه، إلا أنها اتهمت بأنها تضع أرقاما خاطئة.

وقد نشرت مدونة «كالكوليتد ريسك» الشهر الماضي أن مجموعة أسعار العقارات تخطط لإجراء مراجعات رئيسية لبيانات مبيعات المنازل خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما قالت شركة «كور لوجيك» للمعلومات الأسبوع الماضي إن تقديراتها لمبيعات المنازل خلال عام 2010 بلغت 3.6 مليون دولار وهو أقل بكثير من الرقم الذي أعلنت عنه الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين البالغ 4.9 مليون دولار. وإذا ما كانت أرقام «كور لوجيك» دقيقة فإن ذلك سيشير إلى سوق أكثر اضطرابا مما يفترض بوجه عام.

في مقابل هذه الموجة من المزاعم المتضاربة والتنبؤات المظلمة يختار الكثير من بائعي المنازل المتوقعين الانتظار حتى يتمكنوا من الحصول على السعر الذي يعتقدون أن منازلهم مستحقة له. فالبعض منهم يؤجرون منازلهم بعد الانتقال إلى شقق جديدة فيما يرفض آخرون عروضا بوظائف جديدة والبقاء في وظائفهم القديمة إلى جانب منازلهم.

ربما يصب ذلك في صالح المجازفين، فتقول كاتلين فان هورن، التي اشترت منزلها في حي سياتل الفاخر في بالارد قبل 3 سنوات، ومنذ ذلك الحين والسوق في تراجع، وسوف ينتقل الزوجان إلى ألاباما ويخشون من الأسوأ عندما يطرحان المنزل للبيع في السوق.

كان الزوجان مندهشين إلى حد بعيد عندما علما أن المنزل المكون من 4 غرف نوم وصل سعره إلى 545 ألف دولار بعد أقل من 5 أسابيع فقط من شرائه أي بنسبة تقل 5% عن السعر الذي دفعوه فيه.

ويقول فان هورن، الذي يعمل مطورا لأنظمة الحسابات في الشركات: «غياب قائمة جرد لعب لصالحنا، ونحن نشعر بالامتنان للحال الذي آلت إليه الأمور».

بداية من الأول من أبريل (نيسان) ووفق قانون التعويضات الجديد الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي من المتوقع أن يدفع المقترضون الذين يحصلون على قروض عقارية عبر وسطاء أقل من أجل خدماتهم وهناك ضرورة أقل معدل فائدة ممكنة ورسوم مقابل خدماتهم التي يقدمونها.

يؤثر القانون الجديد على التعاملات مع المصارف الصغيرة واتحادات الائتمان التي لا تمول القروض من مواردها الخاصة. لكن غالبية المصارف والمقرضين المباشرين الآخرين ومن بينهم عدد قليل من شركات الرهن العقاري التي تعمل مثل مصارف ستكون معفية.

تعرف القاعدة الجديدة باسم تعديل تعويض مقدم القرض للتشريع زد، كجزء من قانون الإقراض في الحقيقة عبر الكونغرس في عام 2008. وقد صمم هذا القانون لمنع المستهلكين من الانقياد إلى القروض عالية التكلفة والخطورة، ولتغطية ما يتقاضاه مقدم القرض - أو أي شخص أو شركة حصلت أو تفاوضت على رهن عقاري لعميل.

وبموجب القانون الجديد لم يعد المقترض ملزما بأن يدفع لممثل الشركة المقدمة للقرض حسما مربحا يرتبط بمعدل أو شروط الرهن العقاري. ويمكن للمصارف والبنوك الأخرى مواصلة دفع العمولات إلى السماسرة، لكن تلك العمولات يجب أن تقوم على أساس حجم القرض فقط.

يذكر أنه في السابق كانت زيادة معدلات الفائدة والنقاط تعني زيادة حجم الأموال التي يتقاضونها.

وعادة ما تجني شركات السمسرة عمولاتها بنسبة 1.5 إلى 2.5% من كمية القرض، بدفع معدلات قروض أعلى تقترب من 2.5%. وأحيانا ما تتقاسم شركة السمسرة مع موظفيها هذا الربح. فقرض بقيمة 400 ألف دولار ونسبة فائدة تصل إلى 5.25% ستصل الفائدة إلى 8 آلاف قائمة على نقطتين منها نقطة بقيمة 1% من قيمة القرض.

يمكن للوسطاء بموجب النظام الجديد الحصول على عمولة ثابتة من مقدم القرض، لكن لا يرتبط المبلغ بشروط القرض. كذلك لا تسمح شركة الرهن العقاري بالتنازل عن جزء من مبلغ العمولة للوسيط الذي يجب أن يتقاضى أجرا بالساعة أو راتبا. لكن يستثنى من ذلك القروض التي بموجبها يدفع مقدم القرض إلى شركة السمسرة نقاط الأول، خاصة في حالة القروض ذات سعر الفائدة المرتفع. ومن المتوقع أن يتراوح سعر العمولة من1.5 إلى 2.5 نقطة.

ويحظر على ممثل الشركة المقدمة للقرض جمع المبالغ المدفوعة من المستهلك والمقرض في معاملة واحدة. إذا دفع مقرض إلى الوسيط عمولة على أساس مبلغ القرض، لا يمكن للأول تحديد نقاط المستهلك أو رسوم الطلب أو الإجراءات. لكن يظل المستهلك في حاجة إلى الدفع للوسيط مبلغ مقابل خدمات طرف ثالث مثل قيم مقدرة.

لكن لهذا القانون الجديدة استثناءات تتعلق بمقدمي القروض الذين يمولون عمليات الرهن العقاري بأسمائهم من أموالهم الخاصة وهو ما يعرف بهيئة الإقراض ومن ثم تبيع القروض إلى مستثمرين مثل الهيئة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري. وينطبق الاستثناء على الكثير من الشركات التي تمول الرهن العقاري من مصادرها الخاصة.

وتقدم بعض شركات الرهن العقاري عمليات الرهن العقاري وتنهيها بأسمائهم من خلال أموال من أطراف ثالثة خاصة مصارف أخرى وهو ما يعرف في هذا المجال بالتمويل الذي يتم فيه توفير القروض من خلال رأس مالي داخلي حتى يتم تجميع ما يكفي من القروض في السوق الثانوية. وينطبق القانون الجديد عليها أيضا.

وأطلق توماس مارتين، رئيس لجنة المراقبة الأميركية، على عمليات ترجيح الثمن «خداعا» وأكد على الترحيب بالقانون الفيدرالي. ويرى الوسطاء الذين يمثلون همزة الوصل بين توصيل المستهلكين والمقرضين أن القانون يخفض القيمة التي يقدمونها إلى المستهلكين. ويقول مارك يسيز، صاحب شركة «سان كويست فاندينغ» وسمسار رهن عقاري ومقرض في كانفورد بولاية نيو جيرسي: «من الظلم أن يكون هؤلاء الوسطاء أقل قدرة على المنافسة» في مواجهة المصارف الكبرى. وأوضح قائلا: «سيكون المبلغ الذي سيدفع لي مقابل عمل إجراءات قرض صغير نفس المبلغ الذي سيدفع لي مقابل عمل إجراءات قرض كبير رغم ما يتطلبه من عمل إضافي». وأضاف: «سوف تحصل المصارف الكبرى على نسبة أكبر من سوق تقديم القروض وبالتالي سوف يرفعون أسعار الفائدة».

ويقول مايك أندرسون، مدير الهيئة القومية لوسطاء الرهن العقاري إن القانون «ربما يتسبب في بطالة الكثير من الوسطاء المستقلين». لكن هيئة مصرفي الرهن العقاري صرحت بأن الوسطاء سوف يتمتعون بالقدرة التنافسية في مواجهة المصارف لتفضيل الكثير من المستهلكين العمل مع الوسطاء وكذلك لعدم قدرة المصارف على القيام بهذا العمل وحدها.

* خدمة «نيويورك تايمز»