الاستثمار العقاري الصيني يغزو العالم

ملايين الصينيين يتحايلون على قرارحظر تحويل أكثر من 50 ألف دولار

شنغهاي: نقطة انطلاق الاستثمار العقاري الصيني إلى الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

لا تسمح السلطات الصينية بأن يحول المستثمرون الصينيون أكثر من 50 ألف دولار للخارج سنويا، ولكن ملايين الصينيين يتحايلون على هذه الصعوبة بالكثير من الطرق، من أجل الاستثمار في عقارات العالم. ويتوجه الصينيون إلى الأحياء الراقية في عواصم العالم لأنها توفر لهم أفضل فرص الاستثمار. وهم يقبلون بكثافة على مواقع بعينها يوجدون فيها بكثافة عالية، فهم مثلا يمثلون أكثر من ثلث المستثمرين في هونغ كونغ ونحو 10 في المائة من مستثمري العقار في طوكيو و20 في المائة من عقارات مدينة سيدني الأسترالية، و1.2 في المائة من المستثمرين في لندن. وفي المناخ الاقتصادي الحالي ترحب دول العالم بالاستثمار الصيني وتفتح له أوسع الأبواب.

هذه الأرقام مؤثرة ويمكنها أن تغير المعادلة العقارية في أكثر من مدينة. وتقول الإحصاءات إن هناك ما يقرب من نصف المليون صيني يملكون عقارا أو عقارات أجنبية قيمتها أكثر من مليون دولار. ويعني هذا أن ربع أثرياء العالم في الوقت الحاضر يأتون من الصين. ويفضل الأثرياء الصينيون الاستثمار في العقار أكثر من غيرهم، وهم يحتفظون بنسبة 20 في المائة من ثرواتهم في العقار.

ويفضل الصينيون السرية في الاستثمار الخارجي، مما يمثل صعوبة جمة في حصر عددهم على نحو دقيق ومعرفة حجم الاستثمار العقاري الذي يختارونه، خصوصا إذا كان حجم الصفقات أقل من مليون دولار. وربما كان السبب في هذه السرية خشية القوانين الصينية الصارمة التي تمنع خروج أكثر من 50 ألف دولار من الصين سنويا لكل مستثمر. ويتوجه المستثمرون من الصين أولا إلى هونغ كونغ، التي تعد منطقة اقتصادية حرة، ومنها إلى أسواق العقار العالمية.

والصينيون لهم حضورهم الاستثماري الكبير أيضا في هونغ كونغ التي تضاعفت فيها أسعار العقارات الفاخرة والسوبر خلال العام الماضي. ويمثل الصينيون نسبة 40 في المائة من المشترين في هونغ كونغ في فئة العقار السوبر الذي تزيد قيمته عن ثمانية ملايين دولار، وفقا لإحصاءات شركة العقار الدولية «سافيل». وما زالت الأسعار تزيد في هونغ كونغ بفعل الاستثمار الصيني، وإن كانت بنسب أقل منها في العام الماضي. وهي نسب تقل في القطاعات المتوسطة والشعبية عنها في القطاعات الفاخرة. وبوجه عام لم تعرف هونغ كونغ الكساد العقاري في السنوات الأخيرة، على خلاف مدن العالم الأخرى.

وتشهد هونغ كونغ موجة نزوح استثماري من الصين الشعبية، قد يكون سببها القوانين الصينية المقيدة لتحويل العملة. فالمستثمرون يمكنهم الإقامة في هونغ كونغ إذا امتلكوا فيها شركة مساهمة أو حولوا إليها مبلغ ستة ملايين دولار. وتشكو سلطات المستعمرة البريطانية السابقة من هذه الشروط التي نتجت عنها موجة التضخم الشديدة في العقار المحلي إلى درجة أن أهالي هونغ كونغ أنفسهم لا يستطيعون الشراء فيها. وتطالب السلطات بتغيير القوانين، بينما يتسابق الصينيون في القدوم إلى هونغ كونغ قبل تغيير قوانينها. ولن تتغير معادلة العقار المتضخم دوما في هونغ كونغ خلال المدى المنظور، لأن رئيس بورصتها يؤكد أن 78 في المائة من الشركات التي تنتظر دورها في الطرح عبر البورصة تأتي من الصين. وإذا تمت الموافقة على هذه الشركات فسوف تضطر إداراتها إلى العثور على العقارات المناسبة لإقامتها في هونغ كونغ.

وفي لندن أكدت شركة «نايت فرانك» العقارية أنها توفر الآن موظفين يتحدثون اللغة الصينية في أقسامها الدولية من أجل التعامل مع الطلب المتزايد من الصين. وتقدر بأن يصل حجم الطلب العقاري الصيني هذا العام إلى نحو 2.3 في المائة من كل المبيعات في لندن. وتشير الشركة إلى أن الصينيين يفضلون العقارات التقليدية في مناطق نايتسبردج وبلغرافيا، أو المشاريع العقارية الجديدة في أنحاء لندن مثل ناطحات السحاب والشقق الجديدة ومناطق شرق لندن التي سوف تستفيد من عقد دورة الألعاب الأوليمبية في العام المقبل.

وهناك نسبة كبيرة من الصينيين تشتري عقارات لإقامة الأبناء أثناء دراستهم في بريطانيا. وتدل إحصاءات السفارة الصينية في بريطانيا على أن هناك نحو مائة ألف طالب وطالبة من الصين يدرسون في مدارس وجامعات بريطانية. وتعتبر اللغة الإنجليزية إجبارية في المدارس الصينية، مما يجعل الانتقال إلى الدراسة في الجامعات الأجنبية سهلا. وتدير الكثير من الجامعات البريطانية المتميزة دورات تدريب لغوية لطلابها الأجانب خلال فترات الصيف.

وهناك الكثير من القصص والأساطير عن الاستثمار الصيني في لندن بعضها حقيقي والبعض الآخر من محض الخيال. من القصص الحقيقية ما يقوله مارتن بخيت، مدير شركة «كاي إن كو» الذي يقول إن ميزانيات الشراء تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات أحيانا. وهو يبحث عن صفقة عقار لمستثمر صيني طلب شراء 50 شقة في موقع أرستقراطي لإدارتها مفروشة.

ويقول مندوب شراء آخر إنه يبحث عن منزل فاخر في منطقة نايتسبردج بميزانية 15 مليون جنيه إسترليني لصالح عائلة صينية مكونة من مديرة تنفيذية وصاحب شركة إعلامية طرحت للاكتتاب في بورصة نيويورك. وهما يريدان الإقامة في لندن لإدارة أعمالهما منها.

من الأساطير الخيالية التي تتداولها بعض أوساط لندن حول الاستثمار الصيني ما قاله اختصاصي اقتصادي تلفزيونيا إن الصينيين يشترون العقارات الشعبية في شرق لندن بالجملة. وبعدها كرر سمسار عقاري، يبدو أنه لم يسمع العبارة جيدا، أن ثلث الاستثمار العقاري في بريطانيا يأتي من الصين. وأضاف سمسار آخر أن واحدا من كل ثلاثة طلبة أجانب في كلية إيتون، وهي أغلى جامعة في بريطانيا، يأتي من الصين. والنسبة الحقيقية وفقا للجامعة نفسها لا تزيد على ثلاثة في المائة.

وفي نيويورك تشير كاثرين هيغينز من شركة «دي جي كي» العقارية إلى أن الأغلبية من المستثمرين الصينيين يفضلون الشراء في القطاع الذي يقع بين 1.5 إلى 2.5 مليون دولار. ويتوجه الشراء إلى الاستثمار بالتأجير أو للإقامة، كما يتركز في مواقع منتصف المدينة والأحياء المالية فيها. وبينما أشار رئيس شركة «أونييل» العقارية في مقابلة مع صحيفة صينية إلى أن المستثمرين يتوجهون إلى دول مثل بريطانيا أو الولايات المتحدة للاستثمار العقاري فيها بغرض الحصول على الإقامة الدائمة في هذه الدول. فإن الاستثمار العقاري الصيني لا يقتصر على الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية بل يشمل أيضا فرنسا.

ويقول مارك هارفي، مستشار العقار الدولي في شركة «نايت فرانك» المقيم في باريس إن أعدادا متزايدة تقبل على الاستثمار في العاصمة الفرنسية. وهم يقبلون على أحياء المدينة الراقية مثل الحي السابع والثامن والسادس عشر، بأسعار تبدأ من ثلاثة ملايين إلى ستة ملايين يورو.

وفي تايوان فتحت السلطات باب الاستثمار العقاري في القطاع الفاخر للصينيين من جمهورية الصين الشعبية، وذلك في عام 2008. وتوقع المضاربون المحليون موجة ارتفاع عقاري بسبب إقبال الاستثمار الصيني الخارجي، مما تسبب في فقاعة عقارية محلية حتى من قبل أن يصل الأجانب بالإعداد المتوقعة, وتتراجع الأسعار الآن إلى معدلاتها السابقة تدريجيا.

وتسهم العملة الصينية المرتفعة في تشجيع الاستثمار الأجنبي الذي يبدو رخيصا للصينيين. وفي اليابان يشتري الصينيون العقارات لتأجيرها إلى الزوار والدارسين من الصين. وتجلب العقارات اليابانية عوائد إيجارية تصل إلى 10 في المائة، مقارنة بحد أقصى لا يزيد على ثلاثة في المائة في مدينة مثل شنغهاي. أما الاستثمار العقاري الآخر في اليابان فهو الاستثمار في منازل العطلات الريفية التي يقبل عليها الصينيون بكثافة. فعلى الرغم من المنازل الحديثة التي تنتشر في المدن الصينية الكبرى، فإن الريف الصيني ما زال يعاني من التخلف، الأمر الذي لا يشجع على القيام بعطلات إليه. هذا بخلاف الريف الياباني الراقي الذي يوفر كل خدمات المواصلات والمنافذ التجارية والمشاهد الخلابة في مناخ هادئ. ويجذب هذا المناخ الكثير من الأثرياء الصينيين.

ولكن ماذا يعني وصول الصينيين إلى أسواق الاستثمار العقاري الدولية؟ التأثير الأساسي هو احتمال زيادة الأسعار في المواقع التي يقبل عليها الصينيون، نظرا لارتفاع الطلب عليها. وحتى في حالة تعرض الصين لبعض المتاعب المالية، فإن هذا من شأنه أن يدفع المستثمرين من الصين إلى البحث عن مواقع آمنة خارجها لاستثماراتهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار العقاري الصيني في الخارج وليس تراجعه. وبالمناسبة فإن بعض الاقتصاديين يتوقع فقاعة في الصين هذا العام وموجة تصحيح تتراجع معها قيمة الاستثمارات الصينية، ومنها العقار، بوجه عام.

ولكن مهما كانت تحولات الاقتصاد الصيني في المدى المنظور، فالأمر المؤكد أن خروج المزيد من رؤوس الأموال الصينية للاستثمار العقاري في الخارج سوف تستمر. وسوف يكون لهذا الاستثمار تأثير إيجابي على الأسواق، خصوصا في هونغ كونغ. وعلى غرار ما حدث في هونغ كونغ سوف تنتعش أسعار العقارات السوبر في العواصم الآسيوية القريبة بفضل الاستثمار الصيني. ومن المواقع المرشحة لهذا الانتعاش كل من سنغافورة وكوالالمبور.