بريطانيا: سباق مع الزمن في القطاع الفاخر قبل زيادة ضريبة الدمغة

سترتفع من 4 إلى 5% على العقارات التي يزيد ثمنها على مليون إسترليني ابتداء من 6 أبريل المقبل

أحد العقارات الفاخرة في منطقة مايفير بلندن
TT

هناك عقارات بريطانية معروضة للبيع منذ أكثر من عام ولكنها لم تحظ حتى بزيارات مشاهدة، ولا نقول بيعها، على الرغم من خفض أسعارها مرارا من قبل أصحابها. شركات العقار من ناحيتها تشكو من صعوبة التمويل تارة ومن صقيع الشتاء تارة أخرى، ولكن الوضع الاقتصادي المتردي وربط الأحزمة في مجالات الإنفاق والاستثمار انعكس بوضوح على هيكلية سوق العقار البريطانية التي تعاني من الخلل وعدم التوازن بين العرض والطلب، وهو وضع أدى إلى تجمد السوق، ولن يتغير في المدى المنظور.

إحدى الحالات التي عرضتها صحيفة «التايمز» البريطانية كانت لمستثمرة صغيرة السن تعرض منزلا صغيرا مكونا من غرفة واحدة منذ أكثر من عام ولكن بلا مشترين. وخلال العام الأخير، لم يجذب العقار سوى ثلاث زيارات للمشاهدة، لم تسفر أي منها عن صفقات حقيقية. وفي النهاية قررت البائعة أن تقوم بالمهمة نفسها عبر فتح موقع على الإنترنت وربط الموقع بصفحة على «فيس بوك» وأخرى على «تويتر»، كما خفضت الثمن إلى 80 ألف جنيه إسترليني (نحو 120 ألف دولار). ولكن بعد ثلاثة أشهر من هذه الجهود ما زال العقار معروضا بلا بيع ولا مشترين في الأفق.

وعلى الرغم من أن موقع «رايت موف» يشير إلى أن الفترة التي يستغرقها بيع عقار بريطاني في الوقت الحاضر تبدو قياسية وتتخطى المائة يوم، فإن الواقع يبدو أكثر تعقيدا ويعتمد على السعر والموقع والمنطقة، وتمتد فترة الانتظار أحيانا إلى أكثر من 15 شهرا، وتعتمد على خفض كبير للثمن. ولا يستطيع أي طرف في السوق تغيير المعادلة الفاعلة في الوقت الحاضر بشقيها السلبيين؛ وهما الأزمة الاقتصادية العالمية، وندرة الأموال المتاحة للإقراض العقاري.

وتشير إحصاءات هيئة التمويل العقاري البريطانية إلى أن معدل الأسعار تراجع بنسبة تقترب من 30 في المائة في العام الأخير، بينما انخفضت المبيعات العقارية بنسبة النصف إلى نحو 600 ألف عقار سنويا. وفي حين يعتقد البعض أن هذا العام قد يكون أفضل من سابقه، فإن العديد من المؤشرات الاقتصادية في بريطانيا تشير إلى عكس ذلك. فهذا العام يشهد انخفاض الإنفاق الحكومي وتأثر الاقتصاد البريطاني سلبيا من عوامل مثل ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. كما أن ضريبة الدمغة سوف ترتفع على العقارات التي يزيد ثمنها على مليون جنيه إسترليني بداية من شهر أبريل (نيسان) المقبل الذي تبدأ معه السنة المالية الجديدة.

من المفارقات الواضحة في السوق، اختلاف الظروف وفقا للمناطق، فعبر 15 عاما ظلت العاصمة لندن ومنطقة الجنوب الشرقي تخالف التيار المتراجع سواء كان بتماسك الأسعار أو حتى بارتفاعها في بعض المناطق الساخنة في لندن. ولكن الأسعار تتراجع في مناطق أخرى خصوصا في الشمال الإنجليزي وفي ويلز، حتى في فترات الانتعاش القصيرة التي ترتفع فيها الأسعار مؤقتا ثم لا تلبث أن تتراجع.

وفي بحث للسوق أجرته مصلحة المساحة بإشراف لوسيان كوك رئيس القطاع السكني في شركة «سافيل»، اتضح أن منطقة هامرسميث وفولهام في غرب لندن ظلت الأفضل إنجازا في قيمة العقار طوال الفترة ما بين 1996 و2010. وبالإضافة إلى تفضيل المصرفيين العاملين في الحي المالي لها، تتميز المنطقة بمحدودية الإمدادات العقارية لها لعدم بناء عقارات جديدة فيها خلال فترة البحث.

وبعد هذه المنطقة تأتي المناطق المعهودة في لندن مثل نايتسبريدج وتشيلسي وريتشموند وغيرها. وفي السنوات الأخيرة ظهرت منطقة شرقي لندن، أو على الأقل بعض الأحياء فيها، كمناطق واعدة نظرا للاستثمار العقاري المكثف في منطقة كناري وارف من ناحية؛ وتأثير إقامة الدورة الأوليمبية فيها العام المقبل من ناحية أخرى. وأشار البحث أيضا إلى أن البائعين للعقارات في قلب لندن يعيدون الاستثمار بشراء عقارات أخرى في الضواحي مثل مقاطعة ساري وريدنغ وباكنغامشير. ولكن مناطق مثل شمال كنت وشرق العاصمة لا تجذب في الغالب هذا الاستثمار. كما أوضح البحث أن هناك مناطق خارج لندن تعتبر مناطق عقارية ساخنة تخالف التيار مثل مدينة برايتون الساحلية ومنطقتي وندسور وميدنهيد. وتأتي في مواقع متقدمة مقاطعات مثل دورست ومدن أسكوتلندية مثل أدنبره.

والدرس المستفاد من هذا البحث أن المشترين في المناطق الجيدة المستقرة تكون لديهم فرصة أفضل للربح عن غيرها. وبوجه عام، حققت عقارات القمة في بريطانيا 300 في المائة زيادة في أسعارها خلال آخر 15 عاما، خلافا للتيار السائد.

أما أسوأ المناطق على الإطلاق، فكانت منطقة غوينت في جنوب ويلز، وهي منطقة نائية ليس بها صناعات أو فرص توظيف، وكانت تعيش في الماضي على استغلال مناجم الفحم. ويبلغ متوسط سعر العقار في هذه المنطقة نحو 70 ألف جنيه إسترليني هبوطا بنسبة 10.6 في المائة خلال العام الأخير وحده. وفي المركز الثاني تأتي مدن شمال شرقي إنجلترا مثل دونكاستر وساندرلاند ودارهم.

واستنتج البحث أن التيار السائد بين المناطق المتقدمة وتلك المتراجعة سوف يستمر لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل، وأن الانتعاش سوف يكون على مستويات مختلفة وفقا للمنطقة. فهو قد لا يصل إطلاقا إلى المناطق المتقهقرة.

في المقابل، تجري حركة محمومة تحت السطح بين شركات العقار والمحامين لإنجاز صفقات القطاع الفاخر قبل يوم السادس من أبريل (نيسان) المقبل موعد بداية العام المالي الجديد الذي ترتفع معه ضريبة الدمغة من 4 إلى 5 في المائة على العقارات التي يزيد ثمنها على مليون جنيه إسترليني. وتعمل بعض شركات القانون والعقار على مدار الساعة في الوقت الحاضر لكي تنهي صفقات هذا القطاع قبل الموعد المحدد حتى لا يضطر المشتري إلى دفع عشرة آلاف جنيه إضافية على الأقل للضرائب.

وسوف يقع العبء الأكبر من هذه الضرائب الجديدة على صفقات العقار في لندن ومنطقة الجنوب الشرقي التي تستأثر بنسبة 82 في المائة من جملة صفقات العقار التي تزيد في قيمتها على مليون جنيه إسترليني، وفقا لتقرير موقع العقار «زوبلا».

وتضع هذه الضرائب الكثير من الأعباء على البائعين والمشترين الذين يقعون ضمن سلسلة بيع وشراء حتى لو كانت الضريبة تؤثر على حلقة واحدة من السلسلة. وبلغ الأمر إلى أن بعض المشترين يسمحون للبائعين بالبقاء في العقارات بعد بيعها لعدة أسابيع، حتى تتم الصفقات قبل انتهاء المهلة القانونية لنهاية العام المالي الحالي. وتتضمن الصفقات رخصا للسماح للبائع بالبقاء ولكن من دون منحه حقوق المستأجر. وفي بعض الحالات يوافق المشترون على تأجير العقار للمالك القديم لفترات تمتد إلى أربعة أشهر حتى يجد البائع العقار المناسب للانتقال إليه. وتقول لولو إيغرتون الشريكة في مكتب «سترات آند باركر» العقاري إنها أجرت أربع صفقات من هذا النوع في الشهرين الأخيرين. وأضافت إيغرتون أنه في صفقتين تم الاتفاق على إيجار معين خلال الفترة الانتقالية، وفي صفقتين أخريين سمح المشتري للبائع بالبقاء في العقار بلا إيجار.

ونتج عن هذا الوضع صفقات أخرى وضع فيها المشترون شرطا هو استكمال الإجراءات قبل يوم السادس من أبريل (نيسان) وأن لا يتم خصم التكلفة الإضافية من الثمن. ويخشى خبراء العقار من أن تؤدي الضريبة إلى توقف الصفقات مرحليا في هذا القطاع في الأشهر المقبلة، أو أن تؤدي إلى خفض الأسعار في القطاع إلى ما دون المليون جنيه إسترليني من أجل إتمام الصفقات بضريبة أقل.

وتقول إحصاءات السوق إن معدل أسعار العقار السكني تراجعت في العام الأخير بنسبة 2.8 في المائة وفقا لمؤشر بنك «هاليفاكس»، وهو أكبر تراجع منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009. وقال كبير الاقتصاديين في البنك، مارتن إيليس، إن التوجه العام يشير إلى تراجع بنسبة مماثلة هذا العام أيضا. وهو يعزو السبب في ذلك إلى غموض الوضع الاقتصادي وعدم وجود دلائل على انتعاش اقتصادي بعد.

وأشار الاقتصادي هيوارد آرشر إلى أن مؤسسات مالية أخرى، ومنها مؤسسة «غلوبال إنسايت» التي يعمل بها، تعتقد أن نسبة التراجع كانت أكبر من ذلك وتصل إلى 3.4 في المائة. ولكنه أضاف أن التركيز يجب أن لا يكون على النسب المجردة وإنما على التوجه العام للأسواق، وهي مؤشرات تؤكد في الوقت الحاضر أن سوق العقار البريطانية في اتجاه تراجعي، أو مجمد في أفضل الأحوال. وهو يعتقد أن الأسعار سوف تنخفض بنسبة 5 في المائة هذا العام وبمثلها خلال العام التالي.

وتضيف أبحاث جمعية العقار البريطانية «نيشين وايد» أن أحد أسباب تجمد السوق هو اختفاء المشترين الجدد لأسباب عديدة. وقال كبير الاقتصاديين في الجمعية روبرت غاردنر إن هذا الوضع لن يتحسن إلا بعد عودة الثقة إلى سوق التشغيل وتراجع معدلات البطالة. ويتأثر صغار السن الذين يمثلون الشريحة الأكبر بين المشترين الجدد بوضع سوق العمل، وهم الآن يعانون من أكبر نسب بطالة منذ 20 عاما خصوصا بين الخريجين.

ويعاني المشترون الجدد أيضا من صعوبات التمويل، حيث يحتاج المشتري إلى مقدم يتراوح بين 10 و20 في المائة من قيمة العقار، وهو ما يماثل ادخار نسبته 15 في المائة لمدة 8 سنوات لشراء عقار ثمنه متوسط، أي في حدود 162 ألف جنيه إسترليني (250 ألف دولار). وهناك بنوك قليلة في بريطانيا، من بينها «نورثرن روك» المؤمم حاليا، تعرض قروضا عقارية بنسبة 90 في المائة من أجل جذب المشترين الجدد. ومع ذلك يعتقد غاردنر أن أكبر رادع أمام المشترين الجدد هو أسعار العقار الباهظة التي تفوق قدرتهم على السداد. وتمثل هذه الأسعار في الوقت الراهن خمسة أضعاف الدخل السنوي، أي أكبر من النسبة التاريخية المقبولة وهي أربعة أضعاف الدخل السنوي. وعلى الرغم من انخفاض أسعار الفائدة قياسيا، فإن متوسط قيمة القرض العقاري يقتطع ثلث الدخل الصافي، مقارنة بنسبة تاريخية لا تزيد على 28 في المائة. ويتفق أغلبية خبراء العقار على أن صعوبات الوضع العقاري البريطاني لا تؤشر بانهيار في الأسعار وإنما بتصحيح نسبته 10 في المائة من معدل الأسعار السائد خلال عام 2010.

كيف تساهم في سرعة بيع عقارك خلال أوقات الكساد

* ينصح خبراء العقار ببعض الخطوات التي تساعد البائعين على بين عقاراتهم في أوقات الكساد. ومن هذه الخطوات:

- التسعير السليم، حتى يجذب العقار المزيد من اهتمام المشترين.

- الاستعداد للتفاوض إلى حدود 10 في المائة من السعر المطلوب.

- الاهتمام بمظهر العقار الخارجي.

- التخلص من العديد من الموبيليات وقطع الأثاث الداخلية التي تقتطع من المساحة.

- الإعلان عن العقار من خلال العديد من الصور الجذابة، والفيديو إذا أمكن.

- اختيار فصل الربيع والصيف للبيع بدلا من الشتاء.

- الاستعانة بأكثر من شركة عقار من أجل التسويق وعدم الاكتفاء بواحدة.

- الاستعداد لعرض العقار على المشترين الجدد في أي وقت يطلبونه.