قطاع التأجير في بريطانيا يعيش طفرة بسبب أزمة القروض العقارية

40% من الشقق المؤجرة غير صالحة للسكن فيها

لافتات تعرض عقارات للبيع والإيجار في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أكد تقرير أخير للحكومة البريطانية، ان أكثر من أربعين في المائة من عقارات قطاع التأجير في انكلترا غير صالح للتأجير (غير لائق) ولا يلبي الحد الادنى من متطلبات سكانها أو مستأجريها. وان العقارات التي توفرها هيئات الإسكان الاجتماعية والمجالس والحكومات المحلية في هذا القطاع لا تزال أفضل من ناحية النوعية من العقارات التي يقدمها القطاع الخاص.

وأشار التقرير الخاص بالمسح الإسكاني، الذي يتناول 17 ألف حالة عادة كنموذج، إلى أن قطاع التأجير في العالم بشكل عام وفي بريطانيا بشكل خاص يعيش طفرة لم يشهد لها مثيلا بسبب النقص الكبير في القروض العقارية الممنوحة منذ عام 2007، أي منذ بدء أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من أزمة مالية عالمية وركود عام.

وقد ارتفع عدد العائلات التي تعيش في عقارات مستأجرة بأكثر من مليون عائلة خلال خمس سنوات، أي من 2.4 مليون عائلة عام 2005 إلى أكثر من 3.4 مليون عائلة عام 2010. مما يعني أن بين كل ست عائلات إنجليزية هناك عائلة تعيش في عقار مستأجر.

وحسب التقرير الأخير للحكومات المحلية فإن أكثر من 41 في المائة من هذه العقارات غير مناسبة أو لائقة للسكن، حسب المعايير الرئيسية من معايير الأمان والصحة. وهذا يعني أن مطابخ وحمامات ومنافع هذه العقارات غير مناسبة أو صالحة وقديمة البناء والتجهيزات، وخصوصا التجهيزات الحديثة التي تحد من استهلاك الطاقة وهدرها. أضف إلى ذلك أن حجم معظم هذه العقارات في قطاع الإيجار لا يناسب عدد سكانها، وأن القديم من هذه العقارات يعاني من مشكلات الرطوبة وغيرها.

وأهم ما جاء في التقرير الرسمي الأخير الذي يتوقع أن يصدر في نسخته الأخيرة نهاية الشهر الحالي، أن عدد الشكاوى الخاصة بأصحاب العقارات وأحوالها ارتفع بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وهناك حاجة ماسة إلى تطوير المعايير والشروط العامة لقطاع التأجير ووسائل المراقبة. وتعلق معظم الشكاوى في المدفوعات التي يطلبها عادة المؤجرون وأصحاب العقارات من الزبائن والتلاعب المالي بشكل عام وعدم تأمين الخدمات التي يعدون بها خلال فترة الاستئجار.

وتؤكد مؤسسة «هامبتنز إنتراناشونال» بهذا الشأن أن عدد الراغبين في استئجار العقارات ودخول هذا القطاع بسبب الظروف العقارية الصعبة بشكل عام، وخصوصا سوق القروض، قد ارتفع إلى أكثر من 37 في المائة العام الماضي، وأن لكل عقار واحد متوفر في الأسواق أكثر من 4.5 مستأجر أو باحث عن الإيجار.

ويبدو أن نصف عدد العقارات المتوفرة في قطاع الإيجار تضم أفرادا لا تتعدى أعمارهم الخامسة والثلاثين، وهناك أكثر من 1.2 مليون عقار في عهدة سكان بين سن الخامسة والعشرين والرابعة والثلاثين، ونصف مليون عقار تضم الشباب بين السادسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر، وأن اثني عشر في المائة من قطاع الإيجار يضم أفرادا مطلقين.

ومن جهة أخرى تعرضت أسواق العقار السكنية لتراجع هام على صعيد الأسعار، إذ أكد تقرير أخير لبنك هاليفاكس الذي يعتبر من أهم البنوك الخاصة بالإقراض العقاري في بريطانيا، أن أسعار العقارات سجلت تراجعا سنويا بنسبة لا تقل عن 2.8 في المائة من فبراير (شباط) العام الماضي حتى نهاية فبراير العام الحالي. وهي أكبر نسبة تراجع منذ عامين، أي منذ عام 2009. لكن بعض التقارير الأخرى أكدت أن النسبة تعدت الـ3.4 في المائة عن نفس الفترة. ووصلت نسبة التراجع الشهرية في بعض المناطق إلى 1 في المائة تقريبا، مما يعني أن معدل سعر العقار السكني قد وصل إلى 162.6 ألف جنيه (255 ألف دولار تقريبا). ولأن عدد العقارات المعروضة للبيع في الأسواق خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، فإن المراقبين والمحللين العقاريين يقللون من أهمية التراجع الشهري، إذ من شأن انحسار عدد العقارات المعروضة للبيع إعادة التوازن إلى الأسعار واستقرارها، وبالتالي منعها من الانحدار بشكل كبير وحاد على غرار ما حصل في التسعينات.

كما يؤكد الكثير من المحللين أن التذبذب والتقلب على الأسعار سيبقى لفترة طويلة وسيتواصل خلال هذا العام بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتوقعات بارتفاع معدل الفائدة العام وقلة المشترين للمرة الأولى وصعوبة الحصول على القروض العقارية.

وكان معدل سعر العقار العام الماضي قد وصل إلى 168.4 ألف جنيه (262 ألف دولار تقريبا). وترافق هذا التراجع أيضا مع تراجع معدل أسعار العقارات نسبة إلى معدل الأجور العام من 4.46 إلى 4.63 في المائة منذ عام حتى فبراير هذا العام.

وبناء على هذا يتوقع أن يتواصل التراجع على الأسعار هذا العام ليصل إلى 5 في المائة وأكثر من 10 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه بداية العام الماضي.

وعلى صعيد القروض العقارية التي تشكل ندرتها مشكلة كبيرة لأسواق العقار السكنية، لا يزال عددها أقل عدد منذ سنوات طويلة، وحافظ تقريبا على ما كان عليه في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. وقد أكدت المؤسسات المعنية أن عدد القروض الممنوحة في يناير (كانون الثاني) بداية العام الحالي إلى 28.9 ألف قرض، وكان العدد نفسه قد سجل في نفس الشهر من عام 2009.

لكن هذا لا يعني أن عدد القروض لم يتراجع، إذ إن نسبة التراجع عليه وصلت إلى 21 في المائة تقريبا سنويا، مما يعني أن معدل القروض الممنوحة شهريا هو نصف المعدل الذي عرفته الأسواق بين عامي 1997 و2007 والذي وصل إلى 58 ألف شهريا تقريبا.

وبسبب إعادة أو تغيير طبيعة القروض التي حصل عليها أصحاب العقارات تخوفا من ارتفاع معدل الفائدة العام وطلبا للقروض ذات الفائدة الثابتة، فقد ارتفعت قيمة القروض الممنوحة إلى 1.6 مليار جنيه (2.55 مليار دولار تقريبا) نسبة إلى ما كانت عليه في أغسطس (آب) العام الماضي.

وكان بنك نورثارن روك الذي تعرض لعملية إفلاس قبل ثلاث سنوات ولعملية إنقاذ حكومية نتيجة القروض العقارية العالية المخاطر، عاد بقوة إلى الأسواق الشهر الماضي بعد أن عرض قروضا عقارية بنسبة تصل إلى تسعين في المائة من سعر العقار، وهي أفضل نسبة متوفرة في البلاد حاليا، إذ لا تمنح معظم البنوك والمؤسسات هذه الأيام قروضا بأكثر من سبعين في المائة من سعر العقار. وهذا يعني أن المستقرض لا يحتاج إلا إلى عشرة في المائة من سعر العقار للحصول على القرض المطلوب، مقابل خمسة وثلاثين وأربعين في المائة أحيانا من البنوك الأخرى.

وكان البنك الذي يتخذ من نيوكاسل في شمال البلاد مقرا له يشترط قبل ذلك دفعة أولى تصل نسبتها خمسة عشر في المائة من سعر العقار. أي أن نسبة التحسين لم تطل إلا خمسة في المائة في محاولة لتحسين سوق القروض واستقطاب المزيد من الزبائن وتخفيف الشروط الصعبة التي رافقتها منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما تأتي الخطوة للترافق مع المحاولات الني قامت بها بعض البنوك على قلة أعدادها، مثل «نيشن وايد» و«إتش إس بي سي» و«تشالتنام»، على هذا الصعيد، إذ أعلنت منذ فترة تقديم بعض المنتجات أو القروض العقارية التي تتعدى نسبتها التسعين في المائة من سعر العقار، نتيجة الضغوط الحكومية لتحريك أسواق العقار والتخفيف من حدة الأزمة السكنية ومساعدة المشترين للمرة الأولى على الدخول للأسواق.

وعلى صعيد القروض أيضا أكدت التقارير الأخيرة أن واحدا من بين كل ستة مستقرضين يعاني هذه الأيام من دفع المستحقات الشهرية المترتبة عليه.

وعادة ما تشكل دفعات السداد نحو ستة عشر في المائة من مداخيل الموظفين في البلاد حسب الإحصاءات الأخيرة التي أجراها بنك باركليز قبل عشر سنوات. وبينما ارتفع معدل الأجور خلال العقد الماضي بنسبة لا تقل عن 37 في المائة، ارتفعت أسعار العقارات بسبة لا تقل عن 68 في المائة.

ومن ناحية أخرى دخلت مسألة الإنترنت السريع وتوفرها على خط التسويق العقاري وبيع العقارات، إذ بدأت مؤسسة «رايت موف» العقارية الهامة التي تنشط على شبكة الإنترنت، التفاوض مع شركة الاتصالات البريطانية «بي تي» لتوفير المعلومات عن طبيعة الإنترنت وسرعتها في جميع العقارات المتوفرة على موقع «رايت موف»، والتي يصل عددها إلى أكثر من مليون عقار.

وعلى هذا الأساس ستكون سرعة الإنترنت موجودة من الآن وصاعدا إلى جانب المتوفرة على أي عقار كعدد الغرف والمنافع والحدائق وجميع أنواع الخدمات الأخرى.

ويبدو أن المؤسسة الأنشط والأكبر في البلاد عقاريا على الشبكة قد انتبهت في الفترة الأخيرة إلى أن سرعة الإنترنت وتوفرها بدأ يصبح أحد العوامل الأساسية التي يقرر على أساسها المشترون إذا ما كانوا يرغبون في العقار أم لا. وإن الكثير من المشترين يتراجعون عن قبول العقار ما لم يتوفر فيه إنترنت سريع، وخصوصا أن الكثير من العاملين في البلاد هذه الأيام يعملون من منازلهم من وخلال الشبكة الدولية.

ويبدو أن 75 في المائة، حسب الإحصاءات والدراسات الأخيرة، يحجمون عن شراء العقار ما لم تتوفر فيه الشبكة السريعة. كما أن أكثر من نصف الباحثين عن العقارات أظهروا استعدادا لدفع سعر أكبر للعقار الذي يرغبون فيه، إذا ما كان يضم شبكة إنترنت سريعة.

ولا تزال شركة «بي تي» كما يبدو من أكبر الموزعين والمؤمنين لشبكة الإنترنت في بريطانيا حتى الآن رغم كثرة الشركات المحلية والدولية المتوفرة في البلاد وحدة التنافس على الأسعار والبضائع والعروض.

وتؤمن الشركة ما لا يقل عن 80 ألف خط إنترنت جديد كل شهر، ولذا يتوقع أن يصبح عدد المنازل والعقارات التي تضمها في نهاية عام 2015 نحو ستة عشر مليون منزل.

وقد رصدت الحكومة البريطانية أكثر من 900 مليون جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار تقريبا) لتوسيع رقعة توفر الإنترنت في بريطانيا، وخصوصا في المناطق الريفية والبعيدة وتحسين نوعيتها. ويشكو الكثير من سكان المناطق البعيدة عن المدن من بطء الشبكة الدولية وصعوبة العمل من خلالها.

وفضلا عن «رايت موف»، بدأت مؤسسة «فيرجين ميديا» المعروفة بالتنسيق مع شركات البناء والعقارات والمكاتب العقارية لتأمين المعلومات المتوفرة عن الإنترنت للزبائن في محاولة لتحسين الخدمات وتوسيع رقعة أعمالها. وعرف «فيرجين ميديا» بتأمينها أسرع الشبكات في البلاد رغم أسعارها الباهظة.