كيف تغيرت «واحة الفقراء» في نيويورك التي كان إيجارها الأسبوعي حوالي الدولارين؟

أبراج «كوبل هيل» بنيت قبل 130 عاما في قلب المدينة

TT

على امتداد أجيال من تاريخ أبناء نيويورك الذين يفتقرون بشدة إلى المساحات، بدا «كوبل هيل تاورز» بمثابة واحة غنّاء يمكن السكن فيها. منذ أكثر من 130 عاما ماضية صمم المهندس المعماري ألفريد تريدواي وايت مجموعة المباني المقامة من الآجرّ الأحمر والمتميزة بارتفاعها المنخفض، وذلك انطلاقا من رغبته في البرهنة على أن إسكان الفقراء من الممكن أن يكتسي بطابع إنساني، واقتصادي من حيث التكلفة في الوقت ذاته.

واشتهرت هذه المباني بممراتها المزدانة بالحديد والتي كانت تعد بمثابة واحدة من أسباب الراحة آنذاك، مثل التهوية العامة وتوافر منافذ للسماح بدخول ضوء الشمس. وتراوحت الإيجارات بين 1.50 دولار ودولارين أسبوعيا. اليوم أصبحت هذه المباني مشهورة بدرجة أكبر بملمح آخر أقل جاذبية: «بروكلين كوينز إكسبريسواي»، الذي بني في خمسينات القرن الماضي ويقع على الجانب الآخر من الشارع. ومع ذلك بلغ الواقع الجديد للعقارات إلى «كوبل هيل تاورز» أخيرا، في خضم عملية التحول المستمرة التي تمر بها نيويورك.

عام 2008 دخل فرانك فاريلا، العامل في مجال التنمية العقارية والذي اشترى المباني بعد أن كانت على شفا الانهيار في سبعينات القرن الماضي، في مشروع مشترك مع «هودسون كمبانيز» لتحويل «كويل هيل تاورز» إلى عقار يخضع لنظام الملكية المشتركة. وحصل بعض المستأجرين ممن يدفعون إيجارا ثابتا على أموال ورحلوا، أما المستأجرون المتبقون فأمامهم حتى 22 مارس (آذار) ليقرروا ما إذا كانوا سيقبلون عروضا لشراء وحداتهم.

حتى الآن، قبل المبنى المؤلف من 188 وحدة عروضا من تسعة مقيمين، حسبما أفادت ديبي بات، مديرة شؤون مشروع الأبراج لدى «هودسون كمبانيز». وبإمكان المقيمين الذين لا يقبلون عروضا بالشراء أو الاستحواذ الاستمرار في وضعهم الراهن كمستأجرين، وقدرت «هودسون كمبانيز» أن قرابة نصف المبنى سيبقى على هذا الحال.

وقالت أماندا وجوناس أبري إن اتفاقا طرح عليهما فرصة نادرة. وأوضحت أماندا أبري أنه: «لم يرد بخاطرنا قط أننا سنتمكن من شراء مسكن في هذا الحي»، مضيفة أنها وزوجها كانا سيدفعان أقل من 500.000 دولار مقابل شقة مؤلفة من غرفتي نوم عاشت هي وزوجها وابنها البالغ عامين بها. وأضافت: «لم نتمكن قط من ادخار هذا المبلغ».

وأشارت إلى أنهما يدفعان الآن معدلا متوافقا مع السوق يبلغ 2500 دولار شهريا كإيجار، مشيرة إلى أنهما اعتبرا الشقة «واحدة من تلك الأماكن التي يمكنك استئجارها للعيش بها، لا شراؤها».

وأضافت أماندا أبري أن أسرتها سعيدة بالشقة لأنه جرى تجديدها مؤخرا لدى انتقالهم إليها في يونيو (حزيران) 2009. كانت معظم الشقق من دون مصعد يؤدي إليها، لكن أسرة أبري حصلت على شقة بالدور الأرضي بحيث لا يضطر الزوجان إلى حمل ابنهما أثناء صعود الدرج. أيضا تطل الشقة على الفناء الداخلي للمبنى، وذكرت أماندا أبري أن ذلك يشعرها بأنها تعيش في فناء إحدى الجامعات.

وفي رسالة بعثت بها عبر البريد الإلكتروني، شرحت بات أن سعر كل شقة بالنسبة لأحد سكان المبنى «يعتمد على تصميم الشقة وموقعها داخل المجمع والمنظر الذي تطل عليه»، مضيفة أن متوسط العرض، حال شراء أعداد كافية من الأفراد لشقق، قد ينخفض إلى 459 دولارا للقدم المربع، الأمر الذي اعتبرته بات «فرصة رائعة، خصوصا في وقت يبلغ سعر (كوبل هيل تاورز) السوقي 800 دولار للقدم المربع».

إلا أن هناك مقيمين آخرين أبدوا ضيقهم إزاء عملية البيع. وتحمل بعض المستأجرين تكلفة مهندس مستقل بلغت تكلفة الاستعانة بالواحد منهم 6400 دولار، والذي وضع تقريرا ذكر فيه أن المبنى بحاجة إلى إصلاحات بكلفة 6 ملايين دولار، منها تزويده بأسقف ونوافذ وشرفات ودرج جديد. وأعلنت «هودسون كمبانيز» أن مسؤول التنمية العقارية التزم بإجراء معظم هذه التغييرات، لكنه لم يوافق على استبدال مصارف المياه في الشرفات وأرضيات الطابق الأرضي. وعلق ديفيد كريمر، المسؤول لدى «هودسون كمبانيز»، بقوله: «لقد اتخذنا قرارنا بالاهتمام بكثير من الأشياء، ولا نرى أن العناصر التي ذكروها بحاجة إلى استبدال أخرى بها».

من ناحيته قال كارل روزنستوك، المقيم بالمبني منذ عام 1997، إنه رغب في شراء وحدة داخل «كوبل خيل تاورز». في بادئ الأمر عرض 300.000 دولار مقابل شراء شقة تضم غرفة نوم واحدة، أو ما يعادل نحو 627 دولار للقدم المربع. وقدر أن الشقة بحاجة إلى تجديدات تتراوح قيمتها بين 50.000 و75.000 دولار.

وأشارت بات إلى أن أحدث سعر يتقدم به أحد المقيمين بالمبنى قد يصل إلى 270.000 دولار، لكن روزنستوك عثر على فرصة أفضل، حيث تمكن من شراء شقة مؤلفة من غرفتي نوم بنظام الملكية المشتركة في «بارك سلوب» مقابل 527 مترا للقدم المربع. وقد انتقل بالفعل إلى مسكنه الجديد، ويستعد لتسليم مفاتيح شقته في «كوبل هيل تاورز».

بالنسبة لأبناء نيويورك الذين يتساءلون كيف ينجح أصدقاؤهم الذين لا يعملون في توفير ثمن عالٍ، فإن أحد التعليقات على مدونة «أربان بيبي» في القسم المرتبط بالعقارات ربما يحمل مفتاح الإجابة:

«نشرت رسالة منذ بضعة أسابيع حول شعوري بالذنب حيال تحمل أسرتي مسؤولية تقديم إعانة مالية لي لمساعدتي في تحمل تكاليف الحياة من خلال منحي مالا يكفي لشراء شقة جديدة أوسع في مانهاتن. ودائما ما تساءلت في نفسي حول رأي زملائي في حال سماعهم هذا النبأ. وأدركت لاحقا أن نظرة من حولي نحوي لم تتبدل (فأنا لم أزل أعمل وأسدد فواتيري الشهرية)، وعلي تجاهل هذه التساؤلات والاستمتاع بما أملكه».

توجد شقة 47G في «إكسلسيور» في إيست 57 ستريت، وتضم غرفتي نوم وثلاثة حمامات وآخر صغيرا، وتطل على إيست ريفر، وتضم ساونا وسطحا بمساحة 4800 قدم مربع تضم تعريشة، علاوة على حوض سباحة على السطح محاط بالزجاج.

ورغم هذه الإمكانات الرفيعة عرضت الشقة بسعر جيد، حيث عرضتها في البداية شركة «هالستيد» في صيف 2009 مقابل 5.75 مليون دولار. ولم تتمكن «سوزبيز» من بيعها أيضا. والآن تبحث شركة «كور» عن عاشقي السباحة وحمامات الشمس كي تبيعها لأحدهم مقابل 4.75 مليون دولار.

* خدمة «نيويورك تايمز»