بريطانيا: الحكومة تدعم المشترين للمرة الأولى سعيا إلى إنعاش سوق العقار

يواجهون عقبات كبيرة بسبب صعوبة الحصول على القروض

TT

لم يشهد قطاع العقار البريطاني السكني تقلبات مثل التقلبات التي يشهدها هذه الأيام وعلى جميع الأصعدة، إذ أكدت التقارير الأخيرة، أن حجم القروض العقارية ارتفع هذا الشهر (مارس/ آذار) بنسبة لا تقل عن 3 في المائة عما كان عليه في الشهر نفسه العام الماضي 2010.

والأهم من ذلك أيضا أن نسبة الارتفاع على حجم القروض كانت في مارس هذا العام أعلى بنسبة 24 في المائة عما كانت عليه الشهر الماضي، أي في فبراير (شباط) وأصبحت تقدر بـ11.5 مليار جنيه (18.4 مليار دولار تقريبا). ومع هذا فقد حذر التقرير الذي أصدره مجلس المقرضين العقاريين في بريطانيا الـ(سي إم إل) من أوضاع الأسواق العقارية التي لا تزال متقلبة وضعيفة ويعوزها النمو الحقيقي، رغم التوقعات بتحسن ملحوظ خلال الفترة المقبلة بسبب بقاء معدل الفائدة العام على حاله وإقلاع الاقتصاد في البلاد بشكل عام. ومع هذا أيضا ورغم ارتفاع شهر مارس فإن حجم القروض العقارية الممنوحة خلال الشهور الثلاثة الماضية لا يزال أقل من حجم القروض التي منحت في الربع الأول من عام 2009.

وقد تحسن النشاط العقاري في النصف الثاني من العام الماضي وانتعشت معه نسبة القروض قبل أن يعود ويتباطأ في بداية العام الحالي بسبب نهاية فترة الإعفاء الضريبي المحدود الذي أعلنته الحكومة العام الماضي. ويتوقع أن تعود الحكومة إلى منح إعفاء ضريبي بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي للمشترين للمرة الأولى كواحدة من المحاولات الحثيثة التي تقوم الحكومة بها لتحريك الأسواق العقارية وتنشيطها على خلفية التضخم الاقتصادي وتباطؤ الأسواق. وعلى الأرجح يكون الإعفاء على العقارات التي يصل سعرها إلى حد الـ250 ألف جنيه إسترليني (400 ألف دولار تقريبا). ورغم هذه الخطوة البسيطة والهامة نسبيا فإن المشترين للمرة الأولى لا يزال يواجهون عقبات كبيرة لدخول الأسواق وشراء العقارات بسبب الشروط المفروضة من قبل البنوك والمؤسسات المالية للحصول على هذه القروض التي تتطلب دفعة أولى لا تقل أحيانا عن ربع سعر العقار. ويبلغ معدل هذه الدفعة أحيانا 35 ألف جنيه (56 ألف دولار تقريبا). لذا؛ لا تزال القروض الممنوحة التي تصل إلى 90 في المائة من سعر العقار أغلى من غيرها بكثير على صعيد الفائدة والأقساط الشهرية بالتالي.

وعلى هذا الصعيد أيضا قررت الحكومة ووزير ماليتها جورج أوزبورن جملة من التحفيزات والترتيبات الجدية لتحفيز قطاع العقار السكني وتحريكه في الميزانية الجديدة. وأحد هذه التحفيزات يشمل مساعدة المشترين للمرة الأولى عبر مساعدتهم بتحمل عبء الدفعة الأولى مع المؤسسات العقارية والبنائين. وعلى هذا الأساس ستدفع الحكومة مع هذه المؤسسات 20 في المائة من الدفعة الأولى للمشترين للمرة الأولى مناصفة، مما يترك لهم فقط دفع 5 في المائة من الدفعة الأولى المطلوبة مقدما لشراء العقار والحصول على القرض المطلوب. وحسب الترتيبات والتحفيزات الجديدة، لن يدفع المشترون أي فوائد على القرض للسنوات الـ5 الأولى. وبعد ذلك، أي في السنة السادسة، يبدأ المشتري بدفع فائدة لا تتعدى قيمتها 1.75 في المائة، ترتفع بنسبة 1% في السنوات التالية. ويطال هذا الإجراء الجديد المتوقع المواطنين الذين لا تتعدى أجورهم الـ60 ألف جنيه (96 ألف دولار تقريبا). وسترصد الحكومة لهذه التحفيزات الجديدة ما لا يقل عن 250 مليون جنيه (400 مليون دولار تقريبا)، وتأمل أن تسهم في خلق 40 ألف فرصة عمل جديدة في قطاع البناء.

وكانت المؤسسات والهيئات البريطانية المعنية بأسواق العقار وعلى رأسها الهيئة الوطنية للسماسرة والمكاتب العقارية والمعهد الملكي للمساحين، قد أشارت في تقاريرها الأخيرة إلى أن النشاط عاد ودب في قطاع العقار السكني في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع عدد العقارات والمنازل التي طرحت في الأسواق وعرضت للبيع. ويتناغم هذا مع حركة الأسواق السكنية السنوية التقليدية، إذ من عادتها أن تنشط في بداية الربيع من كل عام، وخصوصا هذا العام الذي شهد فترة من الركود خلال فصل الشتاء الذي كان من أكثر فصول الشتاء برودة منذ سنوات طويلة وشهد تراجعا على كل الأصعدة الاقتصادية بسبب كثافة الثلوج والعاصفة الثلجية التي تواصلت لأسابيع ودخلت في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من هذا العام.

ويبدو أن طفرة الربيع الصغيرة أيضا، ترافقت مع ارتفاع ملحوظ وهام في عدد الصفقات العقارية التي تمت الشهر الماضي، حيث سجلت ارتفاعا بنسبة لا تقل عن 15 في المائة عما كانت عليه في يناير. ووصل عدد الصفقات، حسب الأرقام، في فبراير إلى نحو 60 ألف صفقة. ومع هذا الارتفاع والتحسن، تبقى الأرقام أقل بكثير من السنوات القليلة الماضية على جميع الأصعدة، سواء كان على صعيد عدد القروض العقارية أم العقارات المبنية حديثا أم عدد الصفقات التي كانت في فبراير عام 2009، نحو 85 ألف صفقة، أي مرة ونصف المرة تقريبا من عددها الحالي.

وقد ترافق ارتفاع عدد العقارات المعروضة للبيع خلال الأسابيع الماضية الذي يعتبر ارتفاعها الأهم منذ 6 أشهر، وربما الأهم منذ نهاية الطفرة العقارية عام 2007، مع ارتفاع عدد الباحثين عن العقارات، أو بكلام آخر عدد المشترين. وحسب أرقام الهيئة الوطنية للسماسرة الأخيرة، فإن عدد الباحثين عن العقارات ارتفع بنسبة 7 في المائة الشهر الماضي نسبة إلى ما كان عليه في الشهر الأول من العام الحالي. وعلى هذا الأساس يكون نصيب كل سمسار أو مكتب عقاري من العقارات المعروضة للبيع قد وصل إلى 274 عقارا.

وفي سياق آخر، أكد تقرير أخير لمؤسسة «زوبلا» العقارية هذا الأسبوع، أن أسعار العقارات السكنية في بريطانيا تراجعت بنسبة لا تقل عن 11 في المائة عما كانت عليه في صيف العام الماضي 2010، وبشكل خاص منذ يوليو (تموز). وعلى هذا الأساس يكون معدل التراجع على سعر العقار قد وصل إلى 25 ألف جنيه إسترليني (40 ألف دولار تقريبا - خسارة العقار من سعره السابق). وأشار التقرير إلى أن أهم المناطق العقارية في البلاد، وهي العاصمة لندن، لم تكن بمنأى عن هذا التراجع العام، حيث وصلت النسبة في العاصمة عن الفترة نفسها إلى نحو 8 في المائة ليصل معدل سعر العقار فيها إلى 378 ألف جنيه (604 آلاف دولار تقريبا)، لكن أسوأ تراجع، وكما هي العادة حصل حسب تقرير «زوبلا» في المناطق الشمالية الشرقية، إذ وصلت نسبته إلى 14 في المائة تقريبا. ويأتي هذا التراجع، حسب التقرير، بعد فترة من الانتعاش الذي شهدته الأسعار بعد ربيع عام 2009.

وسجل تراجعا كبيرا في أسعار العقارات في آيرلندا الشمالية أيضا، حيث وصلت إلى أكثر من 8 في المائة خلال السنة الماضية. وتراجع أيضا عدد الصفقات العقارية وأصبح معدل سعر العقار حاليا إلى 149 ألف جنيه (238.4 ألف دولار تقريبا). ويبدو أن الأسواق العقارية في آيرلندا الشمالية، والعاصمة بلفاست، بشكل خاص قد تأثرت كثيرا بالعاصفة الثلجية التي ضربت البلاد في النصف الثاني من العام الماضي، كما تأثرت بالعاصفة الاقتصادية التي ضربت آيرلندا الجنوبية، أو بكلام آخر الانهيار الذي حصل على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة.

ويبدو أن التباين في حجم التراجع على الأسعار لا يزال كبيرا بين الكثير من المؤسسات، فبينما تتحدث «زوبلا» عن 11 في المائة منذ يوليو حتى بداية العام الحالي، يقول «بنك هاليفاكس»، وهو أحد أهم البنوك في عالم العقار البريطاني، إن النسبة لم تتعد 2.9 في المائة وتقول هيئة تسجيل الأراضي الوطنية إن النسبة لم تتعد الـ2.2 في المائة، وتقول «نيشن وايد» إنها لم تتعد الـ4.8 في المائة.

من جهة أخرى، أكدت تقارير أخرى أن أرباح شركة «سافيلز» العقارية الدولية المعروفة، ارتفعت العام الماضي بنسبة لا تقل عن 88 في المائة بسبب ارتفاع النشاط العقاري في قطاع العقارات الفاخرة في العاصمة لندن، كما يبدو، وخصوصا في مشروع «هايد بارك وان». وتقول الأرقام إن الشركة زادت أرباحها من 25 مليون جنيه (40 مليون دولار تقريبا) عام 2009 إلى 47 مليون جنيه (75.2 مليون دولار تقريبا) عام 2010. ويبدو أن ارتفاع النشاط العقاري الفاخر في الصين إلى جانب بريطانيا أسهم في ارتفاع نسبة الأرباح. وقد ارتفعت العائدات نفسها إلى 21 في المائة ووصلت إلى 677 مليون جنيه (1.2 مليار دولار تقريبا).

كما ارتفعت عائدات الشركة من إيجار العقارات التجارية العام الماضي، ويتوقع أن ترتفع العائدات هذا العام بين 5 و10 في المائة.

وأفادت الأخبار الأخيرة أن مشروع «هايد بارك وان» الفاخر في منطقة نايتس بريدج باع أربع شقق من المشروع الأسبوع الماضي بمبلغ 62 مليون جنه (99 مليون دولار تقريبا).