الأراضي والوقت.. من أبرز التحديات لقطاع الإسكان السعودي

نسبة ملكية المساكن تتراجع إلى أقل من 30%

الإسكان ينتظر حلولا ذكية لمعالجة الفجوة بين العرض والطلب في السعودية في ظل وجود عدد من التحديات (تصوير: أحمد يسري)
TT

القطاع الإسكاني قد يكون أكثر القطاعات الاقتصادية تعقيدا، والمشكلة الإسكانية من أكبر التحديات التي تواجها السعودية خلال الفترة الحالية، فالقطاع الذي كان يوصف باليسير على مدار تاريخ البلاد، ولم يشهد هذه التعقيدات التي يواجهها خلال الفترة الحالية، حيث بات مثل مشكلة توأم سيامي متداخل الأعضاء والأجهزة، يحتاج إلى عملية جراحية على يد جراح ماهر يستطيع أن ينهي العملية بنجاح خلال فترة وجيزة، وإلا فإن التوأم قد يفارق الحياة وتصبح العملية كارثة أكثر منها عملية إنقاذ.

السعودية التي اشتهرت بعمليات فصل التوائم، التي قادها بنجاح الدكتور عبد الله الربيعة، الذي أصبح وزيرا، لينقل خبرته من فصل التوائم إلى كلمة فصل في قطاع الصحة، استعدت لعمليات الجراحة في القطاع الإسكاني بالمراسيم الملكية ذات الصلة بالقطاع الإسكاني، حيث وفرت ما كان يحلم به الكثير من أدوات وإمكانيات وتوفير كل ما يحتاجه القطاع، لكن ما يتبقى هو براءة اختراع قد تكون نموذجا لفكر عالمي في بيئة تحتاج إلى التعامل مع عدد من العوامل من نمو سكاني وأراض محتكرة ومرتفعة الأسعار، ومواد بناء تتزايد أسعارها، وعمالة وافدة غير ماهرة مقرونة ببطالة وطنية، ووقت ضاغط.

السعوديون الذين يعتبرون القطاع العقاري كالكنز المكنون يواجهون الآن ارتفاع قيم الأراضي، كون القطاع أشبه ببنك لحفظ المدخرات، وهو الأسرع في الوقت الحالي للتسييل، وهذا الأمر في حد ذاته تحد أمام حلول الإسكان، فالأراضي تتضخم في وقت يجب أن تكون فيه في انخفاض. القطاع لا يرتبط بالاقتصاد الكلي للبلاد، وله مؤشراته وتحركاته، وبذلك يشكل هذا الوضع التحدي الأول أمام من سيعالجون قطاع الإسكان.

ومن هنا كان ذلك التحدي الأول، حيث إن المملكة في حاجة إلى مسكن اقتصادي يفصل للطبقة الوسطى، والأراضي هي الفيصل في هذه العملية، حيث إن الأرض تشكل النسبة الأعلى في قيمة المنزل، وهو ما قد يواجه حلولا تحتاج أن تكون دقيقة جدا وغير معرضة للخطأ، منها تغير الثقافة السكنية لتتحول فكرة منزل العمر الذي تتجاوز مساحته 500 متر مربع وأكثر، ووضع غرف واسعة ومجالس وغرف للطعام وغرف أخرى للمعيشة، وإضافة غرف نساء إلى منازل العمر، حيث تكون للأسرة منازل تتناسب وحجمها الذي يبدأ قليلا ثم يتزايد تدريجيا ثم يعاود النقصان مرة أخرى بسبب زواج الأبناء.

التحدي الثاني يتمثل في كيفية جعل المنتج العقاري منتجا ماليا عبر تحويل العقارات إلى ضمانات مالية مضمونة من جهة نظاميتها ومن جهة تعاظم قيمتها لا تناقصها، وهو تحد يتطلب معالجات نظامية عاجلة من جهة تطبيق نظام التسجيل العيني وإصدار وثائق ملكية عقارية منتهية الحجية، ومن جهة إعادة هيكلة الحقوق الائتمانية للأفراد، بحيث لا يمنع حصول المواطن على قرض شراء منزل بما يعادل 30% من دخله، حصوله على قرض آخر لشراء سيارة مثلا.

الوقت.. هو التحدي الثالث في العملية المعقدة، لأنه كلما كان هناك تأخير في البدء بالحلول، فإن ذلك قد يتسبب في رفع ضغط الطلب، الذي يجري كسيل يبحث عن قنوات في العرض، وهنا يكمن الدور في ضخ منتجات عقارية دفعة واحدة، وهذا لن يحدث إلا بتجنب وزارة الإسكان المرور بمرحلة التجربة والخطأ عبر التعاون مع شركات التطوير العقاري السعودية ذات الخبرة العميقة في السوق السعودية والتعاقد معها لبناء أحياء ومدن سكنية متكاملة، وإنشاء إدارة لإدارة المشاريع لتتمكن من احتواء الطلب وعدم تخثره والإصابة بجلطة، ومن ثم الحاجة إلى عمليات وأدوية أخرى لعلاج تلك الصدمة التي تحمل نسبة 50 في المائة للحياة ومثلها للوفاة. معطيات المعادلة في أكبر اقتصاد عربي تكمن في عدد من المحاور، التي تبدأ من الحاجة إلى مليون وحدة سكنية، 200 ألف وحدة سكنية يوميا، 265 مليار ريال (70 مليار دولار)، قيمة الوحدة السكنية الواحدة 500 ألف ريال (130 ألف دولار)، وقيمة الحالية المتوسطة تصل إلى 1.2 مليون ريال، مساحات تتراوح ما بين 350 و600 متر مربع، حجم أصول واستثمارات عقارية يصل إلى 1.4 تريليون ريال.

هناك مؤثرات على تلك المعادلة، وهي تهالك القيمة للمنزل مع مرور الزمن، بالإضافة إلى التخطيط العمراني غير الواضح للمعالم، الذي أسهم في انخفاض أسعار عدد من الأحياء التي كانت في يوم من الأيام الأغلى بين أقرانها.

قال الدكتور عقيل العقيل، الخبير الاقتصادي، إن ما يعمل في ظروف معينة يتوقف عن العمل في ظروف أخرى، وإن هذه حقيقة يغفلها الكثير من المسؤولين فتتحول آلية فاعلة إلى آلية معيقة دون العلم، هذا ما حدث في قطاع الإسكان، حيث كانت آلية منح أرض من البلديات للمواطنين و300 ألف ريال كقرض من الصندوق العقاري آلية فاعلة لتمكين المواطن من امتلاك المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر حتى بلغت نسبة ملكية المساكن في المملكة إلى 85 في المائة.

وأضاف: «ما لبثت الظروف أن تغيرت فأصبحت الأراضي المطورة التي يمكن منحها للمواطنين غير متاحة، وأصبح القرض يتأخر لسنوات طويلة، فضلا عن عدم كفايته لبناء عظم منزل لا منزل كامل، فأصبح الحصول على المنزل حلما بعد أن كان حقيقة سهلة، وتناقصت نسبة ملكية المساكن حتى وصلت إلى أقل من 30 في المائة، وارتفع الطلب على المساكن المؤجرة فارتفعت الإيجارات حتى باتت تلتهم أكثر من 50 في المائة من الدخل الشهري للبعض».

وعلق الجرس الكثير من صناع الرأي، والشركات الخاصة التي رأت في الفجوة الإسكانية فرصة استثمارية وطرحت الحلول من خلال المؤتمرات والمنتديات والتقارير والكتابات، وتبع ذلك اهتمام كبير من الأجهزة الحكومية المعنية ومجلس الشورى، وأثمر كل ذلك دوران العجلة لإصدار وتطبيق أنظمة الرهن العقاري التي تعزز عناصر السوق الإسكانية لتلعب دورها في سد الفجوة الإسكانية، كما أثمرت تأسيس الهيئة العامة للإسكان في عام 2007، كهيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تعنى بالإسكان.

وتعمل الهيئة على تحقيق جملة من الأهداف، من بينها توفير المسكن المناسب وفق خيارات ملائمة لاحتياجات المواطنين، وبرامج محددة تضعها الهيئة، وتيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله، وفي الوقت المناسب من حياته.

كما تهدف الهيئة أيضا إلى زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن، والعمل على رفع نسبة المعروض من المساكن بمختلف أنواعها، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم نشاطات الإسكان وبرامجه المختلفة، والعمل على قيام الهيئة بإنشاء مساكن مناسبة للمحتاجين غير القادرين على الاستفادة من برامج الإقراض والتمويل الحكومية والخاصة، بما في ذلك صلاحيتها لبناء المساكن الشعبية. وستعنى الهيئة بشؤون الإسكان من حيث تهيئة البنية المناسبة للمستثمرين في إقامة المشاريع الإسكانية وحماية حقوق المواطن الباحث عن مسكن.

وأشار العقيل إلى أن هيئة الإسكان في متاهات التأسيس والهيكلة والدراسات، بينما دخلت أنظمة التمويل العقاري في الثقوب الإدارية السوداء فتفاقمت الأزمة الإسكانية حتى أطلت إفرازاتها برأسها محذرة من نتائج غير مرغوب فيها على الاستقرار، فجاءت القرارات الملكية الحاسمة بتخصيص 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار) لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية وتوزيعها على المواطنين، بالإضافة إلى رفع قيمة القرض الإسكاني من 300 ألف ريال (80 ألف دولار) إلى 500 ألف ريال (133 ألف دولار)، وزيادة رأسمال صندوق التنمية العقارية بنحو 40 مليار ريال (10.6 مليار دولار).

وينتظر أن يحدث جدل كبير وتباين في الآراء حول أثر هذه القرارات الملكية الحاسمة على المدى القصير، والمديين المتوسط والبعيد، وحول قدرة وزارة الإسكان التي ولدت بعد هذه القرارات على تنفيذ هذه القرارات، وحول كيفية تكامل القطاعين الحكومي والخاص في معالجة المشكلة الإسكانية من جذورها، وليس هناك اتفاق واضح يلوح في الأفق، خصوصا بعد أن استعجلت الحكومة خروج أنظمة التمويل العقاري من مجلس الشورى لتصل إلى مجلس الوزراء للبت فيها.