الصين: عودة قوية للمستثمرين الأجانب إلى أسواق العقار بعد سنوات من الغياب

الأسعار ارتفعت 7% في 70 مدينة العام الماضي

يعرف قطاع العقارات نموا مذهلا في الصين («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ الكثير من المستثمرين العقاريين الأجانب إلى العودة بقوة إلى الأسواق الصينية بعد سنوات عدة من الاختفاء عن المشهد العقاري الصيني وبعد الأزمة المالية العالمية أو الركود الاقتصادي العالمي بشكل خاص كما تؤكد الكثير من التقارير الأجنبية الأخيرة.

وكان معظم المستثمرين الأجانب في الصين قد فضلوا أثناء الأزمة المالية العالمية الرحيل بأموالهم وبالسيولة التي يمكن لهم الحصول عليها أثناء الأزمة والاختفاء في أسواق أخرى أو الانتظار رغم محاولات الحكومة الصينية إبطاء نمو الأسواق العقارية وتبريدها خوفا من حصول فقاعة تقضي على النمو الاقتصادي العام وتعيقه. لكن هذه العودة للمستثمرين مرفوقة كما يبدو برفع سقف العائدات التي يتوقعونها ويريدونها وأعلى بكثير مما كان عليه قبل ثلاث سنوات. ويركز المستثمرون أيضا على شراء الأسهم في الشركات التطويرية التي تعاني من شح في السيولة والتمويل نتيجة الخطوات التي اتخذتها الحكومة في الفترة السابقة على الصعد المالية والإقراضية والعقارية. وقد دفعت مسألة تشديد الشروط لحصول الموطنين العاديين على القروض أيضا إلى إفلاس الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة واختفائها من الأسواق. ويتوقع أن يزداد عدد حالات الإفلاس هذه السنة مع تواصل تشديد شروط البنوك والمؤسسات المالية. ويشجع هذا الواقع الكثير من الشركات الاستثمارية الأجنبية إلى التحرك لاصطياد الفرص والاستحواذ على الشركات العقارية الصينية المتعبة التي تحتاج إلى التمويلات أو شراء الأسهم فيها، مثل الشركات المعروفة «جي بي مورغان» و«مورغان ستانلي» و«بلاك ستون» وغيرها. وتحاول هذا الشركات بالطبع امتلاك أفضل العقارات في المدن الكبرى وأهمها على الصعيدين العقاري والتجاري.

ولتبريد حمى الأسواق العقارية أيام الأزمة المالية ولجم الارتفاع المتواصل للأسعار والسيطرة على التضخم في الأسواق، فقد تغيرت وصعبت مسألة حصول المطورين العقاريين والشركات من الحصول على التمويل والقروض واستخدام واستغلال البورصات لإيجاد التمويلات المطلوبة لمشاريعهم، مما دفع الكثير من الشركات إلى بيع السندات خارج البلاد.

ويستخدم المستثمرون الشركات العقارية الدولية المعروفة في الولايات المتحدة بريطانيا وغيرها للعودة الأسواق الصينية وإيجاد موطئ قدم جديد فيها وخصوصا في قطاع العقارات السكنية.

ونتيجة للهجوم الأجنبي الجديد على الأسواق العقارية الصينية ازداد التنافس بين الشركات الأجنبية والمستثمرين، على نخبة العقارات التجارية منذ بداية العام الماضي.

وتشير بعض التقارير إلى أن المستمرين رفعوا الطلب على عائداتهم من 6 أو 7 في المائة أيام الأزمة المالية العالمية إلى عشرة أو اثنى عشر في المائة حاليا وشددوا من شروط استثماراتهم ودورهم في الشركات التي يستثمرون بها وإدارتها لضمان استثماراتهم وعائداتهم.

ويقول تقرير لمؤسسة «بربرتي واير» المعروفة ونقلا عن تقرير خاص من مؤسسة «جونس لانغ لاسال» الدولية، إن 33 في المائة من المستثمرين الأجانب في القطاع العقاري في الصين عام 2007 كانوا من خارج القارة الآسيوية. وتراجعت تلك النسبة العام التالي أي عام 2008 إلى 12 في المائة قبل أن تتراجع تراجعا ضخما إلى 2 في المائة قبل عامين. لكن هذه النسبة استعادت أنفاسها ووصلت إلى 7 في العام الماضي (2010).

ومع هذا يؤكد تقرير لمؤسسة «سافيلز» المعروفة بهذا الإطار أن عدد المستثمرين الأجانب في الصين في القطاعات العقارية سيتراجع خلال السنوات الخمس المقبلة. ولا تتوقع أن يعود المستثمرون بقوة كما تشير المؤسسات الأخرى.

وأشار تقرير آخر لمؤسسة «غلوبال بربتي غايد» المعروفة، أن الحكومة الصينية زادت من نسبة الضرائب على العقارات السكنية مؤخرا في محاولة منها لتبريد حمى الأسعار والأسواق، في المدن الكبرى، إذ ارتفعت نسبة المبيعات العقارية العام الماضي في أكثر من سبعين مدينة بنسبة لا تقل عن 7 في المائة بين ديسمبر (كانون الأول) عام 2009 وديسمبر عام 2010، حسب الأرقام التي نشرها مركز الإحصاء الصيني الوطني «إن إس بي سي». ومع هذا يبقى هذا الارتفاع أقل مما كان عليه معدل الارتفاع السنوي أيام الطفرة العقارية شهر أبريل (نيسان) من العام نفسه، حيث وصلت نسبته إلى أكثر من 15 في المائة. ورغم أن نسبة الارتفاع أيضا كانت في العاصمة بكين، فإن معدل الارتفاع السنوي في العاصمة تراجع من 18 في المائة في بداية العام إلى النصف تقريبا أي إلى 9.9 في المائة في ديسمبر نهاية العام الماضي. والأمر نفسه حصل مع مدينة شنغهاي التي تعتبر المدينة الأهم على صعيد العقارات الدولية والمستثمرين الأجانب، إذ إن معدل الارتفاع السنوي عن الفترة نفسها تراجع من 12 في المائة إلى 1.2 في المائة وهي نسبة تراجع كبيرة رغم النمو.

وقد فرضت الحكومة الصينية في بداية العام الحالي إجراءات كثيرة لتبريد حمى الأسواق والأسعار وتفادي فقاعة عقارية خطيرة ومنها: رفع سقف الدفعة الأولى على امتلاك عقار ثان من 50 إلى 60 في المائة من سعر العقار والحد من عدد المناطق التي يمكن شراء المنازل فيها والقيام بتجارب ضريبية جديدة في مدينتي شانغهاي وتشونغتشينغ في جنوب غربي البلاد. وتتراوح نسبة الضرائب على العقارات الفاخرة والممتازة في شنغهاي حاليا بين 0.4 و0.6 في المائة، وستكون لاحقا فيها وفي بعض المد الأخرى مثل تشونغتشونغ وغوانغجو كما هو الحال في بكين وغوانغجو تيانجين بين 0.5 و1.2 في المائة. كما ستضيق بعض المدن الخناق الضريبي على المشترين الذين لا يقيمون فيها وليس لديهم أي مصالح تجارية.

وبالطبع هناك انتقادات حول جدوى هذه الإجراءات في ظل الركود الذي تشهده أسواق أوروبا والولايات المتحدة وتوجه الاستثمارات الدولية إلى الصين. إذ إنه لا بد من توجه الكثير من الأرباح التي تحققها الشركات الصينية من التصدير إلى الأسواق العقارية المحلية. كما أن رفع نسب الضرائب لا تحل مشكلة أسواق العقار مع المضاربات والفساد وهي مشكلة مزمنة وملحة لا تزال ترتب بحماية الكثير من المقربين من الحزب الشيوعي الحاكم.

كما سبق للحكومة الصينية أن وضعت رزمة من التحفيزات الاقتصادية عام 2008 بقيمة 600 مليار دولار تقريبا كان جزء كبير منها مخصصا لمساعدة أسواق العقار وتحفيزها، لهذا ارتفعت أسعار العقارات وارتفع عدد الصفقات العقارية في النصف الأول من عام 2009 بشكل لم يسبق له مثيل. كما خفضت الحكومة الصينية بين يناير وديسمبر عام 2009 الضرائب على بعض أنواع العقارات السكنية من 1.5 إلى 1 في المائة في هذا الإطار، أي في إطار تحفيز الأسواق.

وبالطبع ساعدت التحفيزات المالية الضخمة والتسهيلات إلى إخراج الأسواق العقارية من الهزة الصغيرة التي تعرضت لها في العام 2008 وبسرعة. وقد ارتفعت الأسعار في شنغهاي بعد ذلك بنسبة 19 في المائة بين مارس (آذار) ويوليو (تموز) عام 2009 حسب ما ذكرت صحيفة «الصين اليومية» باللغة الإنجليزية.

وكانت أسعار العقارات السكنية في العام 2007 في أكثر الاقتصادات نموا في العالم قد ارتفعت وشهدت طفرة كبيرة، مما زاد من مخاوف المسؤولين الحكوميين من حصول فقاعة كما سبق وذكرنا. وبعد أن بدأت الحكومة بتطبيق جملة من الإجراءات لمنع حصول الفقاعة تراجع نمو الأسعار في النصف الأول من العام نفسه. وبعد ذلك أسهمت الأزمة المالية العالمية بتراجع أكبر على نمو الأسعار في النصف الثاني من العام. وأدى ذلك بالطبع إلى تراجع نسبة النمو السنوي على أسعار العقارات في معظم المناطق الصينية.

ووصلت نسبة التراجع السنوية في العاصمة نهاية عام 2008 إلى 3.2 في المائة تقريبا.

وأشار تقرير آخر لمؤسسة «ريتشارد اليس»، إلى أن الاستثمار في أسواق العقار في العاصمة بكين شهد فترة قوية في نهاية العام الماضي مما زاد من عدد الصفقات العقارية في تلك الفترة. وكان ولا يزال السوق السكنية في العاصمة حسب التقرير مدفوعة بنشاط الشركات المحلية بسبب بعض الشروط التي فرضتها الحكومة على حيازة الأجانب العقارات المحلية. وتتوقع المؤسسة أن يسجل الربع الأول من العام أرقاما إيجابية، رغم أن المستثمرين الأجانب سيجدون صعوبة في دخول الأسواق بسبب غلاء الأسعار والقروض على قول التقرير.

ولأنه يصعب حاليا العثور على أراض للمشاريع العقارية في المواقع المهمة في المدن الكبرى وأسعارها لا تزال غالية جدا، يتوقع أن يتوجه المستثمرون إلى الأسواق الجانبية أو أسواق الدرجة الثانية خلال هذا العام للقيام بنشاطاتهم.

وعلى جانب آخر، أكد تقرير خاص بالعقارات الفاخرة في القارة الآسيوية، أن أسعار هذا النوع من العقارات قد ارتفع بنسبة لا تقل عن 2 في المائة في نهاية العام الماضي، أي في الربع الأخير من العام نسبة إلى ما كانت عليه في الربع السابق. لكن النمو الفصلي على أسعار هذه العقارات قد تراجع كما يبدو من نسبة 7.4 في المائة التي سجلتها في الربع الثالث من عام 2009.

وأشار تقرير لـ«جونس لانغ لاسال» في هذا الخصوص، أنه رغم الإجراءات الحكومية للحد من الإشاعات حول حجم الطلب، فإن أسعار العقارات السكنية الفاخرة في هونغ كونغ قد نمت بنسبة فصلية لا تقل عن 6.5 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي. وذلك بسبب قلة العقارات المتوفرة في الأسواق ومواصلة نمو سوق الإيجار.

أما في سنغافورة فيبدو أن أسعار العقارات الفاخرة قد بقيت مستقرة في الربع الأخير من العام الماضي، رغم إحجام الكثير من المهتمين عن الشراء والإجراءات التي اتخذتها الحكومة.

مهما يكن، فإن أسواق العقار الصينية وخصوصا في المدن الكبرى بدأت تجذب الأجانب مرة أخرى وبدأت المخاوف التي انتشرت إثر الأزمة المالية العالمية بالتبخر تدريجيا. وعلى هذا المنوال يمكن أن تستعيد بعض القطاعات أنفاسها ونموها السابق للأزمة بسبب الطلب الكبير على العقارات السكنية والتجارية في البلاد. ولا بد من أن يؤثر ذلك أيضا على حركة الأسواق المجاورة إيجابا وخصوصا الأسواق في هونغ كونغ التي يرغب الأغنياء الصينيون بعقاراتها الفاخرة منذ سنوات.