خبراء: صندوق التنمية العقارية يجب أن يلعب دورا أكبر لمواجهة تنامي الطلب على الإسكان في السعودية

أكدوا أنه بحاجة إلى مواكبة أنظمته لمتغيرات المرحلة الحالية

يشهد قطاع العقارات السعودي تحولات جديدة مع التوجه لإيجاد الحلول السكانية (تصوير: خالد الخميس)
TT

في الوقت الذي يشهد فيه قطاع العقارات السعودي تحولات جديدة مع التوجه في إيجاد الحلول السكانية، وتعزيز قطاع الإسكان بشكل كبير لاستيعاب الطلب المتنامي، مع الدعم الحكومي الكبير من خلال ضخ مبالغ تسهم في تسريع وتيرة المعالجة للقطاع الذي يعتبر القطاع الأهم خلال الفترة الحالية، برزت دعوات إلى إيجاد دور أكبر لصندوق التنمية العقارية، في المساهمة بدفع عجلة التنمية الإسكانية من خلال ما يقدمه من قروض ودعم للأفراد، حيث إنه كان سببا رئيسيا في معالجة الفجوة بين العرض والطلب خلال السنوات الماضية.

صندوق التنمية العقاري الذي يعتبر الأداة المالية التي تمكن من تملك المساكن للأفراد في السعودية كان وما زال أكبر المقرضين للقطاع الإسكاني، وساهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعم الصندوق بشكل متواصل لتملك المواطنين المساكن بشكل أسرع.

وجاءت التوصيات لتطوير عمل الصندوق ليواكب كافة المستجدات والمتغيرات التي شهدتها المملكة مع النمو الكبير والطفرة التنموية، خاصة أن أنظمة الصندوق قد وضعت في مرحلة تختلف عن الأوضاع العقارية والإسكانية الحالية، إضافة إلى خروج أساليب جديدة في هذا الشأن. وشهد الصندوق ضخ 40 مليار ريال (10.6 مليار دولار) في ميزانيته، ورفع الحد الأعلى لإقراض المواطنين من 300 ألف ريال (80 ألف دولار) إلى 500 ألف ريال (133 ألف دولار)، كما تم إعفاء المتوفين من قروض الصندوق وفك الرهن عن عقاراتهم، وعلى مستوى تطوير عمل الصندوق تم إعادة تشكيل مجلس إدارته، برئاسة وزير الإسكان الدكتور شويش بن سعود الضويحي، وعضوية عدد من وكلاء الوزارات المعنية بقطاع الإسكان والعقاري.

وقال نبيل المبارك الخبير الاقتصادي «لا شك أن ضخ 40 مليار ريال (10.6 مليار دولار) إلى ميزانية الصندوق سيدعم عمله، ويقلل من حجم الضغط عليه، ومن قوائم الانتظار، ولكن تبقى أهمية مراجعة الآلية التي يدار بها عمل الصندوق، فكون الصندوق الآن يتبع وزارة الإسكان لا يبعده عن الجو البيروقراطي الذي يعم كل الأجهزة الحكومية في كل دول العالم، في ظل عدم وجود الصلاحيات الكاملة لأداء ما هو مطلوب بشكل صحيح، مما يؤكد مرة أخرى ضرورة وجود حل جذري يقوم على وضعه فريق متكامل، وليس فردا أو وزارة واحدة، حتى لا تضيع مدخراتنا الوفيرة من المال والعنصر البشري، والوقت دون جدوى، وحتى يشترك الجميع في تحمل هذه المسؤولية الوطنية».

وأضاف: «لقد طرحت قبل نحو عامين اقتراحا بتحويل الصندوق العقاري إلى بنك عقاري، على أن يحدد رأسماله، وآلية عمله، ويضم إدارة تسويقية لإدارة قروضه، ولكن لم نر استجابة حتى الآن، لذلك أؤكد أهمية وجود حل مؤسساتي طويل المدى، حتى لا تضطر الدولة مرات أخرى إلى ضخ أموال طائلة لا يستفاد منها بالشكل المرجو، لعدم وجود الآلية المناسبة لإدارتها بشكل يحقق الهدف الذي رصدت من أجله».

وأكد المبارك أن رفع حد الإقراض العقاري إلى 500 ألف ريال (133 ألف دولار) يشكل إضافة مهمة للمواطنين، ويعد مناسبا في ظل تكاليف البناء الحالية، وتابع «تجب مراقبة أسعار الأراضي ومواد البناء خلال هذه الفترة بصفة خاصة، تجنبا لمحاولة البعض رفع الأسعار، وبالتالي يفقد رفع حد الإقراض جدواه. كما أن مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية سيفيد الكثير من المقترضين، إذ سيتم تسليم هذه الوحدات لهم مقابل القروض الحاصلين عليها من الصندوق على أن يسددوا قروضهم بيسر وسهولة، ولكن نركز هنا على أهمية تحديد المعايير المناسبة لاختيار المستحقين للقروض، لتحقيق الهدف السامي بدعم ذوي الدخل المحدود».

وأشار إلى أن جوهر مشكلة الإسكان تشكل في زيادة الطلب، وزاد «لا شك أن دخول نحو 200 ألف شاب إلى سوق العمل سنويا يشكل ضغطا على الجهات المنوط بها توفير الحلول السكنية، إذ تأتي قضية السكن في المرتبة الثانية مباشرة بعد التوظيف، فمجرد تخرج الشاب وحصوله على وظيفة يبدأ البحث عن السكن ثم الزواج ومتطلباته». وتابع «وإذا كنا هنا نتحدث عن دور وزارة الإسكان في مواجهة هذا التحدي، خصوصا بعد دعمها من الدولة بنحو 300 مليار ريال (80 مليار دولار)، فإن هذا يتطلب وجود نظام مؤسساتي متكامل ينضوي تحت لوائه الكثير من المختصين في المجالات المختلفة، ومنها الاقتصادي والاجتماعي، حتى تكون قراراته الاستراتيجية ذات آثار إيجابية، وحتى نتجنب الكثير من الأخطاء السابقة».

وحول الاستفادة من التجارب السابقة يوضح المبارك أن الدولة في فترة السبعينات عندما حاولت حل مشكلة السكن عن طريق الإسكان الحكومي، وخصصت مبالغ كبيرة لذلك، لم تكن هناك آلية واضحة لحل المشكلة بشكل جذري، وقامت على اجتهادات فردية، وتولى تنفيذها مقاولون فرديون، وتمثل الحل وقتها في إنشاء شقق سكنية، لكن ذلك الأمر لم يلق ترحيبا من المواطنين آنذاك، وبالتالي لم تحل المشكلة، بل استمرت وتفاقمت.

من جهته أشاد عمر القاضي العضو المنتدب لشركة «إنجاز للتطوير العمراني» بالدور الفاعل الذي يلعبه صندوق التنمية العقارية في التنمية الإسكانية في المملكة، حيث تسهم القروض المقدمة في زيادة عدد المساكن وتحسين جودتها.

وتوقع القاضي، بعد الأوامر الملكية الكريمة الخاصة بدعم رأسمال صندوق التنمية العقارية ورفع قيمة الحد الأعلى للقرض، أن يعود الصندوق ليلعب دورا مؤثرا في التنمية الإسكانية، وفي تنشيط قطاع المقاولات ومواد البناء، وفي ميزان العرض والطلب في سوق الإسكان.

وقال «رفع قيمة الحد الأعلى للقروض سيؤثر بشكل سريع ومباشر في السوق، حيث سيمكن المستفيدين من قروض الصندوق من شراء الكثير من الوحدات السكنية المزمع إنشاؤها، كما ستسهم زيادة مبلغ القرض في اتساع خيارات البناء أمام المقترضين في بناء مساكنهم، وبالتالي على ابتكار أنماط جديدة من البناء، كما سيعمل لاحقا على خفض تكلفة إيجار الوحدات السكنية».

ونوه القاضي بأسلوب الإقراض الميسر الذي يقدمه الصندوق، آملا أن يؤدي تعديل نظام الصندوق إلى توجه القروض بشكل أكبر للمواطنين الأشد حاجة. وأضاف أن «تمكين الأسر ذات الدخول المنخفضة من امتلاك مساكن من خلال القروض سيعمل على تحويلهم إلى أسر متوسطة الدخل، ويعزز وجود هذه الطبقة في المجتمع ويدعم استمرارها واستقرارها». ولمح إلى أن إقرار نظام الرهن العقاري سيؤدي إلى تخفيف العبء عن الصندوق، كما سيزيد حراك شركات التقسيط والتمويل العقاري ويوسع أنشطتها.

وكان المهندس حسن بن محمد العطاس مدير عام الصندوق المكلف ذكر في وقت سابق أن الصندوق سيشهد خلال الفترة المقبلة تغييرات كبيرة في حجم أعماله وتغييرا جذريا في أسلوب تطويره للخدمات التي يقدمها، من خلال الشراكة مع البنوك والمطورين والمستثمرين، في إطار تكامل الجهود مع كل الأطراف ذات العلاقة بحل مشكلة الإسكان.

وأشار إلى أن الأوامر الكريمة ستسهم في تمويل أعداد كبيرة من المساكن في جميع مدن ومحافظات المملكة، منوها بحرص الصندوق منذ إنشائه وحتى الآن على تحسين أدائه من أجل تحقيق الراحة والرفاهية والسكن المريح للمواطن، مشيرا إلى أن الزيادة في رأسمال الصندوق سيكون لها الأثر الإيجابي الكبير في أداء الصندوق تجاه المواطنين المتقدمين بطلبات القروض من خلال تقليص سنوات الانتظار.

وأوضح العطاس أن خادم الحرمين الشريفين أكد على دعم مسيرة الصندوق حيث سبق أن وجه بذلك مرات كثيرة من أجل أن يؤدي الصندوق رسالته على أكمل وجه، مضيفا أن حجم ما صرفه الصندوق منذ تأسيسه وحتى الآن بلغ نحو 157 مليار ريال (41.8 مليار دولار) ساهمت في بناء 751 ألف وحدة سكنية هذا بالإضافة لـ5.180 مليار ريال (1.3 مليار دولار)، كما وزع أكثر من 21 ألف وحدة سكنية بمشاريع الإسكان بالمملكة بلغت قيمتها الإجمالية 5.793 مليار ريال (1.5 مليار دولار).