لماذا توفر العقارات الفرنسية ملاذا آمنا للمستثمرين؟

من ميزاتها الاستقرار السعري وانخفاض مستوى التضخم

أحد العقارات الفاخرة في بروفانس بفرنسا («الشرق الأوسط»)
TT

السؤال الذي راود كثيرين في معرض للعقار الفرنسي جرى في منطقة هارو في لندن قبل أسبوع هو: هل حان الوقت المناسب للشراء في فرنسا أم إن أزمة العقار الأوروبية ما زالت مستمرة؟ لم يكن هناك نقص في العقارات المعروضة من كل الأنواع والأسعار، مع العديد من الإغراءات مثل المساعدة في تدبير التمويل وتوفير رحلات إلى فرنسا لمعاينة العقار وتقديم حسومات على الأسعار. ولكن العقبة التي واجهت معظم المهتمين بالعقارات الفرنسية كانت سعر اليورو المرتفع إزاء الجنيه الإسترليني الأمر الذي يجعل العقارات الفرنسية غالية الثمن نسبيا حتى ولو كانت رخيصة بالمقاييس الأوروبية.

وقال سايمون سمولوود مدير شركة تمويل خاصة إن ارتفاع اليورو قد يحبط رغبة كثيرين في الشراء، ولكن نسب متزايدة من المشترين في بريطانيا يدفعون ثمن عقاراتهم الفرنسية نقدا ولا يحتاجون إلى الاقتراض. وهو يعتقد أن العقارات الفرنسية توفر ملاذا آمنا للاستثمار وأن الميزة الأولى لها هي الاستقرار السعري وانخفاض مستوى التضخم.

ولكن لا أحد يستطيع أن يجيب عن تساؤل التوقيت المناسب للشراء، فهيئة وكالات العقار الفرنسية نفسها تشير إلى أن السوق ما زالت في فترة تراجع حتى العام المقبل على الأقل وأن توقيت دخول السوق يعتمد على حدس المشتري. ومما يزيد من صعوبة الوضع أن القطاعات والمناطق المختلفة في فرنسا تتبع توجهات سعرية مغايرة. ففي بعض المناطق تراجعت أسعار العقار بنسبة 18 في المائة بينما لم تتراجع في مناطق أخرى. كما أن قطاع الشقق تراجع أكثر في بعض المدن عن غيرها.

وقدمت هيئة وكالات العقار الفرنسية عدة سيناريوهات لتحركات أسواق العقار في المدى المنظور. والسيناريو الأرجح في نظر الهيئة هو أن تتباطأ نسبة التراجع إلى ثلاثة في المائة في عام 2011 بتحسن نسبته اثنان في المائة عن العام الماضي، يتزامن مع رفع الفائدة على اليورو، وارتفاع الطلب على العقار الفرنسي.

من ناحيته، أصدر الشهر العقاري في باريس قبل أسابيع أيضا مراجعة لثلاثة سيناريوهات متعلقة بتحولات متوقعة في مبيعات العقار في العاصمة باريس. وتعددت السيناريوهات نظرا لغموض التحولات الاقتصادية الأوروبية والفرنسية. وفي كل الأحوال لا يعتقد الشهر العقاري أن التحسن سوف يطرأ على الأسواق العقارية قبل الربع الأخير من هذا العام.

وفي السيناريو الأول، سوف تتراجع المبيعات (وليس الأسعار) هذا العام بنسبة 15 في المائة، بحيث تقع أكبر نسبة تراجع في القطاع العقاري المتوسط الذي يضطر فيه أصحاب العقار أحيانا للبيع بأي ثمن.

أما السيناريو الثاني، فهو أكثر تفاؤلا فهو يتوقع استقرار الأسواق ومعدلات المبيعات هذا العام مع إجراءات اقتصادية مشجعة منها عودة الإقراض المصرفي إلى طبيعته. ويعتقد باحثو الشهر العقاري، أو «نوتير» كما يعرف في فرنسا، أن المشترين قد يقبلون على العودة إلى الأسواق للفوز ببعض الصفقات قبل معاودة الأسعار ارتفاعها.

وفي السيناريو الثالث، ترجح مصادر «نوتير» استمرار بقاء السوق على حالها خلال هذا العام بلا اتجاه واضح، مثل السفينة التي تتهادى بلا وجهة معلومة وفق تيار البحر، مع توجه إلى انخفاض طفيف في الأسعار هذا العام قد يصل إلى نحو خمسة في المائة. وتشير ترجيحات السوق إلى أن هذا السيناريو الأخير يتوافق مع بعض الشركات التي تؤكد أن حالة عدم وجود وجهة واضحة للسوق تبدو ظاهرة بالفعل من الآن.

ولكن الملاحظ أن كل سيناريوهات الشهر العقاري الفرنسي تختتم بملاحظات إيجابية حول توقعات المدى البعيد حيث حتمية معاودة الأسعار ارتفاعها بسبب الطلب الديموغرافي وتراجع إمدادات العقار الجديد بسبب الكساد.

ومع الأخذ في الاعتبار كل هذه العوامل مجتمعة، تبدو مسألة الشراء في فرنسا مجدية على المدى البعيد، وهناك بالفعل رصد لنشاط مزداد من قطاعات استثمار أجنبية تدخل السوق الفرنسية الآن عبر آلاف الاستفسارات ومئات التعاقدات التي تجرى عبر الإنترنت شهريا.

الجانب الذي يجب مراعاته عند اللجوء إلى هذه الوسيلة هو التأكد من هوية الشركات الفرنسية التي تعرض عقارات للبيع. ويمكن هذا عبر الاطلاع على المعلومات القانونية التي توجد في أسفل صفحات المدخل لكل شركة. وتشمل هذه المعلومات اسم وعنوان الشركة ورقم تسجيلها. وإذا كانت هذه المعلومات غير متاحة فالأفضل تجنب التعامل مع هذه الشركات. كما يمكن التأكد من هوية الشركات بالاستعلام عن رقم تسجيلها للتأكد من صحة بياناتها.

وهناك بعض النقاط القانونية الفرنسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التعامل مع شركات الإنترنت المسجلة في فرنسا. فلو تم التعاقد على وحدة عقارية معينة وتم دفع مقدم لها ثم اتضح أن الشركة لا تستطيع أن توفر الوحدة العقارية، فعليها أن تعيد المقدم بالكامل للمشتري. ولها أن تعرض عليه وحدة بديلة أو مشابهة، ولكنه ليس مضطرا لقبولها.

وفي حالة الاتفاق على وحدة عقارية معينة، لا يمكن للبائع أن يغير سعر العقار المتفق عليه في التعاقد الإلكتروني، حتى ولو قال البائع إنه ارتكب خطأ في كتابة السعر. ويمكن لمحكمة أن تلغي الاتفاق إذا كان السعر المذكور غير واقعي أو خطأ واضحا. وفي حالة تغير السعر للأعلى بعد الاتفاق، يمكن للمشتري أن يلغي الصفقة.

ويتيح القانون الفرنسي فترة سبعة أيام للمشتري يمكنه خلالها تغيير رأيه وإلغاء الصفقة المتفق عليها. ويقدم القانون الفرنسي أيضا بعض الضمانات الخاصة بالمواصفات ونوعية العقار (وهي ضمانات تسري أيضا على كل السلع الفرنسية لحماية المستهلك).

وفي عام 2009 تقول عدة مصادر من بينها موقع عقار فرنسي اسمه «فرينش بروبيرتي دوت كوم» إن التطلعات الاستثمارية في فرنسا تتركز أكثر في المواقع السياحية، خصوصا تلك المتعلقة بالتزلج على الجليد. ففي فرنسا توجد بعض أفضل مواقع التزلج الأوروبية التي تعد أيضا من بين الأرخص قيمة.

من المناطق الأخرى التي تبدو الآن الأكثر استقرارا وجذبا للاستثمار الأجنبي كل من بروفانس وسان تروبيه وكاب دانتيب، ولكنها ما زالت تقتصر على قطاع النخبة، حيث تقول شركات العقار إن المشتري في بروفانس يحتاج إلى ميزانية لا تقل عن 1.5 مليون يورو لشراء عقار متميز في المنطقة. أما إذا كانت الميزانية أقل من ذلك، فالعقارات المتاحة هي المزارع التي تحتاج إلى ترميم أو الشقق الحديثة في وسط المدن. وفي الوقت الذي تراجع فيه مؤشر الأسعار، فإن قطاع النخبة حافظ على قيمته، ولم تعرض عقارات بأقل من القيمة المدفوعة فيها بعد.

وتقدر شركات العقار أن نسبة شراء الأجانب للعقارات في المنطقة تصل إلى نحو 60 في المائة. ويواصل الأجانب شراء العقارات في المنطقة غير عابئين بتحولات الأسعار، نظرا لنوعية الخدمات المعيشية وتماسك قيمة العقار على مر السنين. وتربط المنطقة شبكة مواصلات جيدة ببقية أنحاء فرنسا عبر خطوط حديدية سريعة، كما توجد بالقرب منها العديد من المطارات الدولية في مرسيليا ونيس ومونبيلييه.

أما منطقة سان تروبيه على الساحل الفرنسي الجنوبي أو الريفييرا الفرنسية، فبعض الأسعار مستقرة بينما بعضها الآخر ما زال في اتجاه صعودي. وكانت المنطقة في الماضي حكرا على الفنانين ونجوم السينما ولكن هؤلاء باعوا عقاراتهم بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار في السنوات العشر الماضية، لكي يعودوا إليها سنويا كمستأجرين أو ضيوف في الفنادق القريبة منها. وتمنع قوانين العقار في المنطقة بناء مزيد من العقارات على التلال الخضراء المحيطة بالمدينة، ولذلك تكتسب الأسعار هوامش إضافية سنويا مهما كانت أحوال السوق. ويعيش في المدينة عدد كبير من الأثرياء الفرنسيين والأجانب، ويتحدد سعر الفيلات في المدينة بالموقع والمناظر التي تطل عليها وقربها من الساحل. ويقول جوناثان غراي مدير شركة «بوشومب» العقارية في المنطقة إن أسعار العقارات النادرة التي تطل على البحر مباشرة ارتفعت من ثلاثة إلى خمسة أضعاف منذ عام 2004، وهي مستمرة في الزيادة.

المستثمرون الجدد في المنطقة هم في الغالب من رجال الأعمال الذين يديرون أعمالهم معظم شهور العام من المنطقة، ويغادرونها خلال أشهر الصيف. وفي الصيف تزدحم الشوارع بالسياح من كل أنحاء فرنسا وأوروبا، وينتهي الهدوء النسبي الذي يميز المنطقة طوال شهور العام.

ويعزز من استمرار ارتفاع الأسعار في المنطقة ندرة الأراضي المتاحة للبناء عليها، فالمناطق الخضراء تبقى خضراء بحكم القانون وكذلك الأراضي الزراعية. وتعتبر المنطقة كلها محمية طبيعية سواء كانت غابات أو مناطق ساحلية أو زراعية. وكل هذه العوامل تضغط على الأسعار، وتضمن عدم تراجعها. وتشهد المنطقة عودة الاهتمام الفرنسي بها حيث ارتفعت نسبة المشترين الفرنسيين فيها إلى 65 في المائة من مجموع مستثمرين آخرين من معظم أنحاء العالم.

الإقبال الأجنبي على العقارات الفرنسية تؤكده أيضا إحصاءات مؤسسة «موني كورب» المتخصصة في تحويل العملة؛ فهي تقول إن الاستفسارات الأوروبية على العقار الفرنسي زادت في العام الأخير بنسبة 34 في المائة. وهي تقدر أن أسعار العقار الفرنسي ما زالت أدنى قيمة من العقارات البريطانية، ولذلك، فإنها قد تحافظ على قيمتها بصورة أفضل. ومما يزيد من قيمة الاستثمار الفرنسي أيضا أن اليورو يعد الآن من أكثر العملات استقرارا في العالم من حيث قيمته.

ووفقا لأحدث الأبحاث الأوروبية عن نوعية المعيشة التي تعتمد على العديد من العوامل مثل تكاليف المعيشة ومعدلات الجريمة والمناخ والبنية التحتية والخدمات الصحية، تألقت فرنسا في المقدمة للعام الخامس على التوالي رغم أن التقرير ذكر مساوئ البيروقراطية الفرنسية. وكان الرأي السائد هو أن فرنسا تقدم أفضل أسلوب للحياة العصرية في أوروبا. وتشمل مزايا أسلوب الحياة الفرنسي تخصيص وقت طويل لتناول الغداء، والتواصل مع العائلة والأصدقاء، ومتعة التجول في المدن أو في الريف الفرنسي.

ويشير التقرير نفسه إلى أن أسعار العقار في الريف الفرنسي حاليا تعد في أفضل حالاتها من حيث القيمة، حيث توجد منازل ريفية جيدة بأقل من 150 ألف يورو. ويمكن اختيار العقار في الموقع الفرنسي الملائم لأسلوب الحياة المطلوب بين الريف وباريس والعديد من المناطق الساحلية مثل بيريني وكوت دازور، وحتى جزيرة كورسيكا.

وفي المركز الثاني جاءت أستراليا وبعدها سويسرا ثم ألمانيا. أما بريطانيا، فقد تقهقرت إلى المركز الـ25، وتسبقها في ذلك إسبانيا التي جاءت في المركز الـ17. ويعد هذا الترتيب المتقدم لفرنسا من أكبر حوافز شراء العقارات فيها سواء للاستثمار أو المعيشة الدائمة أو الموسمية. كما أن الاستقرار الاقتصادي فيها من حيث القيمة ومستوى الأسعار يتفوق كثيرا على الأسواق الناشئة التي جذبت كثيرا من الاستثمار العقاري أثناء فترة الطفرة، ولكنها لم تقدم القيمة التي توقعها المستثمرون فيها، فكانت من أول المناطق التي عانت من تراجع الأسعار وأكثرها تأثرا.

ولم تتعرض فرنسا للانتقادات التي تعرضت إليها إسبانيا من حيث التطوير المكثف للعقار وتذبذب الأسعار، وتهدف الحكومة الفرنسية إلى تسهيل خطوات شراء وملكية العقار في فرنسا للمواطنين الفرنسيين، وهي إجراءات يستفيد منها المستثمر الأجنبي أيضا. كما يجري العمل أيضا على إلغاء الروتين الذي يعرقل الاستثمار العقاري. ولعل العامل السلبي الوحيد في العقار الفرنسي هو ارتفاع سعر اليورو إزاء الدولار والإسترليني، الأمر الذي يجعل شراء العقارات الفرنسية باهظا حتى مع انخفاض ثمنها نسبيا. ولكن على المستثمر أن يتذكر أن عوائد العقار وقيمة بيعه سوف تكون أيضا باليورو. وتعتقد الشركات أن السوق حاليا هي سوق مشترين؛ حيث يستغرق المشترون وقتا طويلا في فحص العقار وموقعه ومزاياه قبل الاتفاق على الشراء. ويقبل المشترون على المواقع التقليدية في سان تروبيه وانتيب وكان.

ويتأقلم البائعون مع هذه المتغيرات حيث كانوا في الماضي يبالغون في الأسعار المعروضة. وفي حين كان البائع لعقار استثنائي يطلب مثلا 30 مليون يورو وهو يتوقع أن يحصل على 20 مليون يورو فقط. فهو الآن لا يطلب أكثر من 22 مليون يورو إذا كان يريد البيع بسعر 20 مليونا.