«لعبة الخوف» تهدد سماسرة العقارات في مصر

عزوف البائعين خشية تراجع الجنيه وترقب المشترين أملا في انخفاض الأسعار

جانب من العاصمة المصرية القاهرة
TT

حالة من التباطؤ في حركة البيع والشراء تجتاح وسطاء وسمسارة العقارات بمصر، حتى أصبحت إيراداتهم وأرباحهم تعتمد في الأساس على تأجير الشقق، بعد أن عزف كثير من المصريين عن بيع الوحدات السكنية أو شرائها، مما أدى إلى تراجع عائداتهم بشكل كبير.

وكما يقول أحد السمسارة لـ«الشرق الأوسط»: «سوق العقارات الآن حائرة بين ترقب المشترين وانتظارهم استقرار الأوضاع على أمل تراجع الأسعار، وتفضيل الملاك الاحتفاظ بسكنهم من منطلق أنه أفضل الأوعية الاستثمارية في الوقت الحالي حتى لو تراجعت قيمته قليلا خلال الفترة المقبلة».

وأضاف محمد فؤاد صاحب أحد مكاتب السمسرة بمدينة نصر (شرق القاهرة): «الفترة التي سبقت الثورة كانت الأمور فيها تسير بشكل جيد، وبدأت العائدات تتحسن بعد فترة الركود التي مرت علينا منذ نهاية عام 2008 حتى منتصف عام 2010، ولكن بعد الثورة، الأمور بدأت تتجه نحو الأسوأ، وفقدنا أكثر من 60% من إيراداتنا، كما أن العاملين لدينا ساءت أحوالهم خاصة أن مرتبهم يعتمد بشكل كبير على العمولة التي يحصلون عليها من تسويقهم بعض العقارات».

يعزز ذلك طبيعة نشاط الوساطة العقارية في مصر، فهو غير محدد بأي ضوابط أو قوانين، وتنحصر مهمة الوسيط أو السمسار في التوسط بين البائع والمشتري، ويحصل مقابل أي صفقة يعقدها على نسبة من قيمة العقد من كلا الطرفين، هذه النسبة يحددها عليه العرف، وليس القانون.

وبحسب محمد، فإن الترقب في سوق العقارات يدفع الراغبين في الشراء إلى تأجيل خطتهم والاتجاه نحو تأجير الوحدات السكنية، لتوقعهم أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من المشروعات الحكومية التي تم الإعلان عنها خلال الفترة السابقة، وهو ما سيدفع أسعار العقارات نحو الهبوط بعد استقرار الأوضاع السياسية وتدشين تلك المشاريع.

ووضعت مصر خطة لإنشاء 1.5 مليون وحدة سكنية منخفضة التكاليف، بتكلفة إجمالية 100 مليار جنيه، على مدار السنوات الخمس المقبلة، وتطبق الخطة بجميع محافظات مصر بواقع 300 ألف وحدة سنويا بتكلفة 20 مليار جنيه، حيث تقدر الوحدة بـ100 ألف جنيه، وتسهم الحكومة المصرية بـ50 في المائة من تمويل المشروع، وباقي القيمة تمول من مؤسسات دولية تشمل البنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، والأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهيئة «الجايكا» اليابانية، وبنك التعمير الألماني. كما قررت وزارة الإسكان إلغاء القرعة السابقة لحجز الأراضي، التي تم الإعلان عنها أوائل هذا العام‏، على أن يتم إعادة التخطيط لتوفير أكبر عدد ممكن من قطع الأراضي بمساحات تتراوح بين 250 مترا و300 متر في مختلف المدن الجديدة للإسكان المتوسط لطرحها للمواطنين بأسعار مناسبة، كما تسعى لإعداد الدراسة القانونية لوضع الضوابط والضمانات اللازمة لعدم حصول أي أسرة على أكثر من قطعة أرض واحدة مدى الحياة لتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين ومنع المتاجرة والتربح.

أما بالنسبة لملاك الوحدات السكنية، فيقول فؤاد إنهم يعتبرون العقارات أفضل وعاء استثماري يمكن أن يحفظ قيمة نقودهم، وتابع: «لا يتقدم لدينا أحد لبيع وحدته العقارية سوى الذي يمر بظروف طارئة، وما عدا ذلك، فإن كل الملاك يتوجهون إلينا لتأجير عقاراتهم».

هذا الاتجاه فسره فؤاد بأنهم يعرفون أن الأوضاع الاقتصادية سيئة، وأن السيولة النقدية لديهم ستقل قيمتها بمرور الوقت، نظرا لتراجع قيمة العملة المحلية (الجنيه).

ويتوقع محللون أن يتراجع الجنيه المصري مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة، مؤكدين أن الاضطرابات السياسية لم تنعكس بعد على أسعار الصرف، على الرغم من التراجع الذي وصل بالعملة المحلية إلى مستويات لم تشهدها منذ خمس سنوات أمام الدولار، وقالوا إن المستويات التي وصل إليها احتياطي النقد الأجنبي (28 مليار دولار) قد تحول دون تدخل البنك المركزي لدعم العملة المحلية خلال الفترة المقبلة.

وتابع فؤاد: «الطلب الكبير على تأجير الوحدات السكنية جعل أسعارها ترتفع بنسبة 20% تقريبا، فالوحدة السكنية الصغيرة التي كانت تصل قيمة إيجارها الشهري إلى 700 جنيه (117 دولارا)، تصل الآن إلى 1000 جنيه (168 دولارا)».

وأما محمد سالم، سمسار العقارات في مدينة السادس من أكتوبر، فيقول إن حركة الشراء لم تتوقف، ولكنها تباطأت بشكل كبير، ويرى أن سلوك المشترين اختلف؛ فبعد أن كان الطلب القوي يتجه نحو الوحدات السكنية في المناطق الهادئة والتجمعات السكنية المغلقة، أصبح المشترون الآن يتوجهون نحو المناطق الحيوية. وأضاف: «تأثرت المناطق الهادئة والتجمعات السكنية المغلقة خاصة في المدن الجديدة بشكل كبير من عمليات السطو والسرقة أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، مما أدى إلى تفضيل المشترين الحاليين السكن في المناطق الحيوية التي يكثر بها الوجود الشرطي». وقال: «المشترون يتوجهون الآن نحو المناطق التي يوجد بها الأمن بشكل مكثف أو التي لديها نظام أمن خاص جيد»، مشيرا إلى أن أحد التجمعات السكنية المغلقة في منطقة السادس من أكتوبر يكثر عليه الطلب بشكل كبير بسبب النظام الأمني الجيد لديها.