تزايد إقبال النساء على الاستثمار في سوق العقارات الهندية

بعد أن كان يعتبر قطاعا حكرا على الرجال فقط

إحدى سيدات الأعمال الهنديات
TT

نيرا كومار، البالغة من العمر 33 عاما، هي مستشارة عقارات (سمسارة عقارات) من دلهي، وإحدى النساء القلائل في المدينة اللائي تجرأن على الدخول في مجال عمل ينظر إليه بدرجة كبيرة على أنه حكر على الرجال. وبينما كانت ريخا أختار، مستشارة الكومبيوتر التي يبلغ عمرها 30 عاما، تبحث عن شقة لتشتريها في ضواحي دلهي، كانت ترى أن من الصعب الوثوق في وكلاء العقارات من الرجال في ما يتعلق بالتعاقدات، فضلا عن أنه لم يكن من المريح التنقل بصحبتهم لمعاينة الشقق إلى أن قابلت نيرا كومار.

تبدأ ريخا أختار في سرد تجربتها قائلة: «كنت في المقام الأول مدهوشة جدا لوجود سيدات يعملن في مجال الوساطة العقارية، لكن حينما تعاملت معها وجدتها على درجة عالية جدا من الاحتراف في مجالها، فضلا عن صراحتها وتركيزها على العقارات التي يمكن أن تناسب سيدة غير متزوجة بدلا من الاهتمام بعمولتها. وفي خلال شهرين استقر رأيي على الشقة التي سأشتريها وكانت صفقة ممتازة».

على الرغم من أنه كان ينظر إلى صناعة البناء في المعتاد على أنها مجال عمل يقتصر بشكل حصري على الرجال، فإن بعض النساء قد بنين اسما لأنفسهن في قطاع العقارات الذي يحتدم فيه التنافس. ومع الاقتصاد المزدهر والتمكين والقوة المالية بدأ يزداد عدد النساء الهنديات الشابات ممن يسعين إلى الاستثمار العقاري على نحو لم نشهده من قبل قط، كما انضمت إلى هذه الفئة النساء العاملات في مجال الوساطة العقارية والبناء. ويشير هؤلاء النساء إلى أن كثيرا من العملاء تصيبهم الدهشة لدى مشاهدتهم امرأة تتجه إليهم لتحدثهم عن أراض أو عقارات.

لقد ظهرت أرشانا سانغي، ربة المنزل التي اتجهت للعمل في مجال البناء، على مشهد العقارات بإنشاء جمعية الإسكان التعاونية الأولى من نوعها للسيدات، جمعية الإسكان التعاونية «بارفاتي دورغا». تقول أرشانا: «عندما بدأنا عملية إنشاء جمعية كل أعضائها من النساء منذ نحو 15 عاما، استهزأ كثيرون بالفكرة. وعلى الرغم من ذلك فإنني كنت مصرة على إنشاء جمعية تعاونية مقصورة بشكل حصري على النساء (من النساء إلى النساء) بأحدث تسهيلات الإسكان».

وقد مهد نجاحهن في هذه المغامرة الطريق لتحقيق أهداف أكبر لهذه المجموعة من النساء الشجاعات؛ إذ إن لديهن خططا أكبر للمستقبل. ولم تكتفِ أرشانا بالإنجاز الذي حققته، فهي شغوفة بفكرة إنشاء مشروع إسكان عالمي للنساء.

لقد قدم العدد الكبير من النساء في هذا المجال المزيد من النماذج التي يحتذى بها، والنماذج الإرشادية للنساء الشابات ممن هن على أعتاب الدخول إلى هذا المجال، مفتاح لنجاح النساء في هذا المجال، وفقا لرأي لخبراء.وليس بالأمر المدهش إذن أنه على الرغم من بعض الخسائر بين الفينة والأخرى، فقد نجحت نيرا البالغة من العمر 33 عاما في أن تبرم صفقات ضخمة خلال عملها لمدة عامين، والتي تمثلت إحداها في بيع مساحة مكتبية 500.000 قدم مربع لمجموعة أجنبية. وعلى غرار نيرا، كان المسار المهني لبوجا بهاتيا على مدار أربع سنوات ونصف مع الشركة العالمية مشابها بدرجة كبيرة، فقد تمكنت من عقد صفقات مع قطاعات عمل عدة، بداية من شركات الاتصالات إلى شركات الرعاية الصحية وحتى شركات تكنولوجيا المعلومات، كما نجحت في تأجير أكثر من مليون قدم مربع لصالح شركتها. وبوصفها حاصلة على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، تمكنت هذه الفتاة الشابة ذات السبعة والعشرين ربيعا من تحقيق النجاح من خلال العمل الجاد وأثبتت كذب الادعاءات بأن العمل في مجال الوساطة والسمسرة العقارية حكر على الرجال فقط وغير مسموح بدخول النساء فيه. تقول بوجا: «عليك فقط أن تكون مستعدا لبذل الجهد الشاق لأن هذه المهنة تتطلب قدرا كبيرا من النشاط البدني». وفي الوقت الذي تعترف فيه هذه المجموعة من النساء العاملات في مجال السمسرة العقارية بأن عملهن في هذا المجال جاء بمحض الصدفة، فإن كل ما يمكنهن التفكير بشأنه الآن ينحصر في «العقارات» و«التأجير» و«رسوم الوساطة». ومع المتطلبات الكثيرة لهذه الوظيفة تعترف هذه المجموعة من النساء بأن عنصر الإثارة والتشويق الذي تنطوي عليه عملية إتمام صفقة بيع أرض/عقارات أكبر بكثير مما كن قد تخيلن. غير أن هذه الحالة من النشاط الزائد وتدفق الأدرينالين لديهن تأتي في أحيان مصحوبة بكثير من الصراعات، التي تعود في الأساس إلى جنسهن. فحتى إلمامهن الكامل بهذا المجال وحسهن العملي الكافي عجزا عن أن ينقذاهما من مثل هذه المواقف.

تقول بريرنا أغروال، المدير العام للتسويق بشركة العقارات الهندية «دي إل إف» إنه في خلال السنوات القليلة الماضية بدأ ظهور عدد كبير من النساء الشابات المحترفات كعملاء محتملين في سوق الإسكان. وتفضل المرأة شراء منزل قبل حتى أن تفكر في شراء سيارة. ويتمثل السبب الرئيسي لذلك في أنها ترغب في تأمين مستقبلها، خصوصا إذا كانت قادرة على القيام بهذا الآن، بدءا من الاستقلال المالي إلى إمكانية الاطلاع على مزيد من المعلومات عن المشروعات ومصمميها، وأيضا الحكمة لتكوين رأي بعد إجراء كل الأبحاث. وهي مطلعة بدرجة كبيرة على قيمة العقارات وتعتبرها صفقة مهمة في حياتها.

ووفقا لكونال بانيرجي من شركة «أنسال» للتطوير العقاري فإنه «على الرغم من أن النساء العاملات في مجالي الاستثمار والوساطة يشكلن نسبة ضئيلة من إجمالي نسبة العاملين في هذين المجالين، فإنها نسبة متزايدة ويمكن الركون إليها». ويضيف: «عندما نتم صفقة مع سمسارة يكون هناك عامل ثقة أكبر بكثير مما هو الحال عندما نعقد صفقة مع سمسار؛ فهن نادرا ما يخدعن العميل أو يخدعننا». ويقول بروديبتا سين، نائب رئيس قسم التسويق وشؤون الشركات بشركة «ألفا غروب كوروبروشين» إنه في الوقت الحالي تمثل النساء نسبة تقدر بنحو 30% من مشتري العقارات في المناطق المدنية، وعلى مدار السنوات القادمة من المنتظر أن تستمر هذه النسبة في الارتفاع بقدر كبير مع استمرار تأثير العولمة. ويعتبر خُمس مشتري المنازل في يومنا هذا من النساء غير المتزوجات، الأمر الذي يتطلب وجود سمسارات. شيلبي كولي، 34 عاما، المتخصصة في مجال صناعة النسيج، هي سيدة غير متزوجة سافرت إلى أماكن كثيرة وتحصل على دخل كبير. إنها تجوب مختلف أنحاء العالم، ولكنها بحاجة إلى منزل في وطنها، منزل يمكنها أن تقول إنه منزلها الخاص. وهي تقول إن الاستثمار العقاري هو أهم استثمار بالنسبة لامرأة غير متزوجة الآن، نظرا لأن هناك قيمة غير ملموسة ممثلة في «الأمان» المرتبط به.

يتفق السماسرة على أن غالبية النساء يفضلن شراء منزل خاص بهن بدلا من الحصول على منزل مؤجر على نحو يشعرهن بعدم الأمان بالمقارنة. إذن ما المتطلبات الخاصة للعميلات السيدات؟ وهل تختلف بشكل ملحوظ عنها بالنسبة للرجال؟ في رأي بوجا: «النساء لديهن قدرة أكبر على التمييز ويلاحظن التفاصيل بصورة أدق. وتشمل أولوياتهن إجراء أبحاث شاملة متعمقة للتعرف على التفاصيل الخاصة بمشروعات المصممين والأسهم في السوق والأسعار والتأمين والجماليات والموقع والمرافق وما إلى ذلك».

كما تبذل الحكومة الهندية أيضا قصارى جهدها من أجل تشجيع مشتريي الملكيات من النساء. وبدأت أبرز الجهات العاملة في قطاع التمويل الإسكاني الهندي تعلن عن تقديم عرض خاص لجميع النساء ممن يسعين للحصول على قروض إسكانية، فتقدم هذه الجهات خصومات على سعر الفائدة بنسبة 0.25% على أسعار البطاقات السارية، إلى جانب خصومات على رسوم الدراسة والمعالجة للنساء العاملات في القطاع المؤسسي. وفي الوقت الحاضر تم تقليل رسم الدمغة على صفقات شراء العقارات خصيصا للسيدات لتكون نسبته 4% مقابل نسبة 6% بالنسبة للرجال.

وإذا كان الجلوس في قاعات مؤتمرات مكيفة أنيقة ومحاولة إتمام صفقة مع عميل مرتقب يعتبر جزءا من مهام السيدات العاملات في مجال الوساطة العقارية، فإن بقية مهامهن تشمل القيام بجولات بمختلف أنحاء المدينة، مهما كانت أحوال الطقس، إما لفحص الملكيات العقارية أو عرضها للعميل بأفضل صورة ممكنة. وفي حقيقة الأمر، ربما يتطلب الأمر أشهرا عدة وزيارات كثيرة للعقار نفسه لإتمام صفقة في نهاية المطاف.

وتقول بوجا بهاتيا، مديرة التسويق بإحدى شركة الخدمات العقارية العالمية في المدينة: «عادة ما تنشأ مشكلات عند التعامل مع ملاك الأراضي المحليين». وعلى الرغم من ذلك فإنها تضيف أن الشركات الآن متحمسة لفكرة عمل النساء بمجال الوساطة العقارية وتتعامل معهن بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع نظرائهن من الرجال. وتضيف: «عادة ما يساور ملاك الأراضي المحليين الشك تجاه النساء العاملات في مجال السمسرة العقارية ويجدون من الصعب تصديق أننا نتمتع بالمهارة والكفاءة في هذا المجال تماما كالرجال. وهنا يبدأ الصراع».

لكن في الوقت الذي يدعم فيه اسم الشركة التي تعمل بها بوجا ويساعدها في النجاح في إتمام بعض الصفقات، لم تحظَ جاياتي، صاحبة مؤسسة «سافير سبيس كونسالتانتس» بالنوع نفسه من الدعم، فقد كان كل ما تمتلكه كي تتمكن من النجاح في إتمام تلك الصفقات الضخمة هو كفاحها لمدة سنتين كوسيطة حرة، وعملها لثلاث سنوات قبلها من أجل اكتساب خبرة في مجال التسويق، بالإضافة إلى قدرتها الخاصة. «كان علي أن أتوخى الحذر الشديد أثناء عقد صفقات مع الناس في البداية، خصوصا بالنسبة للممتلكات السكنية، فثمة كثيرون ممن يصطحبونك في جولة لمجرد كونك امرأة»، تحكي جاياتي وهي تتذكر حادثة تعرضها للخداع من جانب عميل، كان قد أبدى موافقته في البداية على تأجير عقار بواسطتها، غير أنه أبرم اتفاقا بشكل مباشر مع صاحب المنزل. تقول: «ربما لم يكن هذا ليحدث لو كنت رجلا».

وفي الوقت الذي تقلق فيه مثل تلك الحوادث هؤلاء السيدات بدرجة ما، فإنها لا تزعزع ثقتهن بأنفسهن. لكن بينما ربما تكون لدى هؤلاء السيدات شكاوى من عملائهن وشركائهن في العمل، إلا أنهن جميعا يثنى عليهن من جانب الرجال العاملين في المجال نفسه. وإذا كان البعض يثنون على الدعم الذي يحصلون عليه من الوسطاء الرجال الأكثر خبرة، فإن آخرين يقدرون التشجيع الذي يقدمه الوسطاء بشكل عام.

قالت نيرا: «العائدات من هذه الوظيفة جيدة جدا. ويجب أن يكون ذلك بمثابة حافز كافٍ من شأنه أن يدفع المزيد من النساء إلى الانضمام إلى العمل بهذا المجال».