فوضى الهدم والبناء تجتاح مباني القاهرة التاريخية

غاب القانون وارتفعت أسعار الأرض المشيدة عليها بشكل خرافي

جانب من القاهرة القديمة
TT

تشهد العاصمة المصرية القاهرة حاليا حالة من فوضى الهدم والبناء، اجتاحت عددا من المباني ذات الطابع المعماري المميز، بعضها مسجل من قبل هيئة التنسيق الحضاري كمبان مميزة ذات طابع أثري. وامتدت الفوضى لتشوه عددا آخر من هذه المباني الميزة، حيث قام ملاك بعض العقارات بتعليتها وبناء أدوار جديدة بها، تشوه نمطها المعماري وتعرضها لمخاطر الانهيار، مستغلين غياب الجهات الرقابية المعنية، وعدم استتباب الأمن بالبلاد، كما يأتي ذلك مخالفا لقرارات وإجراءات حكومة سابقة استهدفت المحافظة على الطابع المعماري الفريد للمباني القديمة بالعاصمة المصرية.

وكانت محافظة القاهرة تقوم برصد المباني والعمارات الأثرية ثم تقوم بإرسال إنذارات للملاك وتحذر من العبث بالمباني سواء بهدمها أو تشويهها أو تغيير واجهاتها، وكانت الحكومة تعاقب المخالفين وتعطي فرصة لملاك العقارات بالتظلم حتى لا يتم إدراج عقاراتهم ضمن الأبنية الأثرية.

وغالبا ما تشغل هذه الأبنية مواقع متميزة في العاصمة، يغري أصحابها بالتحايل على اللوائح والقوانين، من أجل الحصول على أثمان مرتفعة، وبشكل خرافي، قيمة الأرض المشيدة عليها، الأمر الذي يجعلها في أنظار مالكيها بمثابة كنز مالي يصعب التصرف أو التفريط فيه، وفي الوقت نفسه تعتبر هذه الأبنية كنزا للدولة، والتي ترى أن التساهل حياله يفقد العاصمة طابعها المعماري الفريد، والذي يعد أحد أهم عوامل تميزها الحضاري، حيث يجمع في جعبته أنماطا ونماذج معمارية يصعب أن تتكرر.

الدكتورة سهير حواس رئيسة الإدارة المركزية للدراسات والسياسات بالجهاز المركزي للتنسيق الحضاري، وهو أحد المؤسسات الحكومية المعنية بالأمر تدين تصرفات ملاك المباني، وتشدد على أن هذه التصرفات تعد اختراقا للقانون قائلة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنه: «من المفترض بعد ثورة 25 يناير أن يعم الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين، وأب يصبحوا أكثر وعيا ببلدهم وتراثهم، فإذا كانت هناك نداءات بالمحافظة على النظافة وعدم إلقاء ورقة في الشارع فيجب أن يلقى الاهتمام بالتراث المعماري الأصداء نفسها».

وتضيف حواس: «في ظل الظروف الراهنة يجب أن تكون هناك رقابة ذاتية وشعبية إلى جانب الرقابة الحكومية، حتى نحافظ على هذا الكنز التراثي الذي لا يقدر بمال».

اللافت في هذه الهجمة الشرسة على المباني التراثية، وجود أعمال تجميل للعمارات القديمة ذات الطابع المعماري المميز، خاصة الواقعة في واجهة شارع رمسيس حيث تزخر المنطقة بتحف معمارية بداية من العمارات والفيلات القديمة ذات الطابق أو الطابقين، وحتى قصر السكاكيني الأثري الشهير بالحي نفسه. تعلق حواس على هذا التناقض قائلة: «هذه مجرد أعمال نظافة وصيانة لواجهة المباني، ولكن في رأيي يوجد بها قصور شديد إذ إنها مجرد عملية تنظيف جزئية لواجهات المباني المطلة على الشارع الرئيسي ولم تتطرق إلى داخل المنطقة المحيطة بها، وبالتالي يتشوه المنظر، أو يصبح - على الأقل - ناقصا من حيث القيمة الجمالية».

ملمح آخر من ملامح التناقض يبرز في حملة تنقية وغربلة تعثرت خطواتها في الآونة الأخيرة، بعدما استهدفت تنظيف منطقة القاهرة الخديوية في قلب القاهرة، من التلوث البصري نتيجة طوفان الإعلانات واللافتات العشوائية التي تكتظ بها، حيث تم اختراق قانون إزالة الإعلانات التجارية عن منطقة وسط البلد، والذي تم تدشينه في إطار مشروع لتطوير وتجميل منطقة وسط العاصمة المصرية، بالتعاون بين محافظة القاهرة، وبين المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية. حيث لوحظ في الآونة الأخيرة عودة وضع الإعلانات التجارية على العمارات والأبنية التاريخية التي تتميز بها المنطقة بعد أن كان قد صدر قرار بإزالتها عن كافة الأبنية في المنطقة.

وكان عبد العظيم وزير محافظ القاهرة السابق اتخذ قرارا في يناير (كانون الثاني) الماضي بإزالة جميع اللوحات الإعلانية عن المنطقة التراثية المتميزة التي تمتد من منطقة العباسية شمالا وحتى مصر القديمة جنوبا، لما تسببه من تشوه جمالي للمنطقة، هذا إلى جانب إزالة الإعلانات التي تحجب الرؤية في الميادين والتقاطعات، وأيضا التي تحجب عمل كاميرات المراقبة المرورية.

لكن في ظل الغياب الرقابي والفراغ الأمني الذي تشهده البلاد في الفترة الحالية عمت الفوضى المعمارية، وأصبحت القاهرة العاصمة تحتاج إلى ثورة حقيقية لوقف هذه الفوضى والعبث بتراث معماري فريد، قلما يوجد مثيل له في كثير من مدن وعواصم العالم.