«انقلاب» في سوق العقارات البريطانية.. من التملك إلى الإيجار

غالبية الشباب لا ترى أنه سيكون بمقدورها في المستقبل شراء منازل

امتلاك المنازل في بريطانيا أصبح حلما بعيد المنال
TT

عادت التقارير تؤكد على مسألة ارتفاع أسعار العقارات في بريطانيا وبشكل خاص في إنجلترا بعد فترة من التراجعات خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأكد تقرير أخير لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال (سي اي بي ار)، تناولته معظم وسائل الإعلام البريطانية هذا الأسبوع، أن أسعار العقار في البلاد قد ترتفع بنسبة 16 في المائة خلال السنوات الأربع القبلة، أي قبل نهاية عام 2015، وأن أسواق العقار في بريطانيا بدأت تتحول من أسواق للامتلاك إلى أسواق إلى الإيجار، أي أن البريطانيين سيتحولون بسبب الأحوال الاقتصادية من أناس يحاولون امتلاك منازلهم إلى استئجارها في المستقبل على غرار سكان ألمانيا وفرنسا. وبشكل عام فإن الأسواق العقارية حسب المركز تراجعت بما فيه الكفاية وستبدأ استعادة عافيتها ونموها بعد عيد الميلاد نهاية هذا العام. ولكن المركز يحذر من أن عملية التعافي ستكون بطيئة، ولن تكون على غرار الطفرات السابقة. ولكن المركز أكد أن أسعار العقارات السكنية ستواصل تراجعها هذا العام وستصل نسبة التراجع نهاية هذا العام إلى 1.4 في المائة عما بدأت علية في يناير (كانون الثاني). ويقول المدير التنفيذي في مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال دوغلاس ماكويليامز إن المركز لا يزال يعتقد أن أسعار العقارات سنواصل تراجعها هذا العام، ولكن هناك علامات تشير إلى أن الأسعار قد تستعيد توازنها في النصف الثاني من العام. ويضيف ماكويليامز أن الأسعار قد وصلت إلى أدنى حد لها في بريطانيا ككل، وإنها لن تبقى كما هي في النصف الثاني من العام، وأن السبب الرئيسي الذي سيدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددا هو قلة المنازل أو العقارات المتوفرة في الأسواق، الأمر الذي رفع أيضا أسعار الإيجار خلال العامين أو الثلاثة الماضية.

ويؤكد المركز في تقريره الأخير أن النقص في المنازل أو العقارات الجديدة وصل العام الماضي إلى أكثر من 130 ألف عقار، وهو أقل بكثير مما يفترض أو ما يمكن له التعامل مع التغيرات الديمغرافية. وكالعادة يتوقع ماكويليامز أن تبقى أسعار العقارات في العاصمة لندن أفضل وأعلى من غيرها من المناطق. ويعود ذلك طبعا إلى تراجع قيمة الجنيه الإسترليني في سعر صرف العملات مما يجذب المستثمرين الأجانب إلى لندن عادة ويبقيها مركزا دوليا للعقارات، ومن شأن ذلك دعم الأسواق العقارية ودعم أسعارها بالمحصلة. ولهذا أيضا يتوقع أن تكون نسبة نمو الأسعار في لندن أعلى من بقية المناطق بما لا يقل عن 2 في المائة بشكل عام. ومع هذا يعتقد البعض أن السبب الرئيسي الذي سيدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددا، إضافة إلى الأسباب السابقة، هو استرخاء السياسة المالية إلى جانب الخطوات الحكومية التقشفية لتخفيض العجز في الميزانية، وقدرة البنوك والمصارف مع تحسن ميزانياتها على الإقراض من جديد وبشروط أخف من الشروط الحالية.

ولكن ماكويليامز يحذر من أن ذلك لا يعني العودة إلى الطفرات والفقاعات السابقة، إذ إن التعافي المتوقع على النمو سيكون تدريجيا وبنسبة 4 في المائة في السنة كأقصى حد.

والأهم من ذلك تؤكد دراسة أخرى لبنك هاليفاكس أن نصف السكان في بريطانيا يعتقدون أن الأسواق العقارية في البلاد ستكون أسواقا للإيجار، وأن جيلا من الشباب سيفوته فرصة شراء العقار أو الدخول إلى الأسواق للمرة الأولى. ولذلك عواقب اجتماعية اقتصادية كبيرة على بريطانيا، على حد قول اليسون بلاكويل من المركز الوطني للبحوث الاجتماعية. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن 77 في المائة من الذين لم يشتروا عقارهم حتى الآن لا يزالون يتمنون شراء عقارهم الخاص بهم، ولكن 64 في المائة قالوا إنهم لا يعتقدون أنهم سيتمكنون من ذلك أبدا. أضف إلى ذلك أن 46 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والأربعين يعتقدون أن بريطانيا أصبحت مشابهة عقاريا لأوروبا أو البلدان الأوروبية الأخرى، حيث الإيجار هو الشيء الطبيعي الذي يلجئ الناس إلى السكن، وأن بريطانيا ستصبح بلدا للإيجار خلال العقد المقبل.

ولا تزال نسبة كبيرة من الشباب أو المشترين للمرة الأولى، وبنسب لا تقل عن 85 في المائة، يعتقدون أن إحجام البنوك عن منح القروض وفرض شروط تعجيزية، وخصوصا ضرورة الدفعة الأولى التي لا تقل عن 30 ألف جنيه إسترليني (45 ألف دولار تقريبا)، هي المشكلة الرئيسية في أسواق العقار وتحولاتها.

وعلى الأقل 61 في المائة من الشباب يقولون إنهم لن يحاولوا الحصول على قرض أو توفير المبلغ المطلوب لدخول سوق العقار، بسبب السياسات المالية الحالية للبنوك.

وبحسب بلاكويل في هذا الإطار فإن ذلك يعني عددا أقل من الناس الذي سيمتلكون منازلهم أو عقاراتهم وعددا أقل من المنازل الجديدة كل عام لتلبية الطلب العادي أو التقليدي. وسيؤدي ذلك بالطبع إلى توسيع الفجوة الموجودة حاليا بين أصحاب الملك وغير أصحاب الملك، وبالتالي خلق مشكلات مالية جمة أمام الجيل الذي سيعتمد على أسواق الإيجار عند سن التقاعد. ولهذا السبب أيضا تجري تحركات من قبل بعض البنوك لتغيير الوضع وتحريك الأسواق وتغيير الصورة الحالية وتخفيف الشروط المفروض على القروض العقارية وخصوصا بالنسبة للمشترين للمرة الأولى. وسيعمد بنك هاليفاكس الشهر المقبل على إعلان عدد من الخطوات لتخفيف الشروط على هذه الشريحة الهامة من الزبائن، وتمكينها من دخول الأسواق.

وفي دراسة أخرى طالب معهد أبحاث السياسات العامة (اي بي بي ار) المؤسسات المعنية والحكومة باتخاذ إجراءات مشددة لمنع حصول فقاعة عقارية جديدة. ويقول المعهد في طلبه إن على القروض أن لا تقل عن تسعين في المائة من سعر العقار، وأن يكون معيار القرض ثلاث مرات ونصف المرة من دخل الفرد المستقرض. ويقول المعهد إن السياسات المالية السابقة بمنح قروض بنسبة 125 في المائة من القرض وخمس مرات معدل دخل الفرد، أدت إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني في السابق. ويضيف المعهد أن السياسات المالية الخرقاء والمتهورة أدت إلى حصول أربع فقاعات عقارية خلال الأربعين سنة الماضية، أي منذ بداية السبعينات.

ويطالب المعهد بأن يمنح البنك قرضا عقاريا بقيمة 90 ألف جنيه (135 ألف دولار تقريبا) للمنزل الذي يبلغ سعره 100 ألف جنيه (150 ألف دولار تقريبا)، وأن لا يتعدى قرض الفرد الذي يبلغ دخله 25 ألف جنيه (37 ألف دولار تقريبا). كما يطالب المعهد بوقف المضاربات لدخول سوق الإيجار التي تؤدي إلى رفع الأسعار، وإلى رفع الدفعة الأولى على القروض الخاصة بعقارات الإيجار، وعلى تأكد البنوك من أن الإيجار سيسدد سعر القرض.

ومن المعروف أن بريطانيا تملك أقل معدل بين الدول الأوروبية، من ناحية استثمارات المؤسسات في قطاع الإيجار. ولذلك يطالب المعهد ببناء منازل وعقارات خاصة بالإيجار ووقف المضاربات التقليدية التي تؤدي إلى رفع الأسعار وتضخيمها.

وعلى صعيد آخر، وتأكيدا للتقلبات والتوجهات في الأسواق، أكد تقرير لبنك نيشن وايد، وعلى العكس من تقارير أخرى، أن أسعار العقارات في إنجلترا قد ارتفعت بنسبة لا تقل عن 0.3 في المائة خلال شهر مايو (أيار) هذا العام، على خلفية التراجع الذي حصل في الشهر السابق، أي في أبريل (نيسان)، والذي وصلت نسبته إلى 0.2 في المائة، مما أدى إلى تراجع معدل سعار العقار ليصل إلى 167.2 ألف جنيه (251 ألف دولار تقريبا). وهذا النمو المتواضع كما يبدو انعكاس أسواق العقار للاتجاهات الباهتة للاقتصاد الوطني بشكل عام. كما أشارت الأرقام الأخيرة لنيشن وايد أيضا إلى أن أسعار العقارات ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي منذ مارس (آذار) حتى مايو هذا العام بنسبة 0.6 في المائة، وهي أقل بنسبة 0.1 في المائة من نسبة الارتفاع التي حصلت في الأشهر الثلاثة السابقة أي منذ يناير حتى مارس والتي وصلت إلى 0.7 في المائة. وعلى هذا الأساس تكون الأسعار قد ارتفعت خمس أشهر خلال الاثنى وبقين على حالها لثلاثة أشهر وتراجعت لأربعة أشهر، خلال الأشهر الاثنى عشر الماضية.

ويقول تقول نيشن وايد ان في الوقت الذي لا تزال فيه الأوضاع الاقتصادية غير مستقرة، فإن أسعار العقارات ستبقى تتراوح بين السالب والموجب حتى نهاية العام الحالي.

لكن على صعيد آخر ومن جهة أخرى أكد بنك هاليفاكس أن أسعار العقارات قد تراجعت الشهر الماضي، أي في مايو بنسبة لا تقل عن 1.4 في المائة، وأشارت أرقام مجلس المقرضين العقاريين إلى تراجع بنسبة 14 في المائة على نسبة القروض الممنوحة الشهر الماضي أيضا. ولكن ومن جهة أخرى أشارت هيئة السماسرة الوطنية إلى أن عدد الصفقات العقارية حافظ على استقراره الشهر الماضي ولا يتغير سلبا أو إيجابا (8 عقارات للمكتب الواحد). ويقول الاقتصادي والخبير البريطاني المعروف هيوارد آرشار في مؤسسة غلوبا انسايت، إنه على الرغم من التحسن الطفيف في أسواق العقار الذي تحدث عنه نيشن وايد، فإن احتمال تراجع الأسعار على قلته أمر أكثر احتمالا من الآن حتى نهاية العام الحالي وبداية العام المقبل (2012).

أما ايد ستانسفيلد عن نفس المؤسسة فيقول إن النمو الأخير على الأسعار، كما أشار نيشن وايد، يزيد من الانطباع بأن أسواق العقار تعاني وتحاول إيجاد وجهتها الحقيقية، وأن المرحلة المقبلة من تصحيح الأسعار ستكون بطيئة.

وكان تقرير هاليفاكس عن أسعار الشهر الماضي قد أكد أن نسبة التراجع السنوية على أسعار العقارات قد وصلت إلى 3.7 في المائة، أما الربعية أو الفصلية فقد وصلت إلى 1.2 في المائة، وقد وصل معدل سعر العقار الشهر الماضي إلى 160 ألف جنيه (240 ألف دولار تقريبا).

ويقول هاليفاكس إن هذه الأرقام تعود إلى ضعف ثقة المستهلك وعدم الاستقرار في الاقتصاد الوطني بشكل عام، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الطلب على العقارات مما يؤدي إلى تراجع أسعارها.