إيجارات لندن تواصل ارتفاعها للشهر الـ20 على التوالي

معدلات زيادتها فاقت أسعار العقارات

عقارات معروضة للإيجار في أحد شوارع لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أشار أحدث تقرير إحصائي من مؤسسة «نايت فرانك» اللندنية إلى أن معدلات الإيجارات في لندن ارتفعت بنسبة نصف في المائة خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، للشهر العشرين على التوالي، بما يوازي ارتفاعا سنويا بلغ 16.3 في المائة. ومنذ شهر يونيو (حزيران) عام 2009 ارتفعت الإيجارات في لندن بنسبة 25 في المائة. وارتفعت معدلات زيادة الإيجارات عن معدلات زيادة أسعار العقار، وتصل عوائد الإيجارات الآن كنسبة من الأسعار إلى نحو 3.8 في المائة، بزيادة نصف في المائة عما كانت عليه العام الماضي.

وفي هذا الصدد علق ليام بيلي رئيس القطاع الإسكاني في الشركة على وضع سوق الإيجارات في لندن بالقول إنه يشهد أقوى فترة نمو خلال آخر 18 شهرا، مع زيادة الطلب من قطاعات البنوك والخدمات التي تعاود نشاطها بعد فترة كساد، مع إمدادات عقارية شبه مجمدة. ولاحظ بيلي أن العقارات المعروضة للإيجار تراجعت بنسبة 18 في المائة خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة. وأضاف أن هناك العديد من الأفراد والشركات الذين يبحثون عن عقارات للشراء، ومع ندرة المتاح في السوق يلجأون إلى الإيجار كبديل.

ويضيف تيم هيات رئيس قسم الإيجارات في شركة «نايت فرانك» أن النمو القوي في قطاع الإيجارات بدأ منذ العام الماضي، ومع ذلك، فما زالت نسبة العوائد الإيجارية بالعلاقة مع ثمن العقارات لا تتعدى أربعة في المائة في أفضل الظروف أو 3.8 في المائة في المتوسط. وهو يعتقد أن معدل الإيجارات مستقر لأنه لم يرتفع خلال العقد الأخير إلا بنسبة 28 في المائة في الوقت الذي زاد فيه الدخل العائلي بنسبة 48 في المائة. وهو يرى أن هذه المقارنة من شأنها أن تطمئن المستثمرين على استقرار معدلات الإيجار، أو العوائد على استثماراتهم العقارية، في المدى المنظور.

وقال بيلي إن الأمر الواضح من الإحصاءات الأخيرة هو أن الانشقاق الحاصل بين سوق لندن العقارية والسوق البريطانية بشكل عام توسع إلى ما يشبه الهوة الكبيرة. وأشار بيلي إلى أن كلتا السوقين استعادت بعض التوازن في عام 2009 بعد فترة من السقوط المدوي خلال عام 2008. ولكن السوق البريطانية عاودت التجمد بعد ظهور حجم الأزمة الاقتصادية البريطانية منذ الانتخابات العامة الماضية، بينما واصل سوق لندن نموه القوي. وخلال العام الأخير زاد معدل أسعار لندن بنحو 8.3 في المائة بينما انخفضت السوق البريطانية بشكل عام بنسبة 1.3 في المائة.

ومع ذلك، فهو يعتبر أن النمو السعري هو مجرد أحد عوامل قياس مدى سلامة الأسواق، وهناك عوامل أخرى مثل حجم الصفقات التي يتم إنجازها. وفي كلتا الحالتين ظهر تراجع ملحوظ في حجم الصفقات، ولكن النسبة في لندن كانت انخفاضا بنسبة 31 في المائة مقابل انخفاضا أعمق بنسبة 50 في المائة في الأسواق البريطانية بشكل عام.

وأكد بيلي على أهمية عامل الاستثمار الأجنبي في لندن كمحرك لقطاع العقار فيها، وأضاف أن هذا العامل ما زال فاعلا بقوة في السوق مع دخول أكثر من 60 جنسية إلى سوق العقار اللندنية في العام الأخير. ولكنه أشار أيضا إلى الاستثمار المحلي الذي ما زال يمثل نحو 50 في المائة من جملة الصفقات، خصوصا من المشترين في فئة المليون إلى خمسة ملايين إسترليني من قطاع الأعمال والبنوك. وهو يتوقع أن يستمر معدل الزيادة خلال هذا العام لأن سوق التوظيف في لندن ما زالت نشيطة حتى ولو تراجع الاستثمار الأجنبي في لندن.

وكان تقرير آخر من الشركة نفسها قد أشار إلى ارتفاع في أسعار عقارات لندن بنسبة 8.3 في المائة خلال العام الماضي، أي ما يعادل 767 جنيها إسترلينيا (1227 دولارا) يوميا على مدار العام. وأكد التقرير أن الأحياء الفاخرة في لندن زادت في قيمتها بنسبة 31.2 في المائة منذ شهر مارس (آذار) عام 2009. وتقود قمة النشاط في الأسواق اللندنية الآن عقارات من فئة المليون إلى خمسة ملايين جنيه إسترليني (8 إلى 16 مليون دولار)، وهو قطاع ارتفع بنسبة أربعة في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي.

وينشط في سوق لندن حاليا قطاع جديد من المستثمرين الذين يدخلون السوق بحثا عن العقارات ذات القيمة الإيجارية العالية. ويحصل هؤلاء على شروط جيدة من البنوك، بعد أن كان الوضع مختلفا في الماضي. فحتى وقت قريب، كانت البنوك تفرض رسوما إضافية على قروض شراء العقارات بغرض التأجير تزيد بنسبة واحد في المائة على الأقل عن القروض الإسكانية للمشترين الجدد أو المنتقلين من عقار سكني لأخر. وكان تعليل هذه التفرقة في المعاملة هو أن مخاطر الاستثمار العقاري أكبر من الاستخدام للسكن بسبب توسع بعض المقترضين عشوائيا وامتلاكهم عددا كبيرا من العقارات، ولأن أسواق الإيجار عالية المخاطر مع احتمالات متزايدة لإفلاس هذا النوع من المستثمرين.

ويبدو أن المناخ تغير الآن، حيث تفضل البنوك هذا النوع من المستثمرين عن المشترين الجدد وتقدم لهم امتيازات أفضل من صغار المشترين. فهي لا تشترط مثلا دفع ربع الثمن مقدما لشراء عقار، كما لا تفرض أي زيادات على فوائد القروض؛ بل تطرح لهم نسبا أقل لإغرائهم. وأدت التوجهات الجديدة للبنوك إلى توسع الاستثمار العقاري بغرض التأجير في بريطانيا كأحد أهم ركائز السوق حاليا. ولكن هذا الوضع يزيح من السوق شريحة المشترين الجدد الذين يبحثون عن عقارات للإقامة فيها، بسبب صعوبة الحصول على التمويل اللازم وعدم كفاية مدخراتهم لسداد نسب عالية من ثمن العقارات تشترطها البنوك حاليا. وكما سبق أن نشرت «الشرق الأوسط»، تتوجه السوق البريطانية حاليا نحو نمط مشابه للأسواق الأوروبية الأخرى بالاعتماد على التأجير لقطاعات عريضة في المجتمع وترك الاستثمار العقاري للمحترفين.

من بين أفكار الاستثمار الجديدة التي ظهرت في مجال تأجير العقار تكوين سنديكات تجمع استثمارات فردية في شركات تشتري عقارات بغرض التأجير ثم توزع عوائد الأرباح على المشاركين. وتوفر هذه السنديكات حاليا عوائد أعلى مما يتاح من أغلب الاستثمارات الأخرى سواء في البورصة أو ودائع حسابات التوفير.

ويقول ألان فورسايث، مؤسس واحدة من هذه الشركات، إنه يركز على قطاع المدخل الذي يقل فيه السعر عن 200 ألف إسترليني لكي يضمن أعلى العوائد الإيجارية. وهو يعطي المستثمر الجديد في هذا المجال العديد من الأفكار الجيدة حتى يكون استثماره مربحا. وتستثمر شركة فورسايث داخل وخارج بريطانيا، خصوصا في الأسواق الناشئة، وهو يؤكد أن قواعد الاستثمار العقاري الناجح واحدة في كل الأسواق مع بعض الفوارق المحلية. وتعمل شركته من دون الحاجة إلى الإعلان عن طريق إبلاغ المستثمرين لغيرهم عن أسلوب الاستثمار الفريد.

من هذه الأفكار، ضرورة البحث عن العقارات منخفضة الثمن التي لا تحتاج إلى كثير من التمويل في عملية إعدادها للإيجار. ويتركز البحث أيضا عن العقارات جيدة الموقع من وجهة النظر الإيجارية. وتبحث الشركة عن العقارات التي تقدم في مجملها قيمة ذاتية جيدة لتحقيق أرباح في حالات إعادة البيع. وتضع الشركة حساباتها على أساس تقدير القيمة الإيجارية للعقار وحساب قيمة العقار الإجمالية بحيث لا تقل القيمة الإيجارية السنوية عن نسبة أربعة في المائة من قيمة العقار.

ويساعد الشركة في هذه المهمة أن البدائل المتاحة للمستثمر حاليا تقدم عوائد أقل، حيث لا توفر أفضل حسابات التوفير عوائد أكثر من ثلاثة في المائة سنويا. وتعتمد الشركة على التحرك السريع لاقتناء العقارات الواعدة لدى طرحها في السوق لأنها لا تبقى معروضة في السوق طويلا. وهو ينصح المستثمر في هذا المجال باتباع المنطق والعقلانية، فلا يبحث عن عوائد خيالية ولا يتوقع أن تكون قيمة العقارات المعروضة للبيع مخفضة بنسب عالية.

وفي الأسواق العالمية، يتركز البحث على الأسواق الناشئة مع حساب التكاليف كافة غير المتوقعة مثل الضرائب وعمولات الشراء وغيرها، ومقارنة التكاليف بالعوائد الإيجارية. وباتباع القواعد نفسها وجدت الشركة أن بعض أفضل الفرص متاح في مواقع غير معتادة مثل الجمهورية التشيكية وبولندا وألبانيا.

ولا ينصح المستثمر فورسايث الارتباط بأي شركة تطوير عقاري للشراء من على الخريطة لأن مثل هذا الأسلوب انتهى مع نهاية الطفرة. والأسلوب الأمثل حاليا هو الدراسة المتأنية لحسابات العائد والتكلفة وشراء العقار الذي يوفر عائدا إيجابيا واضحا. بل إنه لا ينصح بالتعامل مع أي شركة تطوير عقاري غير معروفة. فلا بد أن يكون للشركة سجل ممتاز في التطوير وفي التعامل مع عملائها.

ويقول مستثمر عقاري إن هناك بعض الأخطاء الواضحة التي يقع فيها المستثمر العقاري ويمكن تجنبها ببساطة. من هذه الأخطاء شراء مجموعة من منافذ البيع الرخيصة تحت الاعتقاد أنها تمثل قيمة جيدة ثم اكتشاف صعوبة العثور على مستأجرين لأن الموقع سيئ، ومثل هذه المواقع الرديئة صعبة البيع أيضا.

وينصح الخبراء بعدم الشراء من «بروشرات» مصقولة وخلابة، لأن المشتري لا يشتري الصور وإنما العقار الفعلي الذي يكون في العادة مختلفا عما هو مرسوم على الورق. وهم يضيفون نقطة تبدو أساسية لجميع مستثمري العقار، وهي ضرورة اختيار الموقع الجيد، فمن دون الموقع الجيد، سيكون من الصعب إيجاد المستأجرين للعقار أو إعادة بيعه.

وسواء دخل المستثمر إحدى السنديكات أو فضل الاستثمار المنفرد، فهناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن يتبعها وفقا لظروفه الخاصة. أحد كبار المستثمرين يقول إنه يشتري عقارا كل عام أو عامين في المتوسط، وإنه لا يدفع من قيمة العقار أكثر من 25 - 30 في المائة. وقبل الشراء يبحث المستثمر في المنطقة لمعرفة معدلات الإيجار فيها وحجم الطلب، على أساس أن الإيجار هو أساس دفع أقساط القروض العقارية.

وهو يرى أن من الضرورة الحصول على قرض عقاري مرن يمكن معه زيادة دفع الأقساط أو تخفيضها وفقا للظروف ومن دون جزاءات مالية. ولا يستخدم هذا المستثمر أي نسبة من الإيجار لنفسه، بل يعيد ضخها لدفع قيمة العقار في أقصر مدة ممكنة، لكي يعيد الكرة مع عقار آخر. وهو يقول إنه لا يشتري لكي يؤجر وإنما يشتري لكي يمتلك.

وهو لا يهتم بتقلبات السوق لأنه يشتري للمدى البعيد، كما يختار نوع القروض العقارية التي تدفع أصل الثمن بالإضافة إلى الفوائد وليس الفوائد فقط. ومثل هذا الأسلوب يزيد من نسبة الملكية تدريجيا ويحصن المستثمر ضد تقلبات أسعار العقار مهما كانت متغيرات السوق.

وتقدم بعض مواقع الاستثمار العقاري على الإنترنت نصائحها للمستثمرين الجدد في مجال الشراء بغرض التأجير. ومن أهم النقاط التي يوضحها الموقع أن الاستثمار العقاري في الوقت الحاضر هو أفضل أنواع الاستثمار بالمقارنة مع البدائل المالية الأخرى. وهو استثمار يحافظ على قيمته وله عوائد عالية ومستقرة، هي الإيجار، ويمكن توكيل إداراته إلى شركات عقار متخصصة من دون ضغوط على وقت المستثمر أو جهده. وهناك دوما نقص في إمدادات العقار بما يعني أن الأسعار سوف تصعد على المدى البعيد بغض النظر عن التقلبات الموسمية بين الكساد والانتعاش.

وعن أفضل أنواع العقار المناسب للتأجير، تقول المواقع إن الجهة الأولى التي يجب أن يتوجه لها المستثمر هي شركات التأجير المحلية وسؤالها عن أفضل العقارات التي تلقى طلبا عاليا على إيجارها في المنطقة. ويجب حساب معايير الإيجار بدرجة مختلفة عن التفضيل الشخصي، فالشقق القريبة من المواصلات العامة أفضل من الشقق الفاخرة المعزولة نسبيا. والمنازل متعددة الغرف القريبة من الجامعات لها سوق أفضل من المنازل الكبيرة في مدن أخرى لأن معظم المستأجرين يفضلون المنازل الصغيرة، وهكذا. ولكل منطقة ظروفها المختلفة عن غيرها، التي يجب دراستها عن كثب قبل اتخاذ قرار الاستثمار.

ويفضل البعض الاستثمار في المناطق القريبة من محل إقامتهم، بينما يلجأ البعض الآخر إلى المناطق البعيدة ويعهد بإدارة العقارات إلى شركات محلية متخصصة. وترتفع تكلفة إدارة العقارات عن بعد، ولكنها تزيل عن كاهل المستثمر كثيرا من أعباء الإدارة والصيانة. ولكن أسس النجاح في النهاية هو اختيار الموقع وتوفير التمويل.