أراضي الساحل الشمالي في مصر تستعد لطفرة استثمارية جديدة

البنية التحتية والتسهيلات الحكومية تؤهلها لاجتذاب رجال الأعمال

واجهة لأحد المشروعات في سيدي عبد الرحمن شمال غربي مصر («الشرق الأوسط»)
TT

«هل تريد أرضا لبناء شاليه خاص بك قريبا من شواطئ البحر ذات الرمال البيضاء؟ هل تريد أرضا ذات مساحة أكبر لبناء قرية سياحية مثل قرية مربيلا أو مارينا؟ هل تريد شراء شقة للمصيف؟». إذا شعر سماسرة الأراضي المنتشرون بالمدن الصغيرة الواقعة على البحر المتوسط شمال غربي القاهرة بأنك غريب عن المنطقة ولك نظرة فاحصة للمشروعات الناشئة هناك، فستكون عرضة لمثل هذه الأسئلة بمجرد النزول من سيارتك.

ظاهرة الاندفاع نحو مزيد من الاستثمار في الساحل الشمالي، وما يرتبط بها من ارتفاع لأسعار الأراضي هناك، تحدث لأول مرة منذ سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك، بعد أن ساد الاعتقاد بأن أراضي الساحل الشمالي تشبعت بالمشروعات العقارية المخصصة للسياحة والاصطياف. وبعيدا عن الصخب السياسي في المدن المصرية الكبرى، عادت أسعار أراضي البناء للارتفاع مجددا على الشريط الساحلي الممتد من غرب مدينة الإسكندرية حتى السلوم على الحدود مع ليبيا. ويقول المستثمرون الذين تتبعثر مشروعاتهم العقارية الهادفة إلى الاستقطاب السياحي هناك، إن السبب قد يرجع إلى حالة عامة من التفاؤل بشأن مستقبل المنطقة التي شهدت طفرة استثمارية كبيرة بلغت قيمتها أكثر من مائتي مليار جنيه (نحو 33 مليار دولار)، عقب تولي مبارك الحكم في مطلع ثمانينات القرن الماضي.

وفي السنوات الثلاثين الأخيرة أقيمت عشرات القرى السياحية التي تركزت غرب الإسكندرية مباشرة مثل مراقيا، وامتدت حتى وصلت إلى العلمين التي توجد فيها قرية مارينا، كبرى القرى السياحية بالساحل الشمالي. وفي السنوات الأخيرة بدأت شركات مثل «إعمار» و«عامر غروب» و«ترافكو» وغيرها العمل هناك، لكن الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم قبل عامين، بما فيه منطقة الشرق الأوسط، أثرت بالسلب على الاستثمارات التي كانت آخذة في الامتداد على شواطئ المتوسط غربا، وصولا إلى مرسى مطروح وما بعدها.

ويتوقع مسؤول في مشروع «مراسي» الذي تمتلكه شركة «إعمار» في منطقة سيدي عبد الرحمن قبالة البحر المتوسط أن تشهد المنطقة طفرة جديدة في المرحلة المقبلة، يمكن أن تكون أكبر من طفرة الثمانينات والتسعينات، لعدة أسباب، منها وجود بنية تحتية لم تكن متاحة في السابق، وأهمها مطار العلمين ومطار مرسى مطروح الحربي الذي تم تطويره مؤخرا لاستقبال الطائرات المدنية القادمة بالسياح من أوروبا.

ونجحت مشروعات عقارية سياحية في استقطاب نزلاء من أوروبا ودول عربية في فصل الصيف والشتاء، وهو أمر لم يكن متخيلا في السابق، منها قرى سياحية وفنادق أقامها أصحابها غرب مرسى مطروح على بعد نحو خمسمائة كيلومتر شمال غربي القاهرة.

«المستثمر الشاطر هو من يشتري الآن، وبسرعة، لأنه لن يكون له حظ إذا تأخر»، كما يقول جمعة صبيح في مكتبه المخصص لتجارة العقارات. ويطل المكتب على الشارع الدولي الرئيسي في منطقة سيدي عبد الرحمن.

ويوجد على ساحل خليج سيدي عبد الرحمن فندق تاريخي هو الأول في تلك المنطقة ويبلغ عمره نحو أربعين عاما، وجرى تطويره مؤخرا، ونحو سبع قرى سياحية، إضافة إلى الكثير من المجمعات السكنية المخصصة للاصطياف والسياحة، وفي الوقت الحالي بدأ العمل على زيادة هذه المجمعات العقارية من جانب القطاع الخاص المحلي من خلال ما يعرف في مصر باسم «التقسيمات المصيفية»، وتتراوح المساحة فيها بين خمسة أفدنة وعشرين فدانا، يتم تقسيمها لقطع أراضٍ متساوية لبناء فيلات صغيرة، وهي مشروعات تستهدف عادة طبقة الموظفين فوق المتوسطة.

«من كان يتخيل أن أراضي سيدي عبد الرحمن يمكن أن ترتفع إلى هذا الحد؟ متر الأرض الذي كان سعره لا يزيد عن عشرين جنيها أصبح بخمسمائة وبسبعمائة. في ما مضى كانت السبعمائة تشتري فدانا وفدانين». هكذا يقول جمعة الذي يروج - وغيره من السماسرة الذين بدأت مكاتبهم تعج بالحركة بعد نحو عامين من الركود - للمستقبل بما يستقيه من معلومات عن التشريعات الجديدة التي سوف تتبناها الحكومة خلال الفترة المقبلة، خصوصا في ما يتعلق باعتراف إدارة الدولة بأراضي وضع اليد، وهي الأراضي التي يحوزها سكان محليون منذ زمن، ولا يحملون أوراقا رسمية بملكيتها، وكذا ما يتعلق باحتمالات إعادة النظر في تكلفة تخصيص أراضي وضع اليد هذه عند إقامة مشروع عقاري عليها.

وتتوزع المسؤولية الإدارية لأراضي الساحل الشمالي بين محافظتي الإسكندرية ومطروح، لكن القسم الأكبر منها يتبع المحافظة الأخيرة. ومنذ سقوط نظام مبارك راجعت الكثير من مجالس المدن في هاتين المحافظتين قرارات تخصيص الأراضي للمستثمرين في السنوات الماضية، كان منها فسخ التعاقد مع عدة شركات، على آلاف الأفدنة في العلمين وغيرها، مع وعود بأن تكون الإجراءات الإدارية في المرحلة المقبلة أكثر يسرا ووضوحا وشفافية، لطمأنة الشركات وتشجيعها على استكمال مشروعاتها أو البدء بمشروعات جديدة تفتح مجالات للعمل وامتصاص البطالة.

ويقول عبد السلام جميعي، وهو أحد الشركاء المحليين في مشروع سياحي ناشئ: «منذ خمس سنوات بدأ بعض المستثمرين الكبار الذين لهم مشروعات سياحية ناجحة على شواطئ البحر الأحمر في شرم الشيخ والغردقة، يزورون منطقة الساحل الشمالي للتوسع وإقامة مشروعات جديدة. هذا تزامن مع اهتمام الدولة بحالة الطريق البري الدولي الواصل بين القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح. وكذا تزامن مع تشغيل مطار العلمين ومرسى مطروح، وتوجه أولئك المستثمرين، وغالبيتهم كانوا مصريين، أغرى مستثمرين من دول عربية وأجنبية لخوض التجربة، لكن كل شيء توقف تقريبا بسبب الخوف من الأزمة المالية العالمية، في ذلك الوقت. الآن نرى أن النشاط عاد من جديد. يوجد إقبال من الشركات العقارية للاستثمار هنا».

ومنذ خمس سنوات دخل جميعي في شراكة بالأرض التي يملكها ومساحتها ثلاثة وعشرون فدانا أمام ساحل سيدي عبد الرحمن، مع مستثمر خليجي، لكن المشروع لم يدخل حيز العمل بسبب كلفة تخصيص الأرض والإجراءات المعقدة للحصول على التراخيص والموافقات من السلطات المحلية. ويضيف أنه حين جاءت الأزمة المالية العالمية ساد الاعتقاد مع شريكه بأن المشروع لن يرى النور.. «كان الوقت يمر والأسعار تنخفض»، لكنه الآن يقول أيضا إن الأمور تغيرت، والحكومة الجديدة تتفهم الحاجة إلى العمل، وتقدم التسهيلات للمستثمرين.. «هذا أمر مشجع للجميع».